فتاوى نور على الدرب [739]


الحلقة مفرغة

السؤال: أسأل عن قوله تبارك وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] على من تنطبق هذه الآية الكريمة مأجورين؟

الجواب: هذه الآية قيل: إنها نزلت في اليهود، واستدل هؤلاء بأنها كانت في سياق توبيخ اليهود، قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وقيل: إنها عامة لليهود وغيرهم، وهو الصحيح؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولكن ما نوع هذا الكفر؟ قال بعضهم: إنه كفر دون كفر، ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر )، وهذا كفر دون كفر، بدليل قول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:9-10]، فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة، وهذا قتال مؤمن لمؤمن فهو كفر، لكنه كفر دون كفر.

وقيل: إن قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، ينطبق على رجل حكم بغير ما أنزل الله بدون تأويل مع علمه بحكم الله عز وجل لكنه حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أنه مثل ما أنزل الله أو خير منه، وهذا كفر؛ لأنه استبدل دين الله بغيره.

السؤال: ما حكم قراءة القرآن والمكث في المسجد بالنسبة للحائض والجنب، واستماع الذكر في المسجد، وقد وردت بعض الأحاديث والأخبار، منها حديث عائشة عندما سألها رسول الله أن تعطيه القطيفة فقالت: إني حائضة، قال: ( ليست الحيضة في يدكِ )، وحديث: ( اعملي ما يعمل الحاج )، ولم يقل لا تدخلي المسجد الحرام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجرها، وأيضاً ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه )، كان أصحابه ينامون في المسجد ويجنبون فيه، نأمل إيضاح هذه الأدلة يا شيخ؟

الجواب: أما بالنسبة للمكث في المسجد فالحائض لا يحل لها أن تمكث لا بوضوء ولا بغير وضوء، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منع عائشة من الطواف بالبيت؛ لأن الطواف مكث، وأما حديث الخمرة فإن إحضار الخمرة من المسجد ليس مكثاً في المسجد بل هو مرور فيه، ويجوز للحائض أن تمر في المسجد إذا أمنت تلويثه.

وأما الجنب فلا يحل له أن يمكث في المسجد إلا بوضوء، والصحابة الذين ينامون في المسجد لنا أن نقول: من قال لك: إنهم يجنبون؟ ثم إذا أجنبوا ولم يستيقظوا فالنائم لا إثم عليه، وإن استيقظوا كفاهم الوضوء؛ لأن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ.

أما قراءة القرآن فالجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل، والحائض يجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة، فالحاجة مثل أن تقرأ القرآن لئلا تنساه، أو تقرأ القرآن تعلم ابنتها أو ما أشبه ذلك، أو تقرأ القرآن؛ لأنها مدرسة تدرس البنات، أو تقرأ القرآن؛ لأنها طالبة تريد أن تسمع المعلمة، كل هذا لا بأس به، وأما أن تقرأه تعبداً فالاحتياط أن لا تفعل؛ لأن جمهور العلماء على منعها من قراءة القرآن، وهي ليست بحاجة إلى ذلك، فإذا قرأت القرآن للتعبد بتلك التلاوة كانت دائرة بين الإثم والأجر، آثمة عند بعض العلماء مأجورة عند آخرين، والسلامة أسلم.

والخلاصة الآن: أن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ، وأن الجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن أبداً؛ لأن الأمر بيده، يغتسل ويقرأ القرآن. أما الحائض فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد أبداً، ويجوز أن تمر به عابرة، والحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة.

السؤال: أحياناً يقنت الإمام في الوتر بعد الرفع من الركوع وليس قبله، هل هذا جائز؟

الجواب: نعم، القنوت يجوز قبل الركوع وبعده، ولكن ليعلم أنه لا قنوت في الفرائض، إنما القنوت في وتر الليل، أما الفرائض فيجوز إذا نزل بالمسلمين نازلة أن يقنت الإمام الأعظم، أي: رئيس الدولة، ويقنت أيضاً من يأمره رئيس الدولة بالقنوت، وإذا لم يأمر رئيس الدولة بالقنوت فلا قنوت؛ لأن الأمر في القنوت في النوازل يرجع إلى رئيس الدولة لا إلى أفراد الناس، بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت في النوازل ولم نحفظ أنه أمر الناس بذلك، أي: أمر بقية المساجد، فالأمر في قنوت النوازل إلى الإمام يعني: رئيس الدولة، إن أمر به فسمعاً وطاعة، وإن لم يأمر به فلا، والحمد لله الدعاء ليس خاصاً بالقنوت، فتدعو الله تعالى وإن كنت في السجود، وإن كنت بين الأذان والإقامة، وليس الدعاء المستجاب محصوراً في دعاء القنوت.

السؤال: إذا مر الإمام بسورة فيها سجدة في الصلاة فإنه لا يسجد، فهل عمله صحيح؟

الجواب: إذا كان في صلاة سرية فنعم؛ لأنه لو سجد لشوش على المصلين وحصل ارتباك، وأما إذا كان في جهرية فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ومر بسجدة فسجد، ولا ينبغي الخروج عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والإمام يحتج به، فربما يظن بعض العوام الذين خلفه أن هذه السجدة التي ترك السجود فيها ليست بسجدة فيمرون بها ولا يسجدون، فلا ينبغي للإمام في الصلاة الجهرية إذا مر بآية سجدة إلا أن يسجد.

السؤال: بعد كل أذان يقول المؤذن: الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من في المدينة المنورة، صلاة وسلاماً دائماً عليك، هل هذا من البدع؟

الجواب: نعم، هذا والله من البدع، ويجب الكف عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما حث على الصلاة عليه ثم الدعاء بالوسيلة له، فإذا فرغ المؤذن من الأذان قال: اللهم صل على محمد، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، وكذلك يقول من كان يتابع المؤذن، ولكن لا يقوله في الميكرفون أو على المنارة، يقول ذلك سراً في نفسه؛ لأن ألفاظ الأذان محفوظة منقولة بالتواتر بين المسلمين، وليست فيها هذه الزيادة، فالدعاء يكون سراً ولا يكون جهراً.

السؤال: هل يأثم المؤذن إذا استمر على مثل هذه الصيغة؟

الجواب: نعم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع تحذيراً بالغاً، وقال: ( كل بدعة ضلالة ). وهل يمكن للإنسان أن يتجرأ على الضلالة كل وقت، ولا سيما وأنه ينادي للصلاة وللفلاح.

السؤال: هل تصح الصلاة في مسجد فيه قبر يقال: بأن صاحب هذا القبر ولي، يقال هكذا، ما الحكم في ذلك؟

الجواب: الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ينظر: هل المسجد بني على القبر؟ أو أنه سابق على القبر ثم دفن فيه الميت؟ فإن كان الأول فإن الصلاة فيه حرام لا تجوز، يعني: إن كان المسجد بني على القبر فالصلاة فيه لا تصح، ويجب أن يهدم المسجد؛ لأنه إذا كان الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الضرار: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:108]، فكيف بمسجد وسيلة للشرك؟ فلا تحل الصلاة فيه ولا تصح الصلاة فيه، ويجب أن يحفر القبر وينقل الميت إلى المقابر.

أما إذا كان المسجد سابقاً ثم دفن فيه هذا الميت فهنا يجب إخراج الميت من المسجد وجوباً؛ لأنه لا حق لأحد أن يدفن ميته في بيت من بيوت الله، فالمسجد للمصلين وليس للميتين، فيجب أن ينبش القبر ويدفن الميت مع الناس، فإن قدر أنه لم يكن هذا وأن نبشه غير ممكن لغلبة الجهل، وضعف السلطة، وضعف الدين، فالصلاة في المسجد صحيحة، بشرط: أن لا يكون القبر أمام المصلين، أي: في قبلتهم، بل يكون عن اليمين أو الشمال أو الوراء.

السؤال: إذا أخل المسلم بركن واحد من أركان الإيمان الستة فما الحكم؟

الجواب: إذا أخل بركن من أركان الإيمان الستة جحداً وتكذيباً فهو كافر، وأما إذا كان عن تأويل كالذين أنكروا مسائل في باب القدر فهذا لا يكفر؛ لأنه متأول، لكن أحياناً يكون التأويل بعيداً، وأحياناً يكون التأويل قريباً.

السؤال: ما حكم الاغتسال يوم الجمعة؟ وهل ورد فيه أحاديث؟

الجواب: الاغتسال يوم الجمعة واجب على كل بالغ عاقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فصرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه واجب.

ومن المعلوم أن أعلم الخلق بشريعة الله رسول الله، ومن المعلوم أن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله، ومن المعلوم أن أعلم الناس بما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفصح العرب، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة وقال: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فكيف نقول: ليس بواجب؟ لو أن هذه العبارة جاءت في متن من المتون الذي ألفه عالم من العلماء وقال فيه: فصل: غسل الجمعة واجب؛ لم يشك أحد يقرأ هذا الكتاب إلا أن المؤلف يرى وجوبه، هذا وهو آدمي معرض للخطأ والصواب، فكيف والقائل بذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

ثم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيد هذا الوجوب بما يقتضي الإلزام، حيث قال: ( على كل محتلم )، أي: بالغ، وهذا يدل على أن الغسل ملزم به، وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غسل الجمعة: ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل )، فهذا فيه نظر من جهة سنده ومن جهة متنه، ثم لا يمكن أن يعارض به حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين وغيرهما الصريح الواضح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ).

ولكن متى يبتدئ هذا الوجوب؟

أقرب ما يقال: إنه يبتدئ إذا طلعت الشمس؛ لأن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقت للفجر، الأحوط أن يكون اغتساله بعد طلوع الشمس، والأفضل أن يكون عند إرادة الذهاب إلى المسجد.

إذا قلنا: إنه واجب فهل تصح الجمعة بدونه؟ يعني: لو تعمد تركه وصلى هل تصح؟ الجواب: نعم تصح؛ لأن هذا الغسل ليس عن جنابة، ولكنه أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم ليتبين ميزة هذا اليوم عن غيره، ويدل لهذا أنه ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يخطب فدخل عثمان وهو يخطب فكأنه عرض به - أي: عرض بـعثمان - أنه تأخر إلى الخطبة، فقال عثمان : والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت، فقال: والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل )، وصلى عثمان بدون غسل.

وفي هذا الأثر عن عمر دليل واضح على أن غسل الجمعة واجب، وإلا فكيف يوبخ عمر عثمان رضي الله عنه أمام الناس على تركه.

السؤال: لو اغتسل ليلاً أو بعد الفجر ونوى به غسل الجمعة؟

الجواب: إن اغتسل قبل الفجر فلا ينفعه؛ لأن اليوم لم يدخل بلا إشكال، وإن اغتسل بعد الفجر ففيه احتمال لكن الأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس.