البلاغ الإنكليزي الرسمي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
في شأن العرب والسلطة الإسلامية
أرسل قلم المطبوعات البلاغ الآتي إلى الجرائد في القطر المصري
مصر في 28 يوليو سنة 1916 نشر في لندن اليوم البلاغ التالي:
(منذ سنين والعرب المعذبون بسوء الحكم التركي ينتظرون اليوم الذي
يتمكنون فيه من استرجاع حريتهم السابقة، وقد قاموا في الماضي بثورات عديدة
ضد الاستبداد التركي في البلاد العربية.
وقد أدى سوء تصرف الحكومة الحالية في الآستانة وخضوعها التام لسلطة
الألمان إلى دخول تركيا مضطرة في حرب مشئومة، أوصلت الأحوال فيها إلى حد
النهاية، فرأى شريف مكة وغيره من الزعماء في البلاد العربية أن الأوان قد آن
لخلع النِّير التركي عن أعناقهم والمناداة باستقلالهم.
وكانت بريطانيا العُظمى تعطف دائمًا على العرب في أمانيهم، ولكن
صداقتها التقليدية لتركيا اضطرتها في الماضي إلى البقاء على الحياد. أما الآن، وقد انضمت تركيا إلى صف الدول الوُسطى، فقد أصبحت بريطانيا العظمى حرة في إظهار عطفها على أولئك العرب الذين انخرطوا في جانب الحلفاء ضد العدو المشترك. على أن بريطانيا العظمى ستبقى محافظةً على سياستها الثابتة في الابتعاد عن أية مُداخلة في الشئون الدينية، وعلى بذل جهدها في بقاء الأماكن المقدسة أمينة من كل طارئ خارجي. ومن النقط التي لا تقبل التغيير والتبديل في سياسة بريطانية العظمى هو أن تبقى هذه الأماكن المقدسة في أيدي حكومة إسلامية مستقلة. ولا يخفى أن أحوال الحرب الحاضرة تلقي العقبات الكثيرة والأخطار في سبيل الراغبين في القيام بفريضة الحج، ولكن العمل الذي قام به شريف مكة يجعل الأمل كبيرًا في اتخاذ التدابير اللازمة التي تمكن الحجاج في المستقبل من زيارة الأراضي المقدسة بسلام واطمئنان) اهـ. (المنار) قد أسمعتنا العاصمة البريطانية عدة أصوات في المسألة العربية والبلاد الإسلامية المقدسة كان أولها برقية لروتر يؤكد فيها أن إنكلترا لا تنوي أن تأخذ شيئًا من بلاد العرب، ولا تسمح لأحد بالاعتداء على شيء من البلاد الإسلامية المقدسة. ثم دار في هذا المعنى، وفي مسألة الخلافة كلام كثير بين أعضاء مجلس الأعيان والنواب، ولكن لم يكن شيء من ذلك بلاغًا رسميًّا في معنى قطعي يوثق بعدم الرجوع عنه كالبلاغ الذي نشرناه اليوم دون جميع ما سبقه مما هو جدير بأن يحفظ أيضًا، وإن لم يبلغ درجة هذا البلاغ في الاعتبار. في هذا البلاغ تصريح قلما يصدر عن دولة، وهو قد صدر عن أدق الدول في تحرير العبارات الرسمية وجعلها مقيدة لغيرها بقيود قلما يستطاع التفلت منها مع بقائها هي في عالم الإطلاق.
ألا وهو التصريح بأن من أصول السياسة البريطانية التي لا تقبل التغيير والتبديل بقاء الأماكن الإسلامية المقدسة في يدي حكومة إسلامية مستقلة.
ومعنى كون هذا لا يقبل التغيير والتبديل أنه متفق عليه من جميع أحزاب الأمة لا أنه رأي الحكومة الحاضرة، أو حزبها - حزب الأحرار- وحده، فيكون عُرضة للرجوع عنه بتغير الوزارة أو تحولها إلى حزب المحافظين.
وبهذا التفسير يظهر غلط الذين قالوا: إنه لا يوجد في السياسة شيء لا يقبل التغيير والتبديل، فيكون هذا النص لغوًا لا معنى له حتى نغتر به.
ونقول لهؤلاء: حسبنا أنه لا يتغير ولا يتبدل إلا بتغير رأي الأمة الإنكليزية كلها وهي أثبت الأمم وأبطؤها تغيرًا وتحولاً في كل شيء. على أن أهم ما في هذا التصريح فَحْواه لا نصه، وأعني بفحواه اعتراف الدولة البريطانية باستقلال الدولة الإسلامية التي تستولي على هذه البلاد إذا زالت سيادة الدولة العثمانية عنها بما يُخشى أن يحل بها من قدر الله - تعالى -، فهو يتناول مسألة السلطة الإسلامية في هذه الحالة، وهي أهم ما يهم جميع مسلمي الأرض، وسنكتب فيها مقالاً نبين فيه ما يسمح لنا الوقت ببيانه - إن شاء الله تعالى -.