شرح العقيدة الواسطية (2)
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
شرح العقيدة الواسطية (2) وَمِنْ الإِيمَانِ باِللهِ الإِيْمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلا تَعْطِيلٍ وَلا تَكْييفٍ وَلا تَمْثِيلٍ، بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
وَمِنْ الإِيمَانِ باِللهِ:
إن أصل أصول الإيمان، وأساسها الذي عليه تعتمد، ومنه تتفرع: أصل الإيمان بالله عز وجل، وهو الإيمان بنوعي التوحيد، فإن الإيمان فيه نوعان من أنواع التوحيد - كذا عُرِف عند المتقدمين -: توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد القصد والطلب.
ثم فصَّله شيخ الإسلام، وأهل العلم بأنواع التوحيد الثلاثة:
1- الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الخالق بأفعاله.
2- الثاني: توحيد الأسماء والصفات، وهو الذي بَيَّنَهُ الشيخ ها هنا في قوله: ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه بالقرآن، فإن هذا هو توحيد الأسماء والصفات.
3- الثالث: توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال المكلفين، بأن يُعبد الله وحده لا شريك له، هذه أنواع التوحيد مستندها استقراء أدلة التوحيد في الكتاب والسنة.
الإِيْمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم:
أي: إن من أنواع التوحيد توحيد الأسماء والصفات، وهو أحد نوعي توحيد المعرفة والإثبات، فإن المعرفة تتضمن معرفة أسماء الله وصفاته، التي سمَّى الله بها نفسه، وسمَّاه بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ووصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله، والإثبات إثبات الأسماء والصفات والأفعال اللائقة بالله تعالى، كما أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله، ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: بما وصفته رسله عليهم السلام، وإنما عين رسوله بأنه محمد، علمًا بأن جميع الأنبياء جاؤوا بالتوحيد، وجاؤوا بإثبات الكمال لله؛ لأنه لا يتأتى لنا أن نعرف تفاصيل ما أثبته الأنبياء قبلنا من أسماء الله وصفاته؛ لأن مادتها في كتبهم المنزلة وقد حُرِّفت، وبُدِّلت، وزُيِّفت، وغُيِّرَت، وافْتُرِي على الأنبياء، فلما كان ذلك ما كان لنا أن نعرف تفاصيل ما جاءت به الأنبياء، صار التعويل بأسماء الله وصفاته بالتفصيل على ما جاء به ربنا السالم عن التحريف، والتبديل عن ذلك، وعما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.
مصادر تلقي العقيدة:
وبهذا نعرف أن مصادر تلقي العقيدة ثلاثة:
1- الأول: الكتاب العزيز، فما جاء بالكتاب العزيز من العقيدة - ومنها أسماء الله وصفاته - أثبتناه لله، وآمنا به، وصدقنا.
2- الثاني: السنة الصحيحة، وهو المعنيُّ بقوله رحمه الله: وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أي: محمد، وهذا في سنته الصحيحة، فخرج عن ذلك السنة غير الصحيحة، فإنه لا يُعول عليها استقلالًا في إثبات الأسماء والصفات، أو مسائل العقيدة، لكن مع هذا نجد بعض أهل العلم قد يبني صفة، ثم يستدل عليها بحديث، وقد يكون هذا الحديث فيه ضعف، فهنا لا يُفْهَمُ أن هذه الصفة استُقِلَّ بإثباتها في هذا الحديث الضعيف فقط، وإنما هذا الحديث الضعيف بإسناده قد يكون معناه صحيحًا دلَّت عليه الأدلة الأخرى، فيكون ذكر الدليل ها هنا على جهة الاعتضاد، وجهة الاعتبار لا على جهة الاستقلال بالاستدلال؛ أي: إنه لم يستدل بهذا الحديث مستقلًا به عن غيره، وهذا كثير؛ كحديث أبي ذر رضي الله عنه في إثبات الكرسي والعرش، فقد دلت عليه الأدلة الأخرى كآية الكرسي، ولحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (إن الله حي)، وإن كان هذا الحديث مختلف فيه عند أهل العلم، وأكثر المحققين من المحدثين يُضعفه، ومنهم مَن يُحسنه بمجموع شواهده.
3- الأصل الثالث: الإجماع، وسيأتي بيان الإجماع المنضبط في كلام الشيخ في أواخر نهاية العقيدة، عند قوله: والأصل الثالث الإجماع، والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه الصحابة والتابعون وتابعوهم؛ إذ بعدهم كثر الخلاف، وانتشرت الأمة.
وقوله: من الإيمان بالله أن نؤمن بما وصف به نفسه، فإنه إذا أُطْلِقَ الوصف دخل فيه التسمي؛ لأن الوصف والاسم معنيان مرتبطان بعضهما ببعض؛ أي: ونسمي الله بما سمى به نفسه، وما سماه به رسوله، وهذا هو اعتقاد أهل السنة الذي ساقه الشيخ في أسماء الله وصفاته أن نؤمن بما وصف الله به نفسه، وما سمى الله في كتابه (القرآن)، وبما وصفه به رسوله وسماه به رسوله، ولا بد من قيود أربعة: من غير تحريف، ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ:
لأن هذه القيود الأربعة تخلص لنا مذهب السلف الصالح في أهل السنة والجماعة عن غيرها من مذاهب الناس، فكل يدَّعي أنه الحق، فالأشاعرة الكلابية يقولون: نحن أهل السنة، والمعتزلة يدَّعون أنهم مذهب أهل الحق، فليس العبرة بمجرد الدعوى بسلامته، وإنما الشأن بالتي تخلص لنا مذهب السلف الصالح أهل السنة من غيرها من المذاهب المنتسبة، والمنتحلة مذهب السلف، وهي بعيدة عنه.
والتحريف هو التأويل الباطل، ولم يُعَبِّر شيخ الإسلام بالتأويل مع أنه مصطلح أشهر من التحريف، فلم يقل: من غير تأويل، وذلك أن التأويل لم يأت ذمه في القرآن، بل الذي جاء ذمه التحريف؛ كما عاب الله على اليهود بقوله: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46]، وقال: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41].
أنواع التأويل وأمثلته:
والتأويل يُطلق على معانٍ:
1- منها ما هو صحيح كإطلاقه على التفسير.
2- وإطلاقه على التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، فهذا حق.
3- ومنها ما هو صحيح وفاسد بحسب قرينته كما هو مستخدم عند المتكلمين؛ حيث يطلقون التأويل على صرف اللفظ عن ظاهره إلى احتمال آخر بقرينة.
فهذه القرينة إذا كانت صحيحة، فالصرف صحيح، وإن كانت القرينة غير صحيحة، فالصرف غير صحيح، وقرينة تأويل أسماء الله وصفاته وتحريفها (بمسمى التأويل) عن معناها الظاهر اللائق بالله قرينتها غير صحيحة، بل هي فاسدة، وأصل التحريف الانحراف عن الحق، والميل عن الصواب، فإذا حرف الشيء يعني أنه أماله؛ كما قال تعالى:﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]؛ أي: انحراف.
أنواع التحريف وأمثلته:
والتحريف في الاصطلاح أنواع، كتحريف الأسماء والصفات:
1- النوع الأول: تحريفها بالزيادة، بأن يزاد فيها ما ليس منها، من ذلك تأويل المتكلمين والمتجهمة في قوله تعالى ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]، قالوا: وجاء أمر ربك، فزادوا في كلام الله تعالى معنى حرفوا فيه كلام الله عن ظاهره اللائق بالله، ومثاله في السنة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الثُّلُثِ الأَخِيرِ مِنَ اللَّيْلِ)[1].
فقالوا: ينزل ملك، أو تنزل رحمته، أو ينزل أمره، بمعنى أنهم يُحرفونه بالزيادة، وهذا كثير.
ومنه تحريف اليهود لما أمرهم الله تعالى على لسان موسى عليه السلام أن يقولوا: حطة، فقالوا: حنطة، فزادوا حرفًا واحدًا وهي النون، وما (نون) هؤلاء اليهود بعيدة عن (لام) المتجهمة، والمتكلمة؛ حيث أوَّلوا الاستواء إلى الاستيلاء، فقالوا: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، بمعنى: استولى، فهذا تحريف بالزيادة، وهذا النوع الأول من أنواع التحريف.
2-النوع الثاني: تحريف بتغيير الشكل، تحريف لكلام الله بأسمائه وصفاته بتغيير الضبط والشكل، كما أراد الجعد بن درهم أو غيره من أحد القراء أن يبدل قول الله: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]، بأن يجعلها: وكلم اللهَ موسى، فكأن الله هو الْمُكَلَّم، وموسى هو الْمُكَلِّم، فأراد أن يحرف الشكل، فقال أبو عمرو بن علاء المقرئ المشهور: "هب أنني فعلت ذلك، فكيف تصنع بقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143]، فهذا إبطال للتأويل بتغيير الشكل.
3- النوع الثالث: تحريفٌ بتغيير المعنى، وهذا عامة عمل المؤولين المحرفين؛ سواء في الأسماء والصفات كما عند المتجهمة، والمتعزلة، والمتكلمين من الأشاعرة، والماتريدية وأمثالهم، أو التأويل في نصوص الوعد والوعيد كما عند الوعيدية، والمرجئة، أو التأويل في نصوص المعاد كما عند الفلاسفة، والباطنية، والمعتزلة فيما يتعلق بعذاب القبر، والوزن، والصراط، وما إلى ذلك، هذا هو التحريف، وهو تغيير المعنى؛ سواء بالزيادة، أو النقصان، أو بتغيير الشكل، أو بتغيير معنى الكلام عن معناه الظاهر المتبادر إلى الله تعالى.
وقد يكون التأويل بالنقص، بأن يُنقص الشيء عن معناه كما فعلته الجهمية، والمعتزلة في كلام الله، جعلوه كلامًا للمخلوق، فقالوا: كلام الله يعني خلق الله.
وَلا تَعْطِيلٍ:
أما التعطيل فأصله من الإفراغ، فإن الشيء المْعُطَّل الْمُفْرَغ، فإذا قالوا: فلان عاطل عن العمل؛ أي: إنه مُفْرَغٌ من العمل، ليس عنده عمل، ومنه قوله تعال ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴾ [الحج: 45]، بئر معطلة بمعنى أنه لا ماء فيها، وليس عليها دلو، ومن الأمثلة أن كبار السن إذا رأوا إنسانًا ما فيه خير، أو إنسانًا لا يُرجى من ورائه النفع، قالوا: "فلان بئر ما عليها دلو"؛ أي: إنها ليس فيها ماء، إنما هي حفرة، فالبئر المعطلة هي المفرغة، والخالية من الماء، والتعطيل فيما يتعلق بالله تعالى إفراغه عن الأسماء والصفات كما هو مذهب الجهمية، وغلاة المعتزلة، ومذهب الفلاسفة، أو إفراغه عن الصفات كما هو مذهب عامة المعتزلة، أو إفراغه عن بعض الصفات كما هو مذهب عامة المتكلمين من الأشاعرة، والماتردية، ويدخل معهم المسمون عند أهل العلم بالصفاتية؛ لأن عندهم اضطراب في صفات أثبتوها وصفات لم يثبتوها، هذا هو التعطيل، وهو إفراغ الله عن الكمالات من أسمائه وصفاته، أو عن بعضها.
ومن غير تَكْييفٍ:
والتكييف هو البحث عن كيفية الشيء - (حقيقته وماهيته، وما هو عليه) - والدليل على أن منهج السلف يقوم بإثبات الأسماء والصفات من غير تكييف العبارة، وجاء في الجملة الْمُتَلَقَّاةُ بالقبول مروية عن أم سلمة رضي الله عنها وعن ربيعة الرأي - ربيعة بن فروخ - وعن الإمام مالك أنهم قالوا في الاستواء: "الاستواء معلوم والكيف مجهول - أي: إننا لا نعلم كيفيته - والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة"[2].
وَلا تَمْثِيلٍ:
أي: ولا تمثيل، ولم يُعَبِّر الشيخ بقوله: ولا تشبيه؛ لأن وصف التشبيه أكثر دورانًا على ألسنة هؤلاء المعطلة في نفي التشبيه، والممثلة في إثبات التشبيه، فلم يقل رحمه الله: ولا تشبيه؛ لأن الذي جاء نفيه في القرآن التمثيل؛ كما في سورة الشورى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، مع أن التمثيل بمعنى التشبيه، لكن الشيخ يعبر بالألفاظ التي جاءت عنها الأدلة، وهذا منهج جلي لدى محققي أهل السنة والجماعة.
أيهما أشنع التمثيل أم التعطيل؟
والتمثيل هو مماثلة الله تعالى لخلقه، والتمثيل مذهب غلاة الروافض، وغلاة الكرامية، وغلاة الصوفية أنهم مثلوا الله تعالى بخلقه وهذا مذهب قبيح، والتعطيل مذهب قبيح، فأما القبح فكلاهما قبيحان، لكن التعطيل أشد قبحًا من التمثيل؛ لأن المعطل قبل أن يعطِّل مثَّلَ، فذهب التمثيل والتشبيه عن قلبه، فقال بالتعطيل الذي يسميه - زورًا وبهتانًا -: تنزيهًا.
ومثاله: المعطل الذي نفى عن الله أن يتكلم، ونفى الكلام عن الله بقوله: لأن الكلام من صفات الأجسام، ولا يتكلم إلا المخلوق، فشبه كلام الله بكلام المخلوق، فذهب يريد أن يطرد هذا التشبيه، فقال: إن الله لا يتكلم، لَمَّا نفى نزول الله قال: ما ينزل إلا المخلوق، فذهب يريد أن ينفي هذا النزول الذي تصوَّره تشبيهًا، فقال: إن الله لا ينزل، وإنما ينزل أمره، أو رحمته، أو الملك، فالمعطل جمع بين التمثيل لما اعتقده وصوَّره، ثم أضاف إليه قبحًا آخر وهو التعطيل.
بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، فإن الله نفى أن يشابهه أي شيء أو يماثله أي شيء، فقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]؛ لأنه واحد، فكما أنه واحد في ذاته فهو واحد في أسمائه وصفاته لا شبيه له ولا مثيل له، وواحد في أفعاله لا يشابهه شيء.
نفى في أول الآية التمثيل، وَرَدَّ في آخرها على أهل التعطيل لما أثبت أنه سميع بصير ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، فهو السميع له سمع يسمع الأصوات، وبصير له بصر يُدرك المبصرات، وهذا هو مذهب السلف في أسماء الله وصفاته، أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبدالله من الأسماء والصفات، وهذا الإثبات على الوجه اللائق بالله عظمة وجلالة، من غير تحريف، ومن غير تعطيل، ومن غير تكييف، ومن غير تمثيل، وإنما على ما يليق بالله؛ كما مدح نفسه بقوله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ولهذا قال: فَلا يَنْفُونَ عَنْهُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَلا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلا يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَاء اللهِ وَآيَاتِهِ، وَلا يُكَيِّفُونَ وَلا يُمَثِّلُونَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ سبحانه وتعالى:
هذه الجملة يمكن أن نُعنصرها بقولنا: ما خصائص مذهب أهل السنة في الأسماء والصفات؟
[1] رواه البخاري ( 7494 )، ومسلم ( 758 )، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] رواه اللالكائي في شرح السنة، ( 664 )، والبيهقي في الأسماء والصفات ( 2867 )، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 13/ 407 ): إسناده جيد، ورواه ابن عبدالبر في التمهيد ( 7/ 2151 )، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد قول مالك: "وهذا الجواب.........، لكن ليس في إسناده مما يُعتمد عليه، وهكذا سائر قولهم يوافق مالك"؛ مجموع الفتاوى ( 5/ 365 ).