خطب ومحاضرات
السفر وآدابه [2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة! نريد أن نُكمل شيئاً مما يتعلق بالسفر الذي كثُر جداً في هذه الأزمان؛ لما حصل من التيسير في وسائل المواصلات، التيسير الذي فتح الله تعالى به على الناس في هذه الأزمان؛ وهي نعمة كبيرة من الله عز وجل، فهل يا تُرى رعوها حق رعايتها أم أنهم ضيعوها إضاعة كبيرة؟ وهل شكروا الله عز وجل على نعمة تيسير السفر، وعلى أن جعل المشاق فيه قليلة بالنسبة لما كانوا عليه في الماضي؟
والمسافر يحتاج في سفره أن يتزود لدنياه وآخرته، فإنه يحتاج للزاد المادي من النفقة وغيرها في السفر، كما أنه يحتاج إلى الزاد الديني في سفره، فهل الذين يسافرون في هذه الأيام قد تزودوا بالزاد الديني؟ إنهم يتزودون بأزواد من الدنيا، وقد يصطحبون معهم مبالغ طائلة من الأموال لكي ينفقوها في أسفارهم في التجوال والمشتريات وغيرها، وكثير من هذا التجوال وتلك المشتريات قد لا تكون فيما يرضي الله عز وجل، ولكن الزاد الديني ربما ضُيع تضييعاً تاماً عند البعض.
معرفة أحكام السفر في الصلاة والصيام وغيرها من الأمور الخاصة بالسفر
يحتاج المسافر إلى أنواع من العلم قبل أن يسافر، على الأقل أن يسأل أهل العلم عما يتوقع أنه سيتعرض له من الإشكالات.
هل يستخير المسافر ربه قبل سفره كما كان صلى الله عليه وسلم يُعلم الأمة أن تستخير في الأمور كلها؟ هل يسأل ربه إن كان هذا السفر خيراً أن ييسره له، وإن كان شراً أن يصرفه عنه، أم أنه يضع في نيته أنه سيسافر بكل حالٍ؟
وكان رسولكم صلى الله عليه وسلم يستحب أن يُسافر يوم الخميس، وكان يستحب أن يخرج مبكراً ويقول: (بورك لأمتي في بكورها) ولكن قد يضطر المسافر أن يخرج في غير هذا الوقت؛ وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
عدم الوقوع في التشاؤم والطيرة
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم، فقال: يا أمير المؤمنين لا تسافر؛ فإن القمر في العقرب؛ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزم أصحابك، فقال علي رضي الله عنه: [بل أسافر ثقة في الله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك] فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قتل عامة الخوارج ؛ وكان ذلك من أعظم ما سُر به علي رضي الله عنه.
انتقاء الأصحاب في السفر
فهل يعرف الذين يسافرون مثلاً أحكام السفر في الصلاة والصيام، من قصر الصلاة مثلاً وجمعها؟! هل يعلمون الأوقات؟! وكيف يحددون اتجاه القبلة الذي كان متيسراً لهم في الحضر؟
يحتاج المسافر إلى أنواع من العلم قبل أن يسافر، على الأقل أن يسأل أهل العلم عما يتوقع أنه سيتعرض له من الإشكالات.
هل يستخير المسافر ربه قبل سفره كما كان صلى الله عليه وسلم يُعلم الأمة أن تستخير في الأمور كلها؟ هل يسأل ربه إن كان هذا السفر خيراً أن ييسره له، وإن كان شراً أن يصرفه عنه، أم أنه يضع في نيته أنه سيسافر بكل حالٍ؟
وكان رسولكم صلى الله عليه وسلم يستحب أن يُسافر يوم الخميس، وكان يستحب أن يخرج مبكراً ويقول: (بورك لأمتي في بكورها) ولكن قد يضطر المسافر أن يخرج في غير هذا الوقت؛ وهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
بعض الذين يسافرون يقعون من جهة تحديد الوقت في أنواعٍ من الشرك؛ فقد يتشاءمون بحالة من الحالات، فيرجعون عن السفر بعد أن شرعوا فيه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الحسن: (لن يلج الدرجات العلى من تكَهَّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً) من ردته الطيرة فقد قارف الشرك، وبعضهم يفزع إلى صفحات المجلات التي تُوجد فيها الأبراج؛ أبراج الحظ لينظر ما هي أيام السعد، وما هي أيام الشؤم، وما هي الأيام التي قال الفلكي: إن السفر فيها مستحسن، فيعمد إلى تطبيق ذلك.
وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أراد أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم، فقال: يا أمير المؤمنين لا تسافر؛ فإن القمر في العقرب؛ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزم أصحابك، فقال علي رضي الله عنه: [بل أسافر ثقة في الله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك] فسافر فبورك له في ذلك السفر حتى قتل عامة الخوارج ؛ وكان ذلك من أعظم ما سُر به علي رضي الله عنه.
هل يعمد المسافرون اليوم إلى انتقاء الأصحاب الذين يسافرون معهم ممن يعينونهم على أمور الدين؛ فيذكروا إذا نسوا، ويعينونهم إذا ذكروا، أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يسافر الرجل لوحده؟!
وتأمل في الأذكار التي كان عليه الصلاة والسلام يقولها في سفره، لتعلم أن في ثنايا هذه الأذكار، وفيما تتضمنه إشارات إلى نوعية السفر، وما الذي ينبغي أن يفعله المسافر أثناء سفره.
ذكر التوديع للآخرين
والله عز وجل إذا استودع شيئاً حفظه فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64].
(استودع الله دينك ) الدين أهم شيء، فاجعل دينك وديعة عند الله يحفظه لك من التعرض للنقصان، أو التعرض لمعاصي الله عز وجل.
( وأمانتك ) من الأهل والأموال الذين خلفهم المسافر وراءه، وتأمل في قوله: (استودع دينك) عند السفر، وذلك لأنه عُهد أن المسافرين في كثير من الأحيان يتعرض دينهم لنقصان عند السفر، ولذلك كان استيداع الدين عند الله تنبيهاً للمسافر، يا فلان! يا أيها المسافر! يا عبد الله! لا تنقص دينك عند السفر.
(استودع الله دينك وأمانتك) اجعل أهلك ومالك وديعة عند الله يحفظهم لك؛ حتى إذا رجعت من سفرك وجدتهم بخير حال كما فارقتهم أو أحسن.
وقال مجاهد : خرجت إلى العراق أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكما، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استودع الله شيئاً حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم عملكما).
وورد أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ودّع يقول: (استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) أي: أجعلك عند الله وديعةً، فهو الذي لا تضيع ودائعه سبحانه وتعالى، والبشر إذا استودعوا شيئاً ربما حفظوه وربما ضيعوه، والله عز وجل إذا استودع شيئاً؛ فإنه يحفظه سبحانه وتعالى.
وهاتان الصيغتان كلٌ منهما سنة عند توديع المسافر.
دعاء الخروج من البيت للمسافر
وهذا الدعاء عام للجميع ويدخل فيه المسافر: (باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل عليَّ) أليست هذه الأدعية داعيةٌ للمسافر ألا ينقص الدين أثناء سفره؟!!
دعاء الركوب والاستواء على الدابة
وتأمل في دعاء الركوب: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] ما كنا مطيقين لهذه الدابة وهذا المركوب لولا أن الله سخره لنا، وهو عز وجل يخلق ما لا تعلمون، فكما أنه خلق الجمل فقد خلق لنا السيارة والطائرة ونحوها: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96].
وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ما كنا لهذه الوسيلة وسيلة السفر مطيقين لها لولا أن الله سخرها لنا: وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف:14] تذكيرٌ للنفس أنها ستعود إلى الله، أنها ستموت وتعود وترجع إلى ربها، إذن هل سيقدم على المعاصي أثناء سفره إذا كانت تذكرته لنفسه حقيقية.
الدعاء أثناء السفر والرجوع منه
إذاً علينا اللجوء إلى الله عزوجل؛ لأن السفر فيه مشاق، حتى لو كان في الطائرة قد تأتي لحظات على الإنسان من الأعطال في الطائرة، أو سوء الأحوال الجوية ما تشعر فعلاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من عذاب).
(اللهم أنت الصاحب في السفر) أنت تصاحبني في سفري، أنت معي في سفري.
(والخليفة في الأهل) أي: وأنا أسخلفتك على أهلي؛ جعلتهم وديعةً عندك.
(اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر -شدته ومشقته- وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والول) فيستعيذ بالله أن يرجع إلى أهله فيجدهم بحالٍ سيئة، فهو إذن يدعو الله أن يحفظ أهله وأن يكون الله معهم يشفي سقيمهم، ويلُم شعثهم، ويحفظ عليهم دينهم وأمانتهم.
(والخليفة في الأهل) أي: هو المعتمد عليه عز وجل، والمفوض إليه الأمر غيبةً وحضوراً.
وإذا رجع عليه السلام من السفر زاد إلى ذلك: (تائبون عابدون لربنا حامدون) أي: تائبون مما وقع منا، عابدون لربنا حامدون على أن أرجعنا، وهكذا.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
آداب قضاء الحاجة [1، 2] | 2991 استماع |
آداب في زيارة الإخوان | 2891 استماع |
آداب تلاوة القرآن الكريم [1، 2] | 2448 استماع |
آداب الجوار | 2300 استماع |
آداب الهدية | 2298 استماع |
آداب الحوار [1، 2] | 2287 استماع |
آداب المزاح | 2287 استماع |
آداب الكلام والمحادثة | 2135 استماع |
آداب الاستئذان | 2027 استماع |
آداب الطعام [1، 2] | 1938 استماع |