سلسلة منهاج المسلم - (50)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للعقيدة وللآداب وللأخلاق وللعبادات وللمعاملات على منهج أهل السنة والجماعة، ودلائله قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد انتهى بنا الدرس إلى الفصل العاشر في آداب الضيافة، وللضيافة آداب، فالإسلام ما ترك شيئاً في الحياة إلا ووضع له منهجه، فلا تفهم أن حادثة تقع ولم توجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا حرم على المسلمين أن يبعدوا شريعة الله ويطبقوا قوانين الشرق والغرب من الكافرين والمشركين؛ لأنهم أغنياء بهذه الشريعة، ووالله ما هم في حاجة إلى شيء قط معها؛ إذ عز وكمال المؤمنين قد بينهما القرآن الكريم والسنة.

وانظروا الآن! الأكل والشرب والضيافة لها آداب، وأهل الشرك في الشرق والغرب لا يعرفون هذه الآداب، وما يسمعون بها.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ المسلم ] وهذه الكلمة دائماً نقولها، أي: المسلم الحق؛ لأن (أل) دالة على مكانة الصفة وقوتها وعراقتها [ يؤمن بواجب إكرام الضيف ] فالضيف يجب إكرامه؛ إذ ثبت ذلك في الكتاب والسنة [ ويقدره قدره المطلوب؛ وذلك لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ] وهذا الحديث في القانون الإسلامي ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، ومن كان لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فلا يطالب بإكرام الضيف، وهو ليس أهلاً لذلك؛ لأنه ميت ولا حياة له، فهو ميت، والكفار أموات، فلا يسمعون نداءً ولا يجيبون الدعاء.

[ وقوله ] صلى الله عليه وسلم: [ ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليلته ) ] أي: تكرم ضيفك أربعة وعشرين ساعة، فتغديه وتعشيه وينام عندك، وفي الصباح يذهب، وأما أن تطرده ولا تقبله فهذا يدل على عدم إيمانك بالله واليوم الآخر.

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) والله ربنا ورب العالمين، وخالقنا وخالق كل شيء، ومنزل هذا الكتاب، ورافع هذه السماوات، وباسط هذه الأرض، وناصب هذه الجبال، وهذا الذي يحيي ويميت.

واليوم الآخر بعد أن تنتهي هذه الحياة، فهي والله العظيم لتنتهين كما تنتهي ليلتنا هذه غداً، وننتقل إلى حياة أخرى في عالم آخر، هذا هو اليوم الآخر.

( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته )، أي: يعطه جائزته، ( قالوا: وما جائزته؟ قال: يومه وليلته ) [ ( والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة ) ] فاليوم والليلة هذا حق، وإذا استضافك ثلاثة أيام فأضفه ثلاثة أيام، وما فوقها فهو صدقة، كأنك تتصدق على مسكين أو فقير، فحد الضيافة ثلاثة أيام، وأصلها يوم وليلة، هذا الواجب، والثلاثة الأيام من واجبات الإحسان والإسلام، وما فوق الثلاثة الأيام يكون مثل الفقير تتصدق عليه، ولم يعد ضيفاً.

[ ولهذا كان المسلم يلتزم في شأن الضيافة بالآداب التالية:

أولها: في الدعوة إليها، وهي: ]

الأول: أن يدعو الأتقياء دون الفساق والفجرة

[ أولاً: أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق والفجرة ] يا من يستضيف غيره اعلم أنك مأمور بأن تدعو لضيافتك الأتقياء الذين لا يفجرون ولا يفسقون، ولا تستدعي الفجرة والفسقة؛ وذلك [ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ] متفق عليه. فلا تصاحب في رحلتك وفي تجولك وفي حياتك وفي كذا إلا مؤمناً، ( لا تصاحب إلا مؤمناً ) حتى في رحلة ثلاثة أيام، ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ). والتقي من المؤمنين والمؤمنات من يؤدي الواجبات ويتجنب المحرمات، هذا الذي اتقى الله فلم يعذبه، فالتقي من اتقى الله خوفاً منه، فلم يعصه بترك واجب أوجبه عليه، ولا بفعل محرم حرمه عليه، هذا التقي.

الثاني: عدم تخصيص الأغنياء دون الفقراء بالدعوة

[ ثانياً: أن لا يخص بضيافته الأغنياء دون الفقراء ] فإذا قام بضيافة لا يخص بها الأغنياء ويترك الفقراء، بل يخلطهم فقراء وأغنياء؛ وذلك [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء ) ] فدل هذا على أننا إذا أقمنا ضيافة في الحي أو في القرية فينبغي أن يكون المستضافون أغنياء وفقراء، أما اختيار الأغنياء دون الفقراء فهذا الطعام شر الطعام وأخبثه، والوليمة منها وليمة العرس.

الثالث: أن لا يقصد التفاخر والمباهاة

[ ثالثاً: ألا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة، بل يقصد الاستنان بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء من قبله، كإبراهيم عليه السلام، والذي كان يلقب بأبي الضيفان ] فأبو الضيفان إبراهيم، وقد استضاف جبريل وميكائيل وإسرافيل فذبح لهم عجلاً، فسمي بأبي الضيفان [ كما ينوي بها ] أي: بالضيافة [ إدخال السرور على المؤمنين، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان ] فلابد من هذه النية، فلا يقصد بضيافته التفاخر والمباهاة بذبح الحيوانات وفرش الفرش والمبالغة في ذلك، بل يقصد بنيته الاستنان بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله، كـإبراهيم عليه السلام الذي كان يلقب بأبي الضيفان، كما ينوي بها إدخال السرور والفرح على المؤمنين الذين استدعاهم، وإشاعة الغبطة والبهجة في قلوب الإخوان المؤمنين، فلابد من النية أولاً، فلا يقصد الفخر والمباهاة والتعالي والكبر، وثانياً: أن ينوي إدخال السرور والفرح والبهجة على قلوب المؤمنين.

الرابع: أن لا يدعو من يشق عليه الحضور

[ رابعاً: أن لا يدعو إليها من يعلم أنه يشق عليه الحضور ] فلا تدع شيخاً كبيراً أو مريضاً أو بعيد الدار، فتحمله ما يتألم به، أو من تمنعه وظيفته أن يخرج منها، وإن خرج تأذى بذلك، فلا تدع إلى ضيافتك إلا من لا يشق عليه الحضور [ أو أنه يتأذى ببعض الإخوان الحاضرين تجنباً لأذية المؤمن المحرمة ] فإذا عرفت أن فلاناً إذا حضر الوليمة يتأذى منه فلان وفلان، فادفع هذا الأذى ولا تدعه؛ لأن أذية المؤمن حرام، فإذا كانت دعوتك لفلان يتأذى منها فلان وفلان فلا تدعه، أو هو يتأذى من فلان وفلان فلا تدعه، فأنت تريد إدخال السرور والفرح والغبطة في قلوبهم، فإذا كان يسبب الألم والضرر والبغض في النفس فلا تدعه، فهذه أربعة آداب.

[ أولاً: أن يدعو لضيافته الأتقياء دون الفساق والفجرة ] يا من يستضيف غيره اعلم أنك مأمور بأن تدعو لضيافتك الأتقياء الذين لا يفجرون ولا يفسقون، ولا تستدعي الفجرة والفسقة؛ وذلك [ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي ) ] متفق عليه. فلا تصاحب في رحلتك وفي تجولك وفي حياتك وفي كذا إلا مؤمناً، ( لا تصاحب إلا مؤمناً ) حتى في رحلة ثلاثة أيام، ( ولا يأكل طعامك إلا تقي ). والتقي من المؤمنين والمؤمنات من يؤدي الواجبات ويتجنب المحرمات، هذا الذي اتقى الله فلم يعذبه، فالتقي من اتقى الله خوفاً منه، فلم يعصه بترك واجب أوجبه عليه، ولا بفعل محرم حرمه عليه، هذا التقي.

[ ثانياً: أن لا يخص بضيافته الأغنياء دون الفقراء ] فإذا قام بضيافة لا يخص بها الأغنياء ويترك الفقراء، بل يخلطهم فقراء وأغنياء؛ وذلك [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( شر الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليها الأغنياء دون الفقراء ) ] فدل هذا على أننا إذا أقمنا ضيافة في الحي أو في القرية فينبغي أن يكون المستضافون أغنياء وفقراء، أما اختيار الأغنياء دون الفقراء فهذا الطعام شر الطعام وأخبثه، والوليمة منها وليمة العرس.