فتاوى نور على الدرب [672]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هو دعاء القنوت؟ وهل الزيادة فيه جائزة؟ وخصوصاً في رمضان، حيث يكثر من بعض الأئمة الإتيان بأدعية مسجوعة وكلمات مترادفة، وجهونا في ضوء هذا السؤال. مأجورين.

الجواب: القنوت نوعان: قنوت في الفرائض، وقنوت في وتر النافلة.

أما الفرائض فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقنت في الفرائض في كل الصلوات الخمس لكن عند النوازل الشديدة في المسلمين، مثل حروب قاسية يكون فيها هزيمة المسلمين، أو قتل قراء أو علماء أو ما أشبه ذلك، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويكون الدعاء فيه بالحمد والثناء على الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بالدعاء المناسب لرفع النازلة حسب هذه النازلة، ولا يقنت في الفرائض إلا في هذه الحالة -أي: إذا نزلت بالمسلمين نازلة-، فلا يقنت في الفجر ولا في الظهر ولا في العصر ولا في المغرب ولا في العشاء.

وقد ذهب بعض الأئمة رحمهم الله إلى القنوت في صلاة الفجر، ولكن الصواب عدم ذلك، إلا أنه لما كانت هذه المسألة من المسائل الاجتهادية فإننا نقول: من صلى خلف إمام يقنت فليتابعه في القنوت، وليؤمن على دعائه، قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا ائتم بمن يقنت في الفجر فإنه يتابع ويؤمن على دعائه. وهذا من فقه الإمام أحمد رحمه الله أن المسائل الاجتهادية لا ينبغي أن تكون سبباً لتفرق المسلمين واختلاف قلوبهم، فإن هذا مما وسعته رحمة الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد ).

أما القنوت في الوتر فإنه قد جاء في السنن: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما دعاءً يدعو به في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت ).

ولا بأس أن يزيد الإنسان دعاءاً مناسباً تحضر به القلوب، وتدمع به العيون، لكن لا على ما وصفه السائل من الأدعية المسجوعة المتكلفة المملة، حتى حكى لنا بعض الناس: أن بعض الأئمة يبقى نصف ساعة أو أكثر وهو يدعو، وهذا لا شك أنه خلاف السنة، وإذا قدر أنه يناسب الإمام واثنين أو ثلاثة من الجماعة فإنه لا يناسب الآخرين.

ومما يأتي في هذا الدعاء ما يقوله بعض الناس: يا من لا يصفه الواصفون، ولا تراه العيون، وقد تكلمنا على قولهم: ولا تراه العيون. في حلقة سابقة، وكذلك أيضاً لا يصفه الواصفون. هذا غلط عظيم، وهذا لو أخذ بظاهره لكان تقريراً لمذهب أهل التعطيل الذين ينكرون صفات الله عز وجل ولا يصفون الله بشيء، وهي عبارة باطلة؛ وذلك لأن الله تعالى موصوف بصفات الكمال، فنحن نصفه بأنه السميع العليم البصير الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، نصفه بأنه ذو الجلال والإكرام، نصفه بأن له وجهاً وله يدين وله عينين، نصفه بكل ما وصف به نفسه، فكيف يصح أن نقول: لا يصفه الواصفون؟! هذه عبارة باطلة، ولو علم الأئمة الذين يدعون بها -بمضمونها- ما قالوها أبداً، صحيح أننا لا ندرك صفات الله -أي: لا ندرك كيفيتها وهيئتها-؛ لأن الله تعالى أعظم من أن يحيط الناس علماً بكيفية صفاته؛ ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله وكان جالساً يعلم أصحابه فقال له رجل: يا أبا عبد الله ، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله برأسه، وجعل يتصبب عرقاً؛ لأن هذا سؤال عظيم ورد على قلب مؤمن معظم لله عز وجل، فتأثر هذا التأثر! ثم رفع رأسه وقال: يا هذا، الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. رحمه الله.

قوله: الاستواء غير مجهول، يعني: أنه معلوم، فهو العلو على الشيء علواً خاصاً به.

الكيف غير معقول: لأن الكيف لا يمكن أن يدركه العقل، فالله أعظم من أن تحيط به العقول.

الإيمان به واجب: يعني: الإيمان بالاستواء بمعناه وجهل حقيقته التي هو عليها واجب؛ لأن الله أخبر به عن نفسه، وكل ما أخبر الله به عن نفسه فهو حق.

والسؤال عنه -أي: عن كيفية الاستواء- بدعة، بدعة أولاً لأنه لم يسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هم أحرص منا على معرفة الله جل وعلا، وأشد منا في تعلم العلم، وأمامهم من هو أعلم منا بالله، فالسؤال عنه بدعة.

أيضاً السؤال عنه بدعة لها وجه آخر: أنه لا يسأل عن ذلك إلا أهل البدع؛ ولهذا قال له مالك : وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به فأخرج من المسجد. نفاه من المسجد النبوي؛ لأن هذا سعي في الأرض بالفساد، ومن جملة جزاء المفسدين في الأرض أن ينفوا من الأرض.

ولهذا نقول لإخواننا المثبتة للصفات: إياكم أن تسألوا عن الكيفية، إياكم أن تتعمقوا في السؤال عما لم تدركوه علماً من كتاب الله أو سنة رسوله؛ فإن هذا من التعمق والتنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( هلك المتنطعون ).

والخلاصة: أن قول الداعين في دعائهم: (لا يصفه الواصفون). قول منكر لا يجوز أن يوصف الله به، بل يصفه الواصفون كما وصف نفسه عز وجل، أما وصف كيفية الصفات فنعم، لا أحد يدركه.

السؤال: معلم عرض على مديره أن يعطيه إجازة لمدة خمسة أيام قبل بدء الدراسة وليس هناك عمل، وقرر المعلم أن يتنازل عن راتب هذه الأيام لفقراء الطلاب وجوائز للمتفوقين وما أشبه ذلك، وجهونا في ضوء هذا السؤال.

الجواب: لا يحل للإنسان أن يطلب إجازة إلا حيث يجيز ذلك النظام، فإن أجاز النظام هذا فلا بأس، وحينئذٍ يحل له الراتب الذي يكون له على هذه الأيام، أما إذا كان لا يجيزه النظام فإنه لا يحل لمديره أن يوافقه على ذلك، وإن قدر أنه وافقه فإن الراتب المقابل لهذه الأيام لا يحل له، حتى وإن صرفه لفقراء الطلاب أو لمصالح المدرسة.

وإنني بهذه المناسبة أحب أن أنصح إخواني الموظفين أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي حكومتهم وفي شعبهم، فإن أخذ ما لا يستحقون ظلم لأنفسهم؛ لأنهم يستبيحون لأنفسهم أكل مال بالباطل بدون حق، وهذا من ظلم النفس، فعليهم أن يتقوا الله، وليحذر أولئك الذين يقصرون في أداء الواجب عليهم في النظام ليحذروا مما حدث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ أن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51]. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟! ) ليحذروا أن يكونوا مثل هؤلاء؛ ولهذا ذكر الفقهاء رحمهم الله من آداب الدعاء بل من شروط الدعاء: الإخلاص، واجتناب أكل الحرام، فليحذر المؤمن من التهاون في أداء ما يجب عليه أداؤه من العمل، سواء كان في الحكومة أو في القطاع الخاص.

السؤال: إخلاص العمل يا شيخ كيف يكون؟

الجواب: إخلاص العمل أن العبادة لا يراد بها إلا وجه الله والدار الآخرة، لا يراد بها الدنيا، يعني: لا يصلي الإنسان لأجل أن يمدح ويقال: ما أقومه للصلاة، ما أكثر صلاته… وما أشبه ذلك، بحيث يجعل عمله خالصاً لله عز وجل يريد به الثواب من عنده.

بعض الناس ربما يجتهد في العبادة ليقال: إن فلاناً كثير الصلاة، إن فلاناً كثير العمرة، إن فلاناً كثير الحج، إن فلاناً كثير الصدقات، فهذا يخل بالإخلاص، قال الله عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]. وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

والله لو تأمل الإنسان هذه الآية لاتعظ كثيراً، ما خلقت إلا للعبادة -عبادة الله-، لماذا وجودك في الدنيا؟ لتعمر الدنيا؟ لتبني القصور؟ لتركب السيارات الفخمة؟ لترفه جسدك؟ خلقت للعبادة، ومن خلق للعبادة ينبغي أن يجعل عمله كله عبادة؛ ولهذا كان الموفقون الكيسون يجعلون عاداتهم عبادة، والغافلون يجعلون عباداتهم عادة، تجد الموفق -وأسأل الله أن يجعلني ومن سمع منهم- تجده أن أكل يأكل امتثالاً لأمر الله؛ لأن الله أمر به: كُلُوا وَاشْرَبُوا. ويقصد بالأكل حفظ بدنه، وهو مأمور بحفظ بدنه، إن أكل يريد الاستعانة به على طاعة الله، يكون طعامه الذي يتلذذ به أكلاً وشرباً يكون عبادة، إن لبس ينوي بذلك ستر عورته وسوأته عن الناس، ثم يتذكر بهذا أنه كما يحب أن يستر عورته الحسية عن الناس فليستر عورته المعنوية بالتوبة إلى الله؛ ولهذا لما قال الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ [الأعراف:26]. وهذا اللباس الضروري. وَرِيشًا [الأعراف:26]، وهذا لباس الجمال، قال: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ [الأعراف:26]، فإذا نوى واستحضر بقلبه عند اللباس هذا المعنى صار اللباس عبادة، وهكذا جميع العادات يستطيع المؤمن الموفق الكيس أن يجعل عاداته عبادات، والغافل عباداته عادات، اعتاد أنه إذا أذن في المسجد يصلي، واعتاد أنه إذا جاء رمضان صام، واعتاد أنه إذا جاء وقت الزكاة تصدق وهو في غفلة؛ ولهذا النية لها مدخل عظيم في العبادات، في الوضوء مثلاً: أكثرنا إذا جاء وقت الصلاة أو أراد أن يصلي نافلة قام وتوضأ وصلى، لكن هل منا من يستحضر أنه إذا كان يصلي يمتثل أمر الله في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]؟ هل يستحضر أنه يطبق قول الله عز وجل: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6] عند غسل وجهه؟ الذي ينبغي لنا أن نستحضر هذا، ونخلص لله عز وجل، ونقول: أغسل وجهي امتثالاً لأمر الله، أغسل يدي امتثالاً لأمر الله، أمسح رأسي امتثالاً لأمر الله، أغسل رجلي امتثالاً لأمر الله.

ثم يستحضر أيضاً معنىً آخر أنني أفعل هذا اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأني أشاهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ على هذه الكيفية، حينئذٍ نحقق في هذا الاستحضار الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

والحقيقة أن الإنسان إذا عرف قدره وقدر حياته استطاع بمعونة الله عز وجل أن يقلب عاداته عبادات، وأن يكمل عباداته باستحضار هذه النيات، ويكون حقق قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

أسأل الله تعالى أن يمن علي وعليكم وعلى من سمع بهذه النيات الطيبة.

السؤال: هل هناك فرق بين الكبر والغرور والخيلاء والتفاخر والعجب؟ فإن كان هناك فرق فنرجو توضيح المعنى، وكيفية التخلص من كل آفة من هذه الآفات الخلقية. جزاكم الله خيراً.

الجواب: من أحسن ما رأيت في التفريق بين معاني هذه الكلمات -وهي فروق لطيفة- من أحسن ما رأيت ما كتبه الحافظ ابن القيم رحمه الله في آخر كتاب الروح، فأحيل السائلة على ما ذكره ابن القيم رحمه الله.

السؤال: هل يمكن أن نجري وقفاً بكتاب أو كتابين نافعين؟

الجواب: نعم، يعني تسأل تقول: هل يجوز أن يوقف الإنسان كتاباً أو كتابين؟ أقول: نعم، يجوز هذا، وطلب العلم نوع من الجهاد، وكما أننا نوقف الخيل والإبل على الجهاد في سبيل الله فكذلك نوقف الكتب الدينية على طلبة العلم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خالد بن الوليد رضي الله عنه لما قيل إنه منع الزكاة، قال: ( أما خالد فإنكم تظلمون خالداً ، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ). يعني: وقفها، فيجوز أن يوقف الإنسان الكتب النافعة على طالب العلم، سواء على سبيل العموم أو على شخص معين من طلبة العلم، فيقول: هذا الكتاب وقف على فلان، فإن مات فعلى فلان، أو يقول: على فلان، فإن مات ففي المكتبة الفلانية. وإذا لم يقل: إن مات فعلى كذا فهذا يسمى وقفاً منقطع الانتهاء، فإذا مات الرجل الموقوف عليه فالصحيح أنه يصرف في المصالح العامة للمسلمين، يجعل في مكتبة يرتادها المسلمون وينتفعون بها.

السؤال: ما حكم قول: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، فإنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً؟ وهل هو حديث؟

الجواب: هذا كلام مسجوع معناه صحيح، لكن لا حاجة إليه، يكفي عنه أن يقول القائل: اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى. ومن المعلوم أن الله عز وجل قادر على أن يجعل السهل صعباً والصعب سهلاً؛ لأنه على كل شيء قدير.

وبهذه المناسبة أنصح إخواني الحريصين على الدعاء في الصلاة وفي أوقات الدعاء مثل: بين الأذان والإقامة، وفي الدعاء في عرفة، وفي الدعاء في مزدلفة أن يحرصوا أتم الحرص على الدعاء بما جاءت به السنة؛ لأن الداعي بذلك أعلم الخلق بما يليق وبما ينفع من الدعاء، فليتحروا الأدعية التي دعا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة أيضاً؛ لأن هناك أحاديث ضعيفة فيها أدعية غير صحيحة، ويا حبذا لو أن إخواني طلبة العلم كتبوا ما تيسر من الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إما مطلقة وإما مقيدة، في الصلاة، أو في وقوف عرفة، أو في الطواف، أو في السعي، لو فعلوا ذلك لحصل خير كثير في حفظ هذه السنن والبعد عن الأدعية الكثيرة المسجوعة التي لا خير فيها، بل ربما تشتمل على أمور تخل بالعقيدة.

مداخلة: العامة يا فضيلة الشيخ قد يقولون: لا نحفظ من الأدعية المأثورة، فبماذا يدعون؟

الشيخ: نقول: ادعوا بما شئتم، يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( أن أعرابياً قال له: يا محمد، أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، ولكني أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال: حولهما ندندن ). فالمسلم كل، يعرف أن يقول: اللهم اغفر لي. يعني: لو تكرر اللهم اغفر لي في الطواف كله كفى؛ لأن الإنسان حاجاته مختلفة يقول: اللهم اغفر لي، الله ارحمني، اللهم أغنني من الفقر، اللهم اقض ديني، اللهم هيئ لي زوجة صالحة، اللهم أصلح لي في ذريتي، كلنا نعرف هذا، لكن مع الأسف أن الناس ابتلوا بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ومن ذلك الأدعية التي تقال في الطواف في كل شوط تجد غالب الطائفين -وإن كانوا والحمد لله الآن بدؤوا يقلون- معهم كتيب: دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، الثالث، الرابع... إلى آخره، حتى إنهم يقولون: هذا مقام العائذ بك من النار. يريدون مقام إبراهيم وهم في الجهة الغربية، مقام إبراهيم بعيد عنهم، لكن هنا شيء محفوظ، وحتى إن الواحد منهم إذا كان المطاف زحاماً وانتهى من دعاء الشوط سكت ولا كلمة، وإذا صار المطاف واسعاً وانتهى من الشوط قبل أن يكمل الدعاء ولو بجملة واحدة وقف، ما يكمل، لو كان يقول: ربنا آتنا. انتهى الشوط خلاص ما يقول: في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وتجد بعضهم يحرف الدعاء، سمعناه يقول: اللهم أغننا بجلالك عن جرامك. يريد: بحلالك عن حرامك، لكن يمكن فيها نقطة مصحَّفة، وبعضهم يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، يريد أن يقول: وقنا عذاب النار. شيء عجيب!

فالحاصل: أن كل إنسان له حاجة يدعو ربه بها، والحاجات مختلفة، وكل الناس يريدون هذين الشيئين: أن الله يقيهم عذاب النار، ويدخلهم الجنة، نسأل الله لنا ولكم ذلك.