أرشيف المقالات

الأدب والفن في أسبوع

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
للأستاذ عباس خضر على هامش اليونسكو: يوالي مؤتمر اليونسكو عقد جلساته في بيروت، وتلقى في هذه الجلسات خطب تتضمن الإشادة بمثل الثقافة الإنسانية والتعاون العالمي في الميدان الفكري، وتقدم اقتراحات، وتؤلف لجان.
ويلاحظ في تبادل التحيات بين ممثلي الدول المختلفة، ما يبديه رجال الغرب من تنويه بفضل ثقافة العرب على الحضارة الغربية، وعزم على توثيق الروابط الفكرية بين الشرق والغرب، ثم ثناء على كرم الضيافة العربية. وكل ذلك جميل رائع، ولكن لست أدري أي شيطان بعث إلى تصوري بجانب ذلك صورة كلاب الحراسة التي ضربها أستاذنا الزيات مثلاً للمهذبين من بني آدم.

قلت في نفسي، أو قال لها ذلك الشيطان: إنها نوبة التهارش! ألست تتمثل أولئك المندوبين العالميين في قصر اليونسكو تحت ظلال أشجار الأرز بلبنان.
.؟ يكادون يذوبون من فرط الرقة والتلطف والمجاملة فليس هناك وجبة تقدم ولا عظمة في حواشي الفناء.

.
المسألة كلها خطب وفلسفات، فما الداعي إلى العراك وتحلب الأشداق واحمرار الأحداق؟ هذا مكانه (ليك ساكسس) و (قصر شايو) حيث يأكلون لحم الأمم الصغيرة وعظامها أيضاً.
أما في مؤتمر الثقافة فلا بأس من التظاهر بالتعاطف والثناء على الشرق وكرم الضيافة العربية.
وسينفض المؤتمر ويترك الحبر على الورق ويعود المندوبون رجال سياسة، كما يعود الزعماء والوزراء وغيرهم من الكبار إلى قصورهم ومكاتبهم بعد زيارة الفلاحين في حقولهم وتقديرهم لمجهود الفلاح وفضله، ورثائهم لسوء عيشه، ووعدهم بتحسين حاله ورفع مستواه. وعد بنا إلى كلاب الحراسة تحت ظلال الشجر.

هذه الكبار توطئ أكتافها للصغار وتبدي لها الود، وهؤلاء مندوبو الغرب يقترحون على اليونسكو مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في حدود اختصاصها، ويشكرهم مندوبو البلاد العربية.
ويقول لي ذلك الشيطان: أترى في ذلك أكثر من العطف العقيم في أثناء التهارش تحت ظل الأشجار.

أم ترى اليونسكو تعمل شيئاً جدياً لهؤلاء المساكين غير (التوصيات).
! ذكرت بذلك حكاية جارية غنت في مجلس فأجادت، فقام إليها رجل من الجالسين وقال لها: بأبي أنت وأمي، وددت لو كان لي مال فوهبته لك.
.
ولكنني أرجو أن يجعل الله لك كل حسنة لي ويجملني عنك كل سيئة عليك.
فأقبلت عليه الجارية وشكرته.
فتقدم رجل آخر وقال لها: كل مملوك لي حر وكل امرأة طالق إن كان قد وهب لك شيئاً أو حمل عنك ثقلاً، فماله حسنة يهبها لك ولا عليك سيئة يحملها عنك، فعلى أي شيء تشكرينه؟ عزيزي الأستاذ محمد عبد الوهاب أعبر لحضرتكم عن شعوري إذ أقول إن قلبي كان معكم حينما كتبت إلى الآنسة أم كلثوم في شأن تحكمها في الإذاعة، أو إغداق الإذاعة عليها، بمنحها خمسين جنيهاً في كل مرة تذاع لها أغنية مسجلة مأجورة عند تسجيلها، حتى يقدر مجموع ذلك بنحو ألف جنيه في الشهر. كان قلبي معك يا أستاذ عبد الوهاب، لأن الإذاعة تخص أم كلثوم بتلك المعاملة الهائلة.
.
أما أغنياتك المسجلة فتشكو الأثير جراحاً.
.
ولذلك سرني ما نشر من أنك طلبت عدم إذاعة أغانيك، وأن الإذاعة رجتك أن تعدل عن هذا الطلب مؤقتاً إلى أن تعقد معك اتفاقاً جديداً. فامض في طلبك وتشدد فيه، فإن هذه الإذاعة لا ينفع معها غير ذلك.
وإنك لابد ظافر بألف جنيه في الشهر، وأعلم أنك وأم كلثوم الدعامتان اللتان يقوم عليهما فن الغناء والموسيقى في هذا العصر، وأن أمثالكما من كبار الفنانين في روسيا الشيوعية ينالون أكبر الأجور ويصيبون أوفر حظاً من الترف والنعيم، كما يترامى إلينا من وراء الستار الحديدي. فاحرص أيها الفنان العظيم على ذلك الحق (الشيوعي) كما تحرص عليه أم كلثوم، وكما يحرص عليه كبار الموظفين في الإذاعة وإن لم يكونوا من الفنانين.

وعلى كل مذيع بعد ذلك، وعلى الديموقراطية، وعلى الإذاعة، السلام.

وسلام عليك. نحو الحياد الثقافي: نشرت (المصري) لمراسلها بباريس عن أنباء موسكو أنه صدر فيها بلاغ رسمي جاء فيه أن أكاديمية العلوم ستنشر 42 كتاباً في سنة 1949 عن الدراسات الشرقية منها كنب هامة عن العرب والأدب العربي الحديث، وقد كتب عن الموضوع الأخير المستشرق برجناني كراشكوفسكي، وأهم ما كتب فيه يتعلق بالمؤلفين والكتاب العرب في خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وستنشر الأكاديمية أيضاً كتاباً عن تحليل ما بقي من اللغة العربية في اللغات التي يستخدمها سكان جمهورية أوزبك السوفيتية، وعنوان الكتاب (العرب في أسيا الوسطى). وعلق المراسل على ذلك بأن هذا الاهتمام من جانب روسيا بشؤون العرب لا يقاس إلى جانب المعركة الخفية بين رجال الحزب الشيوعي وبين رجال الدين الإسلامي في جنوب الاتحاد السوفييتي وذكر المراسل كلاماً كثيراً دلل به على هذه المعركة، منه امتناع التلاميذ المسلمين عن المدارس لاعتقادهم أن في المواد الدراسية ما يتنافى مع الدين الإسلامي، ومنه استغلال بعض الكتاب حرية النقد في الطعن في الإسلام وإنكار وجود الله.
.
الخ. ولا شك إن المقارنة بين اهتمام روسيا بشؤون العربية الأدبية والثقافية وبين المعركة الدينية الخفية، خلط ظاهر.

فالخبر نفسه ذو أهمية كبيرة، فنحن نسعى إلى رواج أدبنا وثقافتنا في العالم ونحب أن نعرف بأنفسنا، وأن يتحقق التعاون الفكري العالمي بالأخذ والعطاء بيننا وبين سائر الدول شرقية وغربية.
والأمم الرشيدة تعمل لنشر ثقافتها في خارج حدودها، وتبذل في هذا السبيل جهوداً كبيرة.
فلا يجوز أن نواجه اهتمام أي دولة بآدابنا وشؤوننا الفكرية - بالتهوين من شأنها بمثل هذا الكلام.
وهل نحن نقول للمستشرقين الفرنسيين إن جهودكم في خدمة التراث العربي لا قيمة لها لأن فرنسا تصنع بمسلمي المغرب ما تصنع؟ وهل نقول مثل ذلك للمستشرقين الهولنديين لتنكيل هولندا بمسلمي إندونيسيا؟ ثم إنجلترا التي تقفل جنوب السودان في وجه الإسلام وتيسر للمبشرين من إرساليات الكاثوليك والبروتستانت أن ينشروا هناك دعاياتهم الدينية - أنرفض التعاون مع مستشرقيها لذلك.
؟ وإذا كنا ندعو إلى الحياد السياسي أو نختلف فيه، فما أظن الحياد الثقافي إلا جديراً بتأييده والإغداق عليه. ضيعة الشباب في مصر: تلقت وزارة المعارف كتاباً من اتحاد الطلبة لجامعات فرنسا يطلب فيه موافاته بما قامت به مصر في خدمة شبابها.
وقد أخذت الوزارة في إعداد البيان المطلوب. وخدمة الشباب هي استغلال أوقات فراغهم في إنماء ثقافاتهم وإبراز ملكاتهم الفنية وتعهدها، وتربية أذواقهم وأبدانهم، بالمطالعة والمحاضرة والسينما الثقافية والرحلات والألعاب وغير ذلك من مختلف الوسائل.
وتقوم بها في مصر إدارة خدمة الشباب بوزارة المعارف وبعض الجمعيات الكبيرة كجمعية الشبان المسلمين وجمعية الشبان المسيحية وجمعية الأخوان المسلمين، والثانية أكثرها نشاطاً في هذا المضمار. أما إدارة خدمة الشباب فهي إدارة صغيرة ناشئة تشق طريقها جاهدة في حدود (المستطاع) وهو قليل.
وحسبك أن تعلم أنه لا ميزانية لها.
.
بدأت العمل وسارت فيها وقطعت أشواطاً وليس لها اعتماد مالي! لم تقف أمام ضيق الميزانية جامدة، بل تلفتت حولها فلمحت إلى جانبها (إدارة التأمين الاجتماعي) وهي ذات صندوق يتكون ما فيه من النقود التي يدفعها طلبة المدارس الثانوية بقصد التعاون الاجتماعي بينهم، ينفق منها على من يحتاج منهم إلى المساعدة في الأغراض والحالات الضرورية.
نظرت إدارة خدمة الشباب إلى أختها إدارة التأمين الاجتماعي، وهشت لها وتلطفت قائلة: ألسنا نتحد في الغاية وهي العمل لمصلحة الشباب؟ فلم تضن عليها بل وضعت نفسها وما تملك في خدمتها أي خدمة الشباب.
وبذلك استطاعت إدارة خدمة الشباب أن تعمل، فنظمت المهرجان الأدبي والفني، ودعت الشباب إلى مشاهدة الأفلام الثقافية في دارها، وتعاقبت أفواج منهم في الاصطياف بمخيماتها على شاطئ الإسكندرية في الصيف الماضي.
وأخيراً تم إنشاء سبعة فروع منها موزعة بمدارس القاهرة، في كل منها ما يتيسر من وسائل التثقيف وأنواع الفنون والألعاب. كل ذلك ليس بشيء إلى جانب ما ينبغي لخدمة الشباب في هذه البلاد التي تتسكع فلذات أكبادها في طرقاتها كالكلاب الضالة.
.
واذهب إلى الأحياء التي تسكنها الطبقات المتوسطة، وهي التي يتكون منها سواد الطلبة في المدارس، مثل عابدين وجنينة قاميش وبعض جهات شبرا والعباسية، وانظر ماذا يصنع الشباب في أوقات الفراغ.
.
فهذه جماعات على الطوار تحملق في الغاديات والرائحات، وتصطنع نوعاً من الغزل (الشوارعي) كثيراً ما يجر المشاكل والمعارك.
والمحظوظون السعداء هم الذين ظفروا من ذويهم ببعض النقود فاستبقوا إلى دور السينما والمقاهي.
وهذه الطبقات تنعدم فيها أسباب الفائدة في قضاء أوقات الفراغ إلى ما هو معروف من الفوضى في حياة الأسر وسوء التربية المنزلية؛ ومن ثم ندرك الحاجة الماسة إلى الوسائل العامة لخدمة شبابنا، ومما يرثى له أن هذه الحاجة لا يقابلها ما ينبغي لها من الجهود والعناية، على حين نجد البلاد التي ليست حال الشباب بها كذلك لتقدم الحياة الاجتماعية فيها تهتم بخدمة الشباب اهتماماً لا يذكر بجانبه ما تظفر به هذه الخدمة في مصر، فلو أحصى من نصل إليهم من أسباب إدارة خدمة الشباب لم يزيدوا على ألف شاب من القاهرة، ويبقى بعد ذلك في العاصمة والأقاليم مئات الآلاف مضيعين، بل إن الذين يستفيدون فعلاً لا يتحقق لهم مما يرجى إلا القليل. إنه إذا أمكن حصر الخدمات التي تقوم بها الدولة والهيئات للشباب بمصر في أي تقرير أو بيان، فإن ضيعة الشباب بها لا ينتهي الكلام فيها عند حد.
من ظرف المجالس: كان موضوع الحديث مذهب (السريالزم) في الفنون الذي يرمي إلى الفضاء وصفها بالجمال.
.
فإنك تنظر إلى الصورة فلا تعرف لها معنى، وتستعين بصاحبها فلا تجد في شرحه غناء.
والشيء الوحيد الذي تتركه هذه الصور في نفسك هو تأثرك من بشاعة منظرها وما فيها من العبث بالطبيعة.

وقد سرب هذا الاتجاه إلى قليل من الشعر العربي الحديث، وإن كان يقف بهذا القليل عند من يأتي به! نص أحد الأصحاب ما حدث أخيراً في أحد المعارض الأوربية إذ زاره رسام أمريكي وشاهد فيه بعض الصور مقلوبة الوضع، وراجع ما كتبه النقاد من أنصار (السريالزم) عن هذا المعرض فوجدهم قد أثنوا على صوره، وخصوا الصور المقلوبة بوافر الثناء ولم يلاحظ أحد منهم أن أعلاها في أسفلها وأسفلها في أعلاها! قال آخر: العجيب أن (السريالزميين) يقولون إنهم ينتفعون بالنظريات العلمية والثقافات الحديثة، ولكن ما أثر هذه النظريات والثقافات في إنتاجهم هذا؟ قال ثالث: أثرها واضح يا أخي كل الوضوح.
.
ألست ترى ما فيها من آثار مذهب دارون في النشوء والارتقاء.؟ تركيب: نظرت لجنة الألفاظ والأساليب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية في هذا التركيب: (يحب ابنه كما لا يحب والد ولده) هل هو صحيح، وما هو التركيب الفصيح الذي يؤدي هذا المعنى؟ قال بعض الأعضاء إنه تركيب سليم وتخريجه: يحب ابنه مثل حب عظيم لا يحبه والد ولده. فقال عضو آخر: إننا إذا فرضنا صحته فإن الركاكة بادية عليه ولم اللجوء إليه وإلى تصويبه والتعبير الفصيح المماثل له ورد في القرآن الكريم وهو (ومن كفر فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين)؟ وعلى ذلك يكون ذلك التركيب فصيحاً هكذا: يحب ابنه حباً لا يحبه والد ولده.
فاستحسن الأعضاء هذا الرأي وأقرته اللجنة. عباس خضر

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢