آداب في زيارة الإخوان


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، الذي أرسله رحمةً للعالمين، بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدَّى أمانة الله إلى عباده، ففتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً عن سماع الحق وقبوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه وتمسك بسنته.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أُحييكم في هذه الليلة مع موضوع من الموضوعات المهمة في حياة المسلم، وعنوان هذه المحاضرة: "آداب زيارة الإخوان" وسيشتمل هذا الموضوع في عرضه على:

تحديد مفهومها.

فضل الزيارة في الله.

ما ورد في السفر للزيارة.

أهمية الزيارة في الله وفوائدها.

حث الشريعة على إعطاء الزوار حقهم.

شيءٌ من آداب الزيارة وأحكامها.

الإقلال من الزيارة خشية الإملال.

أنواع الزائرين والمزورين.

حثَّ السلف على الزيارة نموذج.

الزيارة لها سلبيات وملاحظات.

العوائق في طريق الزيارة.

كيف تكون الزيارة ناجحة.

ملاحظات على زيارات النساء للنساء.

ونبدأ بعون الله تعالى فنقول في مطلع هذا الدرس: إننا سنتحدث عن زيارة الإخوان بعضهم لبعض.

فإن الزيارة قد جاءت في الشريعة في مناسبات متعددة، فمنها مثلاً: زيارة القبور كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة) وكذلك زيارة بيت الله .. طواف الزيارة .. طواف الإفاضة، كما جاء في الحديث: (زرتُ قبل أن أرمي) وكذلك زيارة مسجد قباء كما ورد في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء كل سبت) وكذلك زيارة المريض، وزيارة الأقارب؛ صلة الرحم، وهذه لا تدخل في موضوعنا لهذه الليلة، وإنما المقصود الحديث عن زيارة الإخوان بعضهم لبعض.

أما بالنسبة لفضل الزيارة، فلا شك أن زيارة الإخوان لبعضهم البعض قد أخذت مكاناً لا بأس به من الأحاديث وشروحها وكلام العلماء في كتبهم، وإذا كان الأموات يتزاورون فما بالك بزيارة الأحياء؟

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في الحديث الحسن: (إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في أكفانهم).

وأهل الجنة يزور بعضهم بعضاً، فنريد أن نعرف -الآن- أهل الدنيا المسلمين منهم إذا زار بعضهم بعضاً، فماذا لو عرفوا أن أول ما يُطالعنا في فضل الزيارة في الله، أحاديث قدسية عظيمة:

أحاديث قدسية في فضل زيارة الإخوان

فمن ذلك: ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتباذلين فيّ، والمتزاورين فيّ) وجاء أيضاً في حديثٍ آخر: (قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ على منابرٍ من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) حديثٌ صحيح.

هذه الأحاديث القدسية العظيمة التي تبين وجوب محبة الله لمن زار أخاه في الله.. محبة الله حقت لمن يزور إخوانه في الله، فما أشد تفريط المفرطين، وما أتعس حالهم وقد فاتهم من الأجر ما فاتهم! فإن الذي يزور أخاه في الله يُحبه الله، وقد جاء في حديث حسن -أيضاً- قوله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً) رواه الترمذي وغيره.

ومعنى طبت: هذا دعاءٌ له، بأن يطيب عيشه في الدنيا.

وطاب ممشاك: بسبب هذا الممشى لزيارة إخوانك في الله.

تبوأت مكاناً في الجنة: أي: أقمت في هذا المكان، ففيه بيان أن من أسباب دخول الجنة زيارة الإخوان في الله.

أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، فهذا حالٌ يغبطه عليه أهل السماء.

أحاديث نبوية في فضل زيارة الإخوان

أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت بإثبات الزيارة ومشروعيتها، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويُسلم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم) فكانت زيارته عليه الصلاة والسلام لأصحابه قائمة، وكان له عاطفةٌ بليغةٌ بصبيانهم، من السلام عليهم، والمسح على رءوسهم، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا ينسى الصغار من الملاطفة، حتى لو كانت مهماته كبيرة وأعماله كثيرة، فإن وقته صلى الله عليه وسلم قد اتسع لملاطفة الصبيان عند زيارة أهليهم، والمسح على رءوس أولئك الصبيان.

فمن ذلك: ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن معاذ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتباذلين فيّ، والمتزاورين فيّ) وجاء أيضاً في حديثٍ آخر: (قال الله تعالى: حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ على منابرٍ من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) حديثٌ صحيح.

هذه الأحاديث القدسية العظيمة التي تبين وجوب محبة الله لمن زار أخاه في الله.. محبة الله حقت لمن يزور إخوانه في الله، فما أشد تفريط المفرطين، وما أتعس حالهم وقد فاتهم من الأجر ما فاتهم! فإن الذي يزور أخاه في الله يُحبه الله، وقد جاء في حديث حسن -أيضاً- قوله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً) رواه الترمذي وغيره.

ومعنى طبت: هذا دعاءٌ له، بأن يطيب عيشه في الدنيا.

وطاب ممشاك: بسبب هذا الممشى لزيارة إخوانك في الله.

تبوأت مكاناً في الجنة: أي: أقمت في هذا المكان، ففيه بيان أن من أسباب دخول الجنة زيارة الإخوان في الله.

أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، فهذا حالٌ يغبطه عليه أهل السماء.

أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاءت بإثبات الزيارة ومشروعيتها، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويُسلم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم) فكانت زيارته عليه الصلاة والسلام لأصحابه قائمة، وكان له عاطفةٌ بليغةٌ بصبيانهم، من السلام عليهم، والمسح على رءوسهم، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا ينسى الصغار من الملاطفة، حتى لو كانت مهماته كبيرة وأعماله كثيرة، فإن وقته صلى الله عليه وسلم قد اتسع لملاطفة الصبيان عند زيارة أهليهم، والمسح على رءوس أولئك الصبيان.

أما السفر لزيارة الإخوان، فإن زيارة الإخوان في الله لها منزلة عظيمة في الشريعة لدرجة الندب للسفر لزيارة الإخوان في الله، وهذا أمرٌ قد ضيعناه ونسيناه مع الأسف! فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصديق في الجنة، والمولود في الجنة -عندما يموت صغيراً- والرجل يزور أخاه في الله في ناحية المِصر في الجنة. ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العئود التي إذا ظُلِمت -حتى وهي مظلومة- قالت: هذه يدي في يدك لا أذوق غمضاً حتى ترضه).

ولا أدل على فضل السفر لزيارة الإخوان في الله من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (زار رجلٌ أخاً له في الله في قرية، فأرصد الله له ملكاً على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمةٍ تربها؟ قال: لا، إلا أني أُحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، أن الله أحبك كما أحببته).

وفي مسند أحمد بلفظ ()خرج رجلٌ يزور أخاً له في الله عز وجل، في قريةٍ أخرى -سافر من أجل الزيارة- فأرصد الله عز وجل بمدرجته ملكاً، فلما مر به، قال: أين تريد؟ قال: أريد فلاناً، قال: لقرابةٍ؟ قال: لا، قال: فلنعمةٍ له عندك تربها؟ قال: لا، قال: فَلِمَ تأتيه؟ قال: إني أُحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أنه يحبك بحبك إياه فيه) بحبك لصاحبك في ذات الله.

ومعنى المدرجة: الطريق، وتربها: يعني تملكها وتستوفيها، تريد أن تحصل منه على شيء، أو تسعى إلى حفظ شيءٍ وتنميته، قال: لا، إلا أني أحبه في الله فقط، عندما سافرت ما حملني على السفر ومكابدة مشاق السفر إلا أني أُحبه في الله، فأنا سافرت وسلكت السبيل لزيارته لأني أحبه في الله، لا لأمرٍ دنيوي، أو لمتاعٍ زائل، وإنما لأني أحبه في الله، أرسل الله ملكاً مخصصاً لأجل أن يبلغه رسالةً من الله عز وجل أن الله يحبه، فلأجل هذا الأجر العظيم سافر لزيارة أخ له في الله.

واليوم المشاغل كثيرة، والأحوال معقدة، والناس يتملصون من زيارة الإخوان في داخل البلد، فكيف بالسفر لزيارة الإخوان؟!!

وقد درج السلف -رحمهم الله- من الصحابة وغيرهم على السفر لزيارة إخوانهم والانتفاع بلقياهم؛ لأجر الزيارة وما يسمعونه من العلم، فكان أحدهم يسير الأيام والليالي من أجل زيارة أخٍ له في الله، وسافر سلمان لزيارة آل أبي الدرداء.

أما أهمية الزيارة في الله، فلا شك أن الشريعة ما حثت ولا ندبت عليها ولا جعلت الأجر العظيم لمن قام بها إلا لما فيها من مزايا عظيمة، وفوائد متعددة، ولأن خطب هذه العبادة -وهي الزيارة في الله- خطبٌ جسيم.

كيف لا؟! والزيارة في الله تدل على المحبة في الله، وعلى الرباط الإيماني بين الإخوان، حيث تدل على الحب في الله، والحب في الله من مقومات وأساسيات الإيمان، فهذا عندما يزور أخاه معناه: تعبيرٌ له عن محبته في الله، وتوثيق أواصر الأخوة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم، ولذلك فالزيارة عبارة عن أمرٍ داخلٍ في العقيدة في صميم الإيمان؛ لأنها مرتبطة بالمحبة في الله، والمحبة في الله من أساسيات الإيمان.

الزيارة في الله: تقرب المسلمين من بعضهم البعض.

الزيارة في الله: تجعلهم جسداً واحداً.

الزيارة في الله: تعرف الواحد بمشكلات الآخر.

الزيارة في الله: تكسب العلم.

الزيارة في الله: تُعرف بالأخبار والأحوال، وفيها تفقدٌ لمصالح الإخوان في الله.

الزيارة في الله: إصلاحٌ للأوضاع وسدٌ للخلل.

الزيارة في الله: فوائدها متعددة وكثيرةٌ وجمة، فمن فوائد الزيارة في الله: تفقد حال الإخوان وإصلاحه؛ إصلاح الحال وسد الخلل، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ، قال: حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو العميس ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال: (آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء) والحقيقة أن هذين الصحابيين أخوتهما عظيمة، وقد استمرت استمراراً عظيماً (فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلةً فقال لها: ما شأنك؟) جاء في بعض الأحاديث أن الزيارة كانت قبل نزول آية الحجاب، فلا بد له أن يفهم لفهم تلك الأحاديث (فرأى أم الدرداء متبذلةً) ليس عندها زينة ولا تعتني بها (فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليست له حاجةٌ في الدنيا) أي: أنه مقبل على العبادة وتارك للدنيا، ومن ضمن الدنيا شهوة النساء، فهو تارك كأنه لا يريد النساء (فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل؟) المضيف أبو الدرداء يقول لـسلمان: كل؟ (قال: فإني صائم) أبو الدرداء يقول: كل أنت؛ أما أنا فصائم (قال: ما آنا بآكلٍ حتى تأكل) ولأن صيامه نافلة (قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنامَ، ثم ذهب يقوم، فقال: نم - سلمان يقول لـأبي الدرداء: نم- فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قم الآن، فصليّا، فقال له سلمان : إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حقٍ حقه، فأتى أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان) وفي الرواية قال: (فزار سلمان أبا الدرداء ).

فهذه الزيارة من سلمان لـأبي الدرداء ، كم عادت بالنفع على أبي الدرداء وبيته؟

من جهة التوازن وإصلاح ما بينه وبين أهله، وما حصل من المصلحة العظيمة لـأم الدرداء بعودة زوجها للاهتمام بها، وما حصل لجسد أبي الدرداء من المصلحة، وما حصل من منع الإملال في العبادة، حصلت أشياء كثيرة جداً، تغيرات في بيت أبي الدرداء ؛ بسبب زيارة سلمان له، فالزيارة إذاً تتيح للأخ التعرف على حال أخيه .. على بيته .. على أحواله، فقد يكون عنده خلل أو نقص، فيسدده ويصلح من حاله وشأنه، وهذه فائدة عظيمة للزيارة.

وستأتي أمثلة أخرى فيها تبيان ما في الزيارة من الفوائد من تحصيل العلم ونحو ذلك.

ولأجل فائدة الزيارة؛ فإن الشريعة حثت على إعطاء الزوار حقهم، بل ربما تعيين وقت من أجلهم، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه قال: حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا الأوزاعي ، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله بن عمرو ! ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟

فقلتُ: بلى يا رسول الله! قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإنَّ لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليكَ حقاً، وإن لزورك عليك حقاً) الزور: هم الزوار، يقول: الزوار لهم حق عليك، وأنت لا يصلح أنك تتفرغ للعبادات تفرغاً يمنعك من أداء حق الزوار.

قال: ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ وهذا يعطل أشياء منها: عدم القيام بحق الزوار، قال عليه الصلاة والسلام: (فصم من كل شهرٍ ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله، قال: فشددت فشدد عليّ، قلتُ: يا رسول الله! إني أجد قوة، قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: نصف الدهر، فكان عبد الله يقول بعدما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم) أي: صوم ثلاثة أيام من كل شهر.

فالشاهد في قوله: (وإن لزورك عليك حقاً) الزوار لهم عليك حق فينبغي إعطاء الزوار حقهم؛ من إتاحة الفرصة للزيارة، والقيام بواجب حسن الاستقبال، والبشاشة، والنفع، والمجالسة، وحسن الضيافة ... ونحو ذلك.

أما عن شيءٍ من آداب الزيارة وأحكامها، فإن الشريعة لما اعتنت بالزيارة وبينت فضلها وأجرها اعتنت ببيان آدابها وأحكامها، وهذا من التفاصيل الحسنة؛ لأن إيضاح المسألة والتفاصيل وبيان الآداب والأحكام، يدل على عظم منزلة هذا الواجب وهذه الفريضة الإسلامية؛ وهي الزيارة في الله.

عدم الإمامة بأصحاب الدار إلا بإذنهم

فمن هذه الآداب والأحكام: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلِّ بهم، وليصلِّ بهم رجلٌ منهم) فإذا زرت أحداً في بيته، فالأصل وجوب صلاة الجماعة، لكن قد يكون البيت بعيداً عن المسجد بعداً لا تجب فيه صلاة الجماعة، وما هو هذا البعد؟

قال العلماء: فرسخ، وقدَّروه بناءً على أنه إذا كان المؤذن يؤذن في مكانٍ مرتفع، مثل سطح المسجد، والريح ساكنة، والمؤذن صيتاً، والسامع حسن السمع، وليس هناك عوازل ولا حائل يحول دون سماع صوت المؤذن، فتكون المسافة التي يسمع فيها الأذان في هذه الحالة عادةً -كما قدرها بعض العلماء- فرسخاً، فإذا حصل هذا البعد فلا يجب حينئذٍ حضور الجماعة لبعد المسجد، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يزور أصحابه في طرف المدينة، فهم بعيدون عن المسجد لا تجب صلاة الجماعة عليهم، لكنهم كانوا يأتون ويحتسبون إذا زارهم.

فإذا حصل أنه حضر وقت الصلاة، فإن الزائر لا يؤم أصحاب الدار، ولو كان أقرأ وأعلم وأحفظ؛ لأجل حق صاحب البيت، ولأنه صاحب سلطان في بيته، فلا يتقدم عليه الزائر ولو في الإمامة، لأن الشريعة راعت حق صاحب البيت -حق المزور المضيف- مراعاةً شديدة، ومن ذلك: أنه لا يؤم في بيته، إلا إذا أذن وتنازل، وقال: صلِّ أنت يا أيها الزائر! أو يا أيها الضيف أذنت لك! فعندئدٍ يجوز له أن يتقدم فيصلي.

وقبل هذا هناك بعض الأحكام مثل: الاستئذان، والسلام، والمصافحة؛ وهذه أحكام لها مناسبات خاصة لعرضها، لأن مجال بيان آداب الاستئذان، والسلام ... ونحو ذلك ليس الآن فهذه أمور تحتاج إلى تفصيل، فالزيارة فيها أدب استئذان، فالناس قد يُخلون بأدب الاستئذان -وربما نمر بعد قليل بشيء من ذلك- ولا يراعون ما ورد فيها من الآيات والأحاديث.

جواز أكل الطعام عند المضيف

ومن آداب الزيارة كذلك: جواز أكل الطعام عند المضيف، فلو أن شخصاً قال: إذا زرت قوماً فقدموا لي طعاماً ولم تكن الدعوة إلى طعام، فهل لي أن آكل؟

الجواب: نعم.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى: من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار أهل بيتٍ من الأنصار، فطعم عندهم طعاماً، فلما أراد أن يخرج أمر بمكانٍ من البيت فنضح له بساطٍ، فصلى عليه ودعا لهم) قال ابن حجر رحمه الله: "من فوائد هذا الحديث: استحباب الزيارة، ودعاء الزائر لمن زاره وطعم عنده".

فالإنسان لا يقصد زيارة إخوانه في وقت طعامٍ وهم لم يدعوه للطعام، فمن أتى إلى وليمة ولم يُدع إليها فكأنما دخل مغيراً وخرج سارقاً، ولذلك فإنه إذا زارهم فقدم له طعام من عندهم، من غير أن يتعمد أو يكلفهم فإنه يجوز له أن يأكل.

وقال البخاري رحمه الله: باب الزيارة ومن زار قوماً فطعم عندهم، وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكل عنده، قال الشراح: "الأكل عند المزور مما يثبت المودة ويزيد المحبة" وقال ابن حجر في فوائد هذا الحديث: "من تمام الزيارة أن يقدم للزائر ما حضر" أي طعام ٍيتيسر، وقد نهى النبي عليه لصلاة والسلام عن التكلف للضيف، قدم له إذا زارك ما تيسر من حلوى أو فاكهة .. أو نحوها.

القيلولة عند المزور

كذلك القيلولة أو النوم إذا كان الحال مناسباً يجوز ذلك، قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاستئذان، باب: من زار قوماً فقال عندهم، قال: من القيلولة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

الجلوس في المكان الذي خصص لك

ومن آداب الزيارة وأحكامها أيضاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن الرجل الرجل في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) أما الإمامة فقد بيناها أن الزائر لا يؤم إلا بإذن المزور، فما معنى: لا يجلس على تكرمته إلا بإذنه؟

قال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية : "إن أمره صاحب المنزل بالجلوس في مكانٍ لم يجز أن يتعداه؛ لأنه ملكه وسلطانه وتكرمته، لأن صاحب الدار إذا حدد لك مكاناً ما كأن يقول: تفضل اجلس هنا، فإنه يلزمك أن تجلس في هذا المكان ولا تتعداه.

ولهذا لو لم يأذن في الدخول لم يجز، فإذا أذن لك وعين المكان لزمك أن تقعد فيه، ولو أمره بالخروج لم يجز له المقام فيه، لو قال: اخرج، أو تحول من هذا المكان إلى هذا المكان لزمه أن يتحول، وإن لم يأمره بالجلوس في مكانٍ من المجلس أو من البيت، فهل يجلس؟ وأين يجلس؟

أحياناً تزور شخصاً، فتدخل البيت فما يعين لك صاحب البيت مكاناً، فلا يقول لك: اجلس هنا! إنما يدخل بك إلى المجلس ويسكت ولا يقول شيئاً، فهل تجلس قبل أن يأذن؟ وأين تجلس؟

قال ابن مفلح رحمه الله: ينبغي أن ينظر إلى عرف صاحب المنزل وعادته في ذلك، فلا يجوز له أن يتعداه، هل عرف صاحب المنزل أنه يجلس الضيوف في أي مكان؟

فإذا كان هناك مكان معين عادة أن صاحب البيت يجلس فيه الضيف جلس فيه الزائر، إذا ما عين ولم يتكلم، فإننا ننظر إلى العرف أين المكان فنجلس فيه، فإن لم يكن له عرفٌ ولا عادة فالعرف والعادة في ذلك الجلوس بلا إذنٍ خاص فيه لحصوله للإذن في الدخول، فما دام أنه أدخلك البيت فمعنى ذلك أن تنتقي مكاناً وتجلس فيه إذا لم يكن لصاحب البيت عُرفاً ولا عادة.

فمثلاً من الأماكن التي صاحب البيت لا يريد أن يجلس الضيف فيها، ما كان أمام أو بجانب الباب الذي يدخل من المجلس إلى داخل البيت، فالجلوس في هذا المكان غير مناسب، فلا تجلس فيه، وإنما تجلس في مكان لا يكون فيه إطلالٌ على داخل البيت، أو لا يكون بجانب باب الدار الداخلية -مثلاً- فهذا لا بد أن يُراعى.

ثم إن شاء جلس أدنى المجلس لتحقق جوازه مع سلوك الأدب، ولعل هذا أولى من أن يجلس في صدر المجلس، وهذا من باب التواضع ما لم يعد جلوسه هناك مستهجناً عادةً وعرفاً بالنسبة إلى مرتبته، أو يحصل لصاحب المنزل بذلك خجلٌ واستحياء فإنه يُعجبه خلاف ذلك، وربما ظن شيئاً لا يليق. فلو قلنا: يجلس في طرف المجلس إذا كان صاحب المنزل ليس له عرف فهذا تواضع، لكن إن غلب على ظن الزائر أنه لو جلس في طرف المجلس أن هذا يؤدي إلى حرج في نفس صاحب البيت فعند ذلك يقوم ويجلس في صدر المجلس تطييباً لخاطر صاحب البيت، فلابد من مراعاة خاطر صاحب البيت.

قال خارجة بن زيد النحوي : دخلت على محمد بن سيرين بيته زائراً فوجدته جالساً بالأرض، فألقى إليّ وسادة، فقلتُ له: إني قد رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك -أنت جالس من غير وسادة فأريد أن أجلس من غير وسادة- فقال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضى به لنفسي، واجلس حيث تؤمر، فلعل الرجل في بيته شيءٌ يكره أن تستقبله، وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن رد الوسائد إذا أعطاك وسادة لتستعملها.

وكذلك قد يكون في المجلس في مكان معين شيءٌ لا يُريدك صاحب المجلس أن تنظر إليه، ولا تستقبله أو تواجهه، فيعين لك مكاناً فتجلس حيث تُؤمر، لأنه قد يكون في هذا المكان شيءٌ أو تطل على شيء من خصوصياته، فينبغي التقيد بالمكان الذي حدده صاحب البيت.

ألا يقترح طعاماً بعينه

وأما بالنسبة للطعام، قال ابن الجوزي رحمه الله: ومن آداب الزائر ألاَّ يقترح طعاماً بعينه، وإن خُيِّر بين طعامين اختار الأيسر، إلا أن يعلم أن مضيفه يسر باقتراحه مثلاً، ولا يقصر عن تحصيل ذلك، فإنه يطلب ويعين، وإذا لم يكن عندك شعورٌ بذلك فعرض عليك الخيرة فاختر الأيسر، وإذا لم يخبرك بشيء من الطعام فلا تقل: اصنع لي طعاماً، إلا إذا كان كلامك يسره، ولا يكلف عليه، ويعتبره من الأخوة القوية، فعند ذلك تطلب منه.

عدم الانصراف حتى يستأذن

ومن آداب الزيارة أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومن حتى يستأذنه) فلا بد من الاستئذان؛ لأن الاستئذان هنا لأجل الانصراف، وهذا حق صاحب البيت، لأنك داخل سلطانه وملكه فينبغي أن تستأذن إذا أردت الانصراف، وهذا أدبٌ مهجور عند الكثيرين، فإنهم يقومون وينصرفون بغير استئذان، وأحياناً يستأذن بعد أن يقوم ويمشي وإذا كان عند الباب، قال: أستأذن، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( فلا يقومن حتى يستأذنه ) إذاً الاستئذان قبل القيام من الأدب.

فمن هذه الآداب والأحكام: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلِّ بهم، وليصلِّ بهم رجلٌ منهم) فإذا زرت أحداً في بيته، فالأصل وجوب صلاة الجماعة، لكن قد يكون البيت بعيداً عن المسجد بعداً لا تجب فيه صلاة الجماعة، وما هو هذا البعد؟

قال العلماء: فرسخ، وقدَّروه بناءً على أنه إذا كان المؤذن يؤذن في مكانٍ مرتفع، مثل سطح المسجد، والريح ساكنة، والمؤذن صيتاً، والسامع حسن السمع، وليس هناك عوازل ولا حائل يحول دون سماع صوت المؤذن، فتكون المسافة التي يسمع فيها الأذان في هذه الحالة عادةً -كما قدرها بعض العلماء- فرسخاً، فإذا حصل هذا البعد فلا يجب حينئذٍ حضور الجماعة لبعد المسجد، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام أحياناً يزور أصحابه في طرف المدينة، فهم بعيدون عن المسجد لا تجب صلاة الجماعة عليهم، لكنهم كانوا يأتون ويحتسبون إذا زارهم.

فإذا حصل أنه حضر وقت الصلاة، فإن الزائر لا يؤم أصحاب الدار، ولو كان أقرأ وأعلم وأحفظ؛ لأجل حق صاحب البيت، ولأنه صاحب سلطان في بيته، فلا يتقدم عليه الزائر ولو في الإمامة، لأن الشريعة راعت حق صاحب البيت -حق المزور المضيف- مراعاةً شديدة، ومن ذلك: أنه لا يؤم في بيته، إلا إذا أذن وتنازل، وقال: صلِّ أنت يا أيها الزائر! أو يا أيها الضيف أذنت لك! فعندئدٍ يجوز له أن يتقدم فيصلي.

وقبل هذا هناك بعض الأحكام مثل: الاستئذان، والسلام، والمصافحة؛ وهذه أحكام لها مناسبات خاصة لعرضها، لأن مجال بيان آداب الاستئذان، والسلام ... ونحو ذلك ليس الآن فهذه أمور تحتاج إلى تفصيل، فالزيارة فيها أدب استئذان، فالناس قد يُخلون بأدب الاستئذان -وربما نمر بعد قليل بشيء من ذلك- ولا يراعون ما ورد فيها من الآيات والأحاديث.




استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
آداب قضاء الحاجة [1، 2] 2988 استماع
آداب تلاوة القرآن الكريم [1، 2] 2445 استماع
آداب الجوار 2299 استماع
آداب الهدية 2296 استماع
آداب الحوار [1، 2] 2285 استماع
آداب المزاح 2284 استماع
آداب الكلام والمحادثة 2133 استماع
السفر وآدابه [2] 2101 استماع
آداب الاستئذان 2024 استماع
آداب الطعام [1، 2] 1935 استماع