فقه العبادات [30]


الحلقة مفرغة

المقدم: كنا في لقاءات ماضية تحدثنا عن الصلاة وحكمها وشروطها، وكذلك الأركان والواجبات، وأيضاً سجود السهو لها، لكن في لقائنا هذا نود أن نسأل ونركز على حكم صلاة الجماعة؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

صلاة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجل الطاعات وأوكدها وأفضلها، وقد أشار الله تعالى إليها في كتابه وأمر بها حتى في صلاة الخوف، فقال الله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] .

وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث العدد الكثير الدال على وجوب الصلاة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزم من حطبٍ إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) .

وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) .

وكقوله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له: (أتسمع النداء؟ فقال: نعم، قال: فأجب).

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي: عن صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

والنظر الصحيح يقتضي وجوبها، فإن الأمة الإسلامية أمةً واحدة، ولا يتحقق كمال الوحدة إلا بكونها تجتمع على عباداتها، وأجل العبادات وأفضلها وأوكدها الصلاة، فكان من الواجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على هذه الصلاة.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم على أنها من أوكد العبادات وأجل الطاعات اختلفوا هل هي شرطٌ لصحة الصلاة أو أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم؟ مع خلافات أخرى، والصحيح أنها واجب للصلاة وليست شرطاً لصحتها، لكن من تركها فهو آثم إلا أن يكون له عذر شرعي، ودليل كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة هو أن الرسول عليه الصلاة والسلام فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وتفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ يدل على أن في صلاة الفذ فضلاً وذلك لا يكون إلا إذا كانت صحيحة.

وعلى كل حال فيجب على كل مسلمٍ ذكرٍ بالغ أن يشهد صلاة الجماعة، سواءٌ كان ذلك في السفر أو في الحضر.

المقدم: ما دمنا عرفنا حكم صلاة الجماعة نود أن نعرف علاقة المأموم بإمامه؟

الشيخ: أما علاقة المأموم بإمامه فإنها علاقة متابعة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) .

ومقام المأموم مع إمامه في هذه الناحية يتنوع إلى أربع مقامات: متابعة، وموافقة، ومسابقة، وتأخر.

فأما المتابعة: كأن يأتي الإنسان بأفعال الصلاة بعد إمامه مباشرة، إذا ركع ركع بدون تأخر، وإذا سجد سجد بدون تأخر، وهكذا في بقية أفعال الصلاة.

وأما الموافقة: كأن يفعل هذه الأفعال مع إمامه، يركع مع ركوعه، ويسجد مع سجوده، ويقوم مع قيامه، ويقعد مع قعوده.

وأما المسابقة: كأن يتقدم إمامه في هذه الأفعال فيركع قبله، ويسجد قبله، ويقوم قبله، ويقعد قبله.

وأما التأخر: كأن يتوانى في متابعة الإمام، فإذا ركع الإمام بقي واقفاً يقرأ، وإذا سجد بقي قائماً يحمد.. وهكذا، وكل هذه المقامات مذمومة إلا المتابعة، فالموافق لإمامه مخالفٌ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تكبروا حتى يكبر، ولا تركعوا حتى يركع) ، والسابق له واقعٌ في التحذير الشديد الذي حذر منه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)، والمتخلف لم يحقق المتابعة؛ لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا) جملة شرطية تقتضي أن يقع المشروط فور وجود الشرط، وألا يتأخر عنه، فالمسابقة حرام ومنهيٌ عنها، والموافقة قيل: إنها مكروهة، وقيل: إنها حرام، والتأخر أقل أحواله الكراهة، أما المتابعة فهي الأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

المقدم: لكن أي هذه الحالات الثلاث أشد: المسابقة أم الموافقة أم التخلف؟

الشيخ: المسابقة أشدها؛ لأنه ورد فيها الوعيد الذي سمعت؛ ولأن القول الراجح: أن الإنسان إذا سبق إمامه بطلت صلاته، سواءٌ سبقه إلى الركن أو بالركن؛ لأنه إذا سبق إمامه فقد فعل شيئاً محرماً في الصلاة، والقاعدة الشرعية: أن من فعل شيئاً محرماً في العبادة فإن العبادة تبطل به.

المقدم: ما دمنا عرفنا الآن الشيء الكثير -والحمد لله- عن الصلاة وعن صلاة الجماعة وما يتعلق بها، نود أن تحدثونا عن صلاة التطوع من حيث الفضل والأنواع؟

الشيخ: من رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده أن جعل لكل نوعٍ من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوعٌ يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ ليزدادوا ثواباً وقرباً إلى الله تعالى؛ وليرفعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة.

رواتب الصلوات المفروضة

فمن التطوع في الصلاة: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، وهي أربع ركعاتٍ قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، أما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وأن يقرأ فيهما بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الركعة الأولى، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الركعة الثانية، أو بقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] الآية في سورة البقرة في الركعة الأولى، و قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] الآية في آل عمران في الركعة الثانية، وبأنها -أي: راتبة الفجر- تصلى في الحضر والسفر؛ ولأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها).

الوتر

ومن النوافل في الصلوات: الوتر، وهو من أوكد النوافل، حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله: من ترك الوتر فهو رجل سوءٍ لا ينبغي أن تقبل له شهادة، وتختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ، وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار: إن شاء سردها سرداً بتشهدٍ واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم أوتر بواحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهدٍ واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهدٍ واحد وسلامٍ واحد، وإن أوتر بتسع فإنه يسردها ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم من كل ركعتين، لكن في الحادية عشرة أفردها وحدها، وإذا نسي الوتر أو نام عنه فإنه يقضيه من النهار لكن مشفوعاً لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإذا كان من عادته يوتر بخمس صلى ستاً.. وهكذا؛ لأنه ثبت في الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن وتره وغلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة).

فمن التطوع في الصلاة: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، وهي أربع ركعاتٍ قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، أما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وأن يقرأ فيهما بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] في الركعة الأولى، و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] في الركعة الثانية، أو بقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] الآية في سورة البقرة في الركعة الأولى، و قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] الآية في آل عمران في الركعة الثانية، وبأنها -أي: راتبة الفجر- تصلى في الحضر والسفر؛ ولأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها).