فتاوى نور على الدرب [642]


الحلقة مفرغة

السؤال: تبت إلى الله وعندي مال اكتسبته من الحرام ويستحيل عليَّ أن أرده لأهله، فماذا أفعل به؟ وإذا تصدقت به فما هو موقف المتصدق عليه إذا كان يعلم أن هذا المال حرام؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: هذا المال الذي اكتسبه من حرام إذا كان مأخوذاً من صاحبه قهراً كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أشبه ذلك وهو يعلم صاحبه فلابد أن يوصله إلى صاحبه بأي حال من الأحوال مهما كانت النتيجة؛ لأن هذا حق مسلم خاص معلوم صاحبه، فعليه أن يوصله إليه بأي وسيلة: إما عن طريق شخص موثوق، وإما عن طريق البريد، وإما بأي وسيلة، لابد من هذا.

وأما إذا كان صاحبه غير معلوم بأن يكون هذا الرجل أخذ أموالاً من أناس كثيرين لكن لا يدري من هم فحينئذٍ يتصدق به تخلصاً منه عن أصحابه وهم عند الله تعالى معلومون.

أما بالنسبة للمتصدق عليه فهو حلال له ولا حرج عليه فيه، لأنه كصاحبه الذي تصدق به عليه لا يعلم مالكه، فهو له حلال، هذا إذا كان أخذه بغير رضا صاحبه، أما لو أخذه برضا صاحبه كما لو كانت معاملات ربوية أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تعقد بإذن صاحبها وهي حرام شرعا فإنه لا يردها على صاحبها ولكن يتصدق بها تخلصاً منها، ولا ينويها عن صاحبها أيضاً، بل ينوي التخلص فقط، وهي حلال لمن تصدق بها عليه.

مداخلة: هل يجوز أن أتصدق من هذا المال على أهلي؟

الشيخ: لا يجوز أن يتصدق به على أهله؛ لأنه إذا تصدق به على أهله فكأنه ملكه.

السؤال: يوجد في القرآن الكريم عدة مواضع للسجدة، فهل في كل موضع من هذه المواضع يتم فيها السجود؟ وهل يكون السجود والقارئ على غير وضوء؟

الجواب: السجدات التي في القرآن كلها موضع سجود يسجد فيها الإنسان إذا قرأها سواء كان في صلاة أم في غير صلاة، إلا أنه لا يسجد إلا على وضوء احتياطاً، وسجود التلاوة ليس فرضاً وإنما هو سنة كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أنه قرأ آية السجدة وهو يخطب الناس يوم الجمعة فنزل فسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد ثم قال: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء )، لكن لا ينبغي للإنسان تركها إذا كان على وضوء.

السؤال: أحياناً عندما نصلي بعد الإمام يحدث شك في الصلاة، البعض من المصلين يقولون بأننا صلينا خمس ركعات، والبعض يقولون بأننا صلينا أربع ركعات فما قول الشرع في نظركم في هذه الحالة؟

الجواب: إذا كان عند الإمام يقين أنه مصيب فيما صلى فلا عبرة بقول هؤلاء، يأخذ بما يراه، وأما إذا لم يكن عنده يقين فيأخذ بقول من يرى أنهم أرجح عنده لكونهم أشد اهتماماً بالصلاة وأبعد عن الغفلة، وإذا تساوى الأمران عنده فليبن على اليقين وليأت بما نقص ويسجد للسهو قبل السلام، وفيما إذا أخذ بالأرجح عنده يسجد للسهو بعد السلام.

السؤال: هل تجوز الصلاة على المنتحر؟ وهل يجوز أن يكفن؟ وهل يجوز أيضاً أن يدفن في مقابر المسلمين؟ وهل يعد مرتداً عن الإسلام؟

الجواب: المنتحر قاتل لنفسه والعياذ بالله سواء انتحر بآلة أو بنار أو بتردٍ من شيء عال أو بغير ذلك، المهم أنه قاتل نفسه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن من قتل نفسه بشيء فإنه يعذب به في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ) نسأل الله العافية.

ولكنه مع ذلك يصلى عليه؛ لأنه مسلم، إلا إذا رأى الإمام وهو ولي الأمر العام أو إمام المسجد الذي له قيمة في المجتمع أن لا يصلي عليه هو بنفسه نكالاً لغيره فإنه لا بأس أن يدع الصلاة عليه ويقول: صلوا عليه. ويدفن مع المسلمين لأنه مسلم.

السؤال: بالنسبة لقراءة القرآن بدون تجويد هل عليها أجر كوني لا أعرف القراءة بالتجويد؟ وهل إذا وضع المصحف في مسجد يعتبر صدقة جارية أم لا؟

الجواب: القراءة بالتجويد ليست واجبة وإنما هي سنة لتحسين الصوت بالقرآن؛ لأنه ينبغي على الإنسان أن يحسن صوته بتلاوة كتاب الله، ومن التحسين: التجويد، وأما كونه واجباً فلا، فإذا كان الإنسان يقيم الحركات: يرفع المضموم ويفتح المنصوب ويكسر المجرور ويسكن الساكن فليس عليه إثم في ذلك.

وأما وضع المصحف في المسجد فهو إن شاء الله تعالى من الخير ويجري أجره على صاحبه ما دام الناس ينتفعون به، فإذا تلف انقطع الأجر.

لكن أريد أن أنبه على أمر هام وهو اللحن الذي يحيل المعنى، فإن بعض الناس ولا سيما كبار السن لا يبالون به ويقرءون القرآن بهذا اللحن، وهذا حرام عليهم، ولا يصح أن يكونوا أئمة في المساجد ولو كان لهم مدة طويلة في الإمامة فإنه لا يجوز إبقاء إمامتهم إذا لم يقيموا ألسنتهم بكتاب الله.

مثال ذلك: أن بعضهم يقرأ قول الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] بفتح التاء فيضمها فيقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، وهذا لحن يحيل المعنى، ويجب على الإنسان أن يقوم لسانه عنه، فإذا قال: أنا لا أستطيع، أنا لا أقدر إلا هذا؛ قلنا: إذاً لا تصلي في الناس إماماً؛ لأن لحنك هذا يحيل المعنى.

ومثل أن يقول: (إياكي نعبد وإياكي نستعين)؛ هذا أيضاً يحيل المعنى إحالة فاحشة، فيجب عليه أن يقوم لسانه فيقول: (إياك نعبد)، فإن لم يستطع فإنه لا يجوز أن يكون إماماً للناس، وعليه أن يتنحى وإن كان له مدة طويلة في الإمامة.

السؤال: إذا جلس الإنسان في وسط الليل والقصد من ذلك قبل صلاة الفجر وأراد أن يصلي هل يجوز له أن يقول: نويت أن أصلي شكراً لله عز وجل، ويتابع الصلاة أو عندكم ما تفيدونا به؟

الجواب: نفيد السائل والسامع أن النطق بالنية سراً كان أم جهراً من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، والرب عز وجل يعلم دون أن تخبره بما في قلبك، قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:16-17] فلا حاجة إلى أن يقول: نويت لأصلي شكراً لله ولا أن يقول: نويت أن أصلي فقط، بل يستقبل القبلة ويكبر، ولهذا لما دخل رجل فصلى في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يطمئن في صلاته قال له: ( ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كصلاته الأولى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فصلى كما صلى أولاً، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ) ولم يقل ثم استقبل القبلة وقل اللهم إني نويت أن أصلي لك شكراً، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المعلم الذي يجب اتباع تعليمه.

فالنية محلها القلب والنطق بها بدعة سواء كان ذلك سراً أم جهراً، وسواء كان ذلك في الصلاة أو غيرها، سواء كان ذلك في الفريضة أو غير الفريضة.

السؤال: هل قضاء الفوائت تقضى من المسلم؟

الجواب: كأنه يقول: إذا فاتني شيء هل أقضيه؟

فنقول: إذا فاتتك صلاة لعذر كالنسيان والنوم فإنك تقضيها، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] )، وأما إذا تركها عمداً حتى خرج وقتها بلا عذر فإنه لو قضاها ألف مرة لم تنفعه؛ لأنه إذا أخرها عمداً بلا عذر وصلاها بعد الوقت فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وحينئذٍ لا يقضي ما فاته عمداً ولكن يصلح العمل ويستقيم ويكثر من الأعمال الصالحة ولعل الله أن يتوب عليه.

السؤال: ما الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وإذا أقام الشخص الإسلام وترك الباقيات هل نكفره أم لا؟

الجواب: الفرق بين هذه الثلاثة بينه النبي عليه الصلاة والسلام حين سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت )، وسأله عن الإيمان فقال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره )، وسأله عن الإحسان فقال: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، هذا هو الفرق.

ومن ترك واحداً من ذلك ففيه تفصيل: من ترك الشهادتين فلم يشهد أن لا إله إلا لله ولا أن محمداً رسول الله فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ومن أتى بالشهادتين لكن ترك الصلاة فهو كافر على القول الراجح، والأدلة على ذلك كثيرة.

ومن ترك الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكفر على القول الراجح، لقول عبد الله بن شقيق : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ).

وأما الإيمان فأركانه ستة، إذا أنكر واحداً منها كفر، لو لم يؤمن بالله فهو كافر، أو بملائكته فهو كافر، أو بكتبه فهو كافر، أو برسله فهو كافر، أو باليوم الآخر فهو كافر، أو بالقدر فهو كافر.

وأما الإحسان فهو كمال، إن أتى به الإنسان فلا شك أنه أكمل، يعني: صلى كأنه يرى ربه، فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، فالإحسان كمال وفضل، والإيمان ترك واحد من أركانه كفر، والإسلام فيه التفصيل.

السؤال: ما الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة؟

الجواب: الدليل على هذا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وردت كثيراً بأن عصاة المؤمنين يدخلون النار يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة، ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار، فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام: قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب ولكن يكون له الشفاعة فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب.

السؤال: هل كل شخص يفسر القرآن برأيه أم أنهم الراسخون في العلم فقط؟ والدليل على ذلك مأجورين.

الجواب: التفسير بالرأي لا يجوز لا لأهل العلم ولا لغيرهم، ( ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ).

ومعنى التفسير بالرأي: أن الإنسان يحمل معاني كتاب الله عز وجل على ما يراه لا على ما تقتضيه دلالتها.

وأما التفسير بمقتضى الدلالة: فإن كان عند الإنسان قدرة على ذلك بحيث يكون عنده علم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه وقواعد الملة فلا بأس أن يفسر القرآن بما يقتضيه ذلك، وإن لم يكن عنده علم فإنه لا يجوز أن يفسره؛ لأن الأمر خطير، ومفسر القرآن مترجم عن الله سبحانه وتعالى، فليحذر أن يترجم كلام الله بما لا يريده الله فإن الأمر شديد وعظيم.