جلسات رمضانية لعام 1412ه [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن هذا هو اللقاء الثالث من لقاءات شهر رمضان في الجامع الكبير في عنيزة ، الواقع في ليلة الأحد، الثاني عشر من شهر رمضان عام (1412هـ).

وقد وعدنا فيما سبق أن يكون هذا اللقاء في الكلام عن أهل الزكاة الذين فرض الله سبحانه وتعالى صرف الزكاة إليهم، وذلك لأن الله عز وجل حد حدوداً لعباده وقال لهم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229] فلما فرض عليهم الزكاة بين لهم أين توضع هذه الزكاة، في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] هؤلاء ثمانية أصناف: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل.

قال العلماء: وهذه الآية تبين أن أهل الزكاة صنفان:

1- صنف يعطون لحاجتهم.

2- صنف يعطون لحاجة الناس إليهم، هذا من جهة.

وأن أهل الزكاة صنفان أيضاً:

1- صنف يعطونها على سبيل التمليك, ولابد من تمليكهم.

2- صنف يعطونها على أنهم جهة لا يشترط التمليك.

من يعطى لحاجته، ومن يعطى لحاجة الناس إليه

(الفقراء والمساكين) يعطون لحاجتهم. والعاملون عليها يعطون لحاجة الناس إليهم؛ لأن العاملين على الزكاة هم الذين ينصبهم ولي الأمر ليقوموا بجباية الزكاة وتصريفها في أهلها، فهم محتاجون إليهم. وفي الرقاب: محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاجون. (والغارمين): الغارمون قسمان: محتاجون، ومحتاج إليهم؛ فإن كان الغرم لأنفسهم فهم محتاجون، وإن كان الغرم لغيرهم فهم محتاج إليهم، وذلك لأن الغارمين هم المدينون وهم نوعان: غارم لنفسه، وغارم لغيره، فإن كان الغرم في حاجة الإنسان كما لو استدان الإنسان لشراء حوائج له فهؤلاء يعطون لحاجتهم وإن كانوا غارمين لغيرهم وهم الذين يصلحون بين القبائل بعوض يلتزمون به، فهؤلاء محتاج إليهم. مثال ذلك: رجل فاضل رأى بين قبيلتين عداوة وشحناء فأصلح بينهم بعوض التزم به، فهذا يقال: غارم لغيره، ويعطى من الزكاة ما يسدد به الغرامة التي التزم بها للإصلاح بين الناس. (وفي سبيل الله) هؤلاء محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاج إليهم؛ لأن في سبيل الله هم المجاهدون والمجاهدون يعطون ولو كانوا أغنياء، إذاً هم يعطون لحاجة الناس إليهم لا لحاجتهم. فصار الذين يعطون لحاجة الناس إليهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لغيرهم، وفي سبيل الله، هؤلاء يعطون لحاجة الناس إليهم. والفقراء، والمساكين، والرقاب، والغارم لنفسه، وابن السبيل يعطون لحاجتهم.

من يعطى على سبيل التمليك أو أنها جهة من الجهات

الوجه الثاني من أقسام هذه الآية: أنها دلت على أن الذي يعطى الزكاة ينقسم إلى قسمين: من يأخذها على سبيل التملك، ومن يأخذها على أنها جهة من الجهات.

فما صدر بـ(اللام) فهو على سبيل التملك وما صدر بـ(في) فهو على سبيل الجهة، ولننظر: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].

الأصناف الأربعة الأولى يعطونها لسبيل التمليك؛ لأن استحقاقهم صدر بـ(اللام) واللام تفيد الملك.

أما الآخرون الأربعة فإن استحقاقهم صدر بـ (في) وفي للظرفية، والمعنى: أنهم جهة تصرف إليها الزكاة، ولهذا لو رأيت عبداً عند سيده، فذهبت فاشتريته من سيده من الزكاة، فهل أنا ملكت هذا العبد أو لا؟ لا، لكني اشتريته من سيده.

كذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، لو أنني اشتريت أسلحة وأعطيتها المجاهدين ليجاهدوا فيها فهل أنا ملكتهم؟ لا، لأنهم صاروا بدونها بعد انتهاء الحرب، إذاً نقول: ما صدر بـ(في) فإنه لا يشترط فيه التمليك.

الغارم المدين: لو ذهبت إلى الدائن وسددت دين المدين أجزأ أم لا؟

أجزأ مع أن المدين لم يملكه، لأنه صدر بـ(في).

(الفقراء والمساكين) يعطون لحاجتهم. والعاملون عليها يعطون لحاجة الناس إليهم؛ لأن العاملين على الزكاة هم الذين ينصبهم ولي الأمر ليقوموا بجباية الزكاة وتصريفها في أهلها، فهم محتاجون إليهم. وفي الرقاب: محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاجون. (والغارمين): الغارمون قسمان: محتاجون، ومحتاج إليهم؛ فإن كان الغرم لأنفسهم فهم محتاجون، وإن كان الغرم لغيرهم فهم محتاج إليهم، وذلك لأن الغارمين هم المدينون وهم نوعان: غارم لنفسه، وغارم لغيره، فإن كان الغرم في حاجة الإنسان كما لو استدان الإنسان لشراء حوائج له فهؤلاء يعطون لحاجتهم وإن كانوا غارمين لغيرهم وهم الذين يصلحون بين القبائل بعوض يلتزمون به، فهؤلاء محتاج إليهم. مثال ذلك: رجل فاضل رأى بين قبيلتين عداوة وشحناء فأصلح بينهم بعوض التزم به، فهذا يقال: غارم لغيره، ويعطى من الزكاة ما يسدد به الغرامة التي التزم بها للإصلاح بين الناس. (وفي سبيل الله) هؤلاء محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاج إليهم؛ لأن في سبيل الله هم المجاهدون والمجاهدون يعطون ولو كانوا أغنياء، إذاً هم يعطون لحاجة الناس إليهم لا لحاجتهم. فصار الذين يعطون لحاجة الناس إليهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لغيرهم، وفي سبيل الله، هؤلاء يعطون لحاجة الناس إليهم. والفقراء، والمساكين، والرقاب، والغارم لنفسه، وابن السبيل يعطون لحاجتهم.

الوجه الثاني من أقسام هذه الآية: أنها دلت على أن الذي يعطى الزكاة ينقسم إلى قسمين: من يأخذها على سبيل التملك، ومن يأخذها على أنها جهة من الجهات.

فما صدر بـ(اللام) فهو على سبيل التملك وما صدر بـ(في) فهو على سبيل الجهة، ولننظر: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].

الأصناف الأربعة الأولى يعطونها لسبيل التمليك؛ لأن استحقاقهم صدر بـ(اللام) واللام تفيد الملك.

أما الآخرون الأربعة فإن استحقاقهم صدر بـ (في) وفي للظرفية، والمعنى: أنهم جهة تصرف إليها الزكاة، ولهذا لو رأيت عبداً عند سيده، فذهبت فاشتريته من سيده من الزكاة، فهل أنا ملكت هذا العبد أو لا؟ لا، لكني اشتريته من سيده.

كذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، لو أنني اشتريت أسلحة وأعطيتها المجاهدين ليجاهدوا فيها فهل أنا ملكتهم؟ لا، لأنهم صاروا بدونها بعد انتهاء الحرب، إذاً نقول: ما صدر بـ(في) فإنه لا يشترط فيه التمليك.

الغارم المدين: لو ذهبت إلى الدائن وسددت دين المدين أجزأ أم لا؟

أجزأ مع أن المدين لم يملكه، لأنه صدر بـ(في).

تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)

الفقراء والمساكين هم المحتاجون الذين لا يملكون كفايتهم وكفاية عائلتهم لمدة سنة، وكيف نعرف ذلك؟ نعرف ذلك إذا رأينا الرجل ليس بيده شيء ويشتري حوائج بيته بالدين، أو رأينا أن له راتباً محدوداً ونفقته أكثر من هذا الراتب، مثل لو كان راتبه ثلاثة آلاف ريال ونفقته أربعة آلاف ريال هذا فقير، يحتاج إلى ربع النفقة، ولهذا إذا كان هذا الرجل راتبه ثلاثة آلاف ريال وإنفاقه أربعة آلاف ريال نعطيه في السنة (12.000) ريال لنسدد كفايته.

فإذا قال قائل: لماذا حددتم بسنة؟ لماذا لا تعطونه كفايته على الدوام إلى أن يموت؟

قلنا: إعطاؤه إلى الموت غير ممكن، لماذا؟

لأنه لا ندري متى يموت، فإذا قدرنا أنه يموت بعد عشر سنوات وإنفاقه في السنة عشرة، نعطيه على هذا مائة، ولكن لا ندري قد يموت في أول سنة، ولهذا نقدر بسنة.

وأيضاً: الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا عند تمام الحول، فهو يتمتع بهذه الزكاة حتى يأتي دور الزكاة الأخرى التي تكون عند الحول.

تفسير قوله تعالى: (والعاملين عليها)

أما العاملون عليها فقلت: إنهم الذين ينصبهم ولي الأمر لأخذ الزكاة من أهلها وصرفها في محلها، فهم نائبون عن ولي الأمر، ولهذا إذا وصلتهم الزكاة برئت ذمة المزكي ولو تلفت.

لو أن الجباة الذين تبعثهم الدولة يأتون إلي ويأخذون زكاتي ثم تتلف قبل أن تصل إلى الفقراء فأنا منها بريء، بخلاف ما لو وكلت شخصاً قلت: يا فلان! هذه عشرة آلاف ريال زكاة وزعها على نظرك، ثم تلفت فإنها لا تبرأ الذمة، يجب عليَّ أن أخرج بدلها، ثم أرجع إلى صاحبي إن كان قد تعدى أو فرط فإنه يضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه.

أما العاملون عليها فالذي بلغهم من الزكوات تبرأ به الذمة حتى لو تلف، لأن العاملين عليها جهة صرف.

تفسير قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)

المؤلفة قلوبهم من هم؟

المؤلفة قلوبهم: هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام، أو لتأليفهم على قوة الإيمان، ولا يشترط على الأظهر أن يكونوا من السادة أي: من ذوي الشرف في بني جنسهم، بل كل من احتاج إلى التعليم فإنه يعطى، فلو رأينا شخصاً أسلم عن قرب ولكنه مزعزع، فإذا أعطيناه قوي إيمانه، فهنا نعطيه من الزكاة لتأليف قلبه، ولو خفنا شر إنسان فإننا نعطيه من الزكاة اتقاء شره، فهذا كله داخل في المؤلفة قلوبهم.

تفسير قوله تعالى: (وفي الرقاب)

قال العلماء إن لها صور:

الصورة الأولى: أن يشتري عبداً من سيده فيعتقه، معلوم لكن من أي مال؟ يشتريه من مال الزكاة ثم يعتقه، أو أن يرى عبداً مكاتباً؛ والعبد المكاتب: هو الذي اتفق مع سيده على أن يبذل له دراهم ثم يعتق بعدها، فيعين هذا المكاتب من الزكاة، هذا أيضاً داخل في قوله: (وفي الرقاب).

الصورة الثانية: أن يرى أسيراً مسلماً عند الكفار فيأخذه منهم بعوض ليخلصه من الأسر أو ما وراء الأسر وهو القتل، هذا أيضاً داخل في قوله: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60] لأنه يفك هذا الأسير.

تفسير قوله تعالى: (والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)

الغارم: هو الذي عليه دين في ذمته كثمن مبيع، وأجرة بيت، وغرم حادث، وما أشبه ذلك، فهذا يعطى ما يسدد دينه، ويجوز أن أذهب إلى الذي يطلبه وأعطيه من الزكاة وأقول: هذا عن فلان لأنه داخل في قوله: والْغَارِمِينَ [التوبة:60].

أما في سبيل الله فهو الجهاد, إذا وجدنا أناساً يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، فإننا نعطيهم من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم.

وأما ابن السبيل: فهو المسافر الذي انقطع به السفر، ولم يجد ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.

حاجات البيت: من ثلاجة، وغاز، وفرش، هل تعتبر من الكفاية أم لا؟

الغاز من الكفاية، والثلاجة الآن من الكفاية، والفرش بعضها من الكفاية وبعضها زائد، فمثلاً: فرش الدرج ليس من الكفاية، يعني: لو بقت الدرج غير مكسوة وغير مفروشة لاستقامت الحال، أما الفرش التي تكون في المجالس فهي من الحاجة لا شك.

الزواج هل هو من الكفاية؟

نعم من الكفاية، لأن الإنسان يحتاج إليه، ولأن فيه مصالح كثيرة.

ولهذا من هذا المكان نحث إخواننا أولياء البنات أن يحرصوا على تزويجهم وأن يقتنعوا بما تيسر من المهر لما في ذلك من الخير والبركة، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مئؤنة.. مهراً أو غير مهر، وأما الصفقات التي يفعلها بعض الناس اليوم مع من ولاهم الله عليهن بحيث يبيعها كأنها سلعة، فهذا حرام ولا يجوز، والواجب أن نختار من هو أفضل في دينه وخلقه ونزوجه بما تيسر، ولكن مع ذلك نقول: إن الفقير المحتاج إلى النكاح يعطى من الزكاة لأنه داخل في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

حكم إعطاء القرابة والمدين وشراء أسلحة للمجاهدين من الزكاة

هل يجوز أن يعطي الإنسان من زكاته أحداً من قرابته؟ فيه تفصيل: إن كان ممن تجب عليه نفقته فإنه لا يجوز أن يعطيه الزكاة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد خدم ماله، وأحيا ماله، مثاله: رجل أخ لشخص غني والثاني فقير، فالواجب على الغني أن يقوم بكفاية الفقير ما دام لا يرثه إلا هو، ومن النفقة أن يزوجه فإن أبى زوجناه من الزكاة؛ لأن النكاح من أهم الحاجات وأعظمها وأفضلها. المدين داخل في قوله: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60] وهل يشترط تمليكه أو لا؟ لا يشترط؛ لأنه داخل بـ (في)، الغارمين معطوفة على ما سبق، وهو مجرور بـ(في)، وعلى هذا فلا يشترط أن أملك المدين، بل يجوز أن أذهب إلى الدائن وأقول: إنك تطلب فلاناً كذا وكذا، وهذا سداده، وإن لم يعلم المدين؛ لأنه لا يشترط فيه تمليك المعطى. هل يجوز أن أشتري أسلحة من الزكاة وأعين بها المجاهدين؟ نعم. لأنه لا يشترط تمليكهم، وإذا لم يشترط تمليكهم فلي أن أشتري أسلحة وأدفعها إلى جبهات القتال. هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول أهل الزكاة.