آداب التهنئة


الحلقة مفرغة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

بالنسبة لموضوع التهنئة فإن التهنئة في اللغة هي بخلاف التعزية, فيقال: هنأه بالأمر والولاية تهنئة وتهنيئاً، إذا قال له: ليهنك أو ليهنأك أو هنيئاً, فإذا قال له أي عبارة من هذه العبارات فهذه تهنئة.

والهنيء والمهنأ ما أتاك بلا مشقة ولا تنغيص ولا كدر, والهنيء من الطعام السائغ, واستهنأت الطعام أي: استمرأته.

وقد تدخل التهنئة في التبشير، ولها مرادفات أخرى تشترك معها في بعض المعنى مثل: التبريك, والترفئة, ونحو ذلك.

أما بالنسبة للتبريك فهو مصدر برك، هو أن يقول الشخص لآخر: بارك الله عليك أو بارك الله لك, ومعنى هذا: الدعاء للإنسان بالبركة, والبركة هي النماء والزيادة, والتبريك خير من عند الله سبحانه وتعالى, يصدر من حيث لا يحس الشخص، والبركة شيء لا يحصى ولا يحصر, ولذلك يقال لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: أن فيه بركة, والنبي صلى الله عليه وسلم ترك لـعائشة طعاماً من شعير كانت تأكل منه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مدة طويلة ولم ينته, ثم لما كالته فني.

إذاً: قد يكون الطعام الذي يبقى كثيراً دون أن ينتهي أو أنه لا ينتهي إلا بعد مدة طويلة فيه بركة. والمال يبقى عنده وهو ينفق منه ولا ينتهي بسرعة فيحس أن فيه بركة, ولا شك أن المال الذي فيه بركة يختلف عن المال الذي ليس فيه بركة, فمن آثار البركة في المال أنه لا ينفد بسرعة, ومن آثار عدم بركة المال نفاده بسرعة. ومن آثار البركة في المال أن له نتائج محسوسة ينتفع بها الإنسان, ومن آثار عدم البركة في المال أنه لا ينتفع به.

وموضوع البركة موضوع طويل ربما يحتاج إلى درس خاص، ولعله يكون في خطبة, فنتكلم عن موضوع البركة وأسبابها وما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى, لكن الدعاء بالبركة يدخل في التهنئة, وهي أن تدعو للشخص بالبركة.

بعبض الآثار والأحاديث الواردة في البركة

لنأخذ بعض الآثار والأحاديث في ذلك: فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد سمي بذلك؛ لأنه ما من نبي جاء بعده إلا كان من نسله, كما دلت عليه الآيات الواردة: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84] ثم ذكر بعد ذلك أنبياء كثيرين، فكل نبي أتى بعد إبراهيم فهو من ذرية إبراهيم، فلذلك سمي إبراهيم بأبي الأنبياء, وإبراهيم عليه السلام لما ترك هاجر وابنها في مكة كبر إسماعيل وتزوج وجاء إبراهيم بعد ذلك ليتفقده, فجاء إلى الزوجة الأولى وحصل ما حصل من الكلام الذي لم يعجبه، وبعد ذلك جاء إلى الزوجة الثانية ولم يجد ولده إسماعيل، فسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالتهذه الزوجة المبرورة غير الكفورة: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله, فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم, قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء, قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء؛ فلذلك يقول أهل العلم: إن اللحم والماء تناولهما والإكثار منهما يضر إلا في مكة , فإن تناول اللحم والماء لا يضر بسبب دعوة إبراهيم عليه السلام، فهو دعا لهما فقال: اللهم بارك لهما في اللحم والماء.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالبركة لمن يزورهم، فلما أُتي بشراب شربه ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقام أبي وأخذ بلجام دابته بعدما طعم عندهم وأراد أن ينصرف وقال: (ادع الله لنا, فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم).

كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب من الملكين أن يدخلاه بيته الذي في الجنة دعا لهما بالبركة, فإذا أردت أي طلب من شخص ما تقول: أعطني هذا بارك الله فيك, وهذه الصيغة لها دليل، فقد جاء في صحيح البخاري في كتاب التعبير لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع الملكين: (قالا لي: هذه جنة عدن -طبعاً في الرؤيا- وهذاك منزلك, قال: فسما بصري صعداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء, قال: فقلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله, قالا: أما الآن فلا) حتى يكون دخوله صلى الله عليه وسلم قصره في الجنة يوم القيامة.

فالشاهد أنه لما طلب شيئاً قال: (بارك الله فيكما ذراني...) الحديث.

فلو طلبت شيئاً فقلت مثلاً: بارك الله فيك افعل لي كذا ونحوه فله شاهد.

والنبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي طلحة لما مات ولده فأخفت امرأته الخبر وغسلت الولد وكفنته ووضعته في ناحية البيت وتزينت لزوجها حتى وقع عليها ولما علم غضب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم, فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أعرستم الليلة؟ -أي: أتيتها- قال: نعم. قال: بارك الله لكما) فولدت غلاماً مات شهيداً، واسمه عبد الله وهو أخو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

وكذلك الملك لما جاء إلى الثلاثة الأقرع والأبرص والأعمى من بني إسرائيل ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وأعطى هذا قطيعاً من الإبل وهذا قطيعاً من البقر، كان يقول للشخص بعدما يعطيه: (بارك الله لك فيها, ثم أتى الأقرع وقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس, قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً، فقال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً وقال: بارك الله لك فيها) ولذلك توالدت وتكاثرت حتى صارت وادياً عظيماً.

فإذا جاء الإنسان نعمة أو مال يدعى له بالبركة.

كذلك من معنى التبريك المتعلق بالتهنئة ما جاء في حديث البخاري رحمه الله تعالى في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بـزينب بنت جحش، فإنه لما تزوج بها دعا الناس إلى الخبز واللحم فأكلوا ولم يبق أحد يدعى إلا دعي, حتى قال أنس: (فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحداً أدعوه, فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك, فطرق حجر نسائه كلهن يقول لهن كما قال لـعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ).

إذاً من تهنئة المتزوج أن يدعى له بالبركة بعد الدخول أيضاً؛ لأن عائشة قالت له بعد الدخول: (كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك).

وأيضاً الإنسان إذا عرض عليه شيء من المال وهو لا يريد أخذه فإنه يدعو بالبركة حتى لو أخذه, لكن الشاهد على الأول حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري , فقال سعد الأنصاري لـعبد الرحمن المهاجري : [أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق] فهو تاجر يعرف التجارة, كأنه يقول: لا أريد أن آخذ منك شيئاً، دلوني على السوق وأنا أعرف طريقي, وفعلاً تاجر حتى صار له مال كثير.

لنأخذ بعض الآثار والأحاديث في ذلك: فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد سمي بذلك؛ لأنه ما من نبي جاء بعده إلا كان من نسله, كما دلت عليه الآيات الواردة: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84] ثم ذكر بعد ذلك أنبياء كثيرين، فكل نبي أتى بعد إبراهيم فهو من ذرية إبراهيم، فلذلك سمي إبراهيم بأبي الأنبياء, وإبراهيم عليه السلام لما ترك هاجر وابنها في مكة كبر إسماعيل وتزوج وجاء إبراهيم بعد ذلك ليتفقده, فجاء إلى الزوجة الأولى وحصل ما حصل من الكلام الذي لم يعجبه، وبعد ذلك جاء إلى الزوجة الثانية ولم يجد ولده إسماعيل، فسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالتهذه الزوجة المبرورة غير الكفورة: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله, فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم, قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء, قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء؛ فلذلك يقول أهل العلم: إن اللحم والماء تناولهما والإكثار منهما يضر إلا في مكة , فإن تناول اللحم والماء لا يضر بسبب دعوة إبراهيم عليه السلام، فهو دعا لهما فقال: اللهم بارك لهما في اللحم والماء.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالبركة لمن يزورهم، فلما أُتي بشراب شربه ثم ناوله الذي عن يمينه، قال: فقام أبي وأخذ بلجام دابته بعدما طعم عندهم وأراد أن ينصرف وقال: (ادع الله لنا, فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم).

كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب من الملكين أن يدخلاه بيته الذي في الجنة دعا لهما بالبركة, فإذا أردت أي طلب من شخص ما تقول: أعطني هذا بارك الله فيك, وهذه الصيغة لها دليل، فقد جاء في صحيح البخاري في كتاب التعبير لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع الملكين: (قالا لي: هذه جنة عدن -طبعاً في الرؤيا- وهذاك منزلك, قال: فسما بصري صعداً فإذا قصر مثل الربابة البيضاء, قال: فقلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله, قالا: أما الآن فلا) حتى يكون دخوله صلى الله عليه وسلم قصره في الجنة يوم القيامة.

فالشاهد أنه لما طلب شيئاً قال: (بارك الله فيكما ذراني...) الحديث.

فلو طلبت شيئاً فقلت مثلاً: بارك الله فيك افعل لي كذا ونحوه فله شاهد.

والنبي صلى الله عليه وسلم في قصة أبي طلحة لما مات ولده فأخفت امرأته الخبر وغسلت الولد وكفنته ووضعته في ناحية البيت وتزينت لزوجها حتى وقع عليها ولما علم غضب فأتى النبي صلى الله عليه وسلم, فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أعرستم الليلة؟ -أي: أتيتها- قال: نعم. قال: بارك الله لكما) فولدت غلاماً مات شهيداً، واسمه عبد الله وهو أخو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

وكذلك الملك لما جاء إلى الثلاثة الأقرع والأبرص والأعمى من بني إسرائيل ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وأعطى هذا قطيعاً من الإبل وهذا قطيعاً من البقر، كان يقول للشخص بعدما يعطيه: (بارك الله لك فيها, ثم أتى الأقرع وقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس, قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً، فقال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً وقال: بارك الله لك فيها) ولذلك توالدت وتكاثرت حتى صارت وادياً عظيماً.

فإذا جاء الإنسان نعمة أو مال يدعى له بالبركة.

كذلك من معنى التبريك المتعلق بالتهنئة ما جاء في حديث البخاري رحمه الله تعالى في زواج النبي صلى الله عليه وسلم بـزينب بنت جحش، فإنه لما تزوج بها دعا الناس إلى الخبز واللحم فأكلوا ولم يبق أحد يدعى إلا دعي, حتى قال أنس: (فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحداً أدعوه, فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك, فطرق حجر نسائه كلهن يقول لهن كما قال لـعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ).

إذاً من تهنئة المتزوج أن يدعى له بالبركة بعد الدخول أيضاً؛ لأن عائشة قالت له بعد الدخول: (كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك).

وأيضاً الإنسان إذا عرض عليه شيء من المال وهو لا يريد أخذه فإنه يدعو بالبركة حتى لو أخذه, لكن الشاهد على الأول حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه, لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري , فقال سعد الأنصاري لـعبد الرحمن المهاجري : [أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق] فهو تاجر يعرف التجارة, كأنه يقول: لا أريد أن آخذ منك شيئاً، دلوني على السوق وأنا أعرف طريقي, وفعلاً تاجر حتى صار له مال كثير.

ومما يتعلق بالتهنئة -أيضاً- الترفئة، وهي نوع خاص من التهنئة، وهو التهنئة بالزواج، أي لا يقال: رفاه ترفئة وترفياً وترفيئاً وترفئة إلا لمن هنأه بالزواج, ولذلك عرف أن تقول: بالرفاء والبنين، ومعنى الرفاء: الالتئام والاتفاق والالتحام وجمع السند.

هذا بالنسبة لما يتعلق بالتهنئة والأشياء القريبة منها.

ولنأخذ بعض الأحاديث التي وردت في التهنئة.

من أشهر الأحاديث التي وردت حديث كعب بن مالك الذي أشار إليه النووي رحمه الله وغيره في هذا الباب, قال البخاري رحمه الله في كتاب الاستئذان: باب المصافحة, وقال ابن مسعود : [علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه] وقال كعب بن مالك: (دخلت المسجد وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني) والبخاري رحمه الله أتى بها معلقة لكن وصلها في الصحيح، ووردت كذلك في صحيح مسلم , وجاء في الحديث الطويل: (والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لـطلحة), فالشاهد منه أنه قال: هنأني, هنأه بأي شيء؟ بتوبة الله سبحانه وتعالى عليه, إذاً هذه تهنئة تتعلق بأمر ديني.

كذلك -مثلاً- أن يهنئه بما عنده من العلم أو إذا أصاب الحق, مثلاً: سئل سؤالاً فأفتى بفتيا فأصاب الحق، فيهنأ كما هنأ النبي صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب , فقد روى مسلم رحمه الله في كتاب صلاة المسافرين وقصرها عن أبي بن كعب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم, قال: يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] -يعني في الأول ما أراد أن يجيب، أدباً، ينتظر الجواب من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كرر النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: أجاب بما يعرف- قال: فضرب على صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر ) فهذا من التهنئة.

والتهنئة على أي حال مستحبة في الجملة؛ لأنها مشاركة من المسلم لأخيه المسلم فيما يسره ويرضيه, وكثيراً ما يكون فيها دعاء بالبركة كما سبق في بعض الأحاديث, ولا شك أن التهنئة مما يبعث التواد والتراحم والتعاطف بين المسلمين.

والمؤمنون يهنئون في الجنة بما عندهم من النعيم، كما قال الله تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور:19].

والتهنئة تكون بكل ما يسر ويسعد مما يوافق شرع الله تعالى, فعلى سبيل المثال التهنئة بالنكاح، وقد عقد ابن ماجة رحمه الله في سننه باباً في كتاب النكاح، باب تهنئة النكاح, وكذلك التهنئة بالقدوم من السفر أو الحج.

أما التهنئة بالنكاح فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مهنئاً بالنكاح: (بارك الله عليك) وثبت أنه كذلك قال: (بارك الله لك) وتكون التهنئة في حق من حضر النكاح ومن جاء بعد ذلك، وتكون بعد العقد .. وبعد الدخول أيضاً, ويطول وقتها بطول الزمن المتعارف عليه بين الناس.

والتهنئة التي وردت في النكاح هي الدعاء بالبركة كما ورد, وتسمى: ترفئة. ويدل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الوارد: (كان إذا رفأ إنساناً -تزوج- قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير).

وتهنئة أهل الجاهلية في النكاح مرفوضة وهي قولهم: بالرفاء والبنين, وقد جاء عن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا: بالرفاء والبنين, فقال: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لهم وبارك عليهم) وليس العيب في كلمة الرفاء، فإن معناها: الارتفاق والائتلاف والالتئام وهذا ليس بمكروه, لكن العيب في قولهم: بالبنين, فإنهم في الجاهلية كانوا يكرهون البنات, ولذلك يهنئون بالبنين؛ لأنهم لا يريدون البنات, ولذلك يئدون البنات, وطريقة وأدهم للبنات مختلفة فبعضهم كان يجعل امرأته عند حفرة إذا صارت ولادتها فإن خرج المولود أنثى ألقي في الحفرة وردم عليها, وإن كان ذكراً أخذوه, وكان بعضهم يأخذها بعد ولادتها فيدفنها بنفسه كما روي عن عمر أنها كانت تلعب بلحيته وهو يحفر لها, فبكى عندما تذكر ذلك, وكان بعضهم يذبحها ذبحاً, فجاء الله سبحانه وتعالى بإبطال هذه العادة الذميمة وبيان أن الذي يعيل البنات يكون له أجر، وأن الذي يطعمهن مما أعطاه الله ويكسوهن مما أعطاه الله ويؤدبهن ربما يكن سبباً في دخوله الجنة، ولما كانت النفوس ربما يحصل فيها شيء من الكراهية للبنات جاءت الشريعة بأشياء تعوض هذا النقص, وما كانت ذرية النبي صلى الله عليه وسلم إلا من بنته.

فإذاً تهنئة أهل الجاهلية مرفوضة لهذا السبب, وكذلك قيل: إنه ليس فيها ذكر لله, فقولهم: بالرفاء والبنين ليس فيها ذكر لله ولا دعاء, وإنما هو يقال من باب التفاؤل, فهذا سبب آخر لكراهيتها.

وأما بالنسبة لمواضع أخرى من التهنئة أيضاً: التهنئة بالمولود, لكن لم يرد في هذا -والله أعلم- شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن ورد أن الحسن رحمه الله تعالى قد هنأ بذلك، فقد روى ابن عساكر أنه جاء رجل عند الحسن وقد ولد له مولود، فقيل له: يهنيك الفارس, فقال الحسن: [وما يدريك أفارس هو أم بغَّال؟ -أي: الذي يركب البغل، أي: لعله يكون بغالاً- ولكن قل: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده ورزقت بره], وهذا على فرض ثبوته عن الحسن -فإن السند يحتاج إلى معرفة صحته- لا يعدو أن يكون دعاء وارداً عن بعض السلف , فلا يرقى إلى سنة تحفظ وتقال وتعتبر كذكر من الأذكار بهذه المناسبة, لكن إن دعا بها اتباعاً أو اقتداءً بـالحسن رضي الله عنه إذا ثبت عنه ذلك, فهو أمر حسن ما دام أنه لا يعتقد أنها سنة ولا يعتقد أنها حديث مرفوع ولا أنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهو دعاء طيب, فقد دلت الأحاديث المتقدمة في مسألة الدعاء بالبركة على أن الدعاء بالبركة للشخص إذا جاءه أمر يسره من مال أو مولود أو توبة أو علم. فمن عموم هذه الأشياء يؤخذ أنه إذا حصل له مولود -مثلاً- فإنه يدعى له بالبركة فيه, كما قال الحسن: [شكرت الواهب بورك لك في الموهوب وبلغ أشده ورزقت بره].

ولو رد عليه الآخر وقال -مثلاً-: وبارك الله لك أو بارك فيك، أو جزاك الله خيراً وأجزل ثوابك.. ونحو ذلك من الردود الطيبة فهو أمر حسن, وليس في هذا نص مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.

أما بالنسبة للتهنئة بيوم العيد فإن التهنئة بالعيد قد جاء ما يدل على مشروعيتها عند الصحابة رضوان الله تعالى عليهم, فقد جاء عن محمد بن زياد قال: [ كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم] قال أحمد رحمه الله: إسناد حديث أبي أمامة جيد, وكذلك ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى, واحتج على مشروعية ذلك بهذه الرواية التي رواها البيهقي رحمه الله, وقال البيهقي: باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في يوم العيد: تقبل الله منا ومنك, وساق ما ذكره من أخبار وآثار بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن, ولو قال لفظاً آخر من الألفاظ في التهنئة بالعيد فلا بأس, كما قال ابن عابدين رحمه الله: والمتعامل في بلاد الشامية والمصرية: عيد مبارك عليك ونحوه, فإذاً لو دعا له بالبركة في العيد أو أن يكون مباركاً عليه فلا بأس بذلك.

وسئل الإمام مالك رحمه الله عن قول الرجل لأخيه يوم العيد: [تقبل الله منا ومنك] يريد الصيام، يعني تقبل الله منك الصيام, فقال: [لا أعرفه ولا أنكره] معنى: لا أعرفه ولا أنكره.. أي: لا أعرف أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون سنة ولا يكون بدعة فأنكره.

فإذاً لو قال المسلم لأخيه في العيد أي كلمة طيبة فلا بأس بذلك.

وبالنسبة للتهنئة بسائر الأعوام والشهور كأن يقول إذا دخل العام الهجري الجديد: عام مبارك, أو بارك الله لك في هذا العام, فقد قال الحافظ المنذري نقلاً عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه, والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة, فإذا قال: عام جديد مبارك.. بارك الله لك في هذه السنة.. شهر مبارك ونحو ذلك يدعو الله أن يكون هذا الشهر شهراً مباركاً عليه, فلا بأس بذلك, وكذلك نقل القليوبي رحمه الله عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأيام مندوبة, أي: على وجه العموم, وهذه قد لا يكون فيها حديث مرفوع ولا سنة معلومة معينة لكن من عموم التهنئة أنه إذا دخل العام الجديد فلا بأس.

وهذا ملخص ما ذكره الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز لما سئل عن هذه المسألة.

أما بالنسبة للتهنئة بالقدوم من السفر فإنه قد ثبت في القدوم من السفر المعانقة والسلام، والقيام والاستقبال وصنع الوليمة وهي تسمى: النقيعة, وقد ثبت في السنة أنه (لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرع الباب قام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله) , وكذلك استقبل جعفراً عند عودته من الحبشة، فماذا يقال للمسافر إذا قدم من السفر؟ الناس يقولون مثلاً: الحمد لله على سلامتك.. أو سلامة الأسفار.. ومثل هذه الكلمات الطيبة تدخل في عموم الكلام الحسن الذي يقوله الإنسان لأخيه عند حدوث مناسبة سارة كسلامة وصوله من السفر, فلو لم يثبت في ذلك سنة معينة فقال الناس لبعضهم بعضاً: الحمد لله على السلامة أو على سلامتك, أو الحمد لله الذي جمع الشمل بك, ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على الاستبشار بقدوم الغائب وقدوم المسافر فهذا أمر حسن لا بأس به, ولا يدخل في البدعة, لكن إذا قال مثل هذه الألفاظ فعليه ألا يعتقد أنها سنة أو أنه يتقرب إلى الله بشيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذلك لو رجع مجاهد من غزو منتصراً فقال له شخص: الحمد لله على النصر الذي كتبه, الحمد لله على ما قدر على أيديكم من إعزاز دينه .. ونحو ذلك فهذا أيضاً لا بأس به.

كذلك القدوم من الحج والعمرة فإذا قيل له: الحمد لله على سلامتك، تقبل الله عمرتك.. تقبل الله حجك, ونحو ذلك وهو لا يعتقد أنها سنة ولا يلتزم فيها بلفظ معين, فلا بأس بها, لكن لو أنهم جعلوها ذكراً مطرداً له صيغة معينة, كقول الناس لبعضهم البعض دائماً بعد الصلاة: تقبل الله, أو يقول بعد الوضوء: زمزم، دائماً وباستمرار بحيث يجعلونه كأنه ذكر من الأذكار, فهنا يكون بدعة, ولكن الألفاظ التي فيها دعاء للشخص القادم لا بصيغة معينة ولا يقصد بها أنها سنة ولا يحافظ عليها محافظته على السنة والأذكار الشرعية, فهذه لا بأس بها.

وبعضهم إذا شربت يقول لك: هنيئاً -مثلاً- فيدعو بأن يكون شراباً هنيئاً, فهذا إذا لم يواظب عليه مواظبته على الأذكار الشرعية ولم يفعله على أنه سنة أو كأنه سنة أو يحاكي به السنة أو ينافس به الشريعة فلا بأس به.

وكذلك التهنئة باندفاع النقمة أو قدوم النعمة لعموم حديث كعب, والإنسان -مثلاً- إذا بشر بوظيفة أو مال أتاه فهنئ بذلك ودعي له بالبركة فإن هذا أمر حسن ولا بأس به.

وبالنسبة لما ورد في هذا، فقد عنون السيوطي في كتابه بلوغ الأماني لأصول التهاني باباً بعنوان: التهنئة بالثوب الجديد, وقال: أخرج البخاري عن أم خالد بنت خالد : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساها خميصة فألبسها بيده وقال: أبلي وأخلقي ..) وقد كررها مرتين، كأنه يدعو لها بأن تعيش وتلبس حتى تبلى عليها, وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصاً فقال: (البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً) وكان قد سأله: (هل ثوبك جديد أم غسيل؟ قال: بل غسيل يا رسول الله! قال: البس جديداً وعش حميداً ومت شهيداً) فإذا كان جديداً فيقول: (أبلي وأخلقي) أو كما ورد أن أبي نضرة قال: [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوباً جديداً قيل له: تبلي ويخلف الله عز وجل].

وبالنسبة لما ورد في كلام بعض الأدباء أو ما نقل في التهاني فقد ذكر ابن قتيبة رحمه الله في عود الأخبار فصلاً في التهاني، ذكر فيه بعض الأشياء, فمما ذكره أثر الحسن المتقدم، وكذلك الدعاء للمتزوج باليُمن والبركة, وقد ورد في التهنئة بالنكاح باليمن والبركة وعلى خير طائر, يعني: دعاء بأن يكون المنقلب في هذا الزواج منقلباً حسناً.

وكذلك قال: كتب بعض الكتاب إلى رجل يهنئه بدار انتقل إليها: بخير منتقل وعلى أيمن طائر ولأحسن إبان، أنزلك الله عاجلاً وآجلاً خير منازل المشركين. هذا مما ورد في كتابات بعضهم.

وكتب رجل من الكتّاب إلى نصراني قد أسلم يهنئه: الحمد لله الذي أرشد أمرك، وخص بالتوفيق عزمك, وأوضح فضيلة عقلك, ورجاحة رأيك, فما كانت الآداب التي حويتها والمعرفة التي أوتيتها لتدوم بك على غواية وديانة شائنة لا تليق بلبك. قال: حمد لله الذي هداه للإسلام، والدين الذي لا يقبل غيره، وأن الله قال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

قال: والحمد لله الذي جعلك في سابق علمه ممن هداه لدينه, وجعله من أهل ولايته, وشرفه بولاء خليفته, وهنأك الله نعمته, وأعانك على شكره, فقد أصبحت لنا أخاً ندين بمودته وموالاته بعد التأثم من خلطتك -كنا نتأثم من مخالطتك ونعتبرها إثماً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)- ومخالفة الحق بمشايعتك، فإن الله عز وجل يقول: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].

وكتب رجل إلى آخر يهنئه بفطام مولود فقال مما كتبه له في التهنئة: وكل ما نقَّل الله الفتى وبلغه من أحوال البلوغ ورقّاه فيه من درجات النمو فنعمة من الله حادثة تلزم الشكر, وحق يجب قضاؤه بالتهنئة. وكتبت مهنئاً بتجدد النعمة عندكم فيه، فالحمد لله المتطول علينا قبله بما هو أهله, والمجري لنا فيما يوليك على حسن عادته, وهنأك الله النعم, وصانها عندك من الغير -أي: التغير والتبدل- وحرسها بالشكر، وبلغ بالفتى أقصى مبالغ الشرف, وجعلك من الأمل فيه والرجاء له على العيان واليقين بمنه وفضله.

وكتب بعضهم مهنئاً آخر بالحج: وأنا أسأل الله الذي أوفدك إلى بيته الحرام وأوردك حرمه سالماً وأصدرك عنه غانماً، ومنّ بك على أوليائك وخدمك أن يهنئك بما أنعم به عليك في بدأتك ورجعتك بتقبل السعي ونجح الطلبة. أي: المطلوب أن يستجيب الله له وتعريف الإجابة.

وكذلك كتب بعضهم إلى آخر يهنئه بولاية -حصل على وظيفة عالية- فكتب له وقال: وبلغني خبر الولاية التي وليتها فكنت شريكك في السرور، وعديلك في الارتياح، فسألت الله أن يعرفك يمنها وبركتها، ويرزقك خيرها وعادتها ... إلخ.

وعلى أية حال فإن التهنئة في مثل هذا أمر طيب, وهناك مناسبات لم ترد في السنة، لكن يكتب الإنسان رسالة أو يهنئ باللفظ أو يأتي الشخص أو يرسل له, فهذه كلها تدخل في عموم ما ورد من التهنئة بالمناسبات السارة, كما لو نجح نجاحاً فهنأه: مبارك عليك هذا النجاح، أو جعله الله لك عوناً على طاعته، أو جعل الله هذه الشهادة مما يعمل بها في سبيله أو لخدمة دينه ونحو ذلك, هذه كلها من التهاني وتدخل في عموم التهنئة.

إذاً: أصل التهنئة مشروع وما ثبت منه يلتزمه الإنسان ويواظب عليه، مثل التهنئة بالنكاح، فهي ثابتة بألفاظ معينة, وإذا لم يثبت فيه شيء فالأمر فيه سعة، ويهنئ الإنسان بما شاء من الألفاظ ما دام أنه لا يعتقد أنها سنة، ولا يواظب عليه مواظبته على الأذكار الشرعية, هذا بالنسبة للبشارة والتهنئة، وبذلك نكون قد أنهينا هذا الموضوع.

طبعاً بالنسبة للتهنئة بأعياد الكفار: لا شك أنه يحرم التهنئة بأعياد الكفار، وهذا مما يخل بعقيدة الولاء والبراء, فإنه لا يجوز تهنئة الكفار بحال في أعيادهم؛ لأن في تهنئتهم إقراراً لهم على باطلهم, فإذا هنأهم بعيدهم فكأنه يقرهم عليه، وأنه قد فرح وسر به، مع أن أعيادهم شيء ديني, فالأعياد مناسبات دينية وليست مناسبات دنيوية، ولهذا ما تتأمل في أعياد أمم الأرض إلا وتجد أنها مرتبطة بمناسبة دينية, فمثلاً: إذا قالوا: عيد الميلاد، هم يحتفلون بميلاد من؟ المسيح الذي هو ربهم أو ابن الله عندهم, كذلك إذا قالوا: عيد الفصح أو عيد الشكر ونحوه, هذه الأعياد عندهم في عقائدهم -اليهود والنصارى- أعياد دينية، فلما يهنئهم معنى ذلك أنهم يقرهم ويشاركهم فيها ويقرهم عليها ولا شك أن هذا حرام.