آداب الحوار [1، 2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فهذه هي المجموعة الثانية من سلسلة الآداب الشرعية، وقد مضت المجموعة الأولى، وكنا قد انتهينا منها في سلسلة سابقة في عام مضى.

وهذا الموضوع -أيها الإخوة- موضوع عظيم؛ وذلك لأن الإنسان لا يخلو في حياته في حركاته وسكناته، بل حتى إذا خلا بنفسه، فهو إما أن يكون في علاقةٍ مع الله عز وجل، أو مع الخلق، أو مع النفس من جاجته إلى الأدب.

وقد سبق تعريف الأدب في السلسة الأولى وبيان أمورٍ تتعلق به، وفي هذه السلسلة -أو المجموعة الثانية- سنتحدث عن مجموعة أخرى -إن شاء الله- من الآداب، ونستهل ذلك بأدب الحوار في هذا الدرس.

أما بالنسبة للحوار: فهو من حار يحور إذا رجع، والمحاورة الجواب، والحوار هو تراجع الكلام والتجاوب فيه بالمخاطبة والرد، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حواراتٍ في كتابه العزيز، وهذه اللفظة وردت في قوله تعالى: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [الكهف:34] وفي قوله عز وجل: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1] الحوار خطاب وكلام.

وقلنا: حار أي: عاد ورجع، والحوار يعيد فيه الشخص ويبدئ، والمحاورة مراجعةٌ وكلامٌ في المخاطبة، وهي مجاوبة وتجاوب، فمراجعة المنطق والكلام في المخاطبة تسمى حواراً.

والفرق بين الحوار والمناظرة والجدال والمحاجة: أن الحوار أعمها جميعاً وكلها تدخل فيه؛ لأنها كلها تشترك معه في أنها مراجعة في الكلام ومداولة له بين الطرفين، فهي تدخل في معنى الحوار من هذه الجهة، ثم تخرج المناظرة في دلالتها على النظر والفكر، والجدال والمحاجة في دلالتهما على المخاصمة والمنازعة

وأهمية الحوار في حياتنا كبيرة جداً، فمن جهة نحتاج أن نعرف أدب الحوار؛ لأن الدعوة إلى الله عز وجل تحتاج إلى الحوار، حوار الداعي مع المدعو، والله عز وجل قال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل:125] وهذا أمرٌ بالحوار في الدعوة.

ثانياً: الوصول إلى الحق.. نحتاج إلى الحوار للوصول إلى الحق، وهدفٌ عظيم أن يصل المسلم إلى الحق.

ثالثاً: الرد على أهل الباطل، وهذا يتم بالحوار لإقناعهم، وهو فرعٌ من الدعوة التي تقدم الحديث عنها، وعلى سبيل المثال: المنافقون في عصرنا يتكلمون عن تحرير المرأة، ويدْلون بحجج هي واهية، لكن لابد من الحوار مع هؤلاء لإسقاط الحجج التي احتجوا بها وبيان وهيها؛ فمثلاً يقولون: لماذا تنكرون الاختلاط وهناك اختلاط في الحرم؟ فنقول: فرقٌ بين الاختلاطين.. الاختلاط العارض والاختلاط الدائم، فهذه حال امرأة تدخل الحرم لكي تؤدي العمرة أو الحج في الطواف والسعي، ثم بعد ذلك تنفصل عن الرجال في الصلاة، ثم أنتم تقولون: تختلطوا في الأعمال وأماكن الدراسة والعمل طيلة العام؛ فأين هذا من هذا؟ ثم هذه عبادة أقل شيء أن الإنسان يستحي فيها من أن يعمل شيئاً محرماً، أو أن تتبرج المرأة وتتزين أو تغري، أو أن تجذب إليها الفسقة وغيرهم، ثم أين هذا من وقوع ذلك يومياً وباستمرار في الأعمال وأماكن الدراسة ونحو ذلك؟ ثم إن هذا الاختلاط في تلك الأماكن لا يخلو من زينة ودنيا، بخلاف ما يحدث في الحرم من دين وعبادة.. ونحو ذلك من أوجه الرد، والشاهد أن المسألة مسألة حوار للرد عليهم.

عندما تأتي امرأة عاهرة لا تضع حجاباً على وجهها ولا على شعرها، وتقول: لماذا تأمروننا بتغطية الوجه، وكشف الوجه مذهب الأئمة الثلاثة؟ فنقول: أولاً من سمح لكِ أن تتكلمي في الفقه؟ وما علاقتك بالأحكام الشرعية؟ إن الذي يتكلم في الأحكام هم العلماء وطلبة العلم، أما الفاسق والفاسقة من هؤلاء المنافقين والعلمانيين فلا دخل لهم بالعلم الشرعي، ولا يجوز لهم أن يتحدثوا في هذا الأمر، ولا أن يرجحوا وينظروا في الأدلة.

ثم هل يريدون الذي يناقش في ذلك من أرباب الأهواء والشهوات بالتأكيد أنه لا يريد الوجه فقط؛ بل يريد ما بعد الوجه من كشف الشعر وبقية الجسم والاختلاط... إلخ.

فإذاً يريدون مسألة الوجه أن يدقق الكلام فيها للتوصل إلى ما بعدها من الفساد، وهكذا.. فالمقصود أننا في الواقع نتعرض لكلام هؤلاء فيجب أن نجيب عليهم، وأن نقيم عليهم الحجة، وقد ندخل في حوارات مع مثل هؤلاء، فلابد أن يكون لهذه الحوارات شروطاً وآداباً، ثم إننا نعيش -أيها الإخوة- في عصرٍ قد كثرت فيه الآراء والاجتهادات، والوصول إلى تنقيح هذه الآراء ومعرفة الصواب منها يحتاج إلى حوار، نحن الآن في أمرٍ مريج.. قلة العلم، وكثرة القضايا، وهي مشكلة كبيرة، وهذا لا شك يحتاج إلى إجادة الحوار.

ثم من فوائده أيضاً: التعليم، فهناك حواراتٌ تعليمية؛ كما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام في الحديث المشهور بحديث جبريل، وهذا الذي ندعو الشباب إلى إقامته كبديلٍ نافع عن التمثيليات التي فيها شبهات من الكذب، أو تقمص الشخصيات، أو ادعاء أشياء ونحو ذلك، فنقول لهم: إذا أردتم بديلاً عن التمثيليات التي فيها كلامٌ كثير فأعطونا الحوارات العلمية أو الحوارات المفيدة، أقيموا حوارات بين اثنين أو أكثر يظهر فيها تعلم أمور نافعة بدلاً من هذه التمثيليات التي يكون فيها غناء، أو يكون في بعضها محرم أو شبهة.

وكذلك فإن الحوار فيه استرجاع للصفاء عند حصول الشحناء؛ فإن مما يزيل الشحناء الحوار أو المعاتبة، والمعاتبة حوار؛ لأن كلاً من الطرفين سيبدي معذرته ولماذا فعل ما فعل، وإزالة الشحناء والبغضاء في الحوار بالمعاتبة هي نوعٌ من الحوار

والله سبحانه وتعالى قد ذكر في كتابه العزيز حوارات كما تقدم

الحوارات في كتاب الله

ومن الحوارات في القرآن الكريم الحوار الذي دار بينه عز وجل وملائكته الكرام: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:30-33] فهذا حوار.

كذلك دارت حوارات بين الأنبياء وأقوامهم، وهذه كثيرة جداً قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ... [نوح:5-7] وبسبب هذه الحوارات دخل أناس في دين الإسلام، والآن على شبكة الأنترنت -مثلاً- حوارات بين مسلمين وكفار ينتج منها دخول أشخاص في الدين، وفي الشركات والأعمال -لمن ابتغى وجه الله من الدعاة إلى الله تعالى- حوارات بينهم وبين زملائهم في العمل، يهتدي بها أشخاص، أنت تريد أن تقنع شخصاً بعدم إدخال جهاز مفسد إلى البيت فبالحوار؛ لأنه سيبدي ما عنده من الأسباب ويقول لك: تحتوي على أخبار، تحتوي على فوائد، تحتوي على منافع، تحتوي على أشياء تعليمية، وتحتوي على حياة الحيوان، وتحتوي على كذا، ثم أنت تبين له الأضرار والمفاسد، وتدور على ذلك مناقشة، هذا حوار.

وقد كان إبراهيم الخليل عليه السلام ممن اشتهر بالحوار، وقوة الحجة، وظهور البرهان، والقدرة على الإفحام، كما قال الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [الأنعام:83] وحاور الملك الكافر.. إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] ثم صار جدالاً عقيماً: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] فقطع عليه الخط وألزمه بهذه الحجة الباهرة، وكذلك لما حاج قومه: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء:51-53] هذه هي الحجة، قال: ما هذه التماثيل؟ قالوا: وجدنا آباءنا..إلخ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [الأنبياء:54-56] ولما كسر الأصنام استدعي للتحقيق: قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ [الأنبياء:62-64] الآيات.

وموسى عليه السلام كان له حوارات مع فرعون، ومؤمن آل فرعون كان له حوار جميل جداً ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة المؤمن.

الحوارات من السنة

وسيرة نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم العطرة زاخرة بالمواقف والحوارات مع المشركين وغيرهم، ولما حاور عتبة بن ربيعة وقال: قل يا أبا الوليد أسمع، وانتهت بأن مضى عتبة فزعاً مما سمع.

وكذلك لما جاءه ضمام بن ثعلبة وافداً إليه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وقال: (أيكم محمد؟ فقال الصحابة: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال: يابن عبد المطلب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال: إني سائلٌ فمشددٌ عليك في المسألة فلا تجد عليَّ في نفسك، قال: اسأل ما بدا لك، قال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء وبسط الأرض ونصب الجبال أألله أرسلك؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا زكاةً في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ وسأله عن الحج، فلما ولى قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن).

ومن الحوارات في القرآن الكريم الحوار الذي دار بينه عز وجل وملائكته الكرام: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:30-33] فهذا حوار.

كذلك دارت حوارات بين الأنبياء وأقوامهم، وهذه كثيرة جداً قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ... [نوح:5-7] وبسبب هذه الحوارات دخل أناس في دين الإسلام، والآن على شبكة الأنترنت -مثلاً- حوارات بين مسلمين وكفار ينتج منها دخول أشخاص في الدين، وفي الشركات والأعمال -لمن ابتغى وجه الله من الدعاة إلى الله تعالى- حوارات بينهم وبين زملائهم في العمل، يهتدي بها أشخاص، أنت تريد أن تقنع شخصاً بعدم إدخال جهاز مفسد إلى البيت فبالحوار؛ لأنه سيبدي ما عنده من الأسباب ويقول لك: تحتوي على أخبار، تحتوي على فوائد، تحتوي على منافع، تحتوي على أشياء تعليمية، وتحتوي على حياة الحيوان، وتحتوي على كذا، ثم أنت تبين له الأضرار والمفاسد، وتدور على ذلك مناقشة، هذا حوار.

وقد كان إبراهيم الخليل عليه السلام ممن اشتهر بالحوار، وقوة الحجة، وظهور البرهان، والقدرة على الإفحام، كما قال الله تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [الأنعام:83] وحاور الملك الكافر.. إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258] ثم صار جدالاً عقيماً: قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] فقطع عليه الخط وألزمه بهذه الحجة الباهرة، وكذلك لما حاج قومه: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء:51-53] هذه هي الحجة، قال: ما هذه التماثيل؟ قالوا: وجدنا آباءنا..إلخ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [الأنبياء:54-56] ولما كسر الأصنام استدعي للتحقيق: قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ [الأنبياء:62-64] الآيات.

وموسى عليه السلام كان له حوارات مع فرعون، ومؤمن آل فرعون كان له حوار جميل جداً ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة المؤمن.

وسيرة نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم العطرة زاخرة بالمواقف والحوارات مع المشركين وغيرهم، ولما حاور عتبة بن ربيعة وقال: قل يا أبا الوليد أسمع، وانتهت بأن مضى عتبة فزعاً مما سمع.

وكذلك لما جاءه ضمام بن ثعلبة وافداً إليه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وقال: (أيكم محمد؟ فقال الصحابة: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال: يابن عبد المطلب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أجبتك، قال: إني سائلٌ فمشددٌ عليك في المسألة فلا تجد عليَّ في نفسك، قال: اسأل ما بدا لك، قال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق، قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السماء وبسط الأرض ونصب الجبال أألله أرسلك؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا زكاةً في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك أألله أمرك بهذا؟ وسأله عن الحج، فلما ولى قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن).