سلسلة منهاج المسلم - (83)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا العقيدة والآداب والأخلاق وها نحن في العبادات، فدرسنا الطهارة بكاملها وانتهى بنا الدرس إلى الصلاة.

[وفيه أربع عشرة مادة] هذا القانون قانون الصلاة فيه أربع عشرة مادة، يجب معرفتها والعمل بها.

حكم الصلاة

[المادة الأولى: في حكمها، وحكمتها، وبيان فضلها:

أولاً: حكم الصلاة: الصلاة فريضة الله على كل مؤمن] ولا يختلف في هذا اثنان، فالصلاة فريضة فرضها الله على كل مؤمن ومؤمنة، فإن قيل: ما الدليل؟ قلنا: [إذ أمر الله تعالى بها في غير ما آية من كتابه، قال الله تعالى: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]] أليس هذا بأمر؟ فهي فريضة محددة في أوقات معينة [وقال عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]] هذا كلام الله دال على فرضية الصلاة [وجعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام القاعدة الثانية من قواعد الإسلام الخمس] فالإسلام مبناه على خمس قواعد، والقاعدة الثانية منه هي: إقام الصلاة، وهذا من أدلة فرضيتها [فقال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان )].

حكم تارك الصلاة

قال: [فتاركها يقتل شرعاً] تارك الصلاة يقتل شرعاً، فإذا قيل: فلان لا يصلي، أو عرفت أنه لا يصلي قل له: صلِّ، فإن رفض رفعت أمره إلى المحكمة، فيستدعى ويقال له: لم لا تصلِّ؟ فإن جاء وقت الظهر وقيل له: قم فصلِّ، فقال: لا أصلي، تركوه، ثم إذا جاء وقت العصر قيل له: قم فصلِّ، فإن قال: لا أصلي، تركوه، فإذا بقي من وقت غروب الشمس قدر ما يتوضأ ويصلي ركعة، وقال: لا أصلي؟ يقتل، يضرب رأسه.

ويبقى هل يموت على الكفر أو على الفسق؟ فإن قلنا: مات على الكفر فلا يورث ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن كان مات على فسق فقط -أي: ما كان جاحداً لفرضية الصلاة، ولا كان كافراً بها، لكنه لا يصلي فسقاً- فهذا يقتل ويغسل ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين ويورث ماله، أما الأول فتركته لبيت المال.

إذاً: فتاركها يقتل شرعاً، والمتهاون بها فاسق فاجر.

الحكمة من مشروعية الصلاة

[حكمتها: ومن الحكمة في شرعية الصلاة: أنها تطهر النفس البشرية وتزكيها] ولا شيء إلا وله علة: فلمَ هذا الصابون؟ لنظافة يدي أو ثوبي. ولمَ هذا الثوب؟ ليستر عورتي. ولمَ هذا السقف؟ ليحفظنا من الشمس والمطر. فلا شيء إلا لعلة، وعلة الصلاة تزكية النفس وتطهيرها، فالله أراد أن يزكي نفس عبده ويطهرها ليحبه، فشرع له تزكية نفسه؛ ولهذا تارك الصلاة أخبث المخلوقات.

ومن الحكم في شرعية الصلاة أيضاً أنها: [ تؤهل العبد لمناجاة الله تعالى في الدنيا ومجاورته في الدار الآخرة ] لما أراد الله تعالى أن يتصل بك وأن تتصل به شرع لك الصلاة، فما أن تتطهر وتتطيب وتقف في مكان طاهر وتستقبل بيته وترفع يديك قائلاً: الله أكبر! إلا كنت معه [كما أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر].

إذاً لها حكمتان:

الأولى: تزكية النفس وتطهيرها من أجل أن يناجي العبد ربه فيرفعه إليه.

والثانية: تنهى عن الفحشاء والمنكر.

تعال بنا نمشي إلى السجن، ونقول للرئيس: من فضلك يا سيد! أعطنا قائمة بأسماء المجرمين الذين دخلوا السجن في هذا الأسبوع أو هذا الشهر، وإذا بنا نجد في القائمة مائة سارق أو زان أو كاذب أو فاجر أو لص.

من هؤلاء المائة.. كم هم الذين يقيمون الصلاة؟ والله لن نجد (5%) منهم يقيمون الصلاة، و(95%) تاركين لها أو متهاونين بها، أما المقيمون لها فهيهات هيهات، وهو نادر؛ لأن الله تعالى قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

فهل مقيم الصلاة يزني؟ هل يلوط؟ هل يخون؟ هل يسرق؟ هل يضرب؟ والله ما كان؛ وسر ذلك طهارة روحه وأنوار قلبه، فكيف يقع في الظلام والخبث والنور بين يديه؟!

انظروا إلى المقيم الصلاة، ذاك الذي يحسن أداءها في بيت من بيوت الله، في أول أوقاتها مع الخشوع والدموع، هذا المقيم للصلاة بحق هيهات هيهات أن يقع في الفواحش والمناكير، وإن زلت قدمه يوماً من الأيام تاب على الفور وبكى وانمحى أثرها.

[قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]] لما أمر رسوله بإقام الصلاة بين له العلة لم أقيمت فقال عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فتكون أوجدت لنفسك من ينهاك عن المنكر في داخل قلبك.

فضل الصلاة

[فضلها: يكفي في بيان فضيلة الصلاة، وعظم شأنها، قراءة الأحاديث النبوية التالية:

أولاً: قوله عليه الصلاة والسلام: ( رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله )] حديث صحيح. فرأس الأمر هو الإسلام، ومن فقد الإسلام هلك وما بقي على شيء، فمن أسلم ملك الأمر، وعموده الذي يعتمد عليه الصلاة، وترك الصلاة كفر، فمن تركها ما بقي له وجود في الإسلام، وذروة سنامه الجهاد، فالإسلام له ذروة سنام، وذروة سنامه وأعلاه هو الجهاد.

[ثانياً: قوله عليه الصلاة والسلام: ( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة )] وكلمة الرجل غالبة فقط، وإلا فإن المرأة كالرجل لا فرق بينهما، إلا أن ذكر النساء قل ما يذكر مع الفحول؛ وليس هناك من يرغب في أن تذكر امرأته بين الناس إلا الهابطون!! أما الفحل فلا يرضى أبداً أن تذكر امرأته بين الناس؛ ولهذا القرآن قل ما يذكر النساء، والسنة كذلك، وهذه آداب عالية.

فترك الصلاة كفر، وقد تقدم حكم التارك لها وهو القتل، وليس معنى القتل هنا أنك إذا رأيت ولدك لا يصلي قتلته، أو أن امرأتك لا تصلي تقتلها، فهذا لا يصح، بل لابد من القضاء والحكم الشرعي، وإلا أصبح الناس يقتلون بعضهم بعضاً بهذه الحجة.

فلابد من حمل من لا يصلي إلى المحكمة، وإصدار الحكم الشرعي عليه، وانتظاره من أول النهار إلى آخره، فإن أصر وعزم على أن لا يصلي قتل، فإن قتل كفراً فهو في جهنم، وإن قتل حداً فالله ينجيه؛ لأنه يوجد من الناس من هو تارك للصلاة لكنه مؤمن بالله ولقائه، هناك تارك للصلاة محب لله ورسوله، وتارك للصلاة مزكٍ، وتارك للصلاة يصوم رمضان، وتارك للصلاة يحج؛ لأن الجهل الذي تأصل في نفوس هؤلاء جعلهم يعدون الصلاة عبادة من العبادات لا غير.

فإذا دعي تارك الصلاة من هؤلاء إلى المحكمة صلى على الفور، فلا يرفض الصلاة ويرضى بالموت إلا كافر، أما المؤمن الذي يصوم ثم يعرض عن الصلاة فلا يرضى بالقتل، لا يمكن هذا أبداً.

[ثالثاً: قوله عليه الصلاة والسلام: ( أمرت )] أي: أمرني ربي [( أن أقاتل الناس )] لا أن أقتلهم، بل أقاتلهم، هناك فرق بين يقتل ويقاتل، فأحمل السلاح وأقاتل حتى يتوبوا ويدخلوا في الإسلام [( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل )] وهذا الحديث في الصحيحين.

أمرني ربي أن أقاتل الناس أبيضهم وأصفرهم. إلى متى وأنا أقاتل؟ ( حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة )، فإن شهدوا وأقاموا الصلاة ومنعوا الزكاة يقاتلهم حتى يزكوا، وما بعد ذلك حسابهم على الله. فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقط لا تقبل منه، ومن قال: أشهد أن محمداً رسول الله ولكن لا أشهد أن لا إله إلا الله، فهناك آلهة أخرى، لا نقبل منه.

(ويقيموا الصلاة) أي: يؤدوها، وقد بينها الله ورسوله، (ويؤتوا الزكاة) أي: ويعطوا الزكاة إن كانت واجبة عليهم؛ لأن لديهم أموالاً يجب أن يزكوها، فإن تركوا واحداً من هذه الثلاثة قوتلوا ولا يوضع السلاح حتى يتم النصر عليهم.

رابعاً: [قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن أي الأعمال أفضل؟ قال: ( الصلاة لوقتها )] رواه مسلم وهذا دليل على فضل الصلاة، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ما هي، فقال: ( الصلاة لوقتها )، ولو سئلت أنت عن أفضل الأعمال قل: ( الصلاة على وقتها )، فهي أفضل الأعمال، أفضل من الجهاد والحج والعمرة.

ومعنى (لوقتها) أي: تؤدى في أول وقتها، فلا تخرج عن وقتها أو تتأخر، فلن تكون فاضلة إلا إذا أديت في أول وقتها.

[خامساً: قوله صلى الله عليه وسلم إليكم: ( مثل الصلوات الخمس )] صورتها ومثالها [( كمثل نهر عذب غمر )] نهر من الماء عذب حلو يغمر الإنسان ويغطيه لكثرة مائه [( بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات ) أي: يدخل في هذا النهر فيتحمم فيه خمس مرات كل يوم [( فما ترون ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال: فإن الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن )] أي: الوسخ.

وهذا على شرط أن تؤدى على الوجه المطلوب، فإذا لم يؤدها على الوجه المطلوب لا تنفع، فلا يصلي بدون خشوع، أو يصلي ثم يخرج ليقول الباطل في الشارع؛ والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلابد من إقامتها حق الإقامة.

[سادساً: قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما من امرئ مسلم )] أيما مسلم أبيض كان أو أسود، عربي أو أعجمي فقير أو غني، [( تحضره صلاة مكتوبة )] أي: مفروضة، كالظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء [( فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله )] وهذه فضيلة عظيمة.

( ما من امرئ مسلم ) وهذا معناه أن الكافر إذا صلى فلا قيمة لصلاته، والمسلم ليس مشرك يعبد الأولياء والصالحين، بل لابد من مسلم أسلم قلبه ووجهه لله تعالى، ( تحضره صلاة مكتوبة ) أي: مفروضة من الصلوات الخمس، ( فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتى كبيرة ) أما إن زنى أو سرق فهذا شأن آخر، ( ما لم تؤت كبيرة من الذنوب وذلك الدهر كله ) أي: العام بكامله.

[المادة الأولى: في حكمها، وحكمتها، وبيان فضلها:

أولاً: حكم الصلاة: الصلاة فريضة الله على كل مؤمن] ولا يختلف في هذا اثنان، فالصلاة فريضة فرضها الله على كل مؤمن ومؤمنة، فإن قيل: ما الدليل؟ قلنا: [إذ أمر الله تعالى بها في غير ما آية من كتابه، قال الله تعالى: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103]] أليس هذا بأمر؟ فهي فريضة محددة في أوقات معينة [وقال عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]] هذا كلام الله دال على فرضية الصلاة [وجعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام القاعدة الثانية من قواعد الإسلام الخمس] فالإسلام مبناه على خمس قواعد، والقاعدة الثانية منه هي: إقام الصلاة، وهذا من أدلة فرضيتها [فقال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان )].