خطب ومحاضرات
عقيدة أهل السنة والجماعة
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها الأحبة في الله: أولاً: أعتذر للإخوة الطلبة الذين يستعدون لأداء امتحانات الفصل الدراسي الأول من هذا العام، لوقوع المحاضرة في هذا الوقت المحرج، الذي هم فيه أحوج إلى الساعة أو الدقيقة لصرفها في الاستعداد للامتحان، ولكني أرجو الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل في هذه الساعة التي يقضونها في طلب العلم عوناً لهم، وفتحاً في قلوبهم، وتهيئة لفهمهم على تلك العلوم التي ينتظرونها إن شاء الله؛ لأن التقوى من أعظم وسائل التوفيق في هذه الحياة، يقول الله عز وجل: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29].
فأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفتح على إخواننا الطلاب مغاليق العلوم، وأن يوفقهم ويعينهم على أداء امتحاناتهم، وأن يكلل مساعيهم بالنجاح، إنه على كل شيء قدير.
الأمر الثاني: في نهاية كل درس من الدروس الماضية كانت ترد مجموعة من الأسئلة، ولا نتمكن من الإجابة عليها لضيق الوقت، ووعدت الإخوة بأن نجيب عليها في إحدى الحلقات، وكان من المناسب أن تكون الإجابات في هذه الليلة إن شاء الله، خصوصاً الأسئلة ذات الصيغة العامة التي تنفع العموم، وليست مختصة بقضية شخصية، ومن أهمها وهي التي دفعتني إلى تخصيص حلقة للإجابة على هذه الأسئلة، سؤال مهم جاءني من بعض طلبة العلم الذين يجلسون في مجالس العلم ويتابعون المحاضرات والدروس، وأقرأ عليكم السؤال:
السؤال يقول: نحن طلبة علم نحرص على حضور المحاضرات وسماع الخطب ومتابعة الدروس، ونسمع عن الفرقة الناجية وعن أهل السنة والجماعة، وعن معتقد أهل السنة والجماعة، وعن أصول أهل السنة والجماعة، ولكنا نسمع هذا ولا نعرف شيئاً عنه، وإذا رجعنا إلى الكتب لم نجد فرصاً أو كتباً تعالج هذا الموضوع بشيء من الاختصار دون الإطالة، ونسمع عن الجماعات الإسلامية التي تعمل في الساحة، وأن كل جماعة تدّعي أنها هي الفرقة الناجية ، وأنهم هم أهل السنة والجماعة ، فهل من بيانٍ يكشف هذا اللبس، وهل من توضيحٍ لهذا الموضوع؟
الجواب: هذا السؤال -أيها الإخوة- مهم؛ لأن عدم الإدراك والإلمام به؛ قد يؤدي إلى وقوع الشاب وهو متدين وملتزم في الفرق الضالة وهو لا يدري، بينما هو يحب أن يسير في رضا الله، وأن يحقق طاعة الله، لكن إذا لم يعرف هذه الأصول والمعتقدات، معتقد أهل السنة والجماعة، معتقد الفرقة الناجية، ربما يقع بجهله وبعدم علمه وباندفاعه إلى الوقوع في الفرق الضالة وهو لا يدري، فقد يكون خارجياً أو قدرياً أو مرجئاً أو رافضياً وهو لا يدري.
إذاً من هم أهل السنة والجماعة؟ ومن هم أهل الفرقة الناجية ؟ وما أصولهم؟ وما معتقدهم؟
هناك شيءٌ مهم جداً ينبغي أن يعرفه الشاب حتى يسير على نور وهدىً وبصيرة، ولقد رجعت في بحث هذا الموضوع إلى كلام العلماء، واستطعت أن أخرج بزبدة الموضوع بشكل مختصر من غير إطالة، بما يكفي ويستوعبه طالب العلم؛ لأن طالب العلم المبتدئ لا يريد أن يُكثر عليه في المسائل، وإنما يكفيه من المسائل رءوس الأقلام التي تحفظ له عقيدته وتنور بصيرته ويستقيم بها على مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة ، مذهب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.
الالتزام بالوحدة العامة وفق الوحيين
فلا سبيل -أيها الإخوة- إلى نصرة الإسلام عن طريق التشتت والتشرذم والتفرق، لا بد من الاجتماع على الحق، وما دامت هذه الجماعات تدّعي أنها كلها على مذهب أهل السنّة والجماعة فلمَ الفرقة ولمَ الخلاف؟ ولمَ التنازع؟ ولمَ الشتائم والسباب؟ ولمَ التفسيق والتبديع؟ ولمَ التجهيل؟
إن هذا كله من كيد الشيطان، ما دامت أمتنا واحدة، وربنا واحد، وكتابنا واحد، ومنهجنا واحد، وطريقنا واحد، فيجب أن نسير في هذا الخط، أما إن اختلفت الأساليب فقط، يعني: أنا أدعو إلى الله على منهج أهل السنّة والجماعة بأسلوب أرى أنه هو الذي ينفع الناس، ويأتي رجل آخر فيدعو إلى الله على مذهب أهل السنّة والجماعة لكن يرى أن أسلوبه هو أفضل من أسلوبي، ليعمل هو بأسلوبه وأعمل أنا بأسلوبي وذاك يعمل بأسلوبه، وفي النهاية نلتقي كلنا عند نقطة واحدة وهي: نصرة هذا الدين، فلا بأس في ذلك، أما أن أختلف معه في الرأي وفي الأسلوب، فيأخذ من الاختلاف في الأسلوب ذريعة إلى الاختلاف في المنهج والطريق، فهذا شر لا ينبغي أن يقع.
أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية التي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذا هو المنهج، فإذن جميع الفرق التي تنتمي إلى الإسلام، وتقول: إنها تعمل للإسلام، إن لم تكن على مثلما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإنها في النار.
حسناً! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه؟
هاهو المنهج أمامنا: كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد شرع الله عز وجل للأمة وأمرها بالاعتصام، وشرَّع لها من العبادات ما يدعوها إلى الاعتصام، وما يؤهلها إلى الاجتماع، فما الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعيدين؛ إلا طريقٌ من الطرق التي يهيئها الله عز وجل للاجتماع حتى لا تتفرق هذه الأمّة.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بخبر الافتراق وتحقق، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، قال: (... وستفترق هذه الأمّة ...) وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فافترقت الأمّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بينما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك فرق أبداً، وفي عهد أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ما كانت هناك فرق، وإنما كان كلهم معتصمين بالكتاب والسنّة، أما في عهد علي فقد بدأت الفتن تخرج أعناقها، وبدأت الصراعات تحصد، وخرجت فرقة اسمها الرافضة، وجاءت أخرى كردة فعل للرافضة اسمها الخوارج، فـالرافضة تُؤَلِّهُ علياً، والخوارج تكفر علياً، فكانت ردة فعل!
ثم جاءت الفرق من بعدهم، فجاءت القدرية، والمعتزلة، والأشعرية، كل هذه الفرق ضلت عن منهج الحق وعن منهج الكتاب والسنّة، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد هذا التفرق، فكلما بعدت الأمّة عن القرون المفضلة -قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرن الثاني، والثالث- كلما ازدادت الأمة تفرقاً، وتوسعت زاوية الانفراج والبعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن هدي أصحابه رضوان الله عليهم؛ وكثرت النحل وتعددت الملل، وكثرت المذاهب الباطلة.
ولكن بقيت الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتمسكة بالإسلام الصحيح تدعو إلى الله، ولا تزال ولن تزال بحمد الله مستمرة صادقة حتى يأتي وعد الله عز وجل.
هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الكتاب والسنّة، على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتتميز هذه الفرقة بميزة غير موجودة في جميع الفرق، وهو الذي جعلنا نجزم بأنها هي الفرقة الناجية ، هذه الميزة هي: الاعتصام بالكتاب والسنّة وبالاجتماع وعدم التفرق، هذه ميزتهم: أنهم يقفون عند النص، فإذا سمعوا: قال الله! صدروا عنه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله رجعوا إلى السنّة: قال رسول الله، فأخذوا بها، فإذا لم يجدوا من السنّة نظروا فيما قال السلف، ثم ما أجمعت عليه الأمّة وأخذوا به.
هؤلاء الذين يأخذون أحكام الله من هذه المصادر ويقفون عندها، هم أهل السنة والجماعة ، بخلاف الفرق والملل والنحل الأخرى الذين يقدمون الآراء على كتاب الله، فإن وافق القرآن معتقدهم أخذوا به، وإن عارضه أَوَّلُوْه، وإن وافقت السنّة معتقدهم أخذوا بها، وإن خالفته أبطلوها، وقالوا: هذه أحاديث غير صحيحة، وهي صحيحة لكنها تخالف ما يعتقدون.
إذن الذي يرجعون إليه ليس الكتاب ولا السنّة، وإنما ملتهم.. نحلتهم.. فرقتهم.. مذهبهم.. إذاً ليسوا هم الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هي من تقف عند كلام الله وعند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند التطبيق المثالي الصحيح للكتاب والسنّة، وهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اعتقاد أهل السنة في أركان الإيمان الستة
الإيمان بالله وترسيخ توحيد الربوبية
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية: هو توحيد الله بفعله، وفعله مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والضر والنفع، والخفض والرفع، والبسط والمنع، كل هذه من أفعال الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويرفع ويخفض، ويعز ويذل، هذه كلها من أفعال الله، ينبغي لك أيها الموحد! أن توحد الله بها فلا تشرك معه أحداً، فلا تعتقد أن أحداً يرزق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يخلق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يضر أو ينفع غير الله، أو أن أحداً يحيي أو يميت غير الله، بل له الأمر وله الخلق، وهذا كله اسمه: توحيد الربوبية، وهذا التوحيد لا يكفي وحده، فقد أقر به الكفار، ومع هذا قوتلوا ولم يدخلوا في الإسلام، يقول الله عز وجل عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] يقول الله عن الكفار المشركين: لو سألتهم: من خلق السماوات والأرض؟ لقالوا: الله، ولكن هل نفعهم هذا؟ لا. لا ينفع وحده. حتى يُعتبر الإنسان موحداً، لا بد أن يقر بالأنواع الثلاثة.
الإيمان بالله وترسيخ توحيد الألوهية
أما ما تحدثه الأمّة من بعده فهو لا يعلم عنه شيئاً، ولهذا جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام من أمّته يذادون عن الحوض، فتقول الملائكة: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ ... [المائدة:117] سحقاً سحقاً وبعداً بعداً لمن غير وبدل)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك الآن إذا قلت: مدداً يا نبي! وكذلك لا يجوز دعاء الأولياء أصحاب الأضرحة والقبور، كما يُصنع في بعض البلدان، يأتي الرجل أو المرأة إلى صاحب القبر يدعوه من دون الله، يدعونه دعاءً لا يُصرف إلا لله، يقول الرجل منهم: (يا سيد العارفين! العارف لا يُعرّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب، أنت تعرف ما في قلبي، وتعرف غرضي؛ أعطني غرضي). من الذي يعرف ما في قلبك إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر، فلا تصرف الدعاء إلا لله، والذبح إلا لله قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... [الأنعام:162] والنسك يعني: الذبح وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] فلا تذبح لغير الله: لا لقبر، ولا لولي، ولا لجن، ولا لأي غرض، فإنك إن ذبحت لغير الله أشركت، ولا يدخل في هذا ذبيحتك في بيتك لضيوفك، حتى لا يأتي بعض الناس فيقول: أنا لن أذبح للضيف؛ لأن الذبح لغير الله شرك، لا. اذبح للضيف فإنه لله، لماذا؟ لأنك تقول: باسم الله والله أكبر.
أما الذبح لغير الله؛ فهو أن تذبح عند القبر ولا تسمي الله، أو تسمي باسم القبر أو باسم الولي، أما إذا ذبحت لله وذكرت اسم الله وكان الغرض من هذه الذبيحة إكرام ضيفك، أو الذبح لأهلك حتى تأكل في بيتك، فهذه لله إن شاء الله.
كذلك النذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، كل هذه من أنواع العبادة فلا تصرف منها شيئاً إلا لله، وإذا صرفت -أيها العبد- منها شيئاً لغير الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر المخرج للإنسان من الملة.
هذا هو التوحيد الثاني واسمه توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العبد.
الإيمان بالله وترسيخ الاعتقاد في الأسماء والصفات
أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تشبيه ولا تعطيل، بل يؤمنون بأن الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] هذا معتقد أهل السنة والجماعة .
بينما أثبت الأشاعرة لله سبع صفات فقط: العلم، والسمع، والقدرة، والإرادة، والحياة، والكلام، سبع صفات فقط، والباقي نفوها عن الله، لماذا؟ قالوا: إذا أثبتناها شبهنا. حسناً! كيف يكون محذوراً في الباقي، ولا يكون محذوراً في السبع التي أثبتموها، فإما أن تنفوا أو أن تثبتوا كل شيء.
وجاءت المعتزلة لتنفي عن الله الصفات كلها وأثبتوا الأسماء، فقط، يقولون: إن الله عليم لكن بلا علم، يقولون: هذه الأسماء مثل اسم سعيد، لا يعني أنك سعيد؟ أو اسم محمود، لا يعني أنك محمود؟ أو اسم علي، لا يعني أنك علي، فهذه الأسماء فقط لا تدل على معاني، فيقولون: إن الله عليم بلا علم، وسميع بلا سمع، وحكيم بلا حكمة.
لا إله إلا الله!! كيف هذا؟
قالوا: إذا أثبتنا الصفة لزم من إثبات الصفة التشبيه بالمخلوق، فنحن ننفي الصفة عن الله حتى لا نشبه الله بالمخلوقين.
ومن قال لكم: إن صفة الله مثل صفة المخلوقين؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية : كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة:
لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول |
جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وسأل آخر ربيعة فقال: كيف الاستواء؟ قال ربيعة : كيف الله؟ قال: ما أدري، قال ربيعة : وأنا لا أدري كيف صفته.
فلا نعرف ذاته ولا نعرف صفته، ولكن نؤمن بها على حقيقتها دون توقف، بل نؤمن بجميع الصفات ونثبتها لله كما أثبتها لنفسه، وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وفيه مخرج مما ضلت فيه الأمم والفرق الضالة الذين نفوا عن الله الصفات.
وهناك فرق ضالة نفت عن الله الاسم والصفة وهم الجهمية، قالوا: إن الله عز وجل لا اسم له ولا صفة، وغلاة الجهمية نفوا عن الله كما ذكرت لكم النقيضين وقالوا: ( إن الله لا موجود ولا معدوم ) فشبهوه بالممتنعات: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. هذا هو الإيمان بالله وتوحيده، هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة.
الإيمان بالملائكة
فنؤمن بهم على الإجمال والتفصيل، فعلى الإجمال: نؤمن بأنهم من جنود الله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4].. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] أما على التفصيل فنعرف بعضهم وبعض وظائفهم، فنعرف جبرائيل وأنه أمين الوحي، ونعرف ميكائيل وأنه ملك الغيث الموكل بإنزال الغيث، ونعرف إسرافيل وأنه نافخ الصور، ونعرف مالكاً وأنه خازن النيران، ونعرف رضوان وأنه خازن الجنان، ونعرف رقيباً وعتيداً الموكلان بكتابة الحسنات والسيئات، وغير ذلك ممن وردت بهم الأدلة، هذا على التفصيل.
وأيضاً يقتضي الإيمان بالملائكة وبوظائفهم: أن نلتزم بما يقتضيه هذا الإيمان، فإذا آمنتُ أن هناك رقيباً يسجل حسناتي، وعتيداً يسجل سيئاتي، فإنني أصنع الحسنة وأبتعد عن السيئة، فأحذر من أن يُسجل علي شيء، وأرغب في أن يسجل لي شيء، لكن الذي يقول: أنا مؤمن برقيب وعتيد، ولا يعمل سوى السيئات؛ فهذا كاذب، فلو أنه صدر أمر، مثلاً: أن الناس يذكرون الله، ولذا تقرر أن يعلق مع كل شخص مسجل في رقبته، وفي نهاية كل يوم يُفتح هذا المسجل، وتحسب ألفاظه، فمن ذكر الله عز وجل: سبح الله أو حمد الله أو هلل أو أثنى على الله، فإن له في كل تسبيحة ريالاً، وبكل تحميدة ريالاً، وبكل تهليلة ريالاً، بينما الذي يلعن أو يسب أو يشتم، أو يغتاب أو ينم، أو يكذب؛ على كل كذبة ضربة، ما رأيكم من منا لن يذكر الله عز وجل؟! والله لن نشتغل إلا بذكر الله! وإذا أتاك شخص يكلمك فستقول له: لا يا شيخ! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لماذا؟ قال: سأكسب ريالاً على كل ذكر، ويجيء آخر النهار ويفتح المسجل ويجد عشرة آلاف تسبيحة ويأخذ عليها شيكاً بعشرة آلاف ريال، بينما آخر لم يجد سوى ألف تسبيحة أي بألف ريال، ما رأيكم في شعور هذا الذي حصل على ألف ألا يحزن ويندم؟ سيبيت الليل كله يقول: يأخذ عشرة آلاف وأنا ألف فقط! والله ما أقول كلمة في الغد إلا سبحان الله، لماذا؟ لأنه آمن بقيمة الريال الشرائية.
حسناً! ما الذي يمنع الناس الآن من التسبيح والتهليل؟ وما الذي يدفعهم إلى اللعن والسب والشتيمة والغناء واللهو إلا عدم إيمانهم بأن هناك من يسجل الحسنات والسيئات، وما آمنوا أن الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق:18] أي: أي كلمة تخرج من فيه: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]!
فهذا معنى الإيمان بالملائكة، أنك تؤمن بالملك وبوظيفته، وينقدح في ذهنك شيء من إيمانك به، ..
وهكذا تؤمن بمنكر ونكير، وأنهما ملكا سؤال، وتؤمن بمالك خازن النيران، ولا تود أن تمر من عنده، وتؤمن برضوان وتتمنى أن الله عز وجل يدخلك الدار التي هو مسئول عنها، هذا هو معنى الإيمان بالملائكة.
ومن أعظم ما يقوي الإيمان في قلب الإنسان بإذن الله: الحديث عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره السيوطي في صحيح الجامع وصححه الألباني يقول: (أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام) أي: رقبته فقط، فأنت لا تتجاوز رقبتك بضع أصابع، بينما هذا الملك طول عنقه مسيرة خمسمائة عام، لا يعصي الله طرفة عين، وأنت رقبتك أربع أصابع وتعصي الله، ماذا أنت بالنسبة له وهو من حملة العرش؟ وحملة العرش ثمانية، قيل ثمانية من الملائكة، وقيل ثمانية صفوف وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17].
الإيمان بالكتب المنزلة والرسل
فالتوراة أنزلها الله على موسى، والإنجيل أنزله على عيسى، والزبور أنزله على داود، والقرآن الكريم أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن القرآن الكريم هو المهيمن، وهو الناسخ لجميع الرسالات، وهو الكتاب الذي ليس بعده كتاب؛ لأنه آخر الكتب، ونبينا آخر الأنبياء، وأمتنا آخر الأمم.
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق حروفه ومعانيه، لم يُخلق منه شيء، خلافاً للجهمية والمعتزلة والأباضية الذين يقولون: أن القرآن كله مخلوق حروفه ومعانيه. وخلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله هو المعاني فهو منزل، أما الحروف فهي مخلوقة، وكلا القولين باطل، والقول الصحيح المدعَّم بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1].. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ ... [الزمر:23] أدلة كثيرة بالنسبة لتنزيل القرآن، لكن سبحان الله! كيف ضلت تلك العقول، وذهبت إلى ما يضلها في دنياها وآخرتها من غير حاجة؟ لكن الشيطان سول لهم وأملى لهم.
أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، ونؤمن بالرسل كلهم ولا نتبع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، لو أن أحداً أتانا وقال: أنا أؤمن بكل الأنبياء إلا نبياً واحداً لا أؤمن به، قلنا: كفرت بكل الأنبياء، لا بد أن تؤمن بكل الأنبياء الذين جاء ذكرهم في الكتاب والسنّة، وأنهم رسل، فنعتقد عقيدة من قلوبنا أنهم أنبياء الله ورسله، ولكن لا يلزمنا اتباع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
الإيمان بالبعث وما يترتب عليه
أولاً: عذاب القبر ونعيمه، فإن هذا غيب، ومن معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان به، والإيمان به يقتضي الاستعداد له، فإذا عرفت أنك مسئول في القبر وأنك معذب أو منعم؛ فإنك مباشرة تقف عند الأوامر وتنتهي عند النواهي، فتفعل ما أمرك الله به، وتنتهي عما نهاك الله عنه.
وأيضاً البعث: وهو إعادة الناس إلى الحياة كما كانوا أحياء، وأن الله يردهم مثلما كانوا، وأن الناس يفنون، وتتفرق أجسامهم، وتتقطع أوصالهم، ولا يبقى منهم إلا عَجبُ الذنب؛ وهي: حبة صغيرة في آخر العمود الفقري، وهذه أصل الإنسان، تبقى في التراب إلى أن يُنزل الله عز وجل ماء من بحر يقال له الحيوان من السماء، فتنبت منه هذه الحبَة كما تنبت الحِبة في حميل السيل، حتى يعود الناس كلهم كما كانوا أول مرة يوم أن خلقهم الله عز وجل، وهذا بعد النفخة الأولى، أما في النفخة الأولى فيصعقون، ثم ينزل هذا الماء وينبتون، ثم يُنفخ النفخة الثانية فتطير الأرواح من الصور إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر:68-69].
ثم بعد البعث الحشر، إلى المكان الذي هيأه الله عز وجل وأعده ليكون موعد الفصل والحساب للناس، ثم الحساب، وهو: محاسبة الناس على الأعمال، ووزن الأعمال ونشر الدواوين.. والدواوين هي: الكتب التي قد كتبت علينا، ما من إنسان إلا وله كتاب وديوان مسجل فيه كل عمله، فإذا مات قيل له: اقرأ كتابك: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] وقال تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثـية:29].
ثم الصراط: وهو جسر على متن جهنم لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا عن طريقه، والناس يجتازونه على ضوء أعمالهم وتمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله في هذه الدار.
والإيمان بالجنة وما أعد الله فيها من النعيم، وبالنار وما أعد الله فيها من العذاب الأليم، والاستعداد لهذا كله بالإيمان والعمل الصالح.
هذا معتقد أهل السنّة والجماعة في البعث بعد الموت.
الإيمان بالقدر خيره وشره
ومعنى الإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قد علم كل شيء؛ ما كان وما سيكون، وقدره الله عز وجل وكتبه، وأن للعباد إرادة وقدرة واختياراً لما يقع منهم من طاعة أو من معصية، ولكن ذلك تابعٌ لإرادة الله ومشيئته، وهذا خلافاً للجبرية ، الذين يقولون: إن العبد مجبر على أفعاله، وكثير من الناس الآن جبري، إذا قلت له: يا أخي! أترك المعاصي قال: الله جبرني، هذا جبري؛ لأنه يدعي أن الله جبره على المعصية، وطائفة الجبرية فرقة من الفرق الضالة فيكون جبرياً وهو لا يدري، ولو درى أنه جبري لتوقف، فـالجبرية يقولون: إن العبد مجبر على فعله.
وخلافاً أيضاً للقدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإن إرادة العبد غالبة على إرادة الله. وهذا باطل، إذ لا يمكن أن يكون في الكون شيء خارج عن إرادة الله عز وجل، ولكن للعبد إرادة ولله إرادة، والله عز وجل يقول: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] فأثبت الله للعبد مشيئته رداً على الجبرية ، وأثبت الله مشيئته التي تتبعها مشيئة العبد رداً على القدرية ، وهذا من أعظم ما أجيب به في هذا الموضوع، وهو الذي يتمشى مع عقل الإنسان، إذ كيف يسلبك الله الإرادة ويجعلك مجبوراً على عمل ثم يحاسبك عليه؟ هل هذا معقول؟! الله منزه عن هذا، بدليل: ألست -أيها المسلم- مأموراً بالصلاة في المسجد؟ وإذا سمعت حي على الصلاة حي على الفلاح ولم تأت وأنت قادر على الصلاة فأنت آثم معرض نفسك للعذاب، لكن إذا مرضت فمن الذي أمرضك؟ الله، ومن الذي أمرك بالصلاة في المسجد؟ الله، فسلبك الله القدرة على القيام بالصلاة وعندها هل يطلب منك أن تصلي في الم
أولاً: أمة الإسلام أمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد، ونبيها واحد، وكتابها واحد، يقول الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92] والمسمّي لهذه الأمّة بأمة الإسلام هو الله عز وجل: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [الحج:78] فلا مسمَّى لهذه الأمّة غير هذا الاسم، ولا داعي للعاملين في ساحات الإسلام من أن يرفعوا لوحات أو شعارات بغير مسمّى الإسلام؛ لأن الانتماء إلى أي مسمّى والالتفاف حول أي شعار يلزم منه الولاء له وترك الولاء لغيره، وبالتالي تتشتت الأمّة وتتفرق، وإذا تفرقت فشلت؛ لأن الله قد أمرنا بالاعتصام وبأن نكون مجتمعين، يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَق تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:102-103] ويقول أيضاً: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46] ويقول: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159].
فلا سبيل -أيها الإخوة- إلى نصرة الإسلام عن طريق التشتت والتشرذم والتفرق، لا بد من الاجتماع على الحق، وما دامت هذه الجماعات تدّعي أنها كلها على مذهب أهل السنّة والجماعة فلمَ الفرقة ولمَ الخلاف؟ ولمَ التنازع؟ ولمَ الشتائم والسباب؟ ولمَ التفسيق والتبديع؟ ولمَ التجهيل؟
إن هذا كله من كيد الشيطان، ما دامت أمتنا واحدة، وربنا واحد، وكتابنا واحد، ومنهجنا واحد، وطريقنا واحد، فيجب أن نسير في هذا الخط، أما إن اختلفت الأساليب فقط، يعني: أنا أدعو إلى الله على منهج أهل السنّة والجماعة بأسلوب أرى أنه هو الذي ينفع الناس، ويأتي رجل آخر فيدعو إلى الله على مذهب أهل السنّة والجماعة لكن يرى أن أسلوبه هو أفضل من أسلوبي، ليعمل هو بأسلوبه وأعمل أنا بأسلوبي وذاك يعمل بأسلوبه، وفي النهاية نلتقي كلنا عند نقطة واحدة وهي: نصرة هذا الدين، فلا بأس في ذلك، أما أن أختلف معه في الرأي وفي الأسلوب، فيأخذ من الاختلاف في الأسلوب ذريعة إلى الاختلاف في المنهج والطريق، فهذا شر لا ينبغي أن يقع.
أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية التي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذا هو المنهج، فإذن جميع الفرق التي تنتمي إلى الإسلام، وتقول: إنها تعمل للإسلام، إن لم تكن على مثلما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإنها في النار.
حسناً! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه؟
هاهو المنهج أمامنا: كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد شرع الله عز وجل للأمة وأمرها بالاعتصام، وشرَّع لها من العبادات ما يدعوها إلى الاعتصام، وما يؤهلها إلى الاجتماع، فما الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعيدين؛ إلا طريقٌ من الطرق التي يهيئها الله عز وجل للاجتماع حتى لا تتفرق هذه الأمّة.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بخبر الافتراق وتحقق، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، قال: (... وستفترق هذه الأمّة ...) وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فافترقت الأمّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بينما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك فرق أبداً، وفي عهد أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ما كانت هناك فرق، وإنما كان كلهم معتصمين بالكتاب والسنّة، أما في عهد علي فقد بدأت الفتن تخرج أعناقها، وبدأت الصراعات تحصد، وخرجت فرقة اسمها الرافضة، وجاءت أخرى كردة فعل للرافضة اسمها الخوارج، فـالرافضة تُؤَلِّهُ علياً، والخوارج تكفر علياً، فكانت ردة فعل!
ثم جاءت الفرق من بعدهم، فجاءت القدرية، والمعتزلة، والأشعرية، كل هذه الفرق ضلت عن منهج الحق وعن منهج الكتاب والسنّة، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد هذا التفرق، فكلما بعدت الأمّة عن القرون المفضلة -قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرن الثاني، والثالث- كلما ازدادت الأمة تفرقاً، وتوسعت زاوية الانفراج والبعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن هدي أصحابه رضوان الله عليهم؛ وكثرت النحل وتعددت الملل، وكثرت المذاهب الباطلة.
ولكن بقيت الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتمسكة بالإسلام الصحيح تدعو إلى الله، ولا تزال ولن تزال بحمد الله مستمرة صادقة حتى يأتي وعد الله عز وجل.
هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الكتاب والسنّة، على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتتميز هذه الفرقة بميزة غير موجودة في جميع الفرق، وهو الذي جعلنا نجزم بأنها هي الفرقة الناجية ، هذه الميزة هي: الاعتصام بالكتاب والسنّة وبالاجتماع وعدم التفرق، هذه ميزتهم: أنهم يقفون عند النص، فإذا سمعوا: قال الله! صدروا عنه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله رجعوا إلى السنّة: قال رسول الله، فأخذوا بها، فإذا لم يجدوا من السنّة نظروا فيما قال السلف، ثم ما أجمعت عليه الأمّة وأخذوا به.
هؤلاء الذين يأخذون أحكام الله من هذه المصادر ويقفون عندها، هم أهل السنة والجماعة ، بخلاف الفرق والملل والنحل الأخرى الذين يقدمون الآراء على كتاب الله، فإن وافق القرآن معتقدهم أخذوا به، وإن عارضه أَوَّلُوْه، وإن وافقت السنّة معتقدهم أخذوا بها، وإن خالفته أبطلوها، وقالوا: هذه أحاديث غير صحيحة، وهي صحيحة لكنها تخالف ما يعتقدون.
إذن الذي يرجعون إليه ليس الكتاب ولا السنّة، وإنما ملتهم.. نحلتهم.. فرقتهم.. مذهبهم.. إذاً ليسوا هم الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هي من تقف عند كلام الله وعند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند التطبيق المثالي الصحيح للكتاب والسنّة، وهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وهذه الفرقة فرقة أهل السنة والجماعة لها ثوابت ومعتقدات وأصول يسيرون عليها، ويدعون إليها في العقيدة والعبادة والسلوك، وكلها مدعَّمة ومُدللٌ عليها من كتاب الله، ومن سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وهذه الأصول يمكن جمعها فيما يلي، وسوف أذكرها لكم باختصار إن شاء الله:
أولاً: الإيمان بالله. هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة ، ويقتضي الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة:
توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
توحيد الربوبية: هو توحيد الله بفعله، وفعله مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والضر والنفع، والخفض والرفع، والبسط والمنع، كل هذه من أفعال الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويرفع ويخفض، ويعز ويذل، هذه كلها من أفعال الله، ينبغي لك أيها الموحد! أن توحد الله بها فلا تشرك معه أحداً، فلا تعتقد أن أحداً يرزق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يخلق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يضر أو ينفع غير الله، أو أن أحداً يحيي أو يميت غير الله، بل له الأمر وله الخلق، وهذا كله اسمه: توحيد الربوبية، وهذا التوحيد لا يكفي وحده، فقد أقر به الكفار، ومع هذا قوتلوا ولم يدخلوا في الإسلام، يقول الله عز وجل عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] يقول الله عن الكفار المشركين: لو سألتهم: من خلق السماوات والأرض؟ لقالوا: الله، ولكن هل نفعهم هذا؟ لا. لا ينفع وحده. حتى يُعتبر الإنسان موحداً، لا بد أن يقر بالأنواع الثلاثة.
الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، فكما وحَدَّته بفعله توحده بفعلك، ما هو فعلك؟ العبادة، فلا تجعل مع الله في عبادتك شريكاً، فتصرف جميع أنواع العبادة منك إلى الله، وإذا صرفت منها شيئاً لغير الله فهذا هو الشرك، مثل الدعاء، والدعاء نوع من العبادة، بل هو العبادة، يقول الله عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر:60] أي: عن دعائي، فسمّى الله الدعاء عبادة، وقال عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] .. وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجـن:18] فالدعاء يجب أن يصرف منك -أيها العبد- لله: فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18] فلا يُصرف لنبي، ولا لولي، ولا لإنس، ولا لجن، ولا لأحد؛ لأن الدعاء إذا صرفته لغير الله أشركت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا تدعُه، بعض الناس يقول: مدداً يا نبي! وهذا هو الشرك الأكبر، لا تقل ذلك. بل قل: مدد يا ألله؛ لأنك تدعو النبي والنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك أو يعطيك أو يمنعك، بل لا يعلم شيئاً بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن الملائكة تبلغه السلام فقط.
أما ما تحدثه الأمّة من بعده فهو لا يعلم عنه شيئاً، ولهذا جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام من أمّته يذادون عن الحوض، فتقول الملائكة: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ ... [المائدة:117] سحقاً سحقاً وبعداً بعداً لمن غير وبدل)
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك الآن إذا قلت: مدداً يا نبي! وكذلك لا يجوز دعاء الأولياء أصحاب الأضرحة والقبور، كما يُصنع في بعض البلدان، يأتي الرجل أو المرأة إلى صاحب القبر يدعوه من دون الله، يدعونه دعاءً لا يُصرف إلا لله، يقول الرجل منهم: (يا سيد العارفين! العارف لا يُعرّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب، أنت تعرف ما في قلبي، وتعرف غرضي؛ أعطني غرضي). من الذي يعرف ما في قلبك إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر، فلا تصرف الدعاء إلا لله، والذبح إلا لله قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ... [الأنعام:162] والنسك يعني: الذبح وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] فلا تذبح لغير الله: لا لقبر، ولا لولي، ولا لجن، ولا لأي غرض، فإنك إن ذبحت لغير الله أشركت، ولا يدخل في هذا ذبيحتك في بيتك لضيوفك، حتى لا يأتي بعض الناس فيقول: أنا لن أذبح للضيف؛ لأن الذبح لغير الله شرك، لا. اذبح للضيف فإنه لله، لماذا؟ لأنك تقول: باسم الله والله أكبر.
أما الذبح لغير الله؛ فهو أن تذبح عند القبر ولا تسمي الله، أو تسمي باسم القبر أو باسم الولي، أما إذا ذبحت لله وذكرت اسم الله وكان الغرض من هذه الذبيحة إكرام ضيفك، أو الذبح لأهلك حتى تأكل في بيتك، فهذه لله إن شاء الله.
كذلك النذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، كل هذه من أنواع العبادة فلا تصرف منها شيئاً إلا لله، وإذا صرفت -أيها العبد- منها شيئاً لغير الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر المخرج للإنسان من الملة.
هذا هو التوحيد الثاني واسمه توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العبد.
الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهذا هو التوحيد الذي ضلت فيه أكثر الأمّة، من أهل الكلام من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية والقرامطة فقد ضلوا في هذا الباب؛ لأنهم دخلوا بعقولهم الصغيرة، وبأفئدتهم وألبابهم المحدودة في هذا المجال المقفل الذي لا يدخله إلا من عنده دليل من كتاب وسنّة، فعطلوا صفات الله، بل بعض غلاة الجهمية سلبوا عن الله النقيضين، حتى قالوا: ( إن الله لا موجود ولا معدوم ) وقالوا: إن أثبتنا لله الوجود شبهناه بالموجودات، وإن قلنا: إنه معدوم شبهناه بالمعدومات، فوصفوه بالممتنعات، لأن الذي ليس معدوماً ولا موجوداً هو الممتنع، فهربوا من شيء ليقعوا في شر منه.
أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تشبيه ولا تعطيل، بل يؤمنون بأن الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] هذا معتقد أهل السنة والجماعة .
بينما أثبت الأشاعرة لله سبع صفات فقط: العلم، والسمع، والقدرة، والإرادة، والحياة، والكلام، سبع صفات فقط، والباقي نفوها عن الله، لماذا؟ قالوا: إذا أثبتناها شبهنا. حسناً! كيف يكون محذوراً في الباقي، ولا يكون محذوراً في السبع التي أثبتموها، فإما أن تنفوا أو أن تثبتوا كل شيء.
وجاءت المعتزلة لتنفي عن الله الصفات كلها وأثبتوا الأسماء، فقط، يقولون: إن الله عليم لكن بلا علم، يقولون: هذه الأسماء مثل اسم سعيد، لا يعني أنك سعيد؟ أو اسم محمود، لا يعني أنك محمود؟ أو اسم علي، لا يعني أنك علي، فهذه الأسماء فقط لا تدل على معاني، فيقولون: إن الله عليم بلا علم، وسميع بلا سمع، وحكيم بلا حكمة.
لا إله إلا الله!! كيف هذا؟
قالوا: إذا أثبتنا الصفة لزم من إثبات الصفة التشبيه بالمخلوق، فنحن ننفي الصفة عن الله حتى لا نشبه الله بالمخلوقين.
ومن قال لكم: إن صفة الله مثل صفة المخلوقين؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية : كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة:
لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول |
جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وسأل آخر ربيعة فقال: كيف الاستواء؟ قال ربيعة : كيف الله؟ قال: ما أدري، قال ربيعة : وأنا لا أدري كيف صفته.
فلا نعرف ذاته ولا نعرف صفته، ولكن نؤمن بها على حقيقتها دون توقف، بل نؤمن بجميع الصفات ونثبتها لله كما أثبتها لنفسه، وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وفيه مخرج مما ضلت فيه الأمم والفرق الضالة الذين نفوا عن الله الصفات.
وهناك فرق ضالة نفت عن الله الاسم والصفة وهم الجهمية، قالوا: إن الله عز وجل لا اسم له ولا صفة، وغلاة الجهمية نفوا عن الله كما ذكرت لكم النقيضين وقالوا: ( إن الله لا موجود ولا معدوم ) فشبهوه بالممتنعات: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4] وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. هذا هو الإيمان بالله وتوحيده، هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة.
ومن أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالملائكة، والتصديق بوجودهم، وأن الله عز وجل خلقهم لعبادته، وأنهم موكلون ببعض الوظائف.
فنؤمن بهم على الإجمال والتفصيل، فعلى الإجمال: نؤمن بأنهم من جنود الله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4].. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] أما على التفصيل فنعرف بعضهم وبعض وظائفهم، فنعرف جبرائيل وأنه أمين الوحي، ونعرف ميكائيل وأنه ملك الغيث الموكل بإنزال الغيث، ونعرف إسرافيل وأنه نافخ الصور، ونعرف مالكاً وأنه خازن النيران، ونعرف رضوان وأنه خازن الجنان، ونعرف رقيباً وعتيداً الموكلان بكتابة الحسنات والسيئات، وغير ذلك ممن وردت بهم الأدلة، هذا على التفصيل.
وأيضاً يقتضي الإيمان بالملائكة وبوظائفهم: أن نلتزم بما يقتضيه هذا الإيمان، فإذا آمنتُ أن هناك رقيباً يسجل حسناتي، وعتيداً يسجل سيئاتي، فإنني أصنع الحسنة وأبتعد عن السيئة، فأحذر من أن يُسجل علي شيء، وأرغب في أن يسجل لي شيء، لكن الذي يقول: أنا مؤمن برقيب وعتيد، ولا يعمل سوى السيئات؛ فهذا كاذب، فلو أنه صدر أمر، مثلاً: أن الناس يذكرون الله، ولذا تقرر أن يعلق مع كل شخص مسجل في رقبته، وفي نهاية كل يوم يُفتح هذا المسجل، وتحسب ألفاظه، فمن ذكر الله عز وجل: سبح الله أو حمد الله أو هلل أو أثنى على الله، فإن له في كل تسبيحة ريالاً، وبكل تحميدة ريالاً، وبكل تهليلة ريالاً، بينما الذي يلعن أو يسب أو يشتم، أو يغتاب أو ينم، أو يكذب؛ على كل كذبة ضربة، ما رأيكم من منا لن يذكر الله عز وجل؟! والله لن نشتغل إلا بذكر الله! وإذا أتاك شخص يكلمك فستقول له: لا يا شيخ! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لماذا؟ قال: سأكسب ريالاً على كل ذكر، ويجيء آخر النهار ويفتح المسجل ويجد عشرة آلاف تسبيحة ويأخذ عليها شيكاً بعشرة آلاف ريال، بينما آخر لم يجد سوى ألف تسبيحة أي بألف ريال، ما رأيكم في شعور هذا الذي حصل على ألف ألا يحزن ويندم؟ سيبيت الليل كله يقول: يأخذ عشرة آلاف وأنا ألف فقط! والله ما أقول كلمة في الغد إلا سبحان الله، لماذا؟ لأنه آمن بقيمة الريال الشرائية.
حسناً! ما الذي يمنع الناس الآن من التسبيح والتهليل؟ وما الذي يدفعهم إلى اللعن والسب والشتيمة والغناء واللهو إلا عدم إيمانهم بأن هناك من يسجل الحسنات والسيئات، وما آمنوا أن الله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ [ق:18] أي: أي كلمة تخرج من فيه: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]!
فهذا معنى الإيمان بالملائكة، أنك تؤمن بالملك وبوظيفته، وينقدح في ذهنك شيء من إيمانك به، ..
وهكذا تؤمن بمنكر ونكير، وأنهما ملكا سؤال، وتؤمن بمالك خازن النيران، ولا تود أن تمر من عنده، وتؤمن برضوان وتتمنى أن الله عز وجل يدخلك الدار التي هو مسئول عنها، هذا هو معنى الإيمان بالملائكة.
ومن أعظم ما يقوي الإيمان في قلب الإنسان بإذن الله: الحديث عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره السيوطي في صحيح الجامع وصححه الألباني يقول: (أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام) أي: رقبته فقط، فأنت لا تتجاوز رقبتك بضع أصابع، بينما هذا الملك طول عنقه مسيرة خمسمائة عام، لا يعصي الله طرفة عين، وأنت رقبتك أربع أصابع وتعصي الله، ماذا أنت بالنسبة له وهو من حملة العرش؟ وحملة العرش ثمانية، قيل ثمانية من الملائكة، وقيل ثمانية صفوف وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17].
ومن أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالكتب المنزلة التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله.
فالتوراة أنزلها الله على موسى، والإنجيل أنزله على عيسى، والزبور أنزله على داود، والقرآن الكريم أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن القرآن الكريم هو المهيمن، وهو الناسخ لجميع الرسالات، وهو الكتاب الذي ليس بعده كتاب؛ لأنه آخر الكتب، ونبينا آخر الأنبياء، وأمتنا آخر الأمم.
ويعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق حروفه ومعانيه، لم يُخلق منه شيء، خلافاً للجهمية والمعتزلة والأباضية الذين يقولون: أن القرآن كله مخلوق حروفه ومعانيه. وخلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله هو المعاني فهو منزل، أما الحروف فهي مخلوقة، وكلا القولين باطل، والقول الصحيح المدعَّم بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1].. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ ... [الزمر:23] أدلة كثيرة بالنسبة لتنزيل القرآن، لكن سبحان الله! كيف ضلت تلك العقول، وذهبت إلى ما يضلها في دنياها وآخرتها من غير حاجة؟ لكن الشيطان سول لهم وأملى لهم.
أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، ونؤمن بالرسل كلهم ولا نتبع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، لو أن أحداً أتانا وقال: أنا أؤمن بكل الأنبياء إلا نبياً واحداً لا أؤمن به، قلنا: كفرت بكل الأنبياء، لا بد أن تؤمن بكل الأنبياء الذين جاء ذكرهم في الكتاب والسنّة، وأنهم رسل، فنعتقد عقيدة من قلوبنا أنهم أنبياء الله ورسله، ولكن لا يلزمنا اتباع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة : الإيمان بالبعث بعد الموت، وبكل ما يكون بعده مما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم.
أولاً: عذاب القبر ونعيمه، فإن هذا غيب، ومن معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان به، والإيمان به يقتضي الاستعداد له، فإذا عرفت أنك مسئول في القبر وأنك معذب أو منعم؛ فإنك مباشرة تقف عند الأوامر وتنتهي عند النواهي، فتفعل ما أمرك الله به، وتنتهي عما نهاك الله عنه.
وأيضاً البعث: وهو إعادة الناس إلى الحياة كما كانوا أحياء، وأن الله يردهم مثلما كانوا، وأن الناس يفنون، وتتفرق أجسامهم، وتتقطع أوصالهم، ولا يبقى منهم إلا عَجبُ الذنب؛ وهي: حبة صغيرة في آخر العمود الفقري، وهذه أصل الإنسان، تبقى في التراب إلى أن يُنزل الله عز وجل ماء من بحر يقال له الحيوان من السماء، فتنبت منه هذه الحبَة كما تنبت الحِبة في حميل السيل، حتى يعود الناس كلهم كما كانوا أول مرة يوم أن خلقهم الله عز وجل، وهذا بعد النفخة الأولى، أما في النفخة الأولى فيصعقون، ثم ينزل هذا الماء وينبتون، ثم يُنفخ النفخة الثانية فتطير الأرواح من الصور إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الزمر:68-69].
ثم بعد البعث الحشر، إلى المكان الذي هيأه الله عز وجل وأعده ليكون موعد الفصل والحساب للناس، ثم الحساب، وهو: محاسبة الناس على الأعمال، ووزن الأعمال ونشر الدواوين.. والدواوين هي: الكتب التي قد كتبت علينا، ما من إنسان إلا وله كتاب وديوان مسجل فيه كل عمله، فإذا مات قيل له: اقرأ كتابك: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:13-14] وقال تعالى: هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثـية:29].
ثم الصراط: وهو جسر على متن جهنم لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا عن طريقه، والناس يجتازونه على ضوء أعمالهم وتمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله في هذه الدار.
والإيمان بالجنة وما أعد الله فيها من النعيم، وبالنار وما أعد الله فيها من العذاب الأليم، والاستعداد لهذا كله بالإيمان والعمل الصالح.
هذا معتقد أهل السنّة والجماعة في البعث بعد الموت.
ومن الأصول عند أهل السنة والجماعة : الإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل.
ومعنى الإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قد علم كل شيء؛ ما كان وما سيكون، وقدره الله عز وجل وكتبه، وأن للعباد إرادة وقدرة واختياراً لما يقع منهم من طاعة أو من معصية، ولكن ذلك تابعٌ لإرادة الله ومشيئته، وهذا خلافاً للجبرية ، الذين يقولون: إن العبد مجبر على أفعاله، وكثير من الناس الآن جبري، إذا قلت له: يا أخي! أترك المعاصي قال: الله جبرني، هذا جبري؛ لأنه يدعي أن الله جبره على المعصية، وطائفة الجبرية فرقة من الفرق الضالة فيكون جبرياً وهو لا يدري، ولو درى أنه جبري لتوقف، فـالجبرية يقولون: إن العبد مجبر على فعله.
وخلافاً أيضاً للقدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإن إرادة العبد غالبة على إرادة الله. وهذا باطل، إذ لا يمكن أن يكون في الكون شيء خارج عن إرادة الله عز وجل، ولكن للعبد إرادة ولله إرادة، والله عز وجل يقول: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] فأثبت الله للعبد مشيئته رداً على الجبرية ، وأثبت الله مشيئته التي تتبعها مشيئة العبد رداً على القدرية ، وهذا من أعظم ما أجيب به في هذا الموضوع، وهو الذي يتمشى مع عقل الإنسان، إذ كيف يسلبك الله الإرادة ويجعلك مجبوراً على عمل ثم يحاسبك عليه؟ هل هذا معقول؟! الله منزه عن هذا، بدليل: ألست -أيها المسلم- مأموراً بالصلاة في المسجد؟ وإذا سمعت حي على الصلاة حي على الفلاح ولم تأت وأنت قادر على الصلاة فأنت آثم معرض نفسك للعذاب، لكن إذا مرضت فمن الذي أمرضك؟ الله، ومن الذي أمرك بالصلاة في المسجد؟ الله، فسلبك الله القدرة على القيام بالصلاة وعندها هل يطلب منك أن تصلي في المسجد؟ لا. بل صلِّ في بيتك، وهل يحاسبك الله إذا صليت في بيتك؟ لا. لحديث: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فصل جالساً ...) مع أن القيام في الصلاة ركن، القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، فلو أن شخصاً صلى جالساً وهو قادر على القيام لبطلت صلاته.
وكم أركان الصلاة؟ أربعة عشر، القيام مع القدرة أول ركن، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة.. هذه أركان الصلاة، لكن لو أن شخصاً لا يستطيع أن يقوم ليصلي، سلبه الله العافية، فكيف يصلي؟ يصلي جالساً، لماذا؟ لأن الله سلبه العافية فرفع عنه التكليف، وهذا يتماشى مع كل أحكام الشرع.
فالله لا يمكن أن يأمرك بشيء وقد سلبك القدرة على فعله ثم يحاسبك عليه؛ لأن الله منزه عن الظلم، يقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].
استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اتق المحارم تكن أعبد الناس | 2930 استماع |
كيف تنال محبة الله؟ | 2929 استماع |
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً | 2805 استماع |
أمن وإيمان | 2678 استماع |
حال الناس في القبور | 2676 استماع |
توجيهات للمرأة المسلمة | 2605 استماع |
فرصة الرجوع إلى الله | 2572 استماع |
النهر الجاري | 2478 استماع |
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله | 2468 استماع |
مرحباً شهر الصيام | 2403 استماع |