خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=114"> سلسلة منهاج المسلم
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
سلسلة منهاج المسلم - (27)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: منهاج المسلم، وها نحن مع آخر العقائد.
وأذكر السامعين والسامعات: بأن العقيدة الإسلامية إذا صحت وسلمت فصاحبها حي، يقدر على أن يسمع ويعي، ويقدر على أن يأخذ ويعطي، فإن فقدها فهو ميت، وإن داخلها الزيادة أو النقص فهو ضعيف مريض، يقوى أحياناً على أن يقول ويعجز أحياناً أخرى.
والمطلوب: أن نصحح عقيدتنا، وهي أن نعلن وضوح وصراحة أنه لا إله إلا الله، ولا يرانا الله أبداً في يوم من الأيام نسأل غيره، أو نستعيذ بسواه، أو نستغيث بغيره، بل حياتنا كلها موقوفة على الله عز وجل، هو الذي نستغيث به: يا رب! هو الذي نستعيذ به: يا رب! أعذنا، هو الذي نسأله حوائجنا ورغائبنا في الدنيا والآخرة، وهو الذي نرهبه ونخافه، وترتعد فرائصنا منه، وتجل قلوبنا عند ذكره؛ إذ ليس لنا إله إلا هو، والله لا إله إلا الله، وأما الآلهة المصنوعة المزورة الباطلة فهي ضلالات أوحى الشيطان بها إلى الناس؛ ليهلكوا بهلاكه، وليدخلوا النار ويخلدوا فيها بخلوده وهلاكه.
هذه العقيدة أركانها التي تنبني عليها ستة، ومتى سقط ركن منها سقطت وبطلت، جاءت مبينة في الكتاب والسنة، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أركان الإيمان الستة، وأن يحفظها ويعيش على نورها، وهي: الإيمان بالله، وبملائكته، وبكتبه، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
إذاً: الإيمان بالله واليوم الآخر من أعظم أركان الإيمان، والذي يضعف إيمانه بالله أو باليوم الآخر لا يستطيع أن يستقيم أبداً، ولا يقوى على أن يفعل الواجبات، وأن يتخلى عن المحرمات، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، فقووا عقيدتكم بأركانها الستة، وأعظمها الإيمان بالله، والإيمان بلقاء الله واليوم الآخر.
وآخر ما انتهى إليه الدرس عندنا في باب العقيدة: هو الإيمان بوجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضليتهم، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحب أصحاب رسول الله حباً أكثر من حبه لنفسه، وأن يعتقد أفضليتهم وخيريتهم على سائر الناس، وأن عليك إذا ذكر الصحابي - سواء عرفت من هو أو لم تعرفه- أن تقول: رضي الله عنه، فتلك علامة حبك، وتفضيلك له على سائر الناس.
كما يجب علينا أيضاً: إجلال أئمة الإسلام، أهل الكتاب والسنة، أهل الحديث والفقه من أئمة هذه الأمة، يجب علينا إجلالهم. أي: تعظيمهم وإكبارهم والاعتراف بفضلهم، كما يجب علينا طاعة ولاة أمور المسلمين، وبينا هذا والكثير منه.
وانتهينا إلى هذه الفقرات فقلنا:
رابعاً: اعتقاد جواز الأخذ بما دونه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين
كان الرجل إذا ربى وتولى إنساناً، وأصبح ابناً له بالتربية والولاء؛ فإنه يعتبر كولده، إذا تزوج ومات عن زوجته لا يتزوجها الذي رباه، وهذه كانت عادة سائدة في بلاد الكفر من مكة وغيرها، وأراد الله أن يبطل هذه العادة، وقد ألفها الناس قروناً، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مولى- خادم صغير- رباه، اسمه: زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقد زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، فلم يطق البقاء معها؛ لأنها شريفة، فطلقها، فزوجها الله تعالى رسوله، وعقد عليها في الملكوت الأعلى، وأصبحت أماً للمؤمنين وتباهي نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقول: ما منكن واحدة إلا تولى فلان- أبوها أو أخوها- عقد نكاحها، وأنا تولى الله عقد نكاحي: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، لماذا يا رب؟! لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب:37].
وكان قد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لمولاه زيد ، ووليها أخوها عبد الله أول قائد سرية في الإسلام، فظنت زينب رضي الله عنها لما خطبها أنه يخطبها لنفسه؛ فهشت وبشت وفرحت، ثم تبين لها أنه يخطبها لمولاه؛ فقالت: لن يكون هذا، وقال عبد الله : لن تتزوج شريفة وضيعاً، مولى من موالي الناس لا تتزوجه زينب بنت جحش ، والله أراد ذلك، فأنزل تعالى هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فطأطأت زينب رأسها، وسلمت نفسها لمولى، وطأطأ عبد الله وسلم.
والشاهد عندنا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36] بالحل أو بالحرمة، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، ليس هناك خيرة، فإذا أوجب الله الصيام بنوع ما يجب أن تقبله وتصومه، لم يبق للؤمن ولا لمؤمنة أن يختار ما يريد فيما حكم الله به ورسوله، فهمتم هذه؟ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].
[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ] مردود عليه، لا يقبل أبداً [ وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) ] هذا معنى: أن ما قدمه أئمة الإسلام الأربعة نقبله ما لم يتعارض بالكتاب والسنة: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى [الأحزاب:36] بمعنى: حكم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، والرسول نفسه يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) فهو مردود على صاحبه.
خامساً: اعتقاد أن الأئمة الأربعة بشر يصيبون ويخطئون
فلهذا هذه أيام الفتنة في الأحزاب والجمعيات والتكتلات أنصح- والله يعلم- كل مسلم يقول: أنا مسلم، لا حزبي ولا جماعة ولا فلان، أنا مسلم فقط؛ لأن التحزبات والتكتلات والتجمعات أثارت العداءات والبغضاء والنزاع بين المسلمين، بل أوقدت نار الفتن والحروب والعياذ بالله تعالى، والذي يشارك في فتنة؛ كل دم يراق وكل نفس تزهق هو مشارك ومسئول عنها؛ فلهذا أنت مسلم، مرني بما أمرني ربي، وانهني عما نهاني ربي أطعك، لا قال فلان ولا فلان ولا فلان.
يقول مالك إمام المسجد النبوي: كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ما منا أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد، يؤخذ الصحيح ويرد الباطل إلا صاحب هذا القبر لا يرد قوله؛ لأنه لا يخطئ. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم )، ويقول أيضاً: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71].
سادساً: أن يعذرهم فيما اختلفوا فيه من بعض مسائل الدين الفرعية
قال: [ ولم ير غيره، فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأة، وفهم غيره ] من الأئمة الآخرين [ أن المراد من الملامسة في الآية: الجماع، فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس أبداً، بل لا بد من قدر زائد ] كأن يقصد التلذذ، أو يتلذذ وله ما قصد؛ حينئذٍ انتقض وضوئه، إذا أراد أن يتلذذ بامرأته ووضع يده؛ انتقض وضوؤه، أو أنه لم يرد، لكن لما مس انتعش ذكره ووجد؛ انتقض وضوؤه وعليه أن يتوضأ [ بل لا بد من قدر زائد، كالقصد أو وجود اللذة، وقد يقول قائل: لم لا يتنازل الشافعي عن فهمه ليوافق باقي الأئمة؟ ] قد يقول قائل هذا: لم لا يتنازل الشافعي [ ويقطع دابر الخلاف عن الأمة؟
الجواب: أنه لا يجوز له أبداً أن يفهم عن ربه شيئاً لا يخالجه فيه أدنى ريب، ثم يتركه لمجرد رأي أو فهم إمام آخر ] إذا فهمه عن الله ولم يفهم سوى هذا لا يتنازل عن فهمه لرأي آخر وفهم إنسان آخر [ فيصبح متبعاً لقول الناس، تاركاً لقول رب الناس، وهو من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى ].
قال: [ نعم. لو أن فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب أو سنة؛ لوجب عليه التمسك بدلالة النص الظاهرة، ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذي دلالته ليست نصاً صريحاً ولا ظاهراً، إذ لو كان الدلالة قطعية لما اختلف فيه اثنان من عامة الأمة فضلاً عن الأئمة ] الأربعة؛ وذلك لأن غيره فهموا فهماً من الآية فقط، ليس بنص صريح.
[ رابعاً: يرى أن الأخذ بما دونه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين جائز ] علينا يا معشر المستمعين والمستمعات! أن نعتقد أن الأخذ والعمل بما دوَّنه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين جائز، أي: الأخذ به جائز [ وأن العمل به عمل بشريعة الله عز وجل ] لأنهم أخذوا من الكتاب والسنة، فاستدرك قال: [ ما لم يعارض بنص صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ] وإذا عارض قول أحمد أو مالك أو الشافعي الكتاب والسنة [ فلا يترك قول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من خلقه كائناً من كان ] إذا لم نجد في الكتاب والسنة، ووجدنا في كلام الأئمة نأخذ به، لكن إذا كان كلام إمام منهم أو إمامين عارض (قال الله وقال رسوله) فإنه يضرب به عرض الحائط، ولا يتلفت إليه، ولا يعمل بذلك إلا المؤمن المسلم السني [ وذلك لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الحجرات:1] ] لبيك اللهم لبيك [ لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] ] امش وراءه، أما أن تتقدم برأيك، أو تأخذ عن اليمين والشمال فلا، دائماً قال الله قال رسوله، لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ [الحجرات:1]، لا قولاً ولا رأياً ولا فهماً ولا ذوقاً [ وقوله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ [الحشر:7] وما أعطاكم أيام أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم بينكم من مال أو طعام خذوه، وما نهاكم عنه اتركوه، والآن وإلى يوم القيامة ما جاء به رسول الله، وقدمه لنا وأعطاه إيانا؛ يجب ألا نتركه، وما نهانا عنه وحذرنا منه؛ يجب أن نترك ونبتعد عنه؛ لهذه الآية الكريمة من سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] [ وقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ [الأحزاب:36] ] ليس من شأنهما أبداً [ إِذَا قَضَى اللَّهُ [الأحزاب:36] ] حكم [ قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ] ليس هناك خيار، وقراءة سبعية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
كان الرجل إذا ربى وتولى إنساناً، وأصبح ابناً له بالتربية والولاء؛ فإنه يعتبر كولده، إذا تزوج ومات عن زوجته لا يتزوجها الذي رباه، وهذه كانت عادة سائدة في بلاد الكفر من مكة وغيرها، وأراد الله أن يبطل هذه العادة، وقد ألفها الناس قروناً، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مولى- خادم صغير- رباه، اسمه: زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقد زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، فلم يطق البقاء معها؛ لأنها شريفة، فطلقها، فزوجها الله تعالى رسوله، وعقد عليها في الملكوت الأعلى، وأصبحت أماً للمؤمنين وتباهي نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقول: ما منكن واحدة إلا تولى فلان- أبوها أو أخوها- عقد نكاحها، وأنا تولى الله عقد نكاحي: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، لماذا يا رب؟! لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب:37].
وكان قد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لمولاه زيد ، ووليها أخوها عبد الله أول قائد سرية في الإسلام، فظنت زينب رضي الله عنها لما خطبها أنه يخطبها لنفسه؛ فهشت وبشت وفرحت، ثم تبين لها أنه يخطبها لمولاه؛ فقالت: لن يكون هذا، وقال عبد الله : لن تتزوج شريفة وضيعاً، مولى من موالي الناس لا تتزوجه زينب بنت جحش ، والله أراد ذلك، فأنزل تعالى هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فطأطأت زينب رأسها، وسلمت نفسها لمولى، وطأطأ عبد الله وسلم.
والشاهد عندنا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36] بالحل أو بالحرمة، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، ليس هناك خيرة، فإذا أوجب الله الصيام بنوع ما يجب أن تقبله وتصومه، لم يبق للؤمن ولا لمؤمنة أن يختار ما يريد فيما حكم الله به ورسوله، فهمتم هذه؟ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].
[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ] مردود عليه، لا يقبل أبداً [ وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) ] هذا معنى: أن ما قدمه أئمة الإسلام الأربعة نقبله ما لم يتعارض بالكتاب والسنة: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى [الأحزاب:36] بمعنى: حكم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، والرسول نفسه يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) فهو مردود على صاحبه.
[ خامساً: يرى ] أي: العبد الصالح منكم [ أنهم ] أي: الأئمة الأربعة [ بشر ] ناس [ يصيبون ويخطئون ] لا نرى أن مالكاً لا يخطئ أبداً، وأن الشافعي لا يخطئ، هذا كلام باطل! والله إنهم ليصيبون ويخطئون وليسوا بمعصومين. هكذا نعتقد [ فقد يخطئ أحدهم الحق في مسألة ما من المسائل لا عن قصد وعمد ] لا والله! [ حاشاهم، ولكن عن غفلة أو سهو أو لنسيان أو عدم إحاطة؛ فلهذا المسلم لا يتعصب لرأي أحدهم دون آخر، بل له أن يأخذ من أي واحد منهم، ولا يرد قولهم إلا لقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ] هذه الفقرة بالذات أين أهلها؟! إذ قيل لمسلم: يا عبد الله! ضع يديك على صدرك يقول: أنا مالكي، وإذ قيل لآخر: يا عبد الله! ارفع يديك يقول: أنا حنفي، يا فلان! يقول: أنا حنبلي، وهذا لا يجوز، فلسنا نحن بحنابلة ولا أحناف ولا مالكية ولا شافعية، وإنما نحن مسلمون، والأئمة مشايخنا ومعلمونا وهداتنا جزاهم الله خيراً، فلا نفضل قول فلان على فلان، إلا إذا لاح نوره بقال الله قال رسوله، آه لو أن الأمة عرفت هذا!
فلهذا هذه أيام الفتنة في الأحزاب والجمعيات والتكتلات أنصح- والله يعلم- كل مسلم يقول: أنا مسلم، لا حزبي ولا جماعة ولا فلان، أنا مسلم فقط؛ لأن التحزبات والتكتلات والتجمعات أثارت العداءات والبغضاء والنزاع بين المسلمين، بل أوقدت نار الفتن والحروب والعياذ بالله تعالى، والذي يشارك في فتنة؛ كل دم يراق وكل نفس تزهق هو مشارك ومسئول عنها؛ فلهذا أنت مسلم، مرني بما أمرني ربي، وانهني عما نهاني ربي أطعك، لا قال فلان ولا فلان ولا فلان.
يقول مالك إمام المسجد النبوي: كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ما منا أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد، يؤخذ الصحيح ويرد الباطل إلا صاحب هذا القبر لا يرد قوله؛ لأنه لا يخطئ. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم )، ويقول أيضاً: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71].