خطب ومحاضرات
سلسلة منهاج المسلم - (64)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم. والكتاب جامع للشريعة الإسلامية، إذ بابه الأول في العقيدة، والثاني في الآداب، والثالث في الأخلاق، والرابع في العبادات، والخامس في المعاملات، أي: الأحكام الشرعية.
وانتهى بنا الدرس إلى الفصل السابع في خلق الحياء، ندرس الليلة إن شاء الله خلق الحياء، نسأل الله أن يجعلنا من أهله.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ المسلم ] المسلم الذي أسلم قلبه ووجهه لله .. عطاؤه لله .. قلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهه لا يقبل به على مخلوق إلا على الله، يسأله ويطلبه [ عفيف حيي ] نعم والله المسلم الحق عفيف، والعفة معروفة، فلا يمد يده لغير الله [ والحياء خلق له ] إذ الحياء من الإيمان، فالحياء جزء من الإيمان، ومن لا إيمان له لا حياء له، ومن كان ذا حياء فهو ذو إيمان.
فضيلة الحياء
[ ويقول ] الرسول الكريم: [ ( الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ) ] فالإيمان والحياء قرنهما الله مع بعضهما بعضاً، فإذا ذهب أحدهما ذهب الثاني، فلا يبقى إيمان بدون حياء، ولا يبقى حياء بدون إيمان. ( الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر )، بمعنى: لا يوجد مؤمن بدون حياء، ولا يوجد حياء بدون إيمان، فهما مقترنان مع بعضهما، فالمؤمن حيي، والحيي مؤمن [ وسر كون الحياء من الإيمان أن كلاً منهما داع إلى الخير، صارف عن الشر مبعد عنه ] فالسر في ربط الإيمان بالحياء لأن كلاً من الحياء والإيمان يدعو إلى الخير، فالإيمان يدعو إلى الخير، والحياء يدعو إلى الخير، والإيمان صارف عن الشر ومبعد عنه، وكذلك الحياء يصرف عن الشر ويبعد عنه؛ فلهذا قرنا مع بعضهما بعضاً [ فالإيمان يبعث ] ويدفع [ المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي، والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ] عز وجل [ ومن التفريط في حق ذي الحق، كما يمنع الحيي من فعل القبيح أو قوله اتقاء للذم والملامة، ومن هنا كان الحياء خيراً ] كله، فالحياء والله خير [ ولا يأتي إلا بالخير ] فأهل الحياء لا يفحشون، ولا يتبذلون، ولا يقولون المنكر، ولا يأتون باطلاً، فالحياء يمنعهم، فصاحب الحياء لا يزني، وهذا مستحيل، ولا يسرق، فهذا مستحيل، فحياؤه مانع له من كل سوء؛ لأنه خير وإيمان [ كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( الحياء لا يأتي إلا بخير ) ] واحفظوا هذا الحديث الصغير، ( الحياء لا يأتي إلا بالخير ). والله العظيم [ وقوله في رواية مسلم : ( الحياء خير كله ) ] هذه أخبار النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحياء لا يأتي إلا بخير )، ( الحياء كله خير )، ما يأتي بالشر أبداً.
الصفات المناقضة للحياء
حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحياء خير وفضل
الحياء لا يمنع من قول الحق
[ ولم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية ] امرأة من الأنصار أم سليم ما منعها الحياء [ أن تقول: ( يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ ) ] امرأة تسأل هذا السؤال! وما منعها الحياء أن تطلب العلم؟ قالت: ( يا رسول الله! إن الله لا يستحي من الحق) فقدمت له بمقدمة، ( فهل على المرأة من غسل)؟ يعني: غسل جنابة، ( إذا هي احتلمت) في النوم [ ( فيقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم ) ] ولم يمنعه الحياء [ ( نعم إذا رأت الماء ) ] لا هي منعها الحياء أن تطلب العلم، ولا الرسول منعه الحياء أن يبين لها الحكم. فإذا احتلمت المرأة وخرج منها ماء، أي: رأت في منامها أن زوجها يجامعها أو رأت جماع غير زوجها وخرج منها الماء وجب الغسل، والرجل كذلك إذا نام فرأى في منامه أنه يجامع أو لم ير وخرج المني منه وجب عليه الغسل من الجنابة. ومن رأى في منامه أنه يجامع ولم يخرج منه المني فلا غسل عليه، فلا غسل على من احتلم في منامه إلا إذا خرج منه المني، وهو ماء أبيض ثخين، وإن وجده في ثوبه ولم يدر متى احتلم يجب أن يغتسل وأن يصلي، وإن وجد المني في ثوبه بعد العصر فيغتسل ويعيد الصلاة من آخر نومة نامها في هذا الثوب، فإذا كانت قبل الظهر اغتسل وصلى الظهر والعصر، وإذا كانت في البارحة فقط اغتسل وصلى الصبح والظهر والعصر، فيغتسل ويصلي من آخر نومة نامها في ذلك الثوب.
[ وخطب عمر مرة ] عمر خليفة المسلمين وإمامهم خطب في هذا المنبر [ فعرض لغلاء المهور ] وتعرض لغلاء المهور يريد أن يبعدها [ فقالت له امرأة: أيعطينا الله وتمنعنا يا عمر ؟! ألم يقل الله: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20] ] وهذه ليست جامعية، وإنما درست في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـعمر خطب الناس يوم الجمعة وتعرض لغلاء المهور وفحشه، ( فقالت امرأة له: أيعطينا الله وتمنعنا أنت يا عمر ؟! ألم يقل الله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:20]) من سورة النساء [ فلم يمنعها الحياء أن تدافع عن حق نسائها، ولم يمنع عمر أن يقول معتذراً: كل الناس أفقه منك يا عمر ! ] أي: حتى النساء، وأين يوجد هذا الخلق؟ امرأة تقول هذا لإمام المسلمين، وإمام المسلمين وحاكمهم وجنرالهم وقائدهم يقول: كل الناس أفقه منك يا عمر ! هذه هي الأخلاق الإسلامية التي فقدناها من قرون، فلم يمنع الحياء عمر أن يقول هذا، ولم يمنع الحياء المرأة أن تقول هذا، فالحياء لا يمنع أن تقول الحق أو تنطق به، أو تأمر بمعروف وتنهى عن منكر، وإنما الحياء يمنع الغلظة والجفاء وسوء المعاملة [ كما خطب مرة في المسلمين ] أي: عمر أيام خلافته [ وعليه ثوبان ] أي: نوعين من الثياب [ فأمر بالسمع والطاعة ] أي: أمر المسلمين أهل المسجد بالسمع والطاعة لإمام المسلمين [ فنطق أحد المسلمين قائلاً: فلا سمع ولا طاعة يا عمر ! عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد ] أين الذين يتبجحون بحقوق الإنسان والديمقراطية والعدالة وهم كافرون بالإسلام بعيدون عنه لا يعرفون عنه شيئاً؟ عمر يخطب الناس فيأمرهم بالعدل بالاستقامة والطاعة، فيقوم رجل فيقول: ( لا سمع ولا طاعة لك يا عمر !)، ويعلل فيقول: ( عليك ثوبان وعلينا ثوب واحد)، فلا نطيعك ولا نسمعك [ فنادى عمر بأعلى صوته : يا عبد الله بن عمر ! فأجابه ولده ] فقال: [ لبيك أبتاه! فقال له ] عمر : [ أنشدك الله أليس أحد ثوبي هو ثوبك أعطيتنيه؟ قال: بلى والله، فقال الرجل: الآن نسمع ونطيع يا عمر ! ] لا إله إلا الله، هذا العصر الذهبي لأمة الإسلام، ثلاثة عصور، عصر الصحابة وعصر أولادهم وعصر أحفادهم، والرسول قال: ( خير القرون قرني، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه )؛ لأنهم كانوا يجتمعون على دراسة كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم [ فانظر ] يا عبد الله! انظر كيف لم يمنع الحياء الرجل أن يقول، ولا عمر أن يعترف ] فما منع الحياء الرجل أن يقول ما قال، ولا منع عمر أن يعترف بالحق، مع أنهما من أهل الحياء؛ إذ الحياء من الإيمان، وكله إيمان.
الحياء من الله
والله تعالى أسأل أن يرزقنا وإياكم الحياء، وأن يحيينا ويميتنا عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وأصحابه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة منهاج المسلم - (51) | 4156 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (95) | 4082 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (63) | 3869 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (139) | 3863 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (66) | 3834 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (158) | 3823 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (84) | 3748 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (144) | 3646 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (71) | 3633 استماع |
سلسلة منهاج المسلم - (101) | 3607 استماع |