سلسلة منهاج المسلم - (168)


الحلقة مفرغة

الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة، وآداباً، وأخلاقاً، وعبادات، وأحكاماً، وهو جامع لأهل السنة والجماعة، فلا فرق بين مذهب ومذهب، الكل على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد انتهى بنا الدرس إلى شروط النكاح.

[الشروط في النكاح:

قد تشترط الزوجة على من خطبها شروطاً معينة] قطعاً قبل البناء بها [لزواجها به] وهذا جائز [فإن كان ما تشترطه مما يدعم العقد ويقويه] أي: يقوي الزواج [وذلك كأن تشترط النفقة لها] وهذا أمر يقوي العقد [أو الوطء] تشترط عليه أنه يطأها، وهذا الشرط حاصل [أو القسم لها إن كان الخاطب ذا زوجة أخرى] لديه زوجتين أو ثلاث [فهذا الشرط نافذ بأصل العقد ولا حاجة إليه، وإن كان الشرط مما يخل بالعقد كأن تشترط أن لا يستمتع بها، أو لا تصلح له طعامه أو شرابه مما جرت العادة أن تقوم به الزوجة لزوجها، فهذا الشرط لاغ] باطل [لا يجب الوفاء به؛ لأنه مخالف للغرض من الزواج بها.

وإن كان الشرط خارجاً عن دائرة ذلك كله، كأن تشترط عليه زيارة أقاربها، أو أن لا يخرجها من بلدها مثلاً، بمعنى: أنها اشترطت شرطاً لم يحل حراماً، ولم يحرم حلالاً، فإنه يجب الوفاء لها به، وإلا لها الحق في فسخ نكاحها إن شاءت؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج )] وفي رواية البخاري : ( أحق الشروط أن توفي به ما استحللتم به الفروج ).

[كما يحرم على المرأة أن تشترط لزواجها بالرجل أن يطلق امرأته] لا يجوز لها عندما يخطبها ويريد التزوج أن تقول: بشرط أن تطلق فلانة، لا يحل هذا، أو تشترط عليه أن يدخن، أو تشترط عليه شرطاً محرماً، كل هذا لا يجوز [لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل أن تُنكح امرأة بطلاق أخرى )] بأن تقول: أتزوجك بشرط أن تطلق المرأة التي عندك، لا يجوز لهذا النص: ( لا يحل أن تُنكح امرأة بطلاق أخرى ) رواه أحمد في المسند، ولم أر من أعله [ولما روي البخاري أيضاً ومسلم من: ( أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها )] أي: التي عند الزوج.

هذه هي الشروط الضرورية.

[الخيار في النكاح:

يثبت الخيار لكل من الزوجين] الرجل والمرأة [في الإبقاء على عصمة الزوجية أو فسخها لوجود سبب من الأسباب الآتية].

أولاً: العيب كالجنون أو الجذام أو البرص

[أولاً: العيب؛ كالجنون] أن يكون الزوج مجنوناً أو أن تكون المرأة مجنونة [أو الجذام] وهو مرض معروف [أو البرص، أو داء الفرج المفوِّت للذة الاستمتاع] فله الحق أن يطلقها [وككون الزوج خصياً أو مجنوناً أو عنيناً] ذكره لا يستقيم [لا يقوى على إتيان المرأة وغشيانها] هذا من العيب الذي يوجب فسخ النكاح، فهي مخيرة في أن تبقى معه أو لا.

[وفي حال الرغبة في فسخ النكاح] يعني إن أردنا أن نفسخ النكاح لوجود هذه العلل [ينظر فإن كان الفسخ قبل الوطء] أي: قبل أن يجامعها [فإن للزوج أن يرجع على المرأة فيما أعطاها من صداق] يسترده؛ لأنه ما خلا بها ولا جامعها [وإن كان بعد الوطء فلا يرجع عليها بشيء، إذ صداقها ثبت لها بما نال منها. وقيل: يرجع به على من غرر به من ذويها] أبوها أو وليها الذي زوجها ولم يخبر عن المرأة أن بها كذا وكذا، هو الذي يسدد هذا المهر [إن كان من غرر عالماً بالعيب] أي: عالماً أن بها كذا ثم زوجها.

إذاً: إذا لم يخل الرجل بها فإنه يسترد مهره كاملاً، وإن خلا بها فإنه لا يأخذ شيئاً، وقيل: يأخذ من وليها الذي علم ذاك المرض وجحده. وهو معقول، وعلى هذا أهل العلم.

[ودليل هذه المسألة] مسألة رجوع الصداق إلى الزوج إن لم يبن بها، أو يأخذه من أقربائها أو أوليائها إذا غرر به [أثر عمر في الموطأ وهو قوله: أيما امرأة غُر بها رجل بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها] أي: من الوطء والجماع [وصداق الرجل على من غره] الذي غره هو الذي يعطيه الصداق.

ثانياً: الغرر

[ثانياً:] من الأسباب التي تبيح الطلاق [الغرر، كأن يتزوج مسلمة فتظهر كتابية] أي: فاتضح أنها كتابية، فليس لها مهر الحرة المسلمة [أو حرة فتظهر أمة] ليست عتيقة [أو صحيحة فتظهر مريضة بعور أو عرج؛ لقول عمر رضي الله عنه: أيما امرأة غُر بها رجل فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غرَّه] أي: غر به، وإن رضي بها عمياء أو عرجاء فلا شيء، وتبقى معه، أما إن رفض؛ فله الخيار أن يبقى معها أو أن يطلقها.

ثالثاً: الإعسار بدفع الصداق الحال

[ثالثاً: الإعسار بدفع الصداق الحال] رجل جعل الصداق عشرة آلاف -مثلاً- خمسة نقداً وخمسة إلى أجل [فمن أعسر بدفع صداق امرأته الحال] الواجب في الوقت [لا المؤجل فإن لامرأته الحق في الفسخ] ما دام ما فعل [قبل الدخول بها] إما أن يدفع وإما أن يفسخ النكاح [أما إن كان بعد الدخول فلا حق لها في الفسخ] ليست مخيرة [بل يمضي العقد ويثبت الصداق في ذمته، وليس لها منع نفسها منه أبداً] على أن يؤديه في يوم من الأيام.

رابعاً: الإعسار بالنفقة

[رابعاً: الإعسار بالنفقة] إذا لم يستطع الزوج أن ينفق على المرأة [فمن أعسر بنفقة زوجته انتظرته ما استطاعت من الوقت] وقتاً طويلاً أو قصيراً، يوماً أو يومين، عاماً أو عامين [ثم لها الحق في فسخ نكاحها منه بواسطة القضاء الشرعي، قال بهذا الصحابة كـأبي هريرة وعمر وعلي رضي الله عنهم، والتابعون كـالحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك رحمهم الله أجمعين] فإذا عجز الزوج عن النفقة وما استطاعت الزوجة أن تبقى بعد أن صبرت شهراً أو شهرين أو عاماً أو عامين، فلها الحق بأن تطالب بالطلاق، ولكن يطلقها القاضي.

إذاً: من أعسر بنفقة زوجته انتظرته ما استطاعت من الوقت طويلاً أو قصيراً، ثم لها الحق في فسخ نكاحها منه، ولكن بواسطة القضاء الشرعي، قال بهذا الصحابة: أبو هريرة وعمر وعلي رضي اللهم عنهم أجمعين، كـالحسن وعمر بن عبد العزيز وربيعة ومالك رحمهم الله أجمعين.

خامساً: إذا غاب الزوج ولم يعرف مكان غيبته

[خامساً: إذا غاب الزوج ولم يعرف مكان غيبته] خرج من المدينة -مثلاً- وما عرفنا أين ذهب [ولم يترك لزوجته نفقة] لا ريالاً ولا ألفاً [ولم يوص أحداً بالإنفاق عليها، ولم يقم غيره بنفقتها] أما لو قال شخص: أنا أقوم بالنفقة عليها، فيجب أن تسكت [ولم يكن لديها ما تنفقه على نفسها، ثم ترجع به على زوجها] أما إذا كان عندها مال فإنها تنفق على نفسها ثم تراجع الزوج بعد ذلك ليعطيها ما أنفقت [فإن لها الحق في فسخ نكاحها بواسطة القاضي الشرعي، فترفع أمرها إلى القاضي فيعظها ويوصيها بالصبر] عندما ترفع القضية إلى القاضي ينبغي أن يحملها على الصبر والتقوى، يقول: اصبري، واحتسبي غداً يأتي زوجك وكذا .. [فإن أبت كتب القاضي محضراً بواسطة شهود يعرفونها ويعرفون زوجها، يشهدون على غيبته وإعسارها، ثم يجري الفسخ بينهما، ويعتبر هذا الفسخ طلقة رجعية، فإن عاد الزوج في مدة العدة عادت إليه].

سادساً: إذا كانت الزوجة أمة تحت عبد ثم عتقت

[سادساً: العتق بعد الرق، إذا كانت الزوجة أمة تحت عبد] عبد تزوج أمة [ثم عتقت] كانت الزوجة أمة تحت عبد ثم عتقت [فإن لها الخيار في فسخ نكاحها من زوجها العبد بشرط أن لا تمكنه من نفسها بعد علمها بحرية نفسها] مادام قد أعتقها مولاها أو سيدها ولم تمكن زوجها من نفسها فلها الفسخ، وإن أصرت على البقاء يجوز [فإن مكنته بعد العلم فلا حق لها في الفسخ] انتهى الأمر؛ وذلك [لقول عائشة رضي الله عنها في رواية مسلم : ( إن بريرة أعتقت وكان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان حراً لم يخيرها )] وهذا دليل أن من كانت تحته أمة وهو عبد ثم أعتقت ولم يبن بها فلها الحق في الفراق، أذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن رضيت فلها ذلك، وهذا كله من الخيار في البقاء والطلاق.

نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

والآن مع بعض الأسئلة والإجابة عنها.

[أولاً: العيب؛ كالجنون] أن يكون الزوج مجنوناً أو أن تكون المرأة مجنونة [أو الجذام] وهو مرض معروف [أو البرص، أو داء الفرج المفوِّت للذة الاستمتاع] فله الحق أن يطلقها [وككون الزوج خصياً أو مجنوناً أو عنيناً] ذكره لا يستقيم [لا يقوى على إتيان المرأة وغشيانها] هذا من العيب الذي يوجب فسخ النكاح، فهي مخيرة في أن تبقى معه أو لا.

[وفي حال الرغبة في فسخ النكاح] يعني إن أردنا أن نفسخ النكاح لوجود هذه العلل [ينظر فإن كان الفسخ قبل الوطء] أي: قبل أن يجامعها [فإن للزوج أن يرجع على المرأة فيما أعطاها من صداق] يسترده؛ لأنه ما خلا بها ولا جامعها [وإن كان بعد الوطء فلا يرجع عليها بشيء، إذ صداقها ثبت لها بما نال منها. وقيل: يرجع به على من غرر به من ذويها] أبوها أو وليها الذي زوجها ولم يخبر عن المرأة أن بها كذا وكذا، هو الذي يسدد هذا المهر [إن كان من غرر عالماً بالعيب] أي: عالماً أن بها كذا ثم زوجها.

إذاً: إذا لم يخل الرجل بها فإنه يسترد مهره كاملاً، وإن خلا بها فإنه لا يأخذ شيئاً، وقيل: يأخذ من وليها الذي علم ذاك المرض وجحده. وهو معقول، وعلى هذا أهل العلم.

[ودليل هذه المسألة] مسألة رجوع الصداق إلى الزوج إن لم يبن بها، أو يأخذه من أقربائها أو أوليائها إذا غرر به [أثر عمر في الموطأ وهو قوله: أيما امرأة غُر بها رجل بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها] أي: من الوطء والجماع [وصداق الرجل على من غره] الذي غره هو الذي يعطيه الصداق.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4156 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4082 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3834 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3823 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3607 استماع