خطب ومحاضرات
فتاوى نور على الدرب [600]
الحلقة مفرغة
السؤال: قرأت في الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:23]، بأن فيها دليلاً على أن قاذف زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم لا توبة له، أليس باب التوبة مفتوحاً إذا تاب العبد، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟
الجواب: من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وقال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17].
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70].
وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، يعني بالزنا، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:40-5]، فبين الله تعالى أن التوبة لها تأثير حتى في رمي المحصنات بالزنا.
وأما ما ذكره السائل عن بعض العلماء أن من قذف زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالزنا فإنها لا تقبل توبتهم، فمرادهم أنه لا يرتفع عنه القتل، وذلك أن من رمى زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو واحدة مِنهنَّ، سواء كانت عائشة أو غيرها فإنه كافر مرتد خارج عن الإسلام، ولو صلى وصام، ولو حج واعتمر؛ لأنه إذا قذف زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالزانية خبيثة بلا شك، وقد قال الله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ [النور:26]، وإذا كانت خبيثة وزوجها محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لزم من ذلك أن يكون الرسول -وحشاه- خبيثاً، وعلى هذا يكون قذف واحدة من أمهات المؤمنين كفراً وردة، فإذا تاب الإنسان من ذلك قبل الله توبته، ولكن يجب أن يقتل للأخذ بالثأر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يمكن للمؤمن أن يرضى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاً للعاهرات، فلنا الحق في أن نقتله؛ لأن هذا حق رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا نعلم أنه عفا.
وخلاصة ذلك أن الذين قالوا: إن من قذف زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لا توبة له. يريدون بذلك أنه لا يرتفع عنه القتل، ولا يريدون أن الله تعالى لا يعفو عنه، فإن الله تعالى يقبل توبة كل تائب، وإذا أردت أن تعرف مدى عظم قذف إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بالزنا، فانظر ماذا أنزل الله تعالى في الذين جاءوا بالإفك من الآيات العظيمة التي هي كالصواعق على من جاء بالإفك، انظر إلى قوله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]، يتبين لك مدى عظم قذف زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنا، فنسأل الله تعالى أن يبتر لسان مَنْ قذف إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا، وأن يسلط عليه من يقيم عليه الحد، إنه على كل شيء قدير.
السؤال: عملت موظفاً في إحدى الشركات بوظيفة محاسب لعدة سنوات، وكان المؤسس لهذه الشركة قد أصيب بمرض أقعده عن العمل، وأصبح مختل العقل، ولم يكن لديه قدرة على التفكير والتمييز، فوكل أحد الورثة بجميع أعماله، وكان هذا الوكيل يأمر بصرف الرواتب والمكافآت والأعطيات والصدقات وغيرها، يقول: وأيضاً فقد حصل تقصير مني في أداء العمل جهلاً ونسياناً، وكنت أظن بأن الوكيل يقوم مقام المالك في الأمر والنهي، وبعد وفاة صاحب المؤسسة تحللت من الوكيل الشرعي، وقد أباحني عن كل خطأ وتقصير، إلا أنه لازال في نفسي شيء من الحزن والألم في التقصير الكثير الذي حصل مني، فهل يلزمني أن أتحلل من جميع الورثة؟ وماذا أفعل لتبرأ ذمتي؟
الجواب: إذا كان قد جرى منك تقصير عمداً فإن عليك أن تتحلل ورثة مَنْ وكلك؛ لأنك غير معذور بذلك، وأما إذا كان الذي حصل منك خطأ، وأنت حين التصرف تظن أنك مصيب، وأنك على حق، فإنه لا ضمان عليك، ولا يلزمك أن تتحلل الورثة، فانظر في أمرك إن كان الأمر كما قلت أولاً -أي: أنه حصل منك تقصير تعرف أنه تقصير ولكنك تهاونت، فعليك أن تتحللهم- وإن كان الأمر على غير ذلك، وأنك عملت العمل وترى أنه عمل موافق مفيد فلا شيء عليك.
السؤال: هل لصلاة الإشراق أصل في الشرع؟
الجواب: صلاة الإشراق هي التي تفعل إذا ارتفعت الشمس قيد رمح، وهي في الحقيقة صلاة الضحى؛ لأن وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قيد رمح -أي: من بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة إلى قرب الزوال- كل هذا وقت لصلاة الضحى، فمن صلاها في أول الوقت فهي صلاة الضحى وإن كانت صلاة إشراق، ومن صلاها في آخر الوقت وهو أفضل فهي صلاة ضحى، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كل يوم تطلع فيه الشمس فعلى كل سلامى من الناس صدقة، وأنه يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى، وهذا أصل في ثبوت صلاة الضحى، وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل هي سنة أو لا؟ وعلى القول بأنها سنة هل يواظب عليها أو لا؟ والراجح: أنها سنة، وأنه يواظب عليها.
السؤال: من لبس الجوربين على طهارة كاملة، ثم أحدث، ولبس جورباً آخر، هل يمسح على الأعلى ثم الأسفل؟
الجواب: إذا لبس جورباً على طهارة، ثم لبس فوقه آخر على طهارة بمعنى أنه لبس الجورب لصلاة الفجر، ثم عند صلاة المغرب وجد أنه محتاج إلى جورب آخر، فتطهر لصلاة المغرب، ومسح على الجورب الأول ثم لبس الجورب الثاني فوقه، فإنه يمسح لصلاة العشاء على الجورب الأعلى، ولا يمسح على الأسفل ولكن هذا المسح مبني على مسح الجورب الأول، بمعنى أنه إذا تم يوم وليلة من مسحه على الجورب الأول انتهت مدة المسح إن كان مقيماً، وثلاثة أيام إن كان مسافراً، ولا يحتسب المدة من مسحه على الجورب الأعلى؛ لأن الجورب الأعلى فرع عن الجورب الأسفل، وأما مسح الجوربين جميعاً فليس بمشروع.
السؤال: حدثونا عن ثمرة الذكر عند الخاتمة جزاكم الله خيراً؟
الجواب: ثمرة الذكر عند الخاتمة أن من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله مخلصاً بها قلبه -ختم الله لنا ولكم بها- فإنه يكون من أهل الجنة، ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ).
السؤال: ما صحة الأذان في أذن المولود والإقامة في الأخرى جزاكم الله خيراً؟
الجواب: الأذان عند ولادة المولود سنة، وأما الإقامة فحديثها ضعيف فليست بسنة، ولكن هذا الأذان يكون أول ما يسمع المولود، وأما إذا فات وقت الولادة فهي سنة فات محلها فلا تقضى.
السؤال: عدم تقطيع عظام العقيقة، هل هو مشروع؟
الجواب: ذكر بعض العلماء أنه ينبغي في توزيع العقيقة أن تكون مفاصل، بمعنى أنه لا يكسر عظمها، لتكون العطية التي يعطيها جزلة؛ لأن ما بين المفصلين من العظام فيه لحم، إلا ما كان أسفل الأرجل، فإنه عادة لا يكون فيه لحم، لكنه من العادة أيضاً أن لا يتصدق به وحده، فمن الحكمة في عدم تكسير عظامها أن العطاء يكون أجزل، إذ إنه يكون عضواً كاملاً، وذكر بعض العلماء حكمة أخرى -في نفسي منها شيء- وهي: أنَّ ذلك تفاؤلاً بأن لا تنكسر عظام المولود، لكن في نفسي من هذا شيء، والمعنى الأول: وهو أنه من أجل جزالة العطية، أظهر وأقرب، ولكن مع ذلك لو كسر العظام فلا بأس.
السؤال: هل مال الصدقة أو الزكاة يجوز الحج منه، علماً بأنه أتى تلك المرأة في ذلك الوقت شدة وحاجة إلى المال، والحمد لله فرجها الله، فهل تحج منه أم لا، جزاكم الله خيراً؟
الجواب: يجوز الحج بمال الزكاة وبمال الصدقة، ويجوز لآخذ الزكاة أن يهديها إلى من لا تحل له الزكاة، بشرط أن يكون حين أخذه للزكاة من أهل الزكاة، أي: مستحق لها، وما جاء في السؤال فهو كذلك، أي: أن المرأة أخذت هذه الأموال من الزكاة والصدقات وهي أهل لذلك، ثم إن الله تعالى أغناها، وأرادت أن تحج بما عندها من أموال الزكاة والصدقات، فنقول: لا بأس بهذا؛ لأن الفقير إذا أخذ الصدقة وهو من أهلها، أو الزكاة وهو من أهلها، فإنه يملكها ملكاً تاماً يتصرف فيها بما يشاء.
السؤال: هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل: الفازلين وغيرها؟
الجواب: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرئ فيه من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة، وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني، يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن منقوراً نقراً لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمداً نسأل الله العافية؛ فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئاً من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم.
السؤال: ماذا في تحية المسجد قبل أذان المغرب وبعده؟ هل هذا مرتبط بمذهب معين؟
الجواب: تحية المسجد عند الغروب أو في وقت آخر من أوقات النهي جائزة على القول الراجح من أقوال العلماء؛ وذلك لأن أحاديث النهي عن الصلاة مقيدة بما إذا لم يكن للصلاة سبب، فإن كان لها سبب فإنها جائزة، فإذا دخل الإنسان المسجد في أي وقت من الأوقات وهو على طهارة فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وهي سنة مؤكدة، بل قال بعض العلماء: إنها واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( كان يخطب الناس يوم الجمعة، فدخل رجل المسجد فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت ركعتين؟ قال: لا، قال: قم فصلِّ ركعتين، وتجوز فيهما )، فقطع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبته من أجل أن يأمر هذا الداخل الذي جلس بأن يصلي ركعتين، لكنه أمره أن يتجوز فيهما من أجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة، ومن هنا يتبين لنا فائدة وهي ما إذا دخل الإنسان يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني الذي يكون عند دخول الإمام، فإنه يصلي تحية المسجد ولو كان يؤذن من أجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة؛ لأن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن ليست بواجبة، والمحافظة على الواجب أولى من المحافظة على ما ليس بواجب، فإذا دخلت يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني الذي عند دخول الإمام، فصل الركعتين لتتفرغ لاستماع الخطبة، أما إذا دخلت والمؤذن يؤذن في غير هذا الأذان فأجب المؤذن أولاً: وادع بالدعاء المعروف بعد الأذان، ثم صل الركعتين.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فتاوى نور على الدرب [707] | 3913 استماع |
فتاوى نور على الدرب [182] | 3693 استماع |
فتاوى نور على الدرب [460] | 3647 استماع |
فتاوى نور على الدرب [380] | 3501 استماع |
فتاوى نور على الدرب [221] | 3496 استماع |
فتاوى نور على الدرب [411] | 3478 استماع |
فتاوى نور على الدرب [21] | 3440 استماع |
فتاوى نور على الدرب [82] | 3438 استماع |
فتاوى نور على الدرب [348] | 3419 استماع |
فتاوى نور على الدرب [708] | 3341 استماع |