فتاوى نور على الدرب [649]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي مراتب الدين وأركان العبادة؟

الجواب: مراتب الدين جاء ذكرها في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, لا يعرفه أحد من الصحابة, ولا يرى عليه أثر السفر, فسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان, فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بكل واحد, ثم سأله عن الساعة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم عنها شيئاً حين قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل, ثم سأله عن أماراتها -يعني علاماتها القريبة- فذكر منها النبي صلى الله عليه وسلم شيئين, ثم قال صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).

فالدين إسلام وإيمان وإحسان, والإسلام: هو شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وحج وصوم رمضان, وحج بيت الله الحرام. والإيمان: هو أن يؤمن العبد بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, والقدر خيره وشره. والإحسان: أن يعبد الله كأنه يراه, فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه, ولا يخفى عليه شيء.

أما الساعة فلا يعلمها إلا الله عز وجل, فمن ادعى علمها فهو كاذب ومكذب للقرآن الكريم؛ لقوله تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:63].

أما العبادة فلها ركنان: الركن الأول: الإخلاص لله عز وجل. والركن الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وهذان ركنان وفي نفس الوقت شرطان لقبول العبادة, فمن تعبد لله تعالى بغير إخلاص فعبادته مردودة, ومن تعبد له بإخلاص لكن على غير شريعته فعبادته مردودة.

السؤال: هل يصح لنا التمتع ونحن لم نصل إلى مكة إلا بعد الزوال من يوم التروية, ولم نحرم للحج إلا مع غروب اليوم نفسه, أم كان الواجب علينا القران؟

الجواب: كان الذي ينبغي لمن قدم مكة بعد خروج الناس إلى منى -وهو ضحى اليوم الثامن- أن يخرج إلى منى للحج إما قراناً وإما إفراداً؛ لأن اشتغاله بالحج في زمن الحج أفضل من اشتغاله بعمرة؛ إذ إن العمرة يمكن أن يشتغل بها في وقت آخر, أما زمن الحج فيفوت.

لهذا نقول لمن قدم ضحى اليوم الثامن إلى مكة: الأفضل لك أن تحرم بحج وعمرة قراناً أو بحج إفراداً؛ لأنه لا مكان للعمرة الآن, الزمن الآن هو للحج, فإن قال قائل: أليس يجوز للإنسان أن يتأخر ولا يخرج إلى منى إلا في الليل, أو لا يأتي منى أصلاً ويذهب إلى عرفة؟

فالجواب: بلى يجوز ذلك, لكن ليس معنى هذا أن الوقت الذي هو وقت الحج إذا أخر الإنسان إحرامه بالحج أو خروجه إلى المشاعر ليس معناه أن الإنسان يفعل في هذا ما شاء, بل نقول: الأفضل إذا دخل وقت الحج ألا يشتغل الإنسان بغيره.

السؤال: بسبب الزحام لم نتمكن من الوضوء أو التيمم لصلاة المغرب, ومع طول الطريق وبعد المسافة بين الجمرات ومبنى إقامتنا لم نؤد الصلاة إلا بعد فوات وقتها, والسؤال يبقى: هل علينا إثم في ذلك؟

الجواب: الأمر واسع والحمد لله, إذا لم يتمكن الحاج من صلاة المغرب في وقتها فليجمع بين المغرب والعشاء؛ لأن الجمع بابه واسع, إذ إن قاعدة الجمع: أنه كلما كان ترك الجمع شاقاً على الإنسان كان الجمع في حقه جائزاً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر, قالوا له: ما أراد إلى ذلك؟ -يعني لماذا فعل هذا؟- قال: أراد ألا يحرج أمته ) فدل هذا على أنه متى كان في ترك الجمع حرج -أي مشقة- فإنه جائز على كل حال في الحضر أو في السفر.

وأما تأخير الصلاة عن وقتها مثل أن يكون ذلك في وقت العصر لم يصل العصر، وضاق وقت الصلاة وقرب غروب الشمس, فهنا يجب أن يصلي في أي مكان, وليس بلازم أن يصلي في خيمته, والحمد لله أي مكان ينصرف إليه أو ينحرف إليه فإنه سيجد ما يصلي فيه.

السؤال: بعد طواف الوداع قمنا بشراء الهدايا للأهل وطعام العشاء من غير نسيان, هل علينا فدية في ذلك؟

الجواب: يقول أهل العلم: أنه لا بأس إذا طاف الإنسان للوداع أن يشتري حاجة في طريقه, مثل الهدايا ومئونة الطريق, قالوا: وليس له أن يشتري شيئاً للتجارة, فإن اشترى شيئاً للتجارة فلابد أن يعيد طواف الوداع.

السؤال: هل يجوز قتل الحشرات بالصعق الكهربائي حيث إنه يوجد الآن أجهزة كهربائية على شكل لمبات مضيئة بلون معين تجذب إليها الحشرات, فإذا لامستها هذا الحشرات تصعق كهربائياً فتموت دون أن تحترق؟

الجواب: نعم، لا بأس باستخدام الأجهزة التي هي على شكل اللمبات من أجل قتل البعوض ونحوه من الحشرات؛ لأن هذا لا يدخل في التعذيب بالنار, إذ إن هذه الحشرة تصعق صعقاً لا احتراقاً, ثم إنه ربما لا يمكن دفع أذاها إلا بهذا, فإذا لم يمكن دفع أذاها إلا بالإحراق فلا بأس, وذلك لأن المقصود من النهي الوارد في الحديث: ( أنه لا يعذب برب النار إلا الله عز وجل ) هو أن الإنسان يريد أن يعذب بالنار, لا أن يدفع الأذى بالنار, فدفع الأذى غير التعذيب.

السؤال: هل هناك بأس إذا نسي الإنسان شيئاً, أو ضاع منه شيء أن يكثر من ذكر الله على وجه غير مخصوص؛ كأن يقول: لا إله إلا الله, أستغفر الله, لا إله إلا الله والله أكبر, لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله, ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشداً, وذلك اتباعاً لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا [الكهف:24] أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة؟

الجواب: إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها, فيقول: اللهم ذكرني ما نسيت, وعلمني ما جهلت, أو ما أشبه ذلك من الأشياء, وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر, فهذا لا أدري عنه, والآية يحتمل معناها: اذكر ربك إذا نسيت؛ لأن الله قال له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:23-24] يعني: استثن بقولك: إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك: إني فاعل ذلك غداً.

السؤال: امرأة وضعت على أظافرها مناكير، ثم اغتسلت عن الحدث الأكبر وهي لم تزل هذه المناكير عن أظافرها, ولم تتذكر إلا بعد ثلاث أو أربع ساعات, فهل يلزمها إعادة الغسل بعد إزالة المناكير؟

الجواب: أولاً: لابد أن نسأل عن لبس هذا المناكير, هذه المناكير -فيما أعرف- أنها أظافر طويلة إذا رآها الإنسان ظن أن أظافر المرأة طويلة, وهذا لا شك أنه تقبيح, وإظهار لأمر تخالف به المرأة الفطرة؛ لأن الفطرة قص الأظافر, وهذا عكس قص الأظافر, بمعنى أنها تظهر المرأة وكأن أظافرها طويلة, فهي تريد أن تتجمل بما يخالف الفطرة.

فنصيحتي لأخواتي أن يدعن هذه المناكير, ثم إنها تقبح أصابع المرأة ولا تجملها, ثم إنه يحدث أحياناً أن تنسى المرأة إزالتها, ثم تتوضأ أو تغتسل وهي عليها, فلا يصح لها غسل ولا وضوء؛ لأن هذه المناكير تمنع وصول الماء.

أما الإجابة عن السؤال, فنقول: إن عليها أن تعيد الغسل, وأن تعيد الصلاة التي صلتها بهذا الغسل الأول الذي لم يصح.

السؤال: هل يجوز قبول الهدية من شخص نعلم أنه يتعامل بالربا؟

الجواب: نعم، يجوز هذا, يجوز للإنسان أن يقبل هدية مَنْ يتعامل بالربا, ويجوز أن يبايعه ويشاريه, ويجوز أن يجيب دعوته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية من اليهود, واشترى من يهودي طعاماً لأهله, إلا إذا علمنا أننا إذا كففنا عنه, ولم نبايعه ولم نشاره، ولم نقبل هديته ارتدع عن الربا؛ فحينئذ نفعل ذلك، لا نبيع معه ولا نشتري ولا نقبل هديته؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى.

السؤال: مجموعة من المعلمات تلتقي في المدرسة صباح كل يوم, فهل يجب أن يتصافحن مع بعضهن البعض كل صباح, أم يكتفى بإلقاء السلام على المجموعة عامة عند الدخول إلى الإدارة أو غرفة المعلمات؟

الجواب: إذا دخل الإنسان إلى مجلس قوم فإنه يسلم عليهم عموماً ولا يصافحهم؛ لأنني إلى ساعتي هذه لم أعلم أنه جاء في السنة أن الرجل إذا دخل المجلس بدأ من أول من يصادفه عند دخوله وجعل يصافحه حتى يدور على أهل المجلس كلهم, ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل أو إذا أتى إلى مجلس قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ) ولم يذكر أنه يدور على القوم فيصافحهم, ولم أعلم هذه العادة إلا من قريب, فقد كان علماؤنا ومشايخنا إذا دخلوا إلى المجلس إن كان قد تُرك لهم مجلس معين ذهبوا إليه وجلسوا فيه، وإلا جلسوا حيث يكرمهم أهل المجلس في المكان الذي يليق بهم بدون أن يمروا على الناس ويصافحوهم, ومن أراد أن يصافح القادم فليتقدم إليه عند استقراره في مكانه ويصافحه, فالذي أرى أن يكتفي الإنسان بالسلام العام, ثم يجلس حيث ينتهي به المجلس.

السؤال: في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من كتم علماً ألجم بلجام من نار ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام, يقول السائل: أنا أحفظ البعض من الأحاديث, هل الواجب علي أن أبلغها أمام الناس في المساجد, حيث لا أستطيع على ذلك, أم ماذا؟ أفيدوني مأجورين.

الجواب: الحديث الذي أشار إليه فيمن سئل عن علم فكتمه فإنه يلجم بلجام من نار يوم القيامة, ومن علم علماً فإن عليه أن يبلغه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب ) وطرق التبليغ كثيرة, إما أن يبلغه في المجلس, أو في مسجد, أو في فصل دراسي أو غير ذلك بقدر الاستطاعة, وينبغي إذا أراد أن يبلغه أن يتحين الفرص المناسبة حتى يقبل الناس إليه ويأخذوا منه.