تأملات في مسألة الربا بالنظر إلى مسألتي البيع والصدقات أو التصدق
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
تأملات في مسألة الربا بالنظر إلى مسألتي البيع والصدقات أو التصدق
كان تحريم الربا والنهي عنه، وتحذير المؤمنين من إتيانه أو ممارسته، في عديد من الآيات البينات كالآيات: (275 - 276 - 278 سورة البقرة)، والآية: (130 سورة آل عمران).
إذًا، كان على المؤمن الحق أن يسمع ويُطيع، ويتجنب ممارسة ذلك الفعل، خاصة وأن مُمارس الرِّبا وآكله مبشَّر بالنار، قد نُفي عنه فعل التقوى والإيمان؛ كما بينت الآيات الكريمة ذلك.
من ذلك كان على المؤمن أن يعي جيدًا مدلول ومعنى فعل الربا، ويحصره ويُجليه في ذهنه، فلا يقع في الخلط مثلًا بين فعل البيع وفعل الربا، رغم أن الفرق جليٌّ لكل إنسان ذي فطرة سليمة؛ ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
في هذا الإطار أخلص إلى الآتي؛ أن يُحلَّ الله عز وجل البيع ويحرم الربا، وأن يقول مُمارسو الربا: إنما البيع مثل الربا، يستدعي منا وقفةً وتأمُّلًا ونظرًا وتدقيقًا.
فالبيع هو عرض شيء للغير، يَحصل عليه - أي الغير - إذا أعطى أو قدم شيئًا كمُقابل أو ثمن، ويقوم البيع على أساس العرض والطلب، والربح والزيادة في رأس المال، إذًا ذلك البيع، فما هو الربا إذًا؟ هل هو البيع، أو مثله؟
لو كان ذلك، لما حرَّمه الحق سبحانه وأحل البيع، من ذلك نستنتج أن الإنسان قادر على الوعي بفطرته السليمة أنه واقع في فعل الربا؛ إذ إن الربا ليس بيعًا، والبيع حلال والربا حرام.
من ذلك يَبرز مدلول الربا كفعل وممارسة؛ وهو: الاستثمار والاتجار والسعي إلى تحقيق ربح وفائدة، من خلال فرض شروط وطلبات على ذي حاجة عندك يَطلبها ولكن لا يملك ثمنها.
إذًا، هو استغلال ذي الحاجة والعُسرة، والاستثمار فيه لتحقيق فائدة وربح، وذلك ليس بيعًا أو تجارة؛ إنما هو ربا.
إذًا، دافع ذلك حب المال، والاستغناء، والعلو، والسعي إلى كسبه وجمعه وتكديسه بكل الطرق والوسائل.
جانب آخر يستدعي التأمُّل والنظر في هذه المسألة؛ وهو: ارتباط الربا بالصدقات (كما تَجلى ذلك في الآيتين 276 - 280 من سورة البقرة).
فالنظر إلى مدلولات فعل الصدقات يُجلي ويبيِّن ويوضح فعل الربا؛ ففعل الصدقات يتمثل في تقديم وإعطاء شيءٍ ما دون مقابل، كان من المفروض أن يَحصل عليه المقدَّم له - أي: الحاصل على ذلك الشيء - بثمن أو مقابل، ويكون مُعطي أو مقدم ذلك الشيء عند التقديم والعطاء في منزلة ومستوى المُعطى أو المقدم له، وفي رأي ونظر المُعطَى أو الحاصل على ذلك الشيء، فكلاهما يعلمان أنهما فقيران إلى الله عز وجل، تلاقيًا وانسجامًا طبيعيًّا محسوسًا ومفهومًا، وأصلًا تلقائيًّا دون استعلاء أو أذى.
بالنظر إلى ذلك، فإن صاحب رأس المال أو البائع إذا لاقاه أو قصده ذو الحاجة والعسرة له أن يبيعه الشيء المطلوب بطلب المقابل أو الثمن، فإن لم يستطع فله أن يرفض إعطاءه أو بيعه، وله أيضًا أن يعطيه المطلوب صدقةً.
أما أن يستغل حالة العسرة والحاجة تلك ليَفرض عليه شروطًا وأحكامًا بُغية الاتجار في ذلك وتحقيق الفائدة والربح، فذلك هو الربا.
وعلى الإنسان أن يسعى إلى فعل الخيرات، ورجاء وجه الله فيما آتاه من مال ورزق وكسب، فأحل الله البيع وحرم الربا، وحذر من سوء عاقبة ونتيجة إتيانه.
والأجدر بالإنسان أن يميل في تجارته وبيعه وماله إلى التصدُّق وفعل الخير وطلب الآخرة، فيتجنَّب بذلك الربا، ويحقِّق التقوى والإيمان الحق.