سلسلة منهاج المسلم - (69)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وها نحن قد فرغنا من الأخلاق الفاضلة، درسنا خلقاً بعد خلق، والله نسأل أن نكون قد تخلقنا بها.

وانتهينا الآن إلى الأخلاق الذميمة، والله نسأل أن لا نتخلق بها لا بكثيرها ولا بقليلها.

ما هي الأخلاق الذميمة؟ يجب أن نعرفها حتى نتجنبها، فمن لا يعلم لا يتخلق، فالأخلاق الفاضلة الحسنة من لم يعلمها كيف له أن يتخلق بها؟ مستحيل؛ ولهذا كان طلب العلم فريضة لازمة، ووالله! لا تتحقق لعبد ولاية الله وهو جاهل. والله! لن تتحقق ولاية للعبد إلا إذا كان عالماً بالله وبمحابه وبمكارهه، فالفجور والفسق والظلم والشر والفساد.. كلها ناتجة وناجمة عن الجهل، ما عرفوا الله حتى يحبوه أو يخافوه ويرهبوه. فما الذي صرفهم عن العلم؟ الشياطين، شياطين الإنس والجن.

وأول الأخلاق السيئة الذميمة: [ الظلم: المسلم لا يظلم] قاعدة: المسلم الحق والله لا يظلم [ ولا يُظلم ] أي: ولا يقبل الظلم لنفسه [ فلا يصدر عنه ظلم لأحد، ولا يقبل الظلم لنفسه من أحد ] هذا هو المسلم الحق الذي أسلم قلبه لله، فلا يتقلب قلبه طول الحياة إلا في طلب رضا الله، قد أسلم وجهه لله فلا يرى إلا الله الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه مصير كل شيء، فلا يفزع لغير الله أبداً، وتعليل ذلك [ إذ الظلم بأنواعه الثلاثة محرم في الكتاب والسنة معاً ] محرم بالقرآن وبالسنة النبوية.

من لم يدرس كيف يعرف أنواع الظلم ثلاثة أو أربعة أو سبعة؟

ما هي هذه الأنواع حتى نتجنبها؟

إذاً: لابد من المعرفة، لابد من العلم [ قال تعالى ] في بيان حرمة الظلم [ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279] ] يا عبادنا المؤمنين! لا تظلمون ولا تظلمون [ وقال سبحانه: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19] ] هذا وعيد [ وقال عز وجل فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم ] هذا الحديث القدسي خارج من القرآن [ ( يا عبادي! ) ] لبيك اللهم لبيك، ينادينا ليقول لنا: [ ( إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ) ] آمنا بالله، فلن نظلم أحداً، لِم نظلم والله ينادينا بهذا النداء الكريم: يا عبادي؟! لبيك اللهم لبيك! مر نفعل، انه نترك، نحن عبيدك وأولياؤك.

يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي فلا أظلم أحداً، وجعلته بينكم محرماً فلا تتظالموا، لا يظلم بعضكم بعضاً [ وقال عليه الصلاة والسلام: ( اتقوا الظلم ) ] أي: خافوه واجعلوا بينكم وبينه وقاية. لِم؟ [ ( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) ] اتقوا يا عباد الله الظلم، اجعلوا بينكم وبينه وقاية بالعلم والمعرفة، بخوف الله؛ حتى لا تظلموا، اتقوا الظلم. لماذا؟ ( فإن الظلم ظلمات يوم القيامة )، ومن كان يوم القيامة يمشي في الظلام هل يدخل الجنة؟ لا، بل في جهنم [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين ) ] (من ظلم قيد شبر) من أرض، أرض جاره، أرض قريبه، أرض أخيه.. أرض كذا، واحتال وأخذ قيد شبر منها يطوقه في عنقه من سبع أرضين يوم القيامة، ومن ثم ما إن بلغ الأصحاب هذا الحديث ما بقي مؤمناً يظلم أخاه في قطعة أرض، والذين لم يعرفوا هذا يأخذون قطعة كاملة بالشهادة الباطلة والزور والكذب، قيد شبر فقط لا يجوز أن تأخذه منه ظلماً وعدواناً، وإلا طوقته من سبع أرضين يوم القيامة، ولكن هذه الأحاديث والتوجيهات النبوية أوجدت أمة لم تحلم الدنيا بمثلها، ولم تكتحل عين الوجود بمثل تلك الأمة قط على عهد رسول الله وأصحابه وأولادهم وأحفادهم.

وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم ) يملي له في كثرة ماله وعزته وسلطانه وطول عمره ( فإذا أخذه لم يفلته )، الإمهال والإملاء لعله يتوب، لعله يرجع، لعله يئوب، لعله.. ما زال ما زال.. حتى يستوجب نقمة الله فينتقم الله منه.

( إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ) [ ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] ] وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى يعني: أهلها الحواضر والعواصم، أهلها أرباب المال والدولة والسلطان، والظلم والشر والفساد وَهِيَ ظَالِمَةٌ والحال أنهم ظالمون إِنَّ أَخْذَهُ يا رسول الله! أَلِيمٌ شَدِيدٌ .

[ وقال صلى الله عليه وسلم ] يخاطب المؤمنين [ ( واتق دعوة المظلوم ) ] يا عبد الله! يا أمة الله! اتق دعوة المظلوم، احذر أن تظلم فيدعو عليك المظلوم، احذرِ أن تظلمي فيدعو عليك المظلوم [ ( فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب ) ] فلا ترد.

الليلة حلقتنا هذه نقول: لا يمكن أن يخرج أحدنا من المجلس ويظلم، والله لا يمكن إلا أن يشاء الله، والذين ما علموا كيف لا يقعوا في الظلم؟

( اتق دعوة المظلوم ) لماذا يا رسول الله؟ قال: ( فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) ينتقم من الظالم، ينزل به نقمته وعذابه، فلنحذر أن نظلم مؤمناً أو مؤمنة فيدعو الله علينا بالهلاك والدمار، فنهلك وندمر.

إذاً: عرفنا أدلة تحريم الظلم من الكتاب والسنة، وقدمنا أنواع الظلم ثلاثة، ما هي أنواع الظلم الثلاثة؟ يجب أن نعرفها.

أولاً: ظلم العبد لربه

[ أولاً: ظلم العبد لربه ] ظلمك أيها الإنسان لربك. كيف تظلم ربك؟ تأخذ حقه وتعطيه لغيره، أليس هذا هو الظلم؟ العبادة خلقك من أجلها وأطعمك وسقاك من أجلها فتعطيها لغيره! أي ظلم أفظع من هذا؟ ولهذا قال تعالى عما قاله لقمان الحكيم: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] يخلقك ويرزقك ويحفظك من رحم أمك إلى أن تموت في رعايته، ثم تنكره وتلتفت إلى غيره تدعوه، وتستغيث به وتذبح له وتتقرب! هذا ظلم فضيع.

قال: [وذلك يكون بالكفر به تعالى، قال سبحانه: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، ويكون بالشرك في عبادته تعالى، بأن يصرف بعض عباداته تعالى إلى غيره، قال سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ] فالله عز وجل يخلق ويرزق ويعطي ويهب ويعز ويذل، ويتدبر ويتصرف ثم لا تعترف له بوجود! الملاحدة ألا يقولون: لا إله أم لا؟ أي ظلم أفظع من هذا؟

الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فكيف يتنكر الإنسان ويجحد خالقه وخالق أمه وأبيه وخالق هذا الكون، ولا يعترف له بوجود ولا بحق في العبادة؟ إن الكفر والشرك من أفظع أنواع الظلم.

إذاً: أول أنوع الظلم: ظلم العبد لربه، ظلم الإنسان لله عز وجل. وذلك يكون:

أولاً: بالكفر به تعالى، يعطيك ويرزقك ويهبك ويرعاك ويحفظك، ثم تتنكر له ولا تعترف به وتقول: لا إله؟! وهذا شأن العلمانيين والملاحدة والمشركين.

ثانياً: يكون ظلمك لربك بالشرك في عبادته تعالى، بأن يصرف بعض عباداته تعالى إلى غيره كما هو شرك النصارى وعبدة الأوثان.

ثانياً: ظلم العبد لغيره من عباد الله ومخلوقاته

[ ثانياً: ظلم العبد لغيره من عباد الله ومخلوقاته ] حتى العصفور وليست فقط الدجاجة والقطة [ وذلك بأذيتهم في أعراضهم أو أبدانهم أو أموالهم بغير حق ] ظلم العبد لغيره من مخلوقات الله، ويكون بأذيتهم وبحصول الأذى لهم، إما في أعراضهم بالسب والنقد والطعن، أو بأبدانهم بضربهم وسجنهم، أو في أموالهم بسلبها وأخذها بغير حق، أو بالغش أو بالخداع أو بالكذب [ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) ] تأملوا هذا الخبر النبوي، يقول صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه) أو ماله أو بدنه فليتحلل الآن منه، يقول له: سامحني. يرد عليه حقه، يطرح بين يديه، يبكي: اعف عني.. وهكذا يتحلله. يأتي إليه ويقول: سرقتك فخذ ما سرقته. شتمتك وأنت غائب وقلت فيك كذا. ضربتك. اطلعت على عورتك، فجرت بأهلك.. وهكذا، إلا أن الفجور بالأهل لا يطاق، فلو تقوله للمؤمن أهلكته ودمرته. هذا فوض أمرك إلى الله وابك بين يديه، أما العرض والسرقة وما إلى ذلك فلابد من التحلل، والقتل كذلك يقدم نفسه: قتلت أحدكم تفضلوا اقتصوا مني، وقد كان الرجل إذا زنا يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: زنيت يا رسول الله! والرسول يلوي رأسه عنه ثلاث مرات، ثم يقول: خذوه أقيموا عليه الحد. وقد ذكر أهل العلم أن الإنسان لا يقول لأخيه المسلم: زنيت بامرأتك أو ببنتك فاغفر لي. هذا أمر لا يطاق، تؤلمه وتمزقه أكثر، فاخف هذا عنه واستعن بالله بالتوبة والرجوع إلى الله.

يقول صلى الله عليه وسلم معلماً مربياً هادياً: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه ) يعني: في الإسلام وليس في النسب، لأخيه في الإسلام ( من عرضه ) أو من شيء آخر غير العرض ( فليتحلله منه ) أي: يطلب منه السماح والعفو ( قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ) متى يكون لا دينار ولا درهم؟ يوم القيامة (إن كان له عمل صالح) ما دام ليس هناك دينار ولا درهم فكيف يكون الجزاء؟ إن كان له عمل صالح أخذ من عمله، وأعطي لذلك المظلوم، وإن كان ليس له عمل صالح أخذ من سيئات المظلوم ووضعت على الظالم، فيهلك مرة واحدة ويغرق في جهنم [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة ) ] (من اقتطع) القطع تعمد القطع، حق امرئ مسلم اقتطعه بيمينه: بالحلف، حلف كاذباً باليمين ليأخذ حق امرئ مسلم بالباطل.

(فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) أي أصبحت النار واجبة له وحرم عليه الجنة. أي: دخولها.

[ ( فقال رجل: وإن كان يسيراً يا رسول الله؟ ) ] خمسة ريالات، أو عشرة ريالات، أو غترة أو نعل؟ ( فقال: وإن كان قضيباً من أراك ) ] وإن كان عود من أراك، والأراك هو ما به السواك عندنا وهو شجر معروف، ومعنى هذا: لا تصح السرقة لا كثيراً ولا قليلاً، لا يجوز الظلم وأخذ الشيء بغير حق كثر أو قل، وهذا هو نظام حياة المؤمنين، فلا يحتاجون البوليس ولا الشرطة ولا السجون، فهم مؤمنون ربانيون، تعيش معهم مائة سنة فلا يسرقونك، هؤلاء هم العارفون بالله، العالم العارف بربه ما يستطيع أن يأخذ شيئاً ليس له، يموت جوعاً ولا يمد يده.

[ وقال عليه الصلاة والسلام: ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ) ] مهما كانت ذنوبه مع ذلك في فسحة، حتى يقتل نفساً مؤمنة انتهى أمره، (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه) ما ضاقت عليه الأمور مرة واحدة ولو فعل جريمة أو جريمتين، فعل مصيبة ذنوب آثام لا زال في فسحة (ما لم يصب دماً حراماً) إذا أسال دماً محرماً انتهى أمره وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] والآن المسلمون يقتل بعضهم بعضاً بالمئات والآلاف ويدعون الإسلام.

[ وقال صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ) ] المسلم هو: دم وعرض ومال هذا هو المسلم، بدنه وماله وعرضه، هذا محرم على المسلم ( كل المسلم على المسلم حرام ) حرام دمه، حرام عرضه، حرام ماله، المال وإن قل، والعرض وإن كلمة، والدم وإن لطمة على الوجه، كل المسلم على المسلم ليس هنا شيء حلال، لن تجد مسلماً تقول: هذا فيه شيء حلال، اللهم إلا إذا زنا يرجم، إذا سرق تقطع يده، إذا قتل يقتل، ما عدا ذلك لا تقل فيه شيء حلال، بل حرام، ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ).

ثالثاً: ظلم العبد لنفسه

عرفنا أن الظلم ثلاثة أنواع: ظلم العبد لربه، وظلم العبد لغيره، والآن مع ظلم العبد لنفسه، فهل الإنسان يظلم نفسه؟ نعم والله، يصب عليها أطنان الأوساخ، ويعرضها لغضب الله ولعنته، فأي ظلم أكثر من هذا؟

قال: [ ثالثاً: ظلم العبد لنفسه، وذلك ] أي: يكون [ بتدسيتها وتلويثها بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات من معاصي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ] الظلم الثالث: ظلم الإنسان لنفسه.

كيف يكون؟ يكون بأن يدسيها ويخبثها ويلوثها بأنواع الذنوب والجرائم والموبقات والسيئات، وليس من حقه أن يظلم نفسه، كانت طاهرة نقية مشرقة يحبها الله عز وجل وتحبها ملائكته، فصب عليها أطنان الذنوب والآثام حتى اتسخت ونتنت وتعفنت، فيكرهها الله وعباده.

إذاً: فاعل السيئات ظالم لنفسه، ليس من حقه أن يصب عليها أطنان الذنوب والآثام، وظلم العبد لنفسه، يكون بتدسيتها؛ أخذاً من قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] أي لوثها وعفنها بالذنوب والآثام [ قال تعالى: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57] ] هذا خبر الله يوم القيامة، قال: ما ظلمونا نحن، الله ظلموه في شيء.. ما يستطيعون ولكن ظلموا أنفسهم، أما الله تعالى عن مخلوقاته وقلنا: يظلم الإنسان ربه ويأخذ حقه، ولكن الله قادر على أن يأخذه، لكن ظلم الإنسان لنفسه -والعياذ بالله تعالى- نزل فيه قوله تعالى: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57] بالكفر والشرك والذنوب والآثام ظلموها أما الله فحاشاه ما ظلمهم [ فمرتكب الكبيرة من الإثم والفواحش هو ظالم لنفسه إذ عرضها لما يؤثر فيها من الخبث والظلمة فتصبح به أهلاً للعنة الله، والبعد منه تعالى ] فمرتكب الكبيرة كالزنا والسرقة والغيبة والنميمة.. الذنوب الكبائر، والمرتكب الفواحش على الإطلاق هو ظالم لنفسه، كيف ذلك؟ لأنه عرضها لما يؤثر فيها من الخبث والظلمة، فتصبح أهلاً للعنة الله عز وجل والبعد عنه وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57].

معاشر المستمعين! هل يجوز للمسلم أن يظلم؟ هل الظلم حرام؟ نعم والله العظيم الظلم حرام.

إذاً: خلاصة الأمر أن أنواع الظلم ثلاثة: أولها: ظلم العبد لربه بأن يعبد غيره، يأخذ حقه ويعطيه لمخلوقاته.

ثانياً: ظلم العبد لغيره من إخوانه المسلمين بسلب أموالهم ونهش أعراضهم وهتك أمورهم.

ثالثاً: ظلم الإنسان لنفسه، وهل يظلم الإنسان نفسه؟ نعم. نفسه طيبة طاهرة فيبدأ يخبثها ويلوثها فتنتن وتتعفن، وتصبح كأرواح الشياطين، لا تبالي بأية جريمة.

من ظلمها سوى صاحبها؟ مظلومة ظلمها صاحبها، والشاهد: قول الله تعالى: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:118].

[ أولاً: ظلم العبد لربه ] ظلمك أيها الإنسان لربك. كيف تظلم ربك؟ تأخذ حقه وتعطيه لغيره، أليس هذا هو الظلم؟ العبادة خلقك من أجلها وأطعمك وسقاك من أجلها فتعطيها لغيره! أي ظلم أفظع من هذا؟ ولهذا قال تعالى عما قاله لقمان الحكيم: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] يخلقك ويرزقك ويحفظك من رحم أمك إلى أن تموت في رعايته، ثم تنكره وتلتفت إلى غيره تدعوه، وتستغيث به وتذبح له وتتقرب! هذا ظلم فضيع.

قال: [وذلك يكون بالكفر به تعالى، قال سبحانه: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، ويكون بالشرك في عبادته تعالى، بأن يصرف بعض عباداته تعالى إلى غيره، قال سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ] فالله عز وجل يخلق ويرزق ويعطي ويهب ويعز ويذل، ويتدبر ويتصرف ثم لا تعترف له بوجود! الملاحدة ألا يقولون: لا إله أم لا؟ أي ظلم أفظع من هذا؟

الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فكيف يتنكر الإنسان ويجحد خالقه وخالق أمه وأبيه وخالق هذا الكون، ولا يعترف له بوجود ولا بحق في العبادة؟ إن الكفر والشرك من أفظع أنواع الظلم.

إذاً: أول أنوع الظلم: ظلم العبد لربه، ظلم الإنسان لله عز وجل. وذلك يكون:

أولاً: بالكفر به تعالى، يعطيك ويرزقك ويهبك ويرعاك ويحفظك، ثم تتنكر له ولا تعترف به وتقول: لا إله؟! وهذا شأن العلمانيين والملاحدة والمشركين.

ثانياً: يكون ظلمك لربك بالشرك في عبادته تعالى، بأن يصرف بعض عباداته تعالى إلى غيره كما هو شرك النصارى وعبدة الأوثان.