فتاوى نور على الدرب [611]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي الطريقة المثلى لطالب العلم الشرعي؟ وماذا يجب عليه في حفظ القرآن الكريم؟ وكيف نستطيع أن نفهم العقيدة الإسلامية خاصةً إذا كان الشخص وحيداً وليس لديه من يساعده في ذلك؟ مثلاً: في مسألة الصفات والأسماء لله عز وجل؟

الجواب: طلب العلم الشرعي فرض على كل مسلم، لكنه على قسمين: الأول: فرض عين. والثاني: فرض كفاية.

أما فرض العين: فيجب على كل مسلم أن يتعلم من شرع الله ما يحتاج إلى فهمه، فمثلاً: إذا كان عنده مال يجب عليه أن يتعلم ما هي الأموال التي تجب فيها الزكاة؟ وما مقدار الزكاة الواجبة؟ وما شروطها؟ ومن المستحقون لها؟ ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة، وإذا كان تاجراً فعليه أن يتعلم من أحكام تجارته ما يستعين به على تطبيق التجارة على القواعد الشرعية، وإذا كان ناظراً على الأوقاف فيجب عليه أن يتعلم من أحكام الأوقاف ما يستعين به على أداء مهمته، وهلم جرا.

أما فرض الكفاية: فهو ما عدا ذلك من العلوم الشرعية، فإن على الأمة الإسلامية أن تحفظ دينها بتعلم أحكامه، وعلى هذا فكل طالب علم يعتبر أنه قائم بفرض كفاية، يثاب على طلبه ثواب الفريضة، وهذه بشرى سارة لطلاب العلم أن يكونوا حال طلبهم قائمين بفريضة من فرائض الله عز وجل، ومن المعلوم أن القيام بالفرائض أحب إلى الله تعالى من القيام بالنوافل، كما ثبت في الحديث القدسي الصحيح: ( أن الله تبارك وتعالى قال: ما تقرب إلي عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضت عليه ).

وأما كيفية الطلب فيبدأ الإنسان بما هو أهم، وأهم شيءٍ هو علم كتاب الله عز وجل وفهمه؛ لقول الله تبارك وتعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون:68] أي: أنه وبخهم عز وجل لعدم تدبرهم كلام الله عز وجل، وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، وقال الله تبارك وتعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29]، والتدبر: تفهم المعنى؛ ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ثم بعد ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وتقريراته، ثم ما كتبه أهل العلم مما استنبطوه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم الصحابة رضي الله عنهم فإنهم خير القرون بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أقرب الناس إلى فهم كتاب الله وفهم سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وليبدأ في المتون بالمختصرات قبل المطولات؛ لأن طلب العلم كالسلم إلى السقف، يبدأ فيه الإنسان من أول درجة ثم يصعد درجةً درجة حتى يبلغ الغاية، وقولي حتى يبلغ الغاية: ليس معناه أن الإنسان يمكن أن يحيط بكل شيء علماً فهذا لا يمكن، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]، حتى ينتهي العلم إلى الله عز وجل، ولكن يبدأ بالأهم فالأهم، ويبدأ بالمختصرات قبل المطولات، وخير ما نراه في باب الأسماء والصفات من الكتب المختصرة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ؛ فإنها كعقيدة مختصرة سهلة جامعة نافعة، وأكثر ما جاء به في صفات الله من القرآن الكريم.

وأما كيف تستعمل هذه الأدلة فإن الطريق الصحيح والمنهج السليم فيها: أن يجريها الإنسان على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، فيجريها على ما يدل عليه ظاهرها، لكن من غير تمثيل ولا تكييف، فإذا قرأ قول الله تعالى وهو يخاطب إبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ [ص:75]، آمن بأن لله يدين اثنتين حقيقة لا مجازاً، لكن لا يجوز أن يقول: كيفيتهما كذا وكذا، ولا أن يقول: أنهما مثل أيدي المخلوقين، يعني: لا يمثل ولا يكيف، وكذلك إذا قرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من قلب من قلوب بني أدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن )، فيثبت لله عز وجل أصابع حقيقة، ولكن لا يمثل ولا يكيف، فلا يقول: إن أصابع الله عز وجل كأصابع المخلوق، ولا يكيف صفة معينة يقدرها في ذهنه لهذه الأصابع، ودليل هذا أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا في القرآن باللغة العربية، فما دل عليه اللفظ بمقتضى اللغة العربية فهو ثابت؛ لقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3]، وقوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:194-195].

فبين الله تعالى أنه أنزل القرآن وصيره باللغة العربية من أجل أن نعقله ونفهمه، وهذه هي القاعدة في إرسال الله الرسل، يرسلهم الله تعالى بلغة أقوامهم ليبينوا لهم، قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، فنجري آيات الصفات على ما تقتضيه اللغة العربية، لكننا لا نمثل ولا نكيف، أما عدم التمثيل؛ فلأن الله تعالى نهانا أن نضرب له المثل فقال: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ أن اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، وأخبرنا عز وجل أنه لا مثل له فقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقال تعالى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وبهذه الآيات يتبين أنه لا يحل لنا أن نمثل بصفات الله عز وجل.

وأما امتناع التكييف بأن نقول: كيفية يده كذا، كيفية أصابعه كذا، فلقول الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]؛ ولقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].

ومن المعلوم أن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها، فإذا حاولنا أن نكيف صرنا ممن افترى على الله كذباً، هذه هي القاعدة في باب أسماء الله وصفاته، فلو قال لك قائل: المراد باليدين النعمة أو القدرة، فبكل سهولة أنت قل: هذا باطل؛ لأن هذا خلاف مدلولهما في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية، ولا نقبل هذا التحريف إلا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال السلف، وإذا قال لك قائل: المراد باستواء الله على العرش استيلاؤه عليه، فقل: هذا باطل؛ لأن الاستواء على الشيء لا يعني الاستيلاء عليه في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية، ومعنى الاستواء على الشيء في اللغة: العلو عليه علواً خاصاً ليس العلو المطلق العام الشامل، وإذا قال لك قائل: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27]، أي: يبقى ثواب الله، فقل: هذا باطل؛ لأن الله وصف الوجه بالجلال والإكرام، فقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ [الرحمن:27]، وذو صفة الوجه، ومعلوم أن الثواب لا يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام، وسر على هذا المنهج تسلم من البدع الضالة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع قال: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، والعجب أن هؤلاء المحرفين الذين يقولون: المراد باليد النعمة أو القدرة، والمراد بالوجه: الثواب، والمراد بالاستواء: الاستيلاء، يدعون أنهم فعلوا ذلك تنزيهاً لله عما لا يليق به، وفي الحقيقة أنهم بفعلهم هذا وصفوا الله بما لا يليق به، فقد أخبر عن شيء هو في نظرهم غير صحيح، فيكون في كلام الله إما الكذب، وإما التلبيس والتعمية على الخلق، والله عز وجل يقول: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:26]، ويقول عز وجل: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]، فالله عز وجل قد بين لنا في القرآن كل شيء، ولا سيما ما يتعلق بأسمائه وصفاته، فقد بينه الله تعالى بياناً كافياً شافياً، ولا يحتاج إلى أقيسة هؤلاء التي يدعونها عقلية وهي خيالات وهمية، ثم إني أنصح من أراد طلب العلم أن يختار شيخاً له موثوقاً في علمه، وموثوقاً في دينه، وسليم العقيدة، وسليم المنهج، ومستقيم الاتجاه؛ لأن التلميذ سيكون نسخةً من أستاذه، فإن وفق الله له أستاذاً سليماً مستقيماً صار على نهجه، وإن كانت الأخرى فسينحرف كما انحرف أستاذه، فإذا قدر أنه لا يستطيع الوصول إلى مثل هذا الأستاذ الموصوف بما ذكرنا فقد اتسع الأمر ولله الحمد في الآونة الأخيرة، وصارت أصوات العلماء تصل إلى أقصى الدنيا عبر الشريط، فيمكنه أن يقرأ على الأستاذ بما يسمعه من الشريط، ويقيد ما يشكل عليه من الكلام، ويراجع به الأستاذ المتكلم إما عن طريق الهاتف أو عن طريق الفاكس أو عن طريق المكاتبة، فكل شيء متيسر ولله الحمد، ومعلوماً أن تلقي العلم عن الشيخ أقرب إلى التحصيل وأسرع، وأسلم من الزلل، ولهذا نجد الذين يعتمدون على مجرد قراءة الكتب يحصل منهم الخطأ الكثير، ولا يصلون إلى الغاية من العلم إلا بعد زمن طويل، لكن عند الضرورة لا بأس أن تستند إلى الكتب وإلى الأشرطة وما أشبه ذلك، بشرط أن تكون هذه الأشرطة والكتب عن مأمون في علمه ودينه ومنهجه.

السؤال: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أو عملية أو اعتقادية؟

الجواب: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية، فما أطلق الشارع عليه كفر نظرنا إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة جزئية بحسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس بناقض على وجه الإطلاق، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر )، فإذا نظرنا إلى قوله: ( قتاله كفر ) فقد يقول القائل: إن من قاتل المسلم فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( قتاله كفر ) أي: أن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:9-10]، فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة المقاتلة الباقية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فيكون هذا الناقض ليس ناقضاً بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر وليس هو الكفر المطلق، وإذا نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وقوله: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضةً كلية؛ وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلاً بائناً عن الطرف الآخر لا يجتمع معه في شيء لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وكذلك قوله: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام، فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى: وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، ونواقض صغرى: وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلةً من خصال الكفر.

السؤال: ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحداً في أسماء الله وصفاته؟

الجواب: الإلحاد في اللغة: هو الميل، ومنه: سمي الحفر في طرف القبر لحداً؛ لأنه مائل إلى جهة منه، أما في الاصطلاح: فهو الميل عما يجب اعتقاده أو عمله، وهذا تعريف عام، فكل من مال عما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر، وإلحاد أصغر، فالإلحاد التام: الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ظاهرهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال كقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]، أي: بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم.

أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن ينكرها إنكاراً كلياً، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعل ولاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم.

الثاني: إلحاد في الأسماء فقط بأن يثبتها لله عز وجل لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك، فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من صفات، ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالةً على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماءً نثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، فنقول: إن لله تعالى علماً لكن علمه مماثل لعلم المخلوق، وكذلك من يماثل في الصفات وملحد فيها كالذي يقول: إن لله تعالى وجهاً لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء أو الصفات هذا من الإلحاد.

ومن الإلحاد أيضاً: أن يسمي الله بما لم يسم به نفسه، فيسميه الصانع، والساخر، وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماءً من عنده، فإن هذا إلحاد؛ وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد، ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإن هذا الفعل من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض، فمن الناس مثلاً: من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريب متكلم، لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضاً: إن الله تعالى ليس له رحمة لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق، أو إرادة الإحسان إليهم وما أشبه ذلك، وهذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته.

ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام، ويشتق للأصنام أسماءً من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، فأخذوا الأول: من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني: من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى.

السؤال: ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك؟

الجواب: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام أو تستلزم القدح في الإسلام، فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة، فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة، أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة لكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة، وأما البدع المكفرة التي تستلزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة رضي الله عنهم فإن هذه بدع مكفرة، والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير.