لا إله إلا الله منهج وحياة


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.

أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسأل الله عز وجل أن يجعل لي ولكم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم إنا نسألك بصفاتك وأسمائك ألا تردنا في هذا اللقاء خائبين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا تائباً إلا قبلته، اللهم إنك تعلم ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء أن هذه الوجوه ما اجتمعت إلا ترجو رضاك وجنتك، وتخاف سخطك ونارك، اللهم فأعطنا ما سألناك، وأمِّنِّا مما منه خفنا بمنك وكرمك يا رب العالمين!

أيها الأحبة في الله: الحديث اليوم عن قضية القضايا، عن قضية الدنيا والآخرة، عن الأمر كله، عن أوله وآخره، إنها: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إنها (محمد عبده ورسوله).

هذه الكلمة لأجلها نزلت الكتب، ولأجلها بعث الرسل، ولأجلها طيبت الجنة للأبرار، وأعدت النار للأشرار، لأجل هذه الكلمة مد الصراط؛ أحد من السيف، وأدق من الشعرة.

لأجل كلمة (لا إله إلا الله) تطايرت الصحف: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً [الانشقاق:7-8] وأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يصرخ ويصيح فائزاً من ثمار لا إله إلا الله: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19-20]، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق:10-12] ويقول: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ [الحاقة:25-28].

من أجل (لا إله إلا الله) أعد الله كل نعيم للأبرار، وأعد كل جحيم للفجار والأشرار.

إن الذين خالفوا لا إله إلا الله نزل بهم عذاب الله في مواضع شتى، وفي سور شتى، لقد دكدكت الأرض وزلزلت خمس مرات، زلزلت بالطوفان وبالصيحة وبالخسف وبالحاصب وبالريح الصرصر عقوبات حسوماً على أقوام خرجوا عن لا إله إلا الله.

(لا إله إلا الله) شأنها عظيم، في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاذ! فقال معاذ : لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال: يا معاذ! فقال معاذ: لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم الثالثة: يا معاذ ! فقال معاذ : لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار) الله أكبر! هذا الفضل العظيم لأجل هذه الكلمة العظيمة.

وفي حديث عتبان عند الشيخين رحمهما الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) متفق عليه.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل) متفق عليه.

إن الأمان والأمن والطمأنينة في هذه الكلمة العظيمة (لا إله إلا الله) قال الله عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] الأمن في الدنيا والآخرة، والهداية إلى صراط الله المستقيم. (لا إله إلا الله) هي العروة الوثقى (لا إله إلا الله) هي القول الثابت: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27] وفي الحديث أن موسى رسول الله صلى الله عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء قال: (يا رب! علمني دعاء أسألك وأدعوك به، فقال الله عز وجل: يا موسى! قل: لا إله إلا الله، فقال موسى عليه السلام: يا رب! كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله، فقال الله عز وجل: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله).

الله أكبر! ما أعظم هذه الكلمة في لفظها ومعناها ومدلولها، وفضلها وأنسها وسعادة من لهج بها، وسرور من رددها ومن عاش لأجلها ومن مات عليها! (لا إله إلا الله) يأتي عبد يوم القيامة فيحاسبه الله عز وجل، فيقال له: (يا عبد الله! -الله عز وجل يقرره بذنوبه- هل لك من حسنات؟ هل لك من أعمال؟ فيقول: يا رب! غير ما تعلم، فيقول يا رب! ليس عندي إلا ما تعلمه، فيقول الله عز وجل: إنك لا تُظلم عندنا اليوم، ثم يخرج له بطاقة فتوضع في كفة، ويوضع ذلك الرجل بأعماله في كفة، فترجح لا إله إلا الله) وضع الرجل بذنوبه، بسيئاته، بأخطائه، بمنكراته في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، فرجحت بهن لا إله إلا الله.

والمعنى في هذه الأحاديث العظيمة التي جاءت في فضل لا إله إلا الله، ومنها ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ ذات يوم ثم قال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله لا يلقى بهما عبد ربه غير شاك إلا أدخله الله الجنة)، وكذلك حديث: (من قال: لا إله إلا الله صدقاً من قلبه إلا أدخله الله الجنة)، وكذلك حديث: (من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله؛ أدخله الله الجنة)، وفي بعض الأحاديث: (حرمه الله على النار) فإن هذا مما يدل على أن شأن لا إله إلا الله عظيم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ إلا كتب له بذلك ألف حسنة، ومحيت عنه ألف سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان، وكأنما أعتق عشر رقاب من ولد آدم).

أين الذين يخافون من الأعداء؟ أين الذين يخافون من تسلط الجن والشياطين؟ نقول لهم: عليكم بلا إله إلا الله، فإنها تعصم الدماء، وتحفظ الحقوق، لما قال أسامة مخبراً النبي صلى الله عليه وسلم برجل من العدو قابله، فلما رفع أسامة سيفه، وبهر ذلك المشرك شعاع السيف قال: لا إله إلا الله، فأهوى أسامة بالسيف عليه، حتى جعله فرقين، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (أقتلته بعد أن قالها؟! أقتلته بعد أن قالها؟! أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! وكيف بك إذا جاءت لا إله إلا الله تحاج له عند الله يوم القيامة؟!)، ورجل يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أو يسأل فيقول: (يا رسول الله! أرأيت لو أن رجلاً من المشركين ضربني حتى قطع يدي بسيفه، ودمي يشخب من عروقي، ثم رفعت عليه السيف لأقتله فقال: لا إله إلا الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنك إن قتلته كنت بمنزلته قبل أن يقولها، وكان بمنزلتك قبل أن تفعل ذلك).

إن (لا إله إلا الله) شأنها عظيم، وخطرها وأهميتها في حياة المسلمين عظيمة لو أنهم وعوا هذه الكلمة ومعناها وأبعادها، ولكن افهموا واعلموا وأخبروا من وراءكم أيها الأحبة، يقول الشيخ/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما معناه: قد يقول قائل: إذا نطق العبد بهذه الكلمة نال كل هذه الفضائل، ونجا من العذاب، وليس له بعد ذلك من خطر يخافه أو يهابه، الجواب فيما يقوله الشيخ: لا، إن هذه الكلمة من يقولها لابد أن يأتي بشروطها وحقوقها وواجباتها، إذ لولا ذلك لردَّدها كل مردد، وتلفظ بها كل متلفظ، ولقال: يكفيني هذه الكلمة. مع تركه ما أوجب الله، وارتكابه ما يخرجه من الملة، ألا وإن لا إله إلا الله لها شروط وحقوق وواجبات، ولمخالفتها تبعات.

ومن شروطها حتى ينال الإنسان فضلها: ألا يرتكب ما ينقضها، وألا يقع فيما يخالفها، وألا يقصر في حقوقها وواجباتها، أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة العلمانية الذين يعتقدون عدم صلاحية الدين للاقتصاد والإعلام، والاجتماع والتربية!

أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة التغريب والضلالة الذين يريدون أن يحصروا الدين في المساجد والمحاريب والأقبية والخلوات، ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟

أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع أولئك الذين يريدون أن يدخلوا في رءوس الأمة ألا مجال للدين إلا في التسبيح فقط، وما سوى ذلك فليس للدين فيه أمر ولا نهي؟!

إن لا إله إلا الله تنفع من عمل بها، ومن علمها وتيقن أنها في شئون حياته كلها، نعم وإن ارتكب شيئاً من المعاصي، أو وقع في شيء من الكبائر، فإن أهل السنة والجماعة مخالفون لمذهب الخوارج والمعتزلة الوعيدية الذين منهم من يكفر بارتكاب الكبيرة، ومنهم من يجعل صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، ليس مخلداً في النار ولكن من أهل الجنة، نعم إن أهل السنة والجماعة يرون أن من قال: لا إله إلا الله وارتكب ذنباً يقر أنه ذنب، ووقع في خطيئة يقر أنها خطيئة، ويعترف أنه في تقصير، فذلك شأنه شأن المذنبين في الصغائر والكبائر.

أما الذين يقولون: لا إله إلا الله وهم يقررون تقريراً، ويعتقدون اعتقاداً، ويدينون لطواغيتهم ديانةً ألا دخل للدين إلا في الأحوال الشخصية؛ في زواج وطلاق، وفي محاريب وتسابيح، وما سوى ذلك فلا علاقة للا إله إلا الله بها، إن ذلك تحجير للكون كله في زاوية ضيقة، ذلك تحجير لأمر عظيم في مجال ضيق، لذا فلنعلم هذه الكلمة وخطورتها وشأنها.

(لا إله إلا الله) نفي وإثبات، (لا إله) لا يوجد إله، لا يتصور إله إلا إله واحد هو الله وحده الذي يستحق العبادة.

(لا إله إلا الله) نفي وإثبات، نفي لهذه الألوهية ونفي لهذه العبودية عن كل موجود وكل مدع إلا لمن يستحقها وهو الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، الذي تألهه القلوب، وتفزع إليه، الذي تتضرع إليه، الذي تنكسر إليه، لا إله إلا الله الذي تألهه النفوس، البهائم تجأر إلى ربها، والصغار يجأرون إلى ربهم، وكل ما في الكون ساجد مطمئن مسلم لله عز وجل.

(لا إله إلا الله) شأنها عظيم أيها الأحبة! وشروطها: أن يعلم العبد هذه الكلمة: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، شروط لا إله إلا الله أن تعلم بها علم اليقين: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] .. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:18] تأكيد، وإثبات وبيان، وتوضيح وشهادة، قل أي شيء أكبر شهادة من الله؟ أي شيء أعظم من شهادة الله على وحدانيته؟ ثم رضي شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم.

ومن شروطها: القبول المنافي للرد، فمن قال: لا إله إلا الله فليقبل شرع الله، وليذعن للا إله إلا الله، وليسلم لأمر الله، من كان يقول: أنا أقول لا إله إلا الله، وأقر بلا إله إلا الله، فإذا قيل له: إن الله حكم بهذا. عليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، من يقول: لا إله إلا الله ويريد ثوابها، إذا خوف بالله وبأمره، وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبزجره فليقل: سمعنا وأطعنا، ألا إن قبولها أمر لابد منه، فمن ادعاها ورد مقتضاها فذلك متناقض في نفسه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

ومن شروط لا إله إلا الله: الإخلاص، وضده الرياء، فيجب أن تخلص لهذه الكلمة، أن تقولها حباً في الله وطاعة لله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، إخلاص بمحبة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

ولابد لهذه الكلمة من صدق يمنع من الاعتراض: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] ومن حقق ذلك في لا إله إلا الله وجد لذة الانقياد لها، يقول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الحشر:22-24].

تتكرر الأسماء وتتعدد وتتنوع، وتتضمن هذه الصفات، وكلها كمال مع كمال، وبهاء مع جلال، قال الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسالته القيمة النفيسة، التي أنصح كل شاب وكل طالب علم أن يعتني بها؛ دراسةً وفهماً وفقهاً، المسماة: القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى : إن من القواعد الثابتة في أسماء الله وصفاته أن دلالة أسماء الله على صفاته دلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام، فإن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كافة أسمائه، وكافة صفاته، وضرب لذلك مثلاً -مناسباً أن نطرحه- ألا وهو قول الله عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق:12] ففي أول الآية الله عز وجل يبين أنه الخالق، وهذا اسم من أسمائه، ويقتضي هذا الاسم أن يكون الخلق والإيجاد من العدم، وإبراء النسمة والخلق من العدم هو من صفات الله عز وجل، فالاسم الخالق، والصفة الخلق، ويقتضي ذلك صفات بالتضمن والالتزام: أن يكون قادراً على ما يخلق، عليماً بما يخلق، حكيماً فيما يخلق، فكذلك لا إله إلا الله، الله اسم علمٌ على الله يتضمن هذا الاسم أسماء الرحمة وكل اسم فيه الرحمة وفيه المغفرة، وفيه الخلق، وفيه الرزق، وفيه كل ما يليق بالله عز وجل من أسمائه الحسنى، وكل ما يليق بالله عز وجل من صفاته العلى.

إن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كل شيء، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين لمن أراد أن يسأل ربه بالرزق، وهذا ما يسمى بتوحيد المسألة؛ أن تسأل الله باسم يناسب سؤالك، فإن كنت تريد رزقاً فقل: يا رزاق! ارزقني، وإن كنت تريد رحمة فقل: يا رحمان! ارحمني، وإن كنت تريد قوة فقل: يا قوي! قوني. إن كلمة لا إله إلا الله تضمنت كل أسماء الله وصفاته، فمن أراد رزقاً فالله هو الرزاق، ومن أراد فضلاً فالله ذو الفضل العظيم، ومن أراد ذرية فالله هو الذي يهب الذرية: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:49-50] ومن أراد العزة فالله هو المعز، ومن أراد النصرة فالله هو الناصر، ومن أراد العون فالله هو المعين، ومن أراد التيسير فالله هو الميسر، ومن أراد البركة والطمأنينة ألا إنها في ذكر الله: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

(لا إله إلا الله) كلمة سعد بها من نطق بها وقام بحقها، وشقي وضل من جحدها، لقد أنكر هذه الكلمة أقوام فعاشوا عيشة الضنك والحسرة، يجزعون لكل مصيبة ولو تافهة، ولا يؤجرون على ما فاتهم من حظ، ولا يؤجرون على ما حل بهم من أسى، يتخوفون من المستقبل وعاقبتهم إلى النار، عبدوا بجحودهم دنياهم فأوردهم ذلك شقاء، فتعبوا وانتكسوا يحبون أن يجنوا لزوالها أو نقصها، ويتقاتلون على تحصيلها، ولا يحتسبون ثواباً فيما أنفقوا ولو على أنفسهم وأهليهم منها، لماذا؟ لأنهم لم يقوموا بلا إله إلا الله.

ألا وإن من واجبنا أن نفهم هذه الكلمة بكل معانيها، وأن نظل دائماً داعين إليها. (لا إله إلا الله) الركن الأعظم قبل كل شيء، وكل عمل يبنى عليها، وبدونها لا يقبل عمل ولو كثر أو تعاظم؛ لأجل ذلك أيها الأحبة! نالت قضية التوحيد قدراً عظيماً وحيزاً كبيراً من الاهتمام والمقام في كلام الله وكلام رسوله.

وقد يقول قائل: إن لا إله إلا الله فقط نالت اهتماماً في بداية الدعوة، وفي صدر الدعوة، وفي السور المكية، ولما قامت دولة الإسلام في المدينة ، ولما أمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بدولته في مهاجره في المدينة لم يعد الأمر كما كان في التنويه والتنبيه والإشارة إلى عظم لا إله إلا الله. وليس هذا بصحيح، فإن كلمة لا إله إلا الله لم يُخاطَب بها المشركون وحدهم، بل خوطب بها المؤمنون أيضا تذكيراً وتثبيتاً، وكما خوطب بالدعوة إليها الكفار في كثير من السور والآيات المكية، خوطب بها المؤمنون في كثير من الآيات والسور المدنية.

أيها الأحبة: اسمعوا قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136] أوليس ربنا عز وجل ينادي عباده ويدعوهم باسم الإيمان ثم يقول: آمنوا بالله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً [النساء:136]؟

إن الحياة لا تقوم إلا على الحقيقة -الحق كله في لا إله إلا الله- وأعظم حقيقة هي لا إله إلا الله، فهذه الكلمة وما تضمنته حق وما سواها باطل، لا إله إلا الله تحجب التأله عن كل شيء إلا لله وحده، ومن لم يكن الله الرحمن الرحيم الحي القيوم إلهه فإلهه الهوى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ [الجاثية:23] من لم يكن الله إلهه فإلهه شهوته في منصبه أو ماله، فيما يريد أو فيما يذر، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش).

نعم، إن لا إله إلا الله من كانت قضيته فأذعن لها صار عبداً لله عز وجل، ومن ضيعها وجهلها وصرف عنها شقاءً وضلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنك لا تحصي كم يتخبطه من الآلهة من شهواته، ومن ملذاته، وممن يهابهم ويرهبهم ويخافهم، وممن يخشاهم على نفسه ورزقه وحياته.

أيها الأحبة: كلمة لا إله إلا الله، لماذا وقفت الأمم السالفة -وليست قريشاً وحدها- منها موقف التحدي والعناد موقفاً واحداً؟ إن جميع هؤلاء الأقوام وقفوا من أنبيائهم موقف عداوة، فهذه ثمود، وهؤلاء قوم نوح، ومدين، وعاد، والمؤتفكات، كلهم وقفوا من لا إله إلا الله موقف التحدي والعناد، والمصارعة وعدم التسليم، لماذا؟ وحق لنا أن نسأل عن ذلك.

نعم أيها الأحبة: إنهم يدركون ما تعنيه هذه الكلمة، واسمعوا قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:25-27] هذا موقفهم من لا إله إلا الله، لما قال لهم: اعبدوا الله مالكم من إله غيره.

وأما عاد لما قال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ * قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [هود:52-53].

وأما ثمود لما دعاهم: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32] ثم ذكرهم بنعم الله عليهم التي تدعوهم إلى توحيده، قال لهم: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [هود:61-62].

وهذه من أساليب أهل الضلالة؛ إذا دعاهم داع إلى الهدى، قالوا: كنا نظن أن لك عقلاً راجحاً، كنا نظنك عاقلاً، كنا نظنك فقيهاً، كنا نظنك فاهماً، أفتدعونا إلى مثل هذا الكلام وتقوله؟

إلى غير ذلك مما ورد وكان من الأنبياء مع أقوامهم يوم أن وقفوا في مواجهة لا إله إلا الله.

أيها الأحبة: لعل من أخطر القضايا التي جعلت هؤلاء يقفون في مواجهة لا إله إلا الله هو منهج العلمانية القديمة والحديثة، إن العلمانية المعاصرة هي فرع وامتداد لذلك الضلال القديم، الذي جعل أمم الأنبياء تقف في وجوه الأنبياء لترد هذا الهدى، ولتجعل الأصابع في الآذان، ولتستغشي الثياب، ولتصر على عنادها بعداً عما يدعون إليه، إن تلك الأقوام الجاهلية قد استنكرت من رسلها أن يتدخل الدين في شئون الحياة، إن تلك الأمم يخيل لهم أن الدين فقط في حرية شخصية، وأن الدين فقط في محراب وخلوة، في مسبحة وسجادة، ولما جاء من يدعوهم ليقول: إن الدين يشمل جميع نواحي الحياة وقفوا في ذلك، وهم يعلمون معنى لا إله إلا الله؛ ألا يكون في الحياة دقيق ولا جليل، صغير ولا كبير، كثير ولا قطمير إلا للا إله إلا الله فيه أمر وتوجيه.

نعم! لقد عاش أولئك الطواغيت الذين واجهوا الأنبياء ومن تابعهم على منهجهم يحللون كيف ما يشتهون، ويحرمون كيف ما يريدون، ويفعلون ما يحلو لهم، لا يجدون من يردهم إلى لا إله إلا الله، فعلموا أن هذه الكلمة وأن الدين جاء ليقطع عليهم لذَّاتهم، وينغص شهواتهم، ويغير عليهم أمورهم، فقالوا: لا. لا نقبل هذه.

وأبرز نموذج لهذه القضية: اعتراض قوم شعيب على رسولهم، قال الله عز وجل عنهم: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85] ثم لا إله إلا الله أخذت تفصل وتوجه حتى في أدق القضايا الاجتماعية والاقتصادية: وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [هود:84-85] لو كانت مجرد لا إله إلا الله كل يقولها ويمضي أولئك في غشهم وفي تطفيفهم في موازينهم، وفي شهواتهم ولهواتهم وما اعترضوا عليه، ولكن لما جاء لتتدخل لا إله إلا الله في أدق شئون حياتهم اعترضوا اعتراضاً عظيماً، إنهم لم يعترضوا فقط على الجانب العقدي من هذه الكلمة حين دعاهم رسولهم إلى نبذ كل آلهة تعبد دون الله، وإنما اعترضوا أيضاً بروح علمانية : كيف يدخل الدين في حياتنا، فقالوا: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87].

إذاً العداوة والعناد هل هي من أجل هذه الكلمة لفظاً ونطقاً، أم من أجل مقتضاها ومعناها؟ لو كان العناد من أجل هذه الكلمة نطقاً لما كان لقريش أن تزج بفلذات أكبادها وأجمل شبابها في مواجهات مع النبي صلى الله عليه وسلم، لتطير الرءوس، ولتسيل الدماء، ولتتناثر الأشلاء في معسكر الإيمان ومعسكر الشيطان اللذين يتواجهان ويتجابهان ويتصارعان.

العداوة من أجل الكلمة ومقتضاها، لو كانت كلمة فقط لكان كل يسعد بها ويقولها غير آبه بما تقتضيه وما تلتزمه، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إليها قال: (يا معشر قريش! قولوا: لا إله إلا الله كلمة واحدة تدين لكم بها العرب، وتدفع لكم بها الجزية العجم، فقال أبو جهل: نعطيك عشراً يا محمد -أي نعطيك عشر كلمات لا كلمة واحدة تجعلنا بها سادة للعرب، وملوكاً على العجم يدفعون لنا الجزية- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: قولوا: لا إله إلا الله، فقال شيطانهم، وقائد ضلالهم وكبيرهم الذي علمهم العناد: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]).

نعم أيها الأحبة! لا يتصور من قريش أن تقف موقف العناد كله، ولا يتصور من قريش أن تقف هذا الصراع العظيم إلا لأنها تعلم أن لا إله إلا الله سوف تغير حياتها، إن قريشاً كانت تفخر وتفتخر وتفاخر أن يوجد فيها شاعر كـالنابغة الجعدي، أو أن يوجد فيها شاعرة كـالخنساء، أو يوجد فيها نابغ في مجال من المجالات، لماذا لم تفتخر قريش وهذا نبي يخرج فيها؟

نعم، كان في ظنها أن تفتخر لو كان هذا النبي لا يتدخل في سلطتها، وفي زعاماتها ورياساتها، وفيما تفرضه على الناس من حولها، ولكن لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله، وأدركوا مضمونها، وكانوا يفتخرون بكل من ينسب أو يلفت أنظار قبائل الأمة من حولهم إليهم، يفتخرون به، ويتوجونه رياسة لكي ينال بذلك زعامة وفخراً وسؤدداً بين قبائل العرب والعجم، لما قال محمد وقد ظهر فيهم نبياً، وكان الواجب أن يفتخروا به، وقفوا في معاداته وعداوته، لأنه جاء بما لا يشتهون، جاء بما ينغص عليهم حياتهم.

إن لا إله إلا الله لم تأتِ فقط لتزيل الأصنام، وإنما جاءت لتحطم وتهدم كل انقياد لغير الله، وكل إذعان لغير الله، وكل تحاكم لغير الله عز وجل، جاءت لكي تلغي وتنسف هذه المرافق التي بنيت على أساس عرقي عصبي قبلي، ولتقرر: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

جاءت لتحد الناس على ميزان الحق، وصراط القسطاس المستقيم، فلا يبغي أحد على أحد: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188].

جاءت لا إله إلا الله لترد النفوس عما ولغت وذلت وانحدرت فيه، ولترفعها إلى ما يرضي الله عز وجل، إن الذين يظنون أن لا إله إلا الله فقط لإزالة صنم يعبد على صورة وثن أو غيره فأولئك فهمهم قاصر.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لـعدي بن حاتم : (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، فقال: من لشدتك وكربك؟ فقال: الذي في السماء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] -أي: واتخذوا المسيح رباً من دون الله- فقال عدي: يا محمد! إنهم ما عبدوهم -يعني ما سجدوا لهؤلاء الرهبان، وما سألوا الرهبان تفريج الكربات وإغاثة اللفهات- فقال صلى الله عليه وسلم: أوليسوا يحرمون عليهم الحلال فيحرمونه؟ قال: بلى، قال: أوليسوا يحللون لهم الحرام فيستحلونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم إذاً) إن العبادة ليست سجوداً للأصنام، بل إن من أطاع غير الله معتقداً أن له حق التشريع والطاعة فذلك شرك وضلال مخرج من الملة، نعوذ بالله من الخذلان.

إن لا إله إلا الله لما خالطت شغاف القلوب، وباتت دماء تضخها هذه القلوب، وخفقات تنبض بها الأفئدة، وزاداً للأرواح قبل الأبدان، ونسمات تتعللها الأنفاس في الصدور، إن لا إله إلا الله لما خالطت شغاف النفوس هجرت الأعين نومها، وهجرت الأبدان راحتها، فأصبحت النفوس كباراً.

وإذا كانت النفوس كباراً     تعبت في مرادها الأجسام

لما خالطت هذه النفوس لا إله إلا الله فسالت الدماء لأجلها، وطارت الرءوس، وأخرج مكنوز الأموال، وكل تبرأ من ماله ومن كل ما يثقله ويبعده عن مرضاة الله عز وجل.

أما في هذا الزمان كم الذين يقولون: لا إله إلا الله؟ أين الذين يقولون: لا إله إلا الله؟

مليار ونصف المليار.

يا ألف مليون وأين همُ إذا دعت الجراح

هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألف واحداً نغزو بهم في كل ساح

كم الذين يقولون: لا إله إلا الله؟ إنهم لا يعدون ولا يحصون، ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم، وذلك من دلائل معجزات نبوته: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) إن الذين يقولون: لا إله إلا الله وإن كانوا كثيراً، إلا أن الذين يقومون بحقها وتبعاتها وواجباتها ومسئولياتها غرباء في خضم هذا الكون: ولكن طوبى للغرباء الذين هم قوم صالحون في قوم سوء كثير، وطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، وطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد النا).

(لا إله إلا الله) ما أكثر من يقولها اليوم، وهذه دماء المسلمين في البوسنة تنـزف! وما أكثر من يقول: لا إله إلا الله واليهودية جاثمة على مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم! وما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله والهندوس واقعون في أعراض أخواتنا المسلمات في كشمير ! وما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله ولكنهم بأموالهم يبخلون عن البذل في سبيل الله، بأموالهم وأوقاتهم! ما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله ولا ترى لهم في المساجد أثراً للسجود والركوع! ما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله وأكثرهم شهوته أحب إليه من أمر ربه، ولذته أعظم عنده من زجر نبيه، وغايته أشد في نفسه مما يؤمر وينهى به في كلام الله وكلام رسوله!

دم المصلين في المحراب ينهمر     والمستغيثون لا رجع ولا أثر

أيها الأحبة: إن لا إله إلا الله -كما قلت- لا تنحصر في مجال معين، ولو فهمها المسلمون هذا الفهم وقاموا بها هذا القيام لما وجدت حالنا اليوم كما نحن عليه الآن: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] هذه لا إله إلا الله من الحياة إلى الممات، من البداية إلى النهاية، من الظاهر إلى غاية الباطن؛ في الشكل والمضمون، وفي القلب والقالب، في الصورة والحقيقة، في العبارة والمعنى، ينبغي أن نفهم لا إله إلا الله، إننا لا نستطيع أن نزعم أننا وفينا لا إله إلا الله وإن اعتقدنا إننا لا نستطيع أن نزعم ونحن نقول: لا إله إلا الله، لا نستطيع أن ندعي أننا وفيناها حقها، وإن اعتقدنا الاعتقاد الصحيح، وإن نجونا من الوقوع في شرك العبادة .. وإن وإن .. إلى آخره، فإن حق لا إله إلا الله بحذافيره وأطرافه وكل مستلزماته أمر عظيم، لكن علينا أن نجتهد ما استطعنا، وأن نجاهد أنفسنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

إنني أعلم أن ممن يقولون: لا إله إلا الله ولا يفهمون أبعادها ومعناها، يقولون: إلى متى ونحن نظل نتحدث عن لا إله إلا الله، أما آن لنا أن نطرح الطروح العملية؟ أما آن لنا أن نخرج إلى البرنامج التطبيقي؟ أما آن لنا أن ندع الكلام في لا إله إلا الله لنتحدث عن المرحلة القادمة؟

نقول لأولئك: أيها الأحبة! إن لا إله إلا الله ليست شيئاً قائماً بذاته والدين أو نواحي الحياة أمراً مستقلاً آخر، بل إن لا إله إلا الله صميم الحياة، والحياة في صميم لا إله إلا الله، ومن ثم فحديثنا عن كل صغير وكبير يربطنا بلا إله إلا الله، إن كنا عباداً لله عز وجل نفتخر ونتشرف بهذه العبودية، لنتوجه إلى لا إله إلا الله، وليكن قولنا، وسرنا وجهرنا، ونهينا واحتسابنا في لا إله إلا الله وفي مقتضاها، حتى لا نخرج عن هذه المسألة؛ لأن لا إله إلا الله هي الأمر كله: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:16].

لقد غلب على عقل كثير من الناس في واقعنا المعاصر أن قضايا العلم، والحضارة والتكنولوجيا، والأدب والفكر، والاجتماع والسياسة هي قضايا موضوعية بحتة أو فنية بحتة، أو قضايا علمانية لا بد أن تخرج عن إطار الدين، وهذه القضايا يستوي فيها المؤمنون والكافرون، وأن سعي الأمة إلى حيازة التقدم يجب أن يكون موضوعياً بحتاً لا علاقة له بالعقيدة، وإنما ينطلق من واجب إزالة التخلف، واللحاق بركب الحضارة، والسعي إلى إيجاد المجتمعات الحديثة، ومعايشة العصر الذي نعيش فيه، نقول: هذا خطأ ووبال وضلال، إن هذا التخلف العقدي الذي ابتليت به بعض شعوب المسلمين في قصر مفهومها، وضيق مفهومها للا إله إلا الله، أخرج من هذه المفاهيم فروض الكفاية، أو شيئاً من الواجبات التي لا ينبغي للمسلمين بصفة خاصة أن يقعوا فيها، أو يتضجروا من الحديث عنها، لأنها شاملة لكل نواحي الحياة، حتى نرى الحياة كلها من صغيرها وكبيرها مرتبطة بلا إله إلا الله في إصلاح شامل، ودعوة مستمرة، وجهاد لا يلين، حتى يعبد الله وحده لا شريك له؟

(لا إله إلا الله) هي الروح والنور، وهل رأيتم حياة في شخص لا روح له؟

(لا إله إلا الله) هي الروح والنور، وهل رأيتم رجلاً لا نور له إلا ويتخبط في الظلمات، ويسقط في المهاوي والدركات؟

إن معرفة الله بأسمائه وصفاته، والتوجه إليه بالدينونة توجهاً شاملاً، والأخذ بمنهجه الذي أنزله في محكم كتابه؟ وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم هو الدواء الشافي لأوجاع البشرية وآلامها، وهو الروح لأرواحنا، والنور لنفوسنا، وبغير لا إله إلا الله وهي الروح والنور لا حياة ولا ضياء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52] نعم سمى الله هذه الكلمة وما تشتمله من الوحي المنزل روحاً ونوراً، فهو للأرواح نور، يمدها بالحياة الحقة، والإنسان بغير الروح يعيش حياة بهيمية؛ أو يموت وإن كان يتحرك بين الناس، يعيش عيشة بهيمية يأكل ويشرب وإلى غير ذلك ولكنه كما قال الله عز وجل: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].

وبدون (لا إله إلا الله) فإننا أموات، وإن أكلنا وشربنا، وعلى الأرض مشينا: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً [الأنعام:122] لقد علمنا ديننا كيف نعيش مع لا إله إلا الله، كما أن لا إله إلا الله في السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع والإعلام وما سوى ذلك فهي أيضاً في زواجنا وطلاقنا، ونفقاتنا مع زوجاتنا، ومع الحضانة والإيلاء والظهار، ولا إله إلا الله في الخطبة والنكاح، وفي الوليمة والضيافة والجوار، ولا إله إلا الله هي في العلاقات والأُخُوَّة، والبيع والشراء والإجارة، والمساقاة والمزارعة والوكالة والضمان، لا إله إلا الله هي في كل هذه الأمور جميعاً، لأننا نرقب فيها ما يرضي الله فندنو إليه، ونرقب فيها ما لا يرضيه فنبتعد عنه، علمنا هذا الدين كيف نرتبط بلا إله إلا الله.

إن مما يدلنا على أن الأديان غير الإسلام محرفة، وأن الشرائع غير الإسلام مبدلة أنك لا تجد في غير الإسلام ديناً يبين لك أدق تفاصيل حياتك، حتى في أول مراحل الحياة يوم أن توضع النطفة في رحم المرأة، للإسلام في ذلك توجيه، وللإسلام في خروج الجنين توجيه، وفي تسميته توجيه، وفي رضاعته توجيه، وفي حضانته ونفقته توجيه، وفي تربيته وتسميته توجيه، وفي معاملته توجيه، وفي علاقاته بمن حوله توجيه، إنك لا تجد هذه الدقائق إلا في دين الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تجد هذا إلا في كتاب قال الله فيه عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].

إن هذا الشمول للا إله إلا الله، وهذا الكمال للا إله إلا الله يدلنا حقاً على أن هذا هو دين من عند الله، وما سوى ذلك فليس بدين ثابت أو سليم من الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل وغير ذلك.

علمنا ديننا كيف نعيش مع لا إله إلا الله إذا أصبحنا: (اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) علمنا كيف نمسي: (اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير) علمنا كيف نستغفر، وكيف نقر، وكيف نتقرب إلى الله بسيد الاستغفار، وكيف ندنو من الله عز وجل رتباً ومراتب تقربنا من مرضاته عز وجل: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت -حتى في الاستغفار عودة إلى لا إله إلا الله- خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أي: أعترف بذنبي، أقر بذنبي، وبهذه المناسبة فإن كثيراً من الذين يذنبون لا يحسنون الاستغفار، تعلموا سيد الاستغفار، وتعلموا الإقرار بين يدي الله عز وجل، إذا سجدت فاعترف بذنبك لله: اللهم يا من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء! ما خفي عليك مقامي، ولم يعزب عنك شأني وأمري، في تلك الليلة، في ذلك اليوم، في تلك اللحظة فعلت كذا، أذنبت كذا، حصل كذا، انظروا كيف يعترف الجاني على المجني عليه، انظروا كيف يعترف المقصر في حق من ظلمه أو نال منه، يعترف اعترافاً تفصيلياً دقيقاً، ولله المثل الأعلى وهو الغني عنا، ينبغي أن نتذلل لله عز وجل، وأن نلظ بكل ما يرضي الله عز وجل بمناداتنا له بأسمائه وصفاته.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلنا ومالنا، هذا من الدعاء وأسوقه بلفظ الجمع لعله أن يستجاب لنا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بك اللهم أن نغتال من تحتنا.

سبحان الله العلي العظيم! هذا الدين علمنا أن نعيش مع لا إله إلا الله في كل حال، حتى إذا لبسنا ثوباً جديداً، حتى إذا دخلنا المسجد، حتى ولو خرجنا من المسجد، حتى وإن أصابتنا المصيبة، إذا نزلت الطامة المدلهمة لا فرج إلا بلا إله إلا الله كما ثبت في البخاري أن دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن في شخصيته قدوة سامية جلية، كيف يحيا الإنسان في معية الله، وكيف يكون في كنف لا إله إلا الله صابراً إن أصابه ضر، شاكراً إن أصابه ضير، متطلعاً إلى الله عز وجل، لاجئاً إلى الله، مستعيناً مستغفراً، مسلماً بقضائه وقدره، هذه حال لا إله إلا الله: يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

إذاً فيا أيها الأحبة: إن لا إله إلا الله لم تنزل لتكون كلمة تنطق بها الألسنة، وإنما جاءت ومن أجلها تقاتلت هذه الأمم مع أنبيائها، ومن أجلها وجدت الجنة والنار، حتى تقيم مجتمعاً وكياناً متكاملاً على ما يرضي الله عز وجل، لا إله إلا الله جاءت ليتشكل الواقع البشري وفق كتاب الله، وسنة رسوله، فمن حقق خيراً فليستزد، ومن وقع في إثم أو خطيئة فليستغفر الله، وليعد وليؤوب إلى الله عاجلاً غير آجل.

إن لا إله إلا الله تعني عبادة الله وحده لا شريك له، لئن كانت لا إله إلا الله بياناً للربوبية، وأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر الذي يقبض ويبسط، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، ويعز من يشاء، يمنع ويخفض ويرفع، إن كانت هذه من معاني لا إله إلا الله في باب الربوبية، ولئن كان الكفار يقرون بذلك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه [لقمان:25] فإن هذا وحده لا يكفي، لا نفهم من أن لا إله إلا الله تعني أن نعترف بأن الله هو المدبر الخالق، الاقرار بتوحيد الربوبية لا يعصم الرقاب ولا يحفظ الحقوق والأموال، بل لابد مع توحيد الربوبية من توحيد الألوهية وهو صرف العبادة بكل أنواعها بكل أشكالها لله عز وجل، فلا إله إلا الله عبادة لله وحده لا شريك له، ولا يجوز أن يشرك معه غيره، قال الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).

ولا إله إلا الله كما أنها إقرار بالربوبية وإفراد بالعبادة، هي أيضاً وحدانية في الأسماء والصفات، لا إله إلا الله في أسمائه، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه، وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يوصف ربنا إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان من نقص، وما كان من وصف لا يليق إلا وينفى عن الله عز وجل بمقتضى لا إله إلا الله، وبمعنى لا إله إلا الله.

لهذه الكلمة العظيمة مقتضيات عدة:

فمقتضاها الإيماني: أن من فقد هذه الكلمة فهو يتخبط خبط عشواء، والذين أعرضوا عن ذكر الله في ظلمات لا نهاية لها، إن الذين لا يفهمون لا إله إلا الله يرون أن الحياة من أجل أن يقضوا أوطارهم في شهواتهم وملذاتهم، لا وألف لا، وكيف تكون حياة بدون لا إله إلا الله والله يقول: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً [المؤمنون:115] خلقتم من أجل لا إله إلا الله: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]، من فهم لا إله إلا الله يدرك أن كل ما في الكون لم يخلق إلا لأجل الله ولمرضاة الله عز وجل: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27] نعم ذلك ظن الذين كفروا، يظنون أن في هذا الكون شيئاً خلق باطلاً، أو شيئاً وجد عبثاً، أو شيئاً قد وجد سدى، أما الذين يفهمون لا إله إلا الله يعلمون أن النفوس لم تخلق عبثاً، ولم تترك سدى، ولم يوجد من هذا شيء باطل: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:27-28] الذين يعلمون لا إله إلا الله يعلمون أن هذا معناها ومقتضاها.

أما ذلك الضال المضل -وهو مثال لمن لم يفهموا معنى هذه الحقيقة- يوم أن قال:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري

ولماذا لست أدري؟ لست أدري

أولئك لم يفهموا لا إله إلا الله، ولم يعرفوها، ولم ينالوا شرف الانتساب إليها، فإلى أي درك يهبط هذا الإنسان إذا لم يعرف معنى وجوده، إلى أي هاوية تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق يوم أن يجهل لا إله إلا الله، إن الإيمان بالله وحده هو حق لله على عباده، في وقتٍ الله عز وجل غني عن عباده، يقول الله عز وجل وهو الغني عن العباد: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57].

إننا ندعى إلى لا إله إلا الله ليس لحاجة ربنا إلينا، وليس من أجل أن يستكثر بنا ربنا من قلة، أو يستظهر بنا من قلة علم وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سـبأ:22] لا إله إلا هو وحده لا شريك له، والله لا يزيد في ملكه شيء أن يعبده الناس على قلب رجل واحد، أو أن يكونوا على أفجر قلب رجل واحد منهم كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) إذاً فنحن المحتاجون والله هو الغني عنا، ونحن الفقراء والله الغني، وإن نشكر فالله يرضى لنا، وإن نكفر فإن الله غني حميد: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الإسراء:15]، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:6].

إن الفساد الذي يسري في الأرض حين يهبط الإنسان عن الإيمان بما لا تدركه الحواس، فيفقد الإيمان بالله واليوم الآخر، ويفقد معنى لا إله إلا الله يعني ألواناً شتى لا تحصيها أقلام ولا مجلدات من الضلال والضياع، لأن النفوس إذا ضاعت وزلت وتاهت عن طريق لا إله إلا الله، فلا تسل عن هلكاتها، في أدنى أدنى وأصغر أصغر أمور حياتها، ومن زار الكفار أو عاش معهم فترة أو قرأ أحوالهم عرف إلى أي درجة يتخبط أولئك.

أيها الأحبة: إن بعض المسلمين يقول: هؤلاء الكفار عندهم من المخترعات، وعندهم من زخرف الحياة، وعندهم من الملذات والشهوات، ما يظهرون به في غاية السعادة، مع أنهم لم يعرفوا لا إله إلا الله، فلماذا أنتم تكررونها وتزيدون وتعيدون فيها؟ نقول: أيها الأحبة! إن أولئك كما قال الله عنهم: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] والله عز وجل يبتلي عباده المؤمنين ويبتلي الكافرين: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] ليبتلي الإنسان هل يثبت وهل يبقى على يقينه وإيمانه؟ لأن أناساً لما رأوا سعادة وهمية في حياة الكفار، وابتسامات زائفة على وجوه الكافرين، وشيئاً من الرخاء في بعض حياتهم أو حياة أممهم، قال: هؤلاء عاشوا وبدون هذه الكلمات التي تدعون إليها وتكررونها، نقول: هذا من البلاء، وهذا من الفتنة، إذ لو تأملت أحوال بقية الكفار لوجدت فيهم من الضلال والخبال، والبؤس والشقاء ما الله به عليم، ولكن إن لله سنناً من أخذ بها نال شيئاً ولو حظاً من الدنيا، فبعضهم الذين أخذوا بشيء من سنن الدنيا نالوا حظاً في الدنيا مع شقاء في نفوسهم وأرواحهم، والآخرون من الكفار لم ينالوا حظاً لا من الدنيا ولا من السعادة أبداً، فيُبتلى المؤمنون بهذا.

إن أخذنا بالعمل والجد، والصبر والمثابرة، والتعلم والكفاح والمنافسة؛ فإننا أيضاً ننافس هذه الأمم الغربية الكافرة، حتى لا يقول أحد: إن ديننا فقط هو ذكر وعبادة دون أن ننافس في تجارة وصناعة، وسياسة وإعلام واقتصاد وغير ذلك، إنها سنن لو أن أمماً بوذية ويهودية وغربية وشرقية في قضية من قضايا الأمور الدنيوية أخذت بأسباب الدنيا، بعوامل الإنتاج، بنظرية الإنتاج على الطريقة التي تنتج بها ما توده وما تحتاج إليه لأنتجت، وهذه من سنن الله أن من صبر على أمر من أمور الدنيا ناله، لكن المؤمن يصبر فيؤجر على صبره، ويظفر فيثاب على ظفره، ويثاب فيما قدم وعمل، وأما أولئك فليس لهم عند الله قليل ولا كثير من سعيهم، وإنما تعجل لهم ملذاتهم وما يحلو لهم حال دنياهم.

إن لا إله إلا الله -أيها الأحبة!- لابد أن يكون لها أثر في حياتنا، فمن آثارها:

أن يتحرر الإنسان من كل طاغوت، والطواغيت: من يعبدون بتجاوز وتعد من دون الله عز وجل، وحسب مؤمن يعظم لا إله إلا الله فيشعر أنه عبد لله، لا تنحني هامته إلا لله وحده، ولا يطأطئ رأسه وأنفه إلا لله وحده، ولا يمرغ أنفه وجبينه إلا لله وحده، وبدون ذلك ولغير ذلك فإن إراقة الدماء أهون عليه من أن يسجد لغير الله، أو أن ينقاد لغير الله عز وجل، هذه آثار لا إله إلا الله، يقولها من لم يدرس في الجامعات، ولم يؤلف المطولات، ولم يقرأ في المختصرات، صحابي من الصحابة لما قابل قائداً من قواد المشركين، يجيبه على سؤاله الذي قال فيه: ما الذي جاء بكم؟ فقال: [إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فإن أجبتم لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم ناجزناكم بأقوام يحبون الموت كما تحبون الحياة] إن هذا من مقتضى كلمة لا إله إلا الله، أن يتحرر الإنسان فيها، أن يجد عزة وغنى:

(استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره)

فلا إله إلا الله تغنيك عن كل ما سوى الله عز وجل، ألا لو أننا تعلقنا بها، وتوكلنا بمعناها على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير .. تغدوا خماصاً وتروح بطاناً.

أيها الأحبة: ومن آثار لا إله إلا الله: أنها تحرر هذه النفوس فيما جبلت عليه من غرائز جبلية، جبلت النفس على حب المال، وجبلت النفس على حب الشهوة، وجبلت النفس على كثير من الغرائز، لكن من تعلق بلا إله إلا الله واستحكمت في حياته فإنها تجعله منفقاً لهذا المال الذي يتقاتل الناس على جمعه، تجعله متعففاً عن هذه الشهوة التي يحتال الكثير من أجل الوصول إليها، تجعله سامياً يرمق ما عند الله في وقت يتنافس فيه الناس على الريال والريالين، إن لا إله إلا الله تجعل أماني المسلم أماني عظيمة، ولذلك لما قال أحد السلاطين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنك تريد ملكي وما عندي وسلطاني، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنا أريد ملكك؟! إن من يطمع في جنة عرضها السماوات والأرض ليس له حاجة فيما عندك. المسلم الذي يرغب جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا يفكر أن يطمع في أشياء دنيوية، أو أمور سخيفة تافهة، فالعاقل -أيها الأحبة!- يدرك أن لا إله إلا الله تحرر النفس، وتجعل الإنسان يرثي لحال هؤلاء الذين يتقاطعون ويتدابرون، ويكذبون ويتشاتمون، ويتهاجرون ويتسابون من أجل مصالح الدنيا، لأنه إن رآهم يتقاتلون على ريال أو ريالين أو مليون أو أكثر فإنه يرغب فيما عند الله عز وجل، إن هذا أيضاً مما تقتضيه لا إله إلا الله ومن آثارها.

فواجبنا أيها الأحبة أن نعتني بها، وأن ندركها تمام الإدراك، وأن نكون دعاة إليها، ندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياتنا، وحتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم، أما آخر لحظة في حياة الداعي: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133] هو الآن يعالج سكرات الموت، ويدعو إلى لا إله إلا الله، فيقول: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133] فيقولون: نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133].

وندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم: لما قام صلى الله عليه وسلم يدعو عمه أبا طالب، وهو يعلم أنه في آخر اللحظات، لا يستطيع أبو طالب أن يحمل سيفاً للجهاد، ولا أن يقوم ليركع، ولا أن ينحني ليسجد، ولا أن يمد لينفق، ولكنه يدعو إليها حتى ولو في النزع الأخير: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فيقول أبو جهل وصناديد قريش الذين كانوا من حوله: أتترك دين الآباء والأجداد؟ والنبي يدعوه إليها وأولئك يصدونه عنها حتى مات وهو يقول: على ملة عبد المطلب.

ندعوهم حتى آخر لحظة من حياتهم، خرج صلى الله عليه وسلم يزور يهودياً وولده مريض، فلما جاءه وجد الشاب المريض ينازع في سكرات الموت، فقال صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى ولد جاره اليهودي: (يا فتى! قل: لا إله إلا الله -دعوة حتى في النـزع الأخير من الحياة- فينظر الصبي وعينه تغرغر بالدمع إلى والده، فيقول أبوه: أطع أبا القاسم، فيقول الصبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فتفيض روحه، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يتهلل وجهه وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه بي من النار).

ندعو إلى لا إله إلا الله غير المسلمين لكي يعرفوا حلاوة الإيمان، ولننقلهم من السجود والخضوع والتعظيم لغير الله، من العبودية للأحجار والأصنام وغيرها إلى شرف التوحيد والوحدانية لله، وندعو المسلمين أنفسهم الذين ينطقون لا إله إلا الله أن يقوموا بحقها وواجبها، ندعو من يقول: لا إله إلا الله أن تحركه لا إله إلا الله لتسابق خطوه نفسه في صلاة الفجر ليكون أول الصافين مع الجماعة، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يكفوا عن أكل الحرام، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله ألا يعطوا ولا يأخذوا الرشوة والربا، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يقوموا بهذا الواجب بسمعهم وأبصارهم وفروجهم وبطونهم وكل ما آتاهم الله.

أسأل الله أن يجعل قولي وقولكم حجة لنا لا حجة علينا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أنواع المرجئة والرد عليهم

السؤال: جزاكم الله خير الجزاء، ونسأل الله لنا ولكم الأجر في كل حرف مما ذكرتموه، يقول المرجئة اليوم: الإيمان بكلمة التوحيد والإقرار بها في القلب وحده ملزم لدخول الجنة، وإن ترك الرجل الصلاة وامتنع عن الزكاة، فما هو رد فضيلتكم على هذه المقولة؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، لا شك أن هذه مقولة ضالة خاطئة، والمرجئة بالمناسبة إذا أطلقوا فهناك إطلاقان: مرجئة الفقهاء المتقدمين الأوائل، هم الذين يقال لهم: مرجئة الفقهاء الذين أرجئوا القول فيما كان بين الصحابة وفيما كان بين علي ومعاوية، وأحياناً قد تسمع عنهم في ترجمة بعض الثقات أو العدول: فلان من مرجئة الفقهاء، فلا يعني ذلك أنه من الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، أما المرجئة الذين ضلوا ضلالاً بعيداً فهم الذين ينطقون بهذا، وهم ضد الوعيدية من فـالخوارج والمعتزلة، وأهل السنة وسط بين طرفين، الخوارج والمعتزلة يقولون: من ارتكب الكبيرة الخوارج يخلدونه في النار، والمعتزلة يقولون: هو في منـزلة بين المنـزلتين، والمرجئة يقولون: من كان مؤمناً فلا يضره شيء أبداً ما دام أنه يدعي الإيمان، بل إن أبا الحسن الصالحي من القدرية ، وبعض من وافقه من الطوائف قالوا: إن مجرد المعرفة كافٍ ليكون الإنسان مؤمناً، وبعض طوائف الضلالة من الكرامية قالوا: إذا قال الإنسان: أنا مؤمن فقط بلسانه هذا في حد ذاته كافٍ، وهذه أقوال فاسدة.

يلزم من القول الأول أن يكون إبليس وأبو طالب والضُّلاَّل والجهَّال الذين يعرفون الله ولم يستجيبوا له ولم يعبدوه أن يكونوا مؤمنين، ويلزم من القول الثاني: أن يكون المنافقون مؤمنين، وضلال أمر المرجئة واضح جداً لأن النصوص في القرآن والسنة جاءت فيها آيات الوعد والوعيد، فكما أن الله عز وجل رتب الثواب الجزيل على من قام بالإيمان، رتب أيضاً العقاب الأليم على من خالف، والصلاة بحد ذاتها أخطر أمور العبادة وشرائع الدين وأركان الإسلام، من تركها فقد كفر، نعم من ترك الزكاة لا يكفر، من ترك الحج والصوم لا يكفر يعتبر عاصياً مرتكب كبيرة جداً، لكن الراجح وكما سئل سماحة الشيخ/ ابن باز وأفتى، قال: من ترك الصلاة فقد كفر: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دعاه المسور بن مخرمة على إثر طعنة طعن فيها يوم كان في المحراب رضي الله عنه فقال عمر: [نعم. ألا إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة] فقام عمر يصلي وجرحه يثعب دماً، فأولئك الذين يقولون: مجرد الإيمان في القلب أو مجرد التلفظ وحده كافٍ مع عدم السلامة من النواقض، وعدم القيام بالشروط والحقوق فإن لكل شيء حقوقه وشروطه وواجباته، وهذه مبينة مفصلة من كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم من قال: لا إله إلا الله وهو واقع في المعاصي

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أقول لا إله إلا الله ولكن في بعض الأحيان أفعل المعاصي، فهل اعتبر من الذين لا يعملون بمقتضاها أم ماذا؟

الجواب: من قال لا إله إلا الله وارتكب من الذنوب والمعاصي ما ارتكب فهو مقصر في حقوق لا إله إلا الله بقدر ما ارتكب، لكن أخطر ما هنالك أن يأتي الإنسان بما يناقضها أو يضيع شروطها، فإذا ضيع من شروطها أو ارتكب ما يناقضها مما يخرج من الملة فهذا الخطر العظيم، أما من ارتكب ذنباً فإن الكل يقول: لا إله إلا الله، لكن نور لا إله إلا الله في النفوس يختلف، هناك من يقول: لا إله إلا الله فيبكي، وتغرورق عينه بالدموع، ويسمع له البكاء والأنين والنحيب، وهناك من يقول: لا إله إلا الله وهو خارج مدبر بعيد عن الفريضة وعن الطاعة، فهذا مرتكب كبيرة عظيمة، وذاك في قلبه من حق لا إله إلا الله الشيء العظيم جداً، لكن ينبغي أن نفهم حتى لا نكفر الناس، ولا يفهمنا أحد فهماً خاطئاً أن من عصى الله فقد ارتكب ما يناقض لا إله إلا الله، لا. المعاصي ليست من نواقض لا إله إلا الله.

من نواقض لا إله إلا الله السخرية بالدين والاستهزاء، من نواقض لا إله إلا الله ترك الصلاة، من نواقض لا إله إلا الله كراهة العبادة، كراهية شيء مما جاء به الله ورسوله .. إلى آخر ما تعلمون، لكن من وقع في الذنب وفي المعصية فإن نور لا إله إلا الله، وحقوق لا إله إلا الله بشمولها ومعناها لم تكتمل في نفسه، فعليه التوبة والمبادرة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه

السؤال: أرجو من الشيخ أن يذكر لنا بعض أسباب زيادة الإيمان وأسباب نقصانه؟

الجواب: لا شك في معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول واعتقاد وعمل؛ قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

مما يزيد الإيمان في النفوس: مثل هذه المجالس، يجد الإنسان في نفسه -السامع والمتكلم- حباً للخير، وإقبالاً على الطاعة، وحماساً إلى الدعوة إلى الله عز وجل؛ حماساً في الصلاة وفي العبادة.

وكذلك مما يقوي الإيمان: العناية في هجر المنكرات وتركها وعدم التساهل بها، إن الذي يربي نفسه على الحساسية تجاه المنكرات يجد أن أدنى أدنى منكر يجعله يتأثر، ويحس بنفسه ما يجعله يتألم أكثر من لذته فيما فعل من المعصية، فمن أراد زيادة الإيمان فعليه بالأعمال الصالحة جملة، ومن أهمها: تلاوة كلام الله عز وجل وتدبره، العناية بحلق الذكر ورياض الجنة: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) العناية بعبادة السر، بمعنى أن يكون لك حظ من قيام الليل، أن يكون لك حظ من صدقات لا يعلم بها أحد، أن يكون لك حظ من عمل معين، تجد مثلاً بعض الناس يسرق نفسه خلسة لا يعلم به أحد فيعتمر ويعود ما درى به أحد، بعض الناس يأخذ نفسه خلسة مع المقابر والجنائز لا يعرفه أحد، كلما كانت العبادة أو كان للإنسان حظ من عبادة السر بينه وبين الله لا يعلم بها أحد فإن ذلك مما يعظم هذا الجانب في النفس.

وصايا لتائب

السؤال: قد منَّ الله علي بالهداية، ولكن شباب الحي والمدرسة لم يتركوني في حالي، وإني أقول لك يا حضرة الشيخ: أريد منك بعض النصائح التي تبعدني عن مثل هؤلاء؟ وما هي شروط لا إله إلا الله (تذكيراً ببعضها)؟

الجواب: لا يظن الإنسان أن الهداية إذا نال العبد شرفها وكرامة منزلتها أنه سيجدها ماءً عذباً زلالاً من دون شيء من الابتلاء قال تعالى: ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:1-2].

وقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام:10].

وقال: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ [فصلت:43].

وقال: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29].

يا أخي الحبيب: ليس غريباً أن تجد أهل الشر والمنكر والباطل والمعاصي يسخرون، لأنهم يحسدونك على ما أنت عليه من الهداية، ويرون أنك بعد أن كنت معهم في حضيض معاصيهم ودنس منكراتهم قد ارتفعت عليهم، فأنت كنت كمن يمشي معهم حافياً في الشوك والشمس والحر والهاجرة، وإذا بك فجأة تركب أطيب المراكب وألينها وأعلاها وأشرفها، فحسدوك فيما أنت فيه، ولكن المسلم ينظر إلى هؤلاء بالرحمة والعطف: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] لأن بعض الذين يهتدون يرجع ينظر إلى هؤلاء بعين العداوة والتصدي والحقد والتدبير، لا. كما من الله عليك بالهداية فابذل لهم من أسباب الهداية إذا تمكنت من الصلاح، وتمكنت من الاستقامة، فإن شئت ألا يفوتك أجر هدايتهم، أو أحببت أن تبادر في دعوتهم فاستعن بالله ثم بمن يعينك على ذلك ممن ثبتت قدمه في الدعوة والعلم.

ونوصي هذا الأخ حديث العهد بالتوبة والاستقامة:

أولاً: أن يطهر نفسه من كل معصية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] لأن بعض الشباب هداهم الله يتوبون إلا من شريطين وثلاثة، ويستقيمون إلا من أربع مجلات، ويرجعون إلا من ثلاث نقاط، فتجد الواحد توباته كأنها شركات تقسيط، أو ربما عنده شيء يقبله وشيء يرفضه، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] ما دام أن الله من عليك بالهداية لا تدع شيئاً تحت السرير أو فوق النافذة، أو عند الدولاب أو في شنطة السيارة، كل ما عندك مما يدعو إلى معصية الله أخرجه وأتلفه ولا تبق من ذلك شيئاً.

الأمر الثاني: التمس البديل عن أصحابك، والبديل عن سماعك، والبديل عن مطالعاتك، فالإنسان بطبعة اجتماعي، يحب الاختلاط والحديث والأنس والألفة، فإن كنت من قبل مختلطاً بهؤلاء الذين يعصون الله ويعينونك على المعصية فعليك بثلة وصحبة طيبة، واذهب وابحث، سلمان الفارسي تعلمون قصة إسلامه بحثاً عمن يهديه ويدله إلى الاستقامة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل إني أعرف شاباً ابتلي بقرناء سوء في مدينة تبعد عن الرياض حوالي ستمائة كيلو متر فنقل دراسته، ونقل سكنه خوفاً على استقامته والتزامه، لما فعلاً أحس أنهم قد أحاطوا به، والسبب أن قرناء السوء في تلك المنطقة قد أخذوا عليه مستمسكاً يهددونه ويفضحونه به، فلم يجد بداً للمحافظة على استقامته والسلامة من فضائحهم إلا أن يهاجر فاراً بتوبته واستقامته معرضاً عن كل ما يغرونه أو يهددونه به.

البديل الآخر: ألا وهو المطالعة والقراءة، تجد بعض الشباب في ضلاله؛ مجلات وأشرطة وملاهي .. إلى غير ذلك من المطالعات السيئة والرديئة، فأبدل هذا بمادة نافعة، كتب، طلب علم، عناية بالقرآن، اشتغال بالسنة، سماع المحاضرات، الخطب، الفوائد، القصائد، النثر والشعر الطيب النافع، هذا فيه خير بإذن الله.

أما ما يتعلق بما مر ذكره في المحاضرة من شروط لا إله إلا الله فهي:

العلم المنافي للجهل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] .. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران:18].

اليقين المنافي للشك.

المحبة: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31].

الإخلاص: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

الانقياد: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وهي واضحة وجلية.

وأوصي الشباب بالعناية برسائل الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب الموجزة المختصرة الطيبة التي تبني أصول الإيمان، مثل: كتاب التوحيد ، والمسائل الثلاث ، وكشف الشبهات إلى غير ذلك.

وصايا للمرأة المسلمة

السؤال: هل من كلمة للنساء حول ما يخصهن من مقتضيات لا إله إلا الله؟

الجواب: الخطاب للرجل كالخطاب للمرأة، الخطاب للذكر كالخطاب للأنثى، لا يفرق المرأة عن الرجل ولا الرجل عن المرأة إلا ما خص أحدهما بدليل، وما سوى ذلك فالمرأة والرجل على حد سواء في الخطاب، إلا أننا نوصي المرأة فيما هو من خصائصها: أن تتقي الله عز وجل، وأن تجعل لا إله إلا الله انقياداً واتباعاً وإخلاصاً وخشية من الله في خروجها، فلا تخرج إلا لحاجة ومع ذي محرم، وبقدر حاجتها، غير متبرجة ولا متعطرة ولا متزينة.

في علاقاتها: فلا تصاحب إلا من تخشى الله من صويحباتها.

وتتقيه في كلامها: فإياها أن تُملأ بالغيبة والنميمة فتكون كمن جمعت من الحسنات في صلاتها ونوافلها، ثم ضيعت هذه الحسنات في سماعة الهاتف.

ما أكثر النساء اللائي يصمن الإثنين والخميس، ويتهجدن الليل، ويضيعن آلاف الحسنات على سماعة الهاتف في الحديث عن فلانة وعلانة، أو يضيعن الحسنات في كثير من الذنوب والمعاصي! فالعاقل الذي مَنَّ الله عليه بجمع الحسنات يحرص على تمام المنة بالمحافظة عليها وعدم ضياعها.

كذلك على هذه المرأة: أن تعلم أنها مستهدفة في حظها من لا إله إلا الله من قبل العلمانيين ودعاة التغريب والضلالة، الذين نقلوا للأمة كل ألوان الفجور والفساد، اليوم المرأة مستهدفة، مجلة الأزياء مستهدفة، عرض الأزياء مستهدفة، دعاوى الاختلاط مستهدفة فيها؛ اختلاط في الوظيفة، اختلاط في التعليم، اختلاط في أمور كثيرة: المرأة نصف معطل، المرأة حبيسة الدار، المرأة مظلومة .. المرأة المرأة، وفعلاً في بلادنا هذه بالذات المرأة مستهدفة، ولن يقر للعلمانيين قرار، ويهدأ لهم بال حتى يروها تجوب الشوارع بسيارتها، وتخادن من تشاء، وتصاحب من تشاء، وتخرج متى شاءت، وتلبس ما شاءت، وتتبرج كيفما شاءت، وتتحدى بوجهها مقبلة مدبرة الرجال وغيرهم، فالمرأة العاقلة تقول: أنا أدرى بما أكرمني الله عز وجل به، فلا أريد حضيضاً مما عند هؤلاء العلمانيين الذين يَدَّعون أنهم أوصياء على المرأة، وكما يقول أحد المفكرين: هؤلاء والله لا يريدون تحرير المرأة وإنما يريدون حرية الوصول إلى المرأة.

نعم في المجتمع المسلم ونحسب أن بلادنا بلاد إسلامية، ومجتمعنا مجتمع إسلامي، على ما فينا من الذنوب والخطأ والتقصير، في بلادنا هذه من الصعوبة أن الإنسان يدخل على المرأة هكذا مباشرة، كيف؟ هل رأيتم إنساناً يمسك امرأة في الشارع يتحدث معها، أو سيجدها موظفة وسوف يتعامل معها، أو يجدها معه في طاولة الدراسة أو جنبه في الوظيفة أو عند إشارة المرور، بين الرجل وبين المرأة في هذه البلاد حواجز كثيرة، دعوني من الذين يتسللون لواذاً ويعملون خلف الكواليس، فمن ستر الله عليه فإن الله ستير يحب الستر، ونحن لا نتكلم عن الحالات الشاذة، لكن في عامة شأن الأمة الوصول إلى المرأة في المجتمع أمر صعب، ولأجل ذلك هم يريدون أن يخرجوا المرأة من هذه الحصون المنيعة حتى يسهل الاتصال بها، من الصعب أن يأتي واحد من هؤلاء، بل دونه الدماء، لو واحداً يطرق الباب يقول: أريد أن أكلم امرأة، أو يدخل عليها في مدرسة، أو يهتك ستراً من أستار وجودها، أو حصناً من حصون بقائها، ولذلك لابد أن نخرج هذه المرأة.

هل سمعتم علمانياً يقول: أخرجوها نزني بها، أخرجوها نستمتع بها، أخرجوها نتمتع بجمالها؟ لا. أخرجوا هذه المظلومة، أخرجوا هذه المسكينة، أعطوها حقها، دعوها تعمل مع الرجل، دعوها تشارك في الإنتاج، اتركو الدخل القومي يزيد، اتركوا .. ودعوى وهلم جراً إلى الصيحات الضالة، ولو كانوا جادين ويريدون أن تستفيد هذه المرأة، بدلاً من دعاوى التحرر ليفكروا كيف يوجدوا للمرأة مصانع نسائية مستقلة، كيف يوجدوا للمرأة قنوات نسائية بحتة، إن الإسلام لم يحرم على المرأة أن تعمل حينما تحتاج أو إذا رغبت في الضوابط الشرعية دون أن يفتتن بها الرجال، ودون تعطيل الوظيفة التي خلقت لأجلها وهي: الإنجاب والرعاية بالأبناء والزوج، فإذا وجد هذا فلا حرج، لكن أولئك تجد الذين يتكلمون كثيراً عن المرأة لا يطرحون قضية توظيف المرأة في المجال النسائي المستقل، لا.

بل: لماذا لا تسوق السيارة؟ لماذا لا تشارك الرجل؟ لماذا لا تقف في المصنع؟ لماذا لا تعمل كذا؟ وهؤلاء بإذن الله خابوا وخسروا ما دام في الأمة أغيار من علمائها ورجالها وولاتها بإذن الله عز وجل.

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.