آداب الهدية


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- عن آداب الهدية، وهي شعيرةٌ إسلامية جميلة جداً، فبها يتم سببٌ عظيمٌ للتآلف بين القلوب والاجتماع، وشيوع المودة بين المسلمين، وهذا من أعظم ما جاء في شريعة الإسلام.

أما الهدية: فإنها ما أتحفت به، والتهادي: أن يهدي بعضهم إلى بعض، يقال: أهديت له وإليه، والجمع هدايا، وهداوى، وهداوي، وهداوٍ كما هي في بعض روايات أهل اللغة، والهدية: مفرد هدايا، يقال: أهدى له وأهدى إليه، كلاهما صحيح، فيتعدى الفعل باللام وإلى، ويقال: أهدى الهدية إلى فلان، وأهدى له هدية، أي: بعث بها إكراماً له.

ويقال أيضاً: أهديت العروس إلى بعلها، أي: زفت إليه، وهادى فلانٌ فلاناً أي: أرسل كلٌ منهما هدية إلى صاحبه.

وبالنسبة للتعريف الشرعي للهدية، فإن العلماء قد ذكروا عدة تعريفات، ويمكن أن نقول عموماً: إن الهدية هي دفع عينٍ -سواءً كانت مالاً أو سلعة- إلى شخصٍ معين -الذي يراد بالهدية هذا الشخص المعين- لأجل الألفة والثواب، من غير طلبٍ ولا شرط.

لأجل الألفة والثواب: وهو الأجر من الله سبحانه وتعالى.

من غير طلبٍ؛ لأنه لو قال: أهدني أو أعطني ربما صارت رشوة.

ولا شرط كما يشترط بعضهم في الإعانة، بشرط الإعانة.

فإذاً الهدية: هي عطية بلا اشتراط مقابل، وهناك كلمات مرادفة لكلمة الهدية مثل: الهبة والعطية والصدقة، وقد جاء عن أهل العلم رواياتٌ في التفريق بينها، ولكن يمكن أن نقول: إن الهدية والهبة والصدقة والعطية بمعنىً واحد من جهة أنها تمليكٌ في الحياة بلا عوض، فالهدية والهبة والعطية والصدقة تشترك كلها في أنها تمليك في الحياة بلا عوض؛ لأنك تملكه هذا الشيء بلا مقابل، والعطية: اسمٌ شاملٌ للجميع.

والهدية يُتقرب بها محبة لك، والهبة والعطية معناهما متقارب حتى لا يكاد يوجد فرقٌ بينهما، والصدقة: التي تُدفع إلى الشخص لقصد ثواب الآخرة فقط.

فإذاً هناك فرقٌ بين الهدية والصدقة، من جهة أن الهدية يقصد بها التحبب وثواب الآخرة، والصدقة يقصد بها ثواب الآخرة فقط.

وتُمتلك الهدية بالقبض، فإذا قبلها وقبضها صارت في ملكه، ولا تنتقل إلى ملكه إلا بقبضها سواء قبضها هو أو وكيله، واحتج جمهور العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو أهدي إلي كراعٌ لقبلت).

فالهدية بناءً على ذلك لا تُملك بمجرد الإهداء، حتى تصل إلى الشخص المهدى إليه أو وكيله، فإذا استلمها صارت ملكاً له، وهذا ينبني عليه أحكام، مثلاً: هل يجوز للإنسان أن يرجع فيها؟ متى يجوز له أن يرجع فيها؟ أو متى تنتقل إلى ملكية الشخص الآخر بحيث لا تكون في ملك الأول؟

إذا قبضها المهدى إليه -استلمها- دخلت في ملكه، فمن مجرد استلامه دخلت في ملكه، أما لو قال: سأهديك، أو أهديتك، ولم يسلمه شيئاً، فإنها لا زالت باقية في ملك المهدي ولم تخرج من ملكه.

وقد جاء في القرآن الكريم ذكر الهدية، فقالت ملكة سبأ- بلقيس - لما خافت من سليمان عليه السلام، قالت للملأ من حولها: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ [النمل:35-36].

فأرادت استمالة قلب سليمان لدفع الضرر عنها، وأرادت مصانعته، وأن تثنيه عن دعوته لها ولقومها وتهديدهم لهم، وسليمان لم يقبل الهدية؛ لأنها لم تكن لوجه الله، ولا كان فيها معروف، وإنما أرادت إيقافه عن جهادها، عن الجهاد وقتال هذه البلدة وهي اليمن ، فلما رأى سليمان عليه السلام أن هذه الهدية ليس فيها خير ولم يرد بها وجه الله ردها، وقال: بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ) النمل:36-37] ليعلموا أننا نريد الجهاد وإقامة الدين، وليست القضية مجاملات وهدايا، كما هي العادة بين الملوك: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل:37] حتى لا ينخدعوا بحطام هذه الدنيا أو يظنوا أننا نغتر بالهدايا أو أننا سنترك الجهاد لأجل هديتهم: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا [النمل:37].

ومما يدخل -أيضاً- في الهدية مثل العطية والهبة، أو مما يقرب من معناها ما جاء في قوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4] فالله عز وجل أمر بإيتاء النساء المهور.

وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4] ومعنى نحلة: عطية عن طيب نفس.

وقال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ [النساء:4] وهبنه لكم، وتنازلن عنه لكم: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4] فإذا تنازلت عن جزء من الصداق لزوجها أو أعطته إياه بعدما استلمته منه دون ضغط منه ولا إكراه، وإنما عن طيب نفسٍ منها ورضا: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4].

فإذاً: من أعظم الحلال الذي يؤكل، المغانم: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً [الأنفال:69] وهو أعظم أنواع المال الحلال، بل هو أشد الأموال حلة، وقد فاتنا هذا النوع من المال بسبب ترك الجهاد.

وكذلك من الأموال الحلال الطيبة، ما تتنازل به المرأة من مهرها لزوجها، قال الله عز وجل: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء:4] ولذلك جاء عن بعضهم أنه قال: إذا أردت أن تستشفي فاستوهب درهماً من زوجتك عن طيب نفسٍ منها، ثم اشتر به عسلاً، وهاتِ إناءً واجمع فيه من ماء المطر، ثم اقرأ القرآن وأذب العسل فيه واشربه، قال: أما ماء المطر فإنه ماءٌ مبارك، والعسل فيه شفاءٌ للناس، والقرآن -أيضاً- فيه شفاء، ودرهم الزوجة هنيئاً مريئاً، فإنك تبرأ بإذن الله.

والهدية قد وردت في السنة النبوية، وجاء النص عليها لما لها من الأثر العظيم في النفوس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) وقد رواه البخاري في الأدب المفرد وقال ابن حجر : إسناده حسن.

ولا شك أن الهدية سببٌ للمحبة وتآلف القلوب، وكان التابعون يرسلون بهداياهم، ويقول الواحد لأخيه الذي يهديه: نحن نعلم غناك عن مثل ذلك، وإنما لتعلم أنك منا على بال، يعني: نحن نعلم أنك مستغن عن هديتنا، ولكن لتعلم أننا نقدرك وأن لك في أنفسنا مكانة، وقال الشاعر:

هدايا الناس بعضهمُ لبعضٍ     تولد في قلوبهم الوصالا

وتزرع في الضمير هواً ووداً      وتكسوهُ إذا حضروا جمالا

وقال آخر:

إن الهدايا لها حـظٌ إذا وردت      أحظى من الابن عند الوالد الحدبِ

يكون لها مكانة في النفس إذا جاءت.

وقال آخر:

إن الهدية حلوةٌ     كالسحر تجتذب القلوبا

تدني البغيض من الهوى      حتى تصيره قريبا

وتعيد مضتغن العداوة     بعد نفرته حبيبا

وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى كراعٍ لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) وهو في صحيح البخاري.

وجاء الأمر بقبول الهدية وعدم ردها إذا كانت لا شبهة فيها ولا حرام، فأخرج الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين) فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رد الهدية، وهذا الحديث صححه الألباني.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عمر شيئاً من العطاء فكان يقول عمر : (أعطه من هو أفقر مني يا رسول الله! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا جاءك من هذا المال شيءٌ وأنت غير مستشرف) أي: غير متطلع (ولا سائلٍ) ما طلبته (فخذه فتموله) أي: تملكه (فإن شئت كله وإن شئت تصدقت به، ومالا -إذا كان خالياً من هذه الشروط- فلا تتبعه نفسك) فإذاً: قوله: (إذا جاءك من هذا المال شيء فخذه) يدخل فيه الهدايا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من آتاه الله شيئاً من هذا المال من غير مسألة فليقبل، فإنما هو رزقٌ ساقه الله إليه) مادام أن المال أتى من غير مسألة، وأنت لست مستشرفاً له، ولا متطلعاً له، ولا متعلقة نفسك به تهفو إليه وترجوه، فخذه ولا ترده، فهذا مال مبارك.

ومن الأدلة أيضاً -أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية- قصة بريرة رضي الله عنها، وجاء في صحيح البخاري عديدٌ من الروايات في هذه القصة، فمنها ما رواه في كتاب الأطعمة، وربما تكون هذه الرواية هي أوضحها وأتمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوماً بيت عائشة وعلى النار برمةٌ تفور فدعا بالغداء، فأتي بخبزٍ وأدمٍ من أدم البيت فقال: (ألم أر لحماً؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ولكنه لحمٌ تُصدق به على بريرة، فأهدته، لنا وأنت لا تأكل الصدق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو صدقة عليها وهديةٌ لنا).

إذاً: المال لما انتقل من شخص اختلف حكمه. من المتصدق إلى بريرة صدقة، ومن بريرة إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام هدية، إذاً: يجوز للنبي عليه الصلاة والسلام أن يأكل منه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتي بطعامٍ سأل عنه: أهديته أم صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل؛ -لأنه لا يليق بمقام النبوة أن يأخذ من صدقات الناس وأوساخهم- وإن قيل: هدية، ضرب بيده صلى الله عليه وسلم فأكل معهم) رواه البخاري في كتاب الهبة.

إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، والسبب في ذلك كما تقدم، وهذه آيته عليه الصلاة والسلام في الكتب المتقدمة، أنه كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، والكتب المتقدمة كانت فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن هناك فرقاً بين الهدية والصدقة، فالهدية نوع من الكرامة، ومن باب حسن الخلق، وتتألف بها القلوب، وكان عليه الصلاة والسلام يأكلها؛ لأنها من باب الإكرام ولا يردها؛ لأجل ألا يغضب الذي أهدى، أو يصبح في نفسه عليه شيء، فلا شك أن في أخذ الهدية تألفاً للقلوب وإبلاغاً له بأن إكرامك مقبول.

أما الصدقة من اليد العليا إلى اليد السفلى فلا تليق بمقام النبوة، وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية ولو كانت قليلة ويسيرة، ولذلك قال: (ولو أهدي إلي ذراعٌ أو كراعٌ لقبلته) والكراع: ما دون الكعب، وما عليه إلا اليسير من اللحم، لكن لو أهدي إليه لقبله عليه الصلاة والسلام ولم يحتقر شيئاً، وبذلك أوصى نساء المؤمنين فقال: (يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاة) والفرسن: هو في الأصل اسمٌ لخف البعير، فاستعير للشاة فهو ظلفها، ولم تجر العادة بإهداء ظلف الشاة، لكن ذكره على سبيل المبالغة، أي: اقبل الشيء اليسير من الهدية ولا ترده، فأحياناً قد يهدي إليك أخ شيئاً يصنعه بيده من الأوراق التي لا قيمة لها في الحقيقة، فاقبله تطييباً لخاطره وقلبه.

من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الهدايا

وكان من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءته الهدية، أشرك فيها من معه، أو من حوله، كما جاء في كتاب الرقاق في صحيح البخاري ، دخل عليه الصلاة والسلام فوجد لبناً في قدح فقال: (من أين هذا اللبن؟ فقالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، فقال: أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحدٍ. كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها...) الحديث.

إذاً: كان هذا من كريم خُلقه عليه الصلاة والسلام، من كرمه أنه كان إذا جاءته الهدية لم ينس من حوله من الفقراء والمحتاجين، وكان من حضره يعطيه، وإذا أهديت إليه باكورة الثمر -أو الثمار- كان يعطيها لأصغر القوم سناً -الطفل-.

وكان صلى الله عليه وسلم يتألف بهداياه القوم، وربما كان رجلٌ حديث عهدٍ بالإسلام أو في قلبه شيء على الإسلام وأهله، أو على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزال يعطيه حتى يرضيه.

ومن الأحاديث الجميلة التي وردت في صحيح البخاري عن ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه) ولا يلزم أن يلبسوها؛ لأن لبس الحرير للرجال حرام لكن يمكن أن يعطوها زوجاتهم أو بناتهم، أو كما فعل عمر حين أهداها لأخٍ له مشرك بـمكة . (أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه، وعزل منها واحدة لـمخرمة بن نوفل ، فجاء ومعه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال: ادعه لي -وكان صاحب جفاء وغلظة- فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فأخذ قباءً فتلقاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور! خبأت هذا لك، يا أبا المسور! خبأت هذا لك، وكان في خلقه شدة) أي: أبو المسور. وقد كان ابنه المسور بن مخرمة من كبار رواة الأحاديث.

وكان صلى الله عليه وسلم يرسل الهدايا في أقربائه، وكان عنده من الوفاء لذكرى زوجته خديجة ما يستخدم الهدية فيه لإحيائه، والتدليل على أنه باقٍ في نفسه ذكرى تلك المرأة الطيبة التي ساعدته بمالها ودافعت عنه بنفسها، وكان أولاده منها، وأن ذكراها الطيبة لا زالت موجودة وحية، فكان إذا ذبح الشاة يُهدي لصديقات خديجة .

ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على امرأةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة) مع أنها ما رأتها، لكن غارت عليها من الذكر والسمعة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذكرها دائماً حتى قالت عائشة : (ما تريد من عجوزٍ حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها؟! قال: إنها كانت وكانت... وكان لي منها ولد) .

قالت عائشة : (ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ، هلكت قبل أن يتزوجني، لكثرة ما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيتٍ من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن) أي: يُعطيهن ما يسعهن.

وكان من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءته الهدية، أشرك فيها من معه، أو من حوله، كما جاء في كتاب الرقاق في صحيح البخاري ، دخل عليه الصلاة والسلام فوجد لبناً في قدح فقال: (من أين هذا اللبن؟ فقالوا: أهداه لك فلانٌ أو فلانةٌ، فقال: أبا هر ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحدٍ. كان عليه الصلاة والسلام إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها...) الحديث.

إذاً: كان هذا من كريم خُلقه عليه الصلاة والسلام، من كرمه أنه كان إذا جاءته الهدية لم ينس من حوله من الفقراء والمحتاجين، وكان من حضره يعطيه، وإذا أهديت إليه باكورة الثمر -أو الثمار- كان يعطيها لأصغر القوم سناً -الطفل-.

وكان صلى الله عليه وسلم يتألف بهداياه القوم، وربما كان رجلٌ حديث عهدٍ بالإسلام أو في قلبه شيء على الإسلام وأهله، أو على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزال يعطيه حتى يرضيه.

ومن الأحاديث الجميلة التي وردت في صحيح البخاري عن ابن أبي مليكة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه) ولا يلزم أن يلبسوها؛ لأن لبس الحرير للرجال حرام لكن يمكن أن يعطوها زوجاتهم أو بناتهم، أو كما فعل عمر حين أهداها لأخٍ له مشرك بـمكة . (أهديت له أقبية من ديباجٍ مزررةٍ بالذهب فقسمها في ناسٍ من أصحابه، وعزل منها واحدة لـمخرمة بن نوفل ، فجاء ومعه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال: ادعه لي -وكان صاحب جفاء وغلظة- فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته فأخذ قباءً فتلقاه به واستقبله بأزراره فقال: يا أبا المسور! خبأت هذا لك، يا أبا المسور! خبأت هذا لك، وكان في خلقه شدة) أي: أبو المسور. وقد كان ابنه المسور بن مخرمة من كبار رواة الأحاديث.

وكان صلى الله عليه وسلم يرسل الهدايا في أقربائه، وكان عنده من الوفاء لذكرى زوجته خديجة ما يستخدم الهدية فيه لإحيائه، والتدليل على أنه باقٍ في نفسه ذكرى تلك المرأة الطيبة التي ساعدته بمالها ودافعت عنه بنفسها، وكان أولاده منها، وأن ذكراها الطيبة لا زالت موجودة وحية، فكان إذا ذبح الشاة يُهدي لصديقات خديجة .

ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على امرأةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة) مع أنها ما رأتها، لكن غارت عليها من الذكر والسمعة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يذكرها دائماً حتى قالت عائشة : (ما تريد من عجوزٍ حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها؟! قال: إنها كانت وكانت... وكان لي منها ولد) .

قالت عائشة : (ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ، هلكت قبل أن يتزوجني، لكثرة ما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيتٍ من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن) أي: يُعطيهن ما يسعهن.

وكان صلى الله عليه وسلم يكافئ على الهدية، كما جاء في الحديث: (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) ولا شك أن هذا من السنن الجميلة -المكافأة على الهدية- وذلك لعدة أسباب، منها:

السبب الأول: ألا يبقى له منةٌ عليك، أو أن تبادله محبة بمحبة، أو أن تُظهر له أنك كافأته على جميله بجميل، وأنك لم تنس الجميل، وأنه صنع إليك معروفاً فصنعت إليه معروفاً مقابله، ولا شك كما قلنا أن الهدية الأصل فيها هو التبرع، وأن الذي يهدي لا يشترط المكافأة.

وقد تكلم العلماء في حكم المكافأة على الهدية، وقال بعض أهل العلم: إن المكافأة على الهدية لا تجب، إذا أهداك شخص هدية لا يجب أن تكافئه عليها.

وقال بعض المالكية: تجب المكافأة على الهدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لكن مجرد فعله عليه الصلاة والسلام لا يدل على الوجوب.

جعل بعض العلماء الناس في الهدايا على ثلاث طبقات:

هبة الرجل إلى من هو دونه، فهي إكرامٌ وإلطاف لا تقتضي الثواب والمكافأة بالمثل، فإذا استلمها هذا الأدون لا يستلزم ذلك أن يرد بهديةٍ مقابلها.

وثانياً: هبة النظير إلى نظيره.

وثالثاً: هبة الأدنى إلى الأعلى، إذا أهدى الأدنى للأعلى فإنه يكون من المؤكد في حق الأعلى أن يثيبه، وذلك بما جرت به العُرف والعادة.

فإذاً: حكم الإثابة على الهدية مستحب؛ لأنه ورد في السنة. إذا أهداك إنسان هدية يُسن لك أن تهديه أخرى، وخصوصاً عندما يكون الذي أهداك أقل منك منزلة أو سناً -مثلاً- والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه).

وقد أهدى أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة فعوضه صلى الله عليه وسلم ستة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) فالهدية على الهدية من شكر الناس.

إذاً: دخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه) الهدية على الهدية، وجاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (من أُعطي عطاء فليجز به إن وجد، وإن لم يجد فليثن به، فإن من أثنى به فقد شكر، ومن كتمه فقد كفره، ومن تشبع بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور).

وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وإذا لم يجد شيئاً، فأقل شيء أن يدعو لمن أهدى له الهدية، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وحسنه: (من صُنع إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء، وأجزل له في العطاء).

وينبغي كذلك على المدعو له أن يبادل الدعاء بدعاء، كأن يقول له: وجزاك، أو وإياك، ونحو ذلك، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (أُهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال: اقسميها، فكانت عائشة إذا رجع الخادم تقول: ما قالوا؟) عندما ترسل عائشة الهدية أو العطية مع الخادم إلى شخصٍ آخر أو بيت ناس، تسأل الخادم إذا رجع، تقول له: ماذا قال أهل البيت لما أعطيتهم ما أرسلنا به إليهم؟

فيقول الخادم: (قالوا: بارك الله فيكم، فتقول عائشة : وفيهم بارك الله، نرد عليهم مثلما قالوا، ويبقى أجرنا لنا).

أما بالنسبة لمن يُستحب أن يهدي إليهم الإنسان ويبدأ بهم، فقد جاء في صحيح البخاري في كتاب الهبة أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدةً لها -جارية- فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: (لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك) يعني لو أعطيتها بعض أخوالك، كان أعظم لأجرك من العتق؛ لأنهم قد يكون بهم حاجة، فإعطاؤها إياهم أحسن وأكثر أجراً.

وكذلك من الضوابط في مسألة الإهداءات أن نبدأ بمن جاء في صحيح البخاري في كتاب الشفعة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله! إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك باباً) فالجار الأقرب يُبدأ به في الهدية؛ لأن الإنسان قد تكون مقدرته محدودة على الإهداء، ليس عنده هدايا كثيرة تسع الجميع، فيبدأ بالأقرب باباً بالنسبة لهدايا الجيران.

وكذلك من الأحوال التي يتأكد فيها الإهداء: إذا احتاج الناس، إذا كانت هناك حاجة كما جاء في صحيح البخاري في كتاب المغازي: [أن رجلاً من الصحابة رضي الله عنه صنع طعاماً فلما أوشك على النضج جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! طعيمٌ لي -طعيم: تصغير طعام، أي: هو قليل- فقم أنت يا رسول الله! ورجلٌ أو رجلان] عندي طعيم لو تأتي أنت ورجل أو رجلان قال: (كم هو؟ فذكرت له كم هو مقدار الطعام، فقال: كثيرٌ طيب).

ثم قال: (قل لها -يعني لزوجتك التي تطبخ الطعام- لا تنزعي البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قوموا) ومن حوله كان المهاجرون والأنصار، فقام المهاجرون والأنصار، والرجل يريد واحداً أو اثنين أو ثلاثة بالكثير، فالنبي عليه الصلاة والسلام نادى المهاجرين والأنصار فلما دخل على امرأته قال: (ويحك -مصيبة- جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار، فقالت المرأة -وكانت فقيهة-: هل سألك عن مقدار الطعام؟! قلت: نعم. فاطمأنت) لأنه ما دام يعلم أن الطعام قليل ومع ذلك دعاهم، فلا بد أن يكون هناك سبب، فلما دخلوا قال: (ادخلوا ولا تباغطوا -النبي صلى الله عليه وسلم- فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه، ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقيت بقية، فقال عليه الصلاة والسلام للمرأة: كلي هذا واهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة).

فإذاً: تتأكد أن الهدية احتاج الناس إليها وصارت حاجة، فيكون إرسالها فيه أجر عظيم.

وبالنسبة لبعض الهدايا التي يتأكد عدم ردها: ما كان غير ذي مئونة ولا فيه كلفة، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عُرض عليه ريحانٌ فلا يرده؛ لأنه خفيف المحمل طيب الرائحة) رواه أحمد وأبو داود ، وصحح إسناده في صحيح الجامع الصغير .

فإذاً: الأشياء اليسيرة يتأكد عدم ردها.

ما هي الأحوال التي ترد فيها الهدية؟

أولاً: هل ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام رد هدايا؟ نعم. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رد هدايا بعض المشركين، وقال -أيضاً- في الحديث الصحيح: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحدٍ هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً أو أنصارياً أو دوسياً أو ثقفياً) والسبب أن أعرابياً وهب النبي عليه الصلاة والسلام ناقة فأثابه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فقال: (أرضيت؟ قال: لا. فزاده حتى عوضه ست بكرات) هذا الأعرابي كأنه يريد بالهدية أن يأخذ أكثر منها.

ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه العبارة الشديدة: أنه هم ألا يقبل هدية إلا من هؤلاء الأحياء من العرب، قال: (إن فلاناً أهدى إلي ناقةً فعوضته عنها ست بكرات، فضل ساخطاً، ولقد هممت ألا أقبل هديةً إلا من قرشي أو أنصاريٍ أو ثقفيٍ أو دوسي) رواه أحمد والترمذي .

وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن رجالاً من العرب يهدي أحدهم الهدية فأعوضه منها بقدر ما عندي، ثم يتسخطه فيظل يتسخط فيه عليّ، وايم الله! لا أقبل بعد مقامي هذا من رجلٍ من العرب هدية إلا من قرشيٍ أو أنصاريٍ أو ثقفيٍ أو دوسي) لأن هؤلاء لا يفعلون هذه الأفاعيل، هؤلاء الأربعة الأحياء من العرب معروفون بجودة الأخلاق، فالواحد منهم لا يلجأ إلى هذه الأساليب الملتوية، ثم يتسخط إذا أُعطي رداً عليها.

فالإنسان إذا أحس أن الشخص يُريد بالهدية إحراجه، فإن له أن يردها، وإذا كانت الهدية من حرام، فإنه يجب ردها. وإن كانت فيها شبهة فإنه يستحب له أن يردها، وإذا كانت رشوة، فإنه يجب عليه أن يردها، كأن يكون موظفاً صاحب منصب ولولا وظيفته ما أعطي الهدية، أو يكون موظفاً في الجوازات، أو موظفاً في المصلحة الفلانية، فإذا جاءته هدية من معقب الشركة، قال: هذه الشركة تهدي لك هذه الهدية، فلا يأخذها، لأنه يجوز له ذلك، ولو كان في غير هذه الوظيفة ما أعطوه، لكن لو أن جاره أو قريبه أعطاه، فليقبلها؛ لأنها ما جاءت من أجل أنه موظف في هذه الدائرة التي يراجعها الناس، وإنما جاءت لأنه قريب أو جار.

فإذاً: إذا اشتم منها رائحة التهمة أو الرشوة أو الريبة فإنه يردها.

فإذاً هناك بعض الحالات التي يجب فيها رد الهدية، أو يستحب فيها رد الهدية.

كذلك لو أهداك إياها فاجر فاسق، أو كافر يريد بالهدية أن يبقى له منةٌ عليك، حتى إذا قابلك انكسرت عينك وذلت نفسك له، ففي هذه الحالة لا تقبلها، لكن إذا جاءتك الهدية سليمة نقية ما فيها شائبة ولا ريبة ولا شبهة ولا حرمة فاقبلها ولا تردها، وربما قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا وهو لا يحبها، لا يحبها من جهة نفسه؛ لأن نفسه لا تشتهيها لكن يأخذها إكراماً لصحابها، كما جاء في كتاب الهبة في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس قال: [أهدت أم حفيدة خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطاً وسمناً وأضباً -جمع ضب- فأكل النبي من الأقط والسمن وترك الضب تقذراً -نفسه تعافه؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، لم يكن من طعام قريش- وأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان حراماً لما أكل على مائدته].

إذاً: يأخذ الإنسان الطعام ولو كانت هذه الأكلة لا تعجبه، فيأخذها ويعطيها إلى أناس آخرين.

بعض الأحيان قد يطبخ جيرانك طعاماً، ويهدوك منه، وأنت لا يعجبك هذا النوع من الطعام مطلقاً، فلا غضاضة عليك لو أخذته وطيبت خاطرهم بأخذه، ثم أعطيته بعض الفقراء أو العمال أو المساكين، أو الناس الآخرين فهم يأكلونه أو يستفيدون منه.

وإذا أراد الإنسان أن يُهدي أخاه هدية، فإنه يتحرى أحسن الأوقات والأماكن، ليهدي إليه حتى تصبح أعظم، وحتى تصبح أوقع في النفس، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب من أهدى إلى صاحبه وتحرى بعض نسائه دون بعض.

وقالت عائشة: [ كان الناس يتحرون بهداياهم اليوم الذي يكون فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

فإذاً: الهدية إذا كانت في يوم مُفضل أو ساعة أو مكان معين أو ظرف معين عند المهدى إليه تكون أوقع في النفس وأحسن، فهذا من آداب الهدية.

وقد حدثت قصة طويلة في هذا الباب رواها البخاري رحمه الله في كتاب الهبة وفي كتاب المناقب، وملخص هذه الهدية أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة فاجتمع صواحبي - تقول عائشة - إلى أم سلمة فقلن: (يا أم سلمة! والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريد عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار -لا يتقصدون عائشة - قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فإنه -والله- ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) وهذا من فضلها رضي الله عنها.

وجاء في رواية أخرى: (أنهن وسطن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر ، فكلمته فقال: يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى. فرجعت إليهن فاطمة ) ثم أنه ليس من المناسب للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول: يا أيها الناس! أهدوني في بيت فلان وفلان.

فعلى أية حال: النبي عليه الصلاة والسلام كان يُحب أن يهدى إليه وهو في بيت عائشة؛ لأنه يحب عائشة رضي الله عنها، وأن تأتيه الهدية في هذا البيت يكون موقعها أجمل وأحسن، على أنه ينبغي على الإنسان المتزوج بأكثر من زوجة أن يراعي مسألة الغيرة أشد المراعاة حتى لا تتفاقم المشكلات وتعظم، ويكون هذا من أسباب القطيعة، أو من أسباب تنغيص عيشه في بيته مع زوجاته، وقد جاءت قصة حفصة مع النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يحب العسل والحلوى، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من أحدهن، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، تقول عائشة: فغرت، لماذا أطال عند حفصة أكثر من المعتاد؟ فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكةً من عسل فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة فقلت: أما والله لنحتالن له، وجاءت قصة العرفط والمغافير التي حصلت من حيلة عائشة رضي الله عنها، فالإنسان على أية حال يحتاج أن ينتبه إلى مسألة الغيرة بين الزوجات، ولا يكون هو سبب الشر، أو يكون هو مفتاح الشر.


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
آداب قضاء الحاجة [1، 2] 2991 استماع
آداب في زيارة الإخوان 2892 استماع
آداب تلاوة القرآن الكريم [1، 2] 2448 استماع
آداب الجوار 2300 استماع
آداب المزاح 2288 استماع
آداب الحوار [1، 2] 2287 استماع
آداب الكلام والمحادثة 2135 استماع
السفر وآدابه [2] 2104 استماع
آداب الاستئذان 2027 استماع
آداب الطعام [1، 2] 1938 استماع