سلسلة منهاج المسلم - (175)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي - أي: الجامع- للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات وأحكاماً، وقد انتهى بنا الدرس إلى الطلاق بالتحريم.

قال:[ عاشراً: الطلاق بالتحريم: وهو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي حرام، أو تحرمين ] علي [ أو بالحرام ] والعوام هكذا يفعلون كما تسمعون: أنت علي حرام، أو تحرمين علي، أو بالحرام. هذا هو الطلاق بالتحريم. والحكم هنا [ فإن نوى الطلاق كان طلاقاً ] فإن نوى الطلاق وأراده ليتخلى عنها فهو طلاق [ وإن نوى به ظهاراً فهو ظهار ] كأن يقول: أنت علي كأمي أو كأختي [ تجب فيه كفارة الظهار ] وعليه كفارة الظهار [ وإن لم يرد به طلاقاً ولا ظهاراً أو أراد به الحلف، كأن يقول: أنت حرام إن فعلت كذا ففعلت ففيه كفارة يمين لا غير ] والدليل [ قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا حرم الرجل امرأته ] بأن قال: أنت حرام أو علي حرام أو بالحرام إن فعلت كذا [ فهي يمين يكفرها، ثم قال ] ابن عباس : [ لقد كان لكم في رسول الله أسوة ] حسنة. وذلك يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم مارية القبطية فلم تحرم عليه، وإنما اكتفى بعتق رقبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لـمارية القبطية : أنت حرام، أو حرام علي فكفر كفارة يمين.

والآن [ الحادي عشر: الطلاق الحرام: وهو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثاً في كلمة واحدة ] كأن يقول: أنت طالق بالثلاث، أو واحدة بعد: أنت طالق، طالق، طالق، فيا أيها المؤمنون لا تتورطوا هذه الورطة [ أو في ثلاث كلمات في المجلس ] فلا ينبغي [ كأن يقول عبارة: أنت طالق ثلاثاً، أو يقول: أنت طالق، طالق، طالق فهذا الطلاق محرم بالإجماع ] لا يجوز، ولا يحل لمؤمن أن يقوله، وإن فعل فهو آثم، فهو محرم بالإجماع بلا خلاف، ولا يجيزه أحد؛ وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم وقد أخبر أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً جمعاً ] بكلمة واحدة وفي وقت واحد أو في مجلس واحد [ فقام غضبان ] صلى الله عليه وسلم [ وقال: ( أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله! ألا أقتله؟ ) ] لأنه أغضبه [ وحكم هذا الطلاق عند جمهور العلماء الأئمة الأربعة ] أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد [ وغيرهم أنه ينفذ ثلاثاً ] فحكم الطلاق بالثلاث عند الجمهور يعتبر طلاقاً ثلاثاً [ وأن المطلقة به لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره ] لأنه طلقها ثلاث طلقات، ثم يطلقها أو يموت أحدهما [ وأما غير الجمهور من العلماء ] من الصحابة والتابعين إلى يومنا [ فإنهم يرونه طلقة واحدة بائنة أو رجعية على خلاف بينهم ] فمنهم من يقول: طلقة رجعية، ومنهم من يقول: طلقة بائنة، والبائنة لا تحل حتى تنكح زوجاً غيره ثم يطلقها، ثم لا بد أن يعقد عليها عقداً جديداً، والرجعية يراجعها قبل نهاية العدة [ واختلفت آراء العلماء؛ لاختلاف الأدلة، ولما فهمه كل فريق من النصوص.

وبناء على خلاف أهل العلم في هذا فإنه - والله تعالى أعلم- يحسن أن ينظر فيه إلى حال المطلق، فإن كان لا يريد من قوله: أنت طالق بالثلاث إلا مجرد تخويف الزوجة، أو كان يريد الحلف عليها، كأن علقه على فعل شيء بأن قال: أنت طالق بالثلاث إن فعلت كذا ففعلت، أو كان في حالة غضب حاد، أو قال ذلك وهو لا يريد طلاقها البتة ] أبداً [ فيمضي عليه طلقة واحدة بائنة، وإن كان يريد من قوله: أنت طالق ثلاثاً حقيقة ] أي: يريد [ فراقها وإبانتها منه حتى لا تعود إليه بحال فيمضى عليه ثلاثاً، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، جمعاً بين الأدلة، ورحمة بالأمة ] فالطلاق شرعه الله لرفع الضرر، فإذا تأذت المرأة من زوجها وصبرت ولم تطق الصبر فتطالب بطلاقها ويطلقها، وإذا الرجل تأذى من المرأة وما استطاع أن يصبر على أذاها فيأتي باثنين ويشهدهما أنه طلقها، وهذا ليس طلاق العوام والجهال، فهم يحلفون بالطلاق، ويقولون: الطلاق بالثلاث، أو أنت طالق، طالق، فهذا كله والله حرام، ولو كنا عالمين مؤمنين لما قلناه أو فعلناه، ولكن الجهل الذي غطى البلاد وعم الأمة هذا سببه. فلا يحل لنا أن نطلق نساءنا هذا الطلاق الأعمى الجاهلي، ونطلق المؤمنة عندما نعرف أن بقاءها ضرر لها، فأختي في الله لا يجوز أن تبقى في كرب وحزن، بل أطلقها، فآتي باثنين إلى البيت وأقول: أشهدكما أني طلقت أم فلان، فابق في بيتك حتى تنتهي عدتك، ثم اخرجي إلى أهلك، هذا هو الطلاق.

أو إذا تأذيت أنت، ولم تصبر أو تطق البقاء مع هذه المؤمنة، والله لا يرضى بأذية عبده المؤمن، ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). فهنا يشرع لك الطلاق، فتأتي باثنين كما قدمنا وتقول: أشهدكما أني طلقت فلانة، فالزمي بيتك حتى تنتهي عدتك واذهبي إلى أهلك، هذا هو الطلاق.

وأما: بالحرام، أو أنت طالق، أو علي الطلاق، أو أنت طالق بالثلاث، أو طالق، طالق، طالق فهذا منكر وباطل والعياذ بالله تعالى، لا يفعله أهل الإيمان الصالح والعلم الصالح، فمن هنا غلظ الأئمة وقالوا: يمضي عليه ثلاثاً؛ حتى يتأدب ولا تحل له.

وخلاصة القول وهو إن شاء الله الصواب وبه نقول: إذا قال: أنت طالق بالثلاث إن فعلت كذا وهو يريد أن ينهاها عن فعل كذا وفعلت فعليه كفارة يمين، فإذا قال: أنت طالق، طالق، طالق يخوفها وهو لا يريد طلاقها فما هي إلا طلقة واحدة. هذا هو الحكم الشرعي، والله أسأل أن يوفقنا لما فيه رضاه.

[ تنبيهان ]:

الأول: بيان ما ترجع به المطلقة إلى زوجها الأول من الطلقات

[ أولاً: اتفق أهل العلم على أن المطلقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً غير زوجها نكاحاً صحيحاً ذاقت فيه عسيلته ] أي: حلاوة الجماع [ وذاق عسيلتها فإنها لو رجعت إلى زوجها ترجع وقد انهدم الطلاق الأول ] كأنهما من جديد، فإذا طلق امرأته مرة .. مرتين، ثم بانت منه وتزوجت وأراد أن يراجعها لا يعد الطلاق الأول [ فتستقبل ثلاث تطليقات ] في المستقبل [ واختلفوا فيمن تطلقت واحدة أو اثنتين ] قبل هذا [ ثم تزوجت وعادت إلى زوجها الأول، هل هذا الزواج يهدم الطلاق الأول أو يبقى محسوباً عليها؟ فذهب مالك إلى أن نكاح زوج غير زوجها لا يهدم إلا الثلاث ] فقط، هذا رأي مالك [ بينما يرى أبو حنيفة رحمه الله وكذا في رواية عن أحمد أنه إن يهدم الثلاث فإنه من باب أولى يهدم ما بين الثلاث ] أي: الواحدة والثنتين [ وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما والله تعالى أعلم ].

الثاني: الطلقات التي تبين بها زوجة العبد

[ثانياً: الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة على أن العبد لا يملك من امرأته إلا طلقتين، فإن طلقها الثانية بانت منه ] وهذا أيام وجود العبيد، فالعبد إذا طلق امرأته مرتين بانت منه كالحر إذا طلق ثلاثاً.

[ أولاً: اتفق أهل العلم على أن المطلقة ثلاثاً إذا نكحت زوجاً غير زوجها نكاحاً صحيحاً ذاقت فيه عسيلته ] أي: حلاوة الجماع [ وذاق عسيلتها فإنها لو رجعت إلى زوجها ترجع وقد انهدم الطلاق الأول ] كأنهما من جديد، فإذا طلق امرأته مرة .. مرتين، ثم بانت منه وتزوجت وأراد أن يراجعها لا يعد الطلاق الأول [ فتستقبل ثلاث تطليقات ] في المستقبل [ واختلفوا فيمن تطلقت واحدة أو اثنتين ] قبل هذا [ ثم تزوجت وعادت إلى زوجها الأول، هل هذا الزواج يهدم الطلاق الأول أو يبقى محسوباً عليها؟ فذهب مالك إلى أن نكاح زوج غير زوجها لا يهدم إلا الثلاث ] فقط، هذا رأي مالك [ بينما يرى أبو حنيفة رحمه الله وكذا في رواية عن أحمد أنه إن يهدم الثلاث فإنه من باب أولى يهدم ما بين الثلاث ] أي: الواحدة والثنتين [ وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما والله تعالى أعلم ].

[ثانياً: الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة على أن العبد لا يملك من امرأته إلا طلقتين، فإن طلقها الثانية بانت منه ] وهذا أيام وجود العبيد، فالعبد إذا طلق امرأته مرتين بانت منه كالحر إذا طلق ثلاثاً.

والآن [ المادة الثالثة: في الخلع. أولاً: تعريفه: الخلع: هو افتداء المرأة من زوجها الكارهة له بمال تدفعه إليه ليتخلى عنها ] أي: ليخلعها، هذا هو الخلع.

حكم الخلع

[ ثانياً: حكمه: الخلع جائز إن استوفى شروطه ] وذلك [ لقوله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس وقد جاءته تقول عن زوجها: ( يا رسول الله! ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) ] فقد كان مهرها حديقة كاملة، فلما لم تستطع أن تبقى معه وطلبت الطلاق وخالعته قال لها: ردي عليه حديقته ويطلقك.

شروط الخلع

[ ثالثاً: شروطه: شروط الخلع هي:

أولاً: أن يكون البغض من الزوجة، فإن كان الزوج هو الكاره لها فليس له أن يأخذ منها فدية ] أبداً [ وإنما عليه أن يصبر عليها، أو يطلقها إن خاف ضرراً ] ولا يطالبها بشيء، ولا تعطيه شيئاً.

[ ثانياً: أن لا تطالب الزوجة بالخلع حتى تبلغ درجة من الضرر، تخاف معها أن لا تقيم حدود الله في نفسها أو في حقوق زوجها ] فليس كل امرأة تريد أن تراجع زوجها تطلقه وتخالعه، فلا تطالب الزوجة بالخلع حتى تبلغ مستوى من الضرر تخاف معه ألا تقيم حدود الله في نفسها أو في حقوق زوجها، ثم تطالب.

[ ثالثاً: أن لا يتعمد الزوج أذية الزوجة حتى تخالع منه ] وبعض الصعاليك يؤذي زوجته حتى تخالعه [ فإن فعل فلا يحل له أن يأخذ منها شيئاً أبداً، وهو عاص، والخلع ينفذ طلاقاً بائناً، فلو أراد مراجعتها لا يحل له ] ذلك [ إلا بعقد جديد ].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4154 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4080 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3866 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3861 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3833 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3821 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3745 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3643 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3628 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3606 استماع