سلسلة منهاج المسلم - (42)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: منهاج المسلم، وها نحن مع الآداب الواجبة على المسلم، ونحن الآن مع الآداب الواجبة للمسلم على أخيه المسلم.

تاسعاً: أن لا يمسه بسوء أو يناله بمكروه

قال: [ تاسعاً ] من الآداب الواجبة لنا على إخواننا المسلمين: [ ألا يمسه بسوء ] والسوء: كل ما يسيء إلى الإنسان في عقله، في بدنه، في نفسه، في ماله، في عرضه [ أو يناله بمكروه ] على المسلم للمسلم ألا يمسه بسوء وألا يناله بمكروه، أي: بما يؤذيه ويتأذى له [ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ] ماذا بقي من الدم والعرض والمال؟ لا شيء.

(كل المسلم)، أي: يحرم.

(على المسلم) أي: الذي بحق حرام دمه وماله وعرضه.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ) ] أي: يخيف مسلماً، لا بكلمة نابية وصوت عال، ولا بتهديد ولا بوعيد، فترويع المسلم وتخويفه وإفزاعه حرام؛ لأنه ولي الله.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل للمسلم أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه ) ]، حتى النظرة التي تؤذيه ما تنظر بها إليه، فليكن وجهك طلقهاً سمحاً، معنى هذا: كأننا في الجنة دار السلام، وهذا المفروض، ديار المسلمين في الدنيا كديارهم في الجنة، لا خبث ولا شر ولا ظلم ولا فساد ولا أذى، بل الطهر والكمال.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يكره أذى المؤمنين ) ] فمن آذى مؤمناً أو مؤمنة فقد عمل عملاً يكرهه الله عز وجل، وإذا كرهه الله عاقب عليه وعذب به وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] توعدهم الله بالعذاب المبين.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم ) ] أي: بحق وصدق لا بالادعاء والنطق [ ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ] المسلم الصادق الإسلام، الحسن الإسلام، ذاك الذي سلم المسلمون من يده ولسانه، لا باليد يؤذيهم في أموالهم ولا أبدانهم، ولا بلسانه: بالسب والشتم أو الاستهزاء والسخرية، أو بالغيبة والنميمة وما إلى ذلك [ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ) ] المؤمن بحق وصدق لا بالادعاء والنطق، الحسن الإيمان، الكامل الإيمان، من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، فلا ينال من أعراضهم ولا من أبدانهم ولا من أموالهم شيئاً، هذا هو المؤمن بحق، واقرءوا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].

عاشراً: أن يتواضع له ولا يتكبر عليه

[ عاشراً: أن يتواضع له ] أي: يتواضع المسلم لأخيه المسلم [ ولا يتكبر عليه ] ويترفع لا في صوت ولا في بدن ولا في مشي ولا في قيام وقعود [ وألا يقيمه من مجلسه المباح ليجلس فيه ] لا يحل لك أن تقيم مؤمناً من مجلسه الذي هو مباح له لتجلس أنت فيه، لا يحل هذا أبداً، أما إذا كان المجلس ليس له بحق فلا بأس أن يقيمه ليجلس فيه.

قال: [ وذلك لقوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان:18] ] هذا التكبر! سبحان الله! ما عرفنا تفسير هذه الآية سنين إلا بواقع الناس.. ما معنى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ [لقمان:18]؟ فرأينا الجيوش الأوروبية، العسكري هكذا، يقفون هكذا. سبحان الله! لا إله إلا الله، وأخشى أن تكون انتقلت إلى عساكر المسلمين.

(ولا تصاعر) قراءة سبعية (ولا تصاعر خدك للناس) أي: تتكبر وتلوي عنقك هكذا، ما تنظر إليهم وتقابلهم، هذا الوجه لا يقابل به المسلم أخاه المسلم، فهذا تكبر عليه [ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا [لقمان:18] ] الاختيال والكبر [ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18] ] المختال: الذي يختال في مشيته تكبراً. والفخور: الذي يفاخر بأمجاده وأمواله وحاله؛ ليهين الباقين ويتكبر عليهم.

هذا هو نظام الإسلام والمسلمين، وهذا هو المجتمع الإسلامي، وذلك بنهجهم منهج رسول الله، ومشيهم وراءه في الصغيرة والكبيرة.

وأنى للمسلمين اليوم ذلك وما عرفوا رسول الله ولا مشيه ولا آدابه؟! ماذا نصنع؟ لم ما عرفوا؟ ما المانع أن يتعلموا؟ أي مانع أن يجلس المؤمنون كل أمسية بعد صلاة المغرب في بيت ربهم لإمام يربيهم بالكتاب والحكمة وطول العام وعلى تاريخنا أبداً؟ ما المانع؟ من يرد علي؟! والله لا مانع إلا الهوى والدنيا والتكالب عليها والجهل الذي أعمى القلوب وأصم الآذان!

ما يكفي أن نعمل من صلاة الصبح إلى المغرب في مزارعنا ومصانعنا؟! بلى. فإذا دقت الساعة السادسة نتوضأ ونذهب إلى بيوت الرب نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونهذب آدابنا وأخلاقنا؛ لنكمل ونسعد، ونتهيأ لولاية الله ثم لجواره!

لم اليهود والنصارى والمشركون إذا دقت الساعة السادسة تركوا العمل الدنيوي وذهبوا إلى الباطل واللهو والمقاصف والمراقص؟

أليس كذلك؟ بلى. فلماذا لا نذهب إلى بيوت ربنا؟!

ومع العلم: والله! لن تتعلم أمة ولا شعب ولا قبيلة ولا أسرة إلا إذا نهجوا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم!

كيف نتأدب ونتخلق ونحن ما عرفنا شيئاً؟!

قال: [ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أوحى إلي) ] أي: أعلمني إعلاماً خفياً بطريق الوحي [ ( أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد ) ] أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هذا القول: تواضعوا يا عباد الله! حتى لا يتكبر أحد على أحد. [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله تعالى ) ] والله العظيم! وجرب! ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، والذي يتكبر هو الذي يهان ويذل في يوم من الأيام! (ما تواضع أحد لله) لأجل الله، (إلا رفعه الله) بين الناس، وأصبح سيداً كريماً محترماً. هكذا يريد عليه الصلاة والسلام أن يكون المجتمع الإسلامي، كأنه في دار السلام في الجنة.

قال: [ ولما] ولأجل ما [ عرف عنه صلى الله عليه وسلم من تواضعه لكل مسلم وهو سيد المرسلين ] الذي حفظ وعرف عن رسول الله وشوهد وعرف حقاً أنه تواضع لكل مسلم ومسلمة [ومن أنه كان لا يأنف ولا يتكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين، ويقضي حاجتهما] لا كبرياء -إذاً- ولا تعالٍ ولا ولا، ما قال: أنا رسول الله، أنا نبي الله، يجب كذا وكذا، بل يقف للعجوز في الطريق تسأله فيجيبها.

[ وأنه قال: ( اللهم أحيني مسكيناً)، أي: متواضعاً متطامناً، لا متجبراً ولا متكبراً [ ( وأمتني مسكيناً )] كذلك [ (واحشرني في زمرة المساكين ) الربانيين.

[ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا ) ] لا يقيمن أحدكم رجلاً -أو امرأة مع النساء- من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا، يجد له مكاناً. ونحن طبقنا هذه والحمد لله في مجلسنا هذا.

الحادي عشر: أن لا يهجره أكثر من ثلاثة أيام

[ الحادي عشر: أن لا يهجره أكثر من ثلاثة أيام ] أي: من آدابك لأخيك ومن واجباتك لأخيك المسلم: أن لا تهجره أكثر من ثلاثة أيام، يوم، يومين لا بأس.. إلى ثلاثة أيام، أما أربعة أيام فحرام [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) ] أي: ثلاث ليالٍ، وهجره: أن لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام [ ( يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما] خير هذين المؤمنين [ الذي يبدأ بالسلام ) ] من كان له شحناء.. بغضاء.. خلاف بينه وبين أخيه وهجره فإن شاء الله من غد يبدؤه بالسلام، وإن مضت عشر ليال أو شهراًُ أو أشهر من الليلة إن وجده، وإن لقيت منه سباً أو شتماً فسلم عليه، فأنت أطعت رسول الله، فابدأه بالسلام، وليس كل من تسلم عليه يسبك، والله ما كان، إذا سلمت عليه بتواضع والله ينحني لك.

قال: [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تدابروا ) ] ما معنى التدابر؟ تعطيه ظهرك ويعطيك ظهره لا ينظر إليك [ ( وكونوا عباد الله إخواناً ) ] الأخ مع أخيه يسبه، يشتمه، يعتدي على عرضه، يهينه ويذله؟ والله ما كان [ والتدابر: هو التهاجر، وإعطاء كل دبره للآخر معرضاً عنه].

الثاني عشر: أن لا يغتابه أو يحتقره أو يعيبه أو يسخر منه

[ الثاني عشر: أن لا يغتابه أو يحتقره أو يعيبه، أو يسخر منه، أو ينبزه بلقب سوء، أو ينم عنه حديثاً للإفساد ] تأملوا!

مما يجب للمسلم على أخيه: (ألا يغتابه) في غيبته يذكره بما يكره.

(أو يحتقره): بأي صورة من صور الاحتقار.

(أو يعيبه) بأي نوع من العيب لا بالقصر ولا بالطول، ولا بالسواد ولا بالبياض، ولا بالفقر ولا بالغنى.

(أو يسخر منه) أي: نوع من السخرية.

(أو ينبزه بلقب سوء) يا أعمى أو يا أعرج أو يا كذا.

(أو ينم) أي: ينقل عنه حديثاً للإفساد.

هذه كلها ممنوعة، ولا يفعلها المسلم مع أخيه المسلم [ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:12] ] لبيك اللهم لبيك! نادانا الله! نعم. ينادينا لماذا؟ إما ليأمرنا لما فيه سعادتنا، أو لينهانا عما فيه شقاؤنا، أو ليبشرنا بما يزيد في صالحاتنا، أو يحذرنا مما يجعلنا نبعد عن المساوئ، وما يحط من قدرنا، أو ليعلمنا علماً ينفعنا. تتبعنا هذا في كتاب الله، ما وجدنا الله ينادينا إلا لواحد من خمسة: إما ليأمرنا بما فيه كمالنا وسعادتنا، وإما لينهانا عما فيه شقاؤنا وخسراننا دنيا وأخرى، أو ليبشرنا لنزيد في الصالحات، أو ليحذرنا لنبتعد من المحرمات، أو ليعلمنا ما نحن في حاجة إلى علمه ومعرفته، كم نادانا في القرآن؟ تسعين نداء.

قال: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] ] ولهذا اجتنب كثيراً منه [ وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12] ] على بعضكم البعض [ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] ] أم لا؟ بلى. فكيف تأكله حي؟! إذا كنت لا تأكل لحم الميت فكيف تأكل لحم الحي؟!

مات شخص فهل تأكل لحمه؟ ما تستطيع. إذاً: فكيف تأكله وهو حي؟ لو كان ميتاً لكان أسهل، ليس فيه كلفة ولا خوف، فكيف هو حي تأكل لحمه؟

لا إله إلا الله! أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].

[ وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] ] هذا القرآن يقرأ على الموتى أم على الأحياء؟ الأحياء. لكنا اليوم نقرأه على الموتى أما الأحياء فلا!

هذه الآداب الرفيعة السامية تحملها هذه الآيات من هذا القرآن ومع ذلك نهجره ونقول نقرأه على الموتى ونبتعد عنه؟!

الله نادى المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11]، والسخرية معروفة عندكم عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ [الحجرات:11] تسخر من شخص وهو عند الله ولي، ومرتفع عنده وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11] أيضاً: المرأة لا تسخر من المرأة عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]. هل يعقل أن تلزم نفسك أنت؟! أخوك هو نفسك، جزء منك، لا يلمز أحدكم أخاه من المؤمنين بأية كلمة فيها سوء أو طعن وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ [الحجرات:11] السيئة: يا أحمق! يا كذا! يا أعرج! يا كذا! بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات:11]، ما أقبح الفسوق بعد الإيمان! بعد ما تؤمن بالله ولقائه تفسق وتخرج عن طاعته؟!

وَمَنْ لَمْ يَتُبْ [الحجرات:11] ويرجع إلى الحق فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] لا غيرهم. وسيلقون جزاءهم ومصيرهم، وقد يلقونه في الدنيا بالنكبات والمصائب والويلات قبل الآخرة كما هو مشاهد.

[ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟)] هكذا يعلم أصحابه! يسألهم ليعلمهم [ ( قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره)] وهو غائب بما يكره أن تقوله فيه. هذه هي الغيبة.

( ذكرك أخاك ) أي: المسلم وليس ابن أمك وأبيك (بما يكرهه) من أي قول [ ( قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ ) ] قلت: هو شحيح أو بخيل أو جاهل أو أعمى أو فاسق أو كذا ( أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ ). أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: [ ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته)] أكلت لحمه وهو غائب [ (وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته )] والبهتان: أعظم الكذب.

تأملوا هذه! إن قلت في أخيك وهو غائب ما هو موجود فيه: الشح البخل العمى الجهل كذا -العيب الذي ذكرت- فقد اغتبته؛ لأنه ليس بين يديك، ولو كان بين يديك فلن تستطيع أن تقول هذا.

ثم أفظع من هذا أن تقول فيه ما ليس فيه، تقول: شحيح وهو سخي. أو أعمى وهو بصير. ففي هذه الحال كان اغتيابك بهتاناً له أكثر من الغيبة.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ] خطب الناس في حجة الوداع خطبة شهيرة معروفة اشتملت على أصول الدين بكامله [ ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ) ] إن دماءكم أيها المسلمون! وأموالكم أيها المسلمون! وأعراضكم أيها المسلمون! حرام عليكم.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ). وقوله صلى الله عليه وسلم: ( بحسب امرئ من الشر -أي: يكفيه- أن يحقر أخاه المسلم ). وقوله: ( لا يدخل الجنة قتات ). يعني: نمام ]. من يرد على رسول الله؟ ( لا يدخل الجنة قتات ) فالذي يغتاب الناس وينمم وينقل الأحاديث للفتنة لا يدخل الجنة.

الثالث عشر: أن لا يسبه بغير حق حياً كان أو ميتاً

[ الثالث عشر: أن لا يسبه بغير حق حياً كان أو ميتاً ] لا يحل لمسلم أن يسب مسلماً بغير حقٍ سواء كان حياً أو ميتاً [ لقوله عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)] سبحان الله! ما نحفظ هذه؟! (سباب المسلم فسوق) أم لا؟ سب المسلم فسق وقتاله كفر. ما قال: قتله، بل قتاله وحمل السلاح عليه: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر ).

[ وقوله: (لا يرمي رجل رجلاً بالفسق)] بكلمة الفسق [ (أو الكفر إلا ارتد عليه إن لم يكن صاحبه كذلك )] ما من أحد يقول في آخر من المسلمين سباً أو كفراً إلا ارتد عليه ذلك إن لم يكن صاحبه كذلك. ما من مسلم يقول في مسلم -حاضراً أو غائباً- كلمة سوء كالتفسيق أو التكفير إلا ارتد ذلك على القائل إن لم يكن ذلك بحق فاسقاً أو كافراً.

وقد يقول قائل: لما نقول للناس هذا يقولون: عقلك صغير. فأقول له: أولئك مطبوع على قلوبهم ولا خير فيهم، واهجرهم! أما قالوا لشعيب عليه السلام بالأمس: مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً [هود:91] فهؤلاء هم الأموات لا الأحياء.

قال: [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( والمتسابان ما قالا، فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم ) ] المتسابان عليهم ما قالا، إلا إذا كان المسبوب ظلم فيعود عليه( حتى يعتدي المظلوم ).

[ وقوله: ( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ) ] هل هناك من يسب الموتى؟ نعم. بل يضحكون ويسخرون منهم، ويشنعون عليهم، وليس يسبونهم فقط، بل يكفرونهم ويفسقونهم. من هؤلاء؟ هم الذين فقدوا النور، وعاشوا في الظلام، ما زكيت أنفسهم، ولا طهرت قلوبهم.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من الكبائر) ] من كبائر الذنوب [ (شتم الرجل والديه ) ] أن يشتم الرجل والديه [ ( فقالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: نعم.) ] بيان ذلك [ (يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه ) ] يسب أبا الرجل فيرد عليه فيسب أمه أو أباه، وهذا الواقع نشاهده ونسمعه.

الرابع عشر: أن لا يحسده أو يظن به سوءاً أو يبغضه أو يتجسس عليه

[ الرابع عشر: أن لا يحسده، أو يظن به سوءاً، أو يبغضه، أو يتجسس عليه؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]. وقوله تعالى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] ] فمن الآداب الواجبة علينا لأخينا المسلم: أن لا يحسد المسلم أخاه، أو يظن به سوءاً، أو يبغضه، أو يتجسس عليه؛ وذلك لقول ربنا تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ [الحجرات:12] لماذا؟ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]. كيف لا نطيع ربنا ونحن نريد الوصول إليه والنزول بجواره؟

[وقوله تعالى: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور:12] ] في قضية عائشة رضي الله تعالى عنها، لما أشاع ابن أبي عليه لعنة الله تلك الشائعة المنتنة كان المفروض ما نرددها أبداً ولا نظن في أم المؤمنين إلا خيراً، هكذا أدب الله أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم، لما تسمع كلمة عن مؤمن تجنبها وابتعدها ولا تسمعها وظن الخير بأخيك.

[ وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً ) ].

معنى: (لا تحاسدوا) لا يحسد بعضكم بعضاً.

معنى: (ولا تناجشوا)، النجش هذا يوجد في الأسواق، يعطي في البضاعة عشرة وهي لا تساوي إلا خمسة؛ من أجل أن يغرر بآخر يشتريها. طريقة معروفة عند التجار .

(ولا تباغضوا) أي: لا يبغض بعضكم بعضاً.

(ولا تدابروا)، أي: لا يهجر بعضكم بعضاً.

(ولا يبع بعضكم على بيع بعض) إذا بعته شيئاً فلا تأت تقول له: رده عليه وأنا أعطيك بأقل منه، بعته داراً، فلا تأتِ تقول لي: رده منه وأنا آخذه منك بكذا. هذا بيع على ظاهر البيع.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ) ] (إياكم) أي: احذروا! (والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) ما هو الظن؟ ما رأيت ولا سمعت ولكن ظننت أن فلاناً به كذا، أو قال كذا، اترك هذا الظن؛ فإن الظن أكذب الحديث والعياذ بالله.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

قال: [ تاسعاً ] من الآداب الواجبة لنا على إخواننا المسلمين: [ ألا يمسه بسوء ] والسوء: كل ما يسيء إلى الإنسان في عقله، في بدنه، في نفسه، في ماله، في عرضه [ أو يناله بمكروه ] على المسلم للمسلم ألا يمسه بسوء وألا يناله بمكروه، أي: بما يؤذيه ويتأذى له [ وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ] ماذا بقي من الدم والعرض والمال؟ لا شيء.

(كل المسلم)، أي: يحرم.

(على المسلم) أي: الذي بحق حرام دمه وماله وعرضه.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ) ] أي: يخيف مسلماً، لا بكلمة نابية وصوت عال، ولا بتهديد ولا بوعيد، فترويع المسلم وتخويفه وإفزاعه حرام؛ لأنه ولي الله.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل للمسلم أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه ) ]، حتى النظرة التي تؤذيه ما تنظر بها إليه، فليكن وجهك طلقهاً سمحاً، معنى هذا: كأننا في الجنة دار السلام، وهذا المفروض، ديار المسلمين في الدنيا كديارهم في الجنة، لا خبث ولا شر ولا ظلم ولا فساد ولا أذى، بل الطهر والكمال.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم ( إن الله يكره أذى المؤمنين ) ] فمن آذى مؤمناً أو مؤمنة فقد عمل عملاً يكرهه الله عز وجل، وإذا كرهه الله عاقب عليه وعذب به وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58] توعدهم الله بالعذاب المبين.

[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( المسلم ) ] أي: بحق وصدق لا بالادعاء والنطق [ ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ] المسلم الصادق الإسلام، الحسن الإسلام، ذاك الذي سلم المسلمون من يده ولسانه، لا باليد يؤذيهم في أموالهم ولا أبدانهم، ولا بلسانه: بالسب والشتم أو الاستهزاء والسخرية، أو بالغيبة والنميمة وما إلى ذلك [ وقوله عليه الصلاة والسلام: ( المؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ) ] المؤمن بحق وصدق لا بالادعاء والنطق، الحسن الإيمان، الكامل الإيمان، من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، فلا ينال من أعراضهم ولا من أبدانهم ولا من أموالهم شيئاً، هذا هو المؤمن بحق، واقرءوا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4154 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4081 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3866 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3861 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3833 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3822 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3745 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3644 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3631 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3606 استماع