فتاوى نور على الدرب [560]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم الشرع في القارئ يستأجر في ليالي رمضان، يقرأ بأجر يقوم هو بتحديده؟ وهل على الذي يقوم بالتأجير في شهر رمضان إثم؟ نرجو من فضيلة الشيخ التوضيح، جزاكم الله خيراً.

الجواب: الاستئجار على قراءة القرآن لا يجوز، أي: أنه لا يجوز أن تستأجر شخصاً يقرأ القرآن، يقرأ القرآن عليك للتعبد بالاستماع إليه؛ وذلك لأن قراءة القرآن قربة تقرب إلى الله عز وجل، وكل شيء يقرب إلى الله فهو عبادة، والعبادة لا يجوز أخذ الأجر الدنيوي عليها، سواء كان ذلك في رمضان أو في غير رمضان، وبذلك يتبين لنا خطأ ما يفعله بعض الناس إذا مات لهم الميت استأجروا قارئاً يقرأ القرآن يزعمون على روح الميت، فإن هذا محرم، ولا أجر للقارئ على قراءته هذه، وعلى هذا فيكون استئجاره إضاعة للمال بدون فائدة، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قال لقوم: أنا لا أصلي بكم في رمضان إلا بكذا وكذا، فقال رحمه الله: نعوذ بالله من يصلي خلف هذا. وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن، أو على قراءته على مريض أو لديغ أو ما أشبه ذلك، فلا بأس به، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله )، فيفرق بين من يستأجر لمجرد التلاوة، وبين من يستأجر لعمل يحصل بالقراءة، أي: بقراءة القرآن فالثاني جائز، والأول غير جائز.

السؤال: ما حكم الشرع في إمام يصلي بالناس ويدخن السجائر، وللعلم يقوم بالتلفظ بالنية جهراً كاملة، هل يجوز أن نصلي خلفه؟

الجواب: شرب السجائر محرم؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، فالأموال جعلها الله تعالى لنا قياماً يقوم به ديننا وتقوم به دنيانا، فإذا صرفه الإنسان في شيء لا يقوم به الدين ولا الدنيا كان ذلك سفهاً، وإضاعة للمال، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أنه نهى عن إضاعة المال )، وشرب السجائر ضرر على البدن، كما ذكر ذلك الأطباء، وأجمعوا عليه، وشرب السجائر سبب للإصابة بأمراض خطيرة، عسيرة البرء كالسرطان الرئوي واللثوي وما أشبه ذلك، شرب السجائر تضيق به النفس إذا تأخر الإنسان عن وقته المعتاد، فلا يحب أحداً أن يكلمه، وتثقل عليه الصلاة، ويثقل عليه الصيام ثقلاً أشد، شرب السجائر سبب للإضرار بالغير، إذا جلس إليه أحد أو جلس هو إلى أحد وقام يدخن، فإن جليسه سوف يتأذى برائحته من وجه، ويتأذى أو يتضرر بما يكون من دخانه، ولذلك نجد الأمم الحريصة على دنياها تمنع من شرب الدخان في المجالس العامة؛ لأنها تعلم علم اليقين ما يحصل فيه من ضرر، وبهذا وبغيره مما لم نذكره يتبين أن شرب السجائر حرام، وكذلك ما كان بمعناها مثلها أو أشد كالشيشة وغيرها، فإن ما ماثل الشيء يعطى حكمه.

وعلى هذا أوجه النصيحة من هذا المنبر، منبر نور على الدرب لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بشرب السجائر أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما هم عليه، ويعينهم على هذه التوبة أمور؛ الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يتركوه لله انكفافاً عن معصيته، ودخولا في طاعته، ثانياً: الاستعانة بالله عز وجل على تركه، بحيث يكون شاعراً بأنه لن يتمكن من ذلك إلا بمعونة الله، فيستعين الله سبحانه وتعالى بقلبه ولسانه، وإلى هذين الأمرين أشار الله تعالى بقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ففي (إياك نعبد) إخلاص العبادة، وفي (إياك نستعين) إخلاص الاستعانة، ثالثاً: أن يبتعد عن مجالسة الذين يشربون السجائر، فإن جلوسه إليهم يقتضي ألا ينسى شربه للسجائر، وربما كانوا جلساء سوء فحملوه على أن يشرب معهم، رابعاً: إن قدر على أن يصرم هذا مرة واحدة، يعني يصرم شرب السجائر مرة واحدة ويقطعه نهائياً فهذا أقوى في العزيمة، وأقرب إلى المضي في تركه، وإن عجز عن هذا فليتركه شيئاً فشيئاً، فإذا كان من عادته أن يشرب عشرين سيجارة في اليوم، فليشرب خمس عشرة لمدة أسبوع أو عشرة أيام، ثم عشر عشر سجائر وهكذا تدريجياً، فلعل الله عز وجل أن ينفعه ويمن عليه بالهداية والاعتصام منه.

أما هذا الإمام الذي سأل عنه السائل، وأنه كان يشرب السجائر ويجهر بالنية، فنقول: إن وجد من هو خير منه في الصلاح والقراءة، قراءة القرآن، فالواجب على المسئولين عن المساجد أن يعزلوا الإمام الشارب للسجائر، وأن يولوا من هو خير منه، وإن كان هذا الشارب للسجائر الذي جعل إماماً هو أحسن القوم، فللضرورات أحكام، فليصلى خلفه، والصلاة صحيحة، لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة خلف العاصي صحيحة، إذا لم يأت بما يخل في الصلاة.

وأما كونه يجهر بالنية فإنني أنصحه وغيره ممن ينطقون بالنية سراً أو جهراً عند فعل العبادة، أنصحهم أن يتركوا هذه الفعلة، أعني الجهر بالنية؛ لأن الجهر بالنية إنما يحصل لو كان الذي تتعبد له لا يعلم ما في قلبك، حتى تخبره عنه بلسانك، أما إذا كان يعلم ما في القلب، فإنه لا يحتاج إلى أن يخبر باللسان، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلب، كما قال الله تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، وقال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80]، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهديه أقوم الهدي وأحسنه، أنه لم يتكلم بالنية، لا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الزكاة ولا في الحج ولا في غيرها من العبادات، أي: لم يقل: اللهم إني أريد أن أصلي، أو أريد أن أصوم، أو أريد أن أعتمر، أو أريد أن أحج، وعلى هذا فالنطق بالنية سراً أو جهراً غير مشروع، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن تصل نصيحتي هذه آذاناً صاغية وقلوباً واعية، وأن يدعوا ما هم عليه إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فإنهم على الحق وعلى الصراط المستقيم.

السؤال: ما حكم ترك الصلاة في المسجد مع الجماعة، بحجة أن لا يرغب الإمام وذلك بسبب عداء شخصي وليس شرعي، أفيدوني فضيلة الشيخ؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يتأخر عن صلاة الجماعة لعداوة شخصية بينه وبين الإمام، بل الواجب عليه، أي: على من كان بينه وبين الإمام عداوة شخصية، أن يسعى في إزالة هذه العداوة، حتى يتحقق الإيمان؛ لأن الله تعالى قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وأخبر جل وعلا أن العداوة بين المسلمين من مراد الشيطان، فقال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:91]، فالواجب على من كان بينه وبين أخيه عداوة شخصية أن يسعى بقدر الإمكان على إزالتها، إما عن طريق شخص ثالث، إن اقتضى الأمر هذا، وإما فيما بينه وبين أخيه، ولا غضاضة على الإنسان أن يذهب إلى أخيه ويقول: يا أخي! ما الذي في نفسك علي، ثم يناقشه في سبب هذه العداوة من أجل نزعها عن القلب.

وخلاصة القول أن نقول: إنه لا يجوز للإنسان أن يتأخر عن صلاة الجماعة من أجل عداوة شخصية بينه وبين الإمام، وأنه يجب على كل إنسان بينه وبين أخيه المسلم عداوة أن يحاول إزالة هذه العداوة.

السؤال: أرجو -يا فضيلة الشيخ- أن تبينوا لنا عذاب القبر، وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله، وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم؟

الجواب: إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، فقد تم توديعه، وحينئذ يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن أجاب بالصواب فسح له في قبره، وفتح له باب إلى الجنة، وينادي منادي من السماء أن صدق عبدي، وإن توقف وقال: لا أدري، فإنه يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وينادي منادي من السماء أن كذب عبدي، ويفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.

والأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة، تنحصر في أن الأسباب الواقية من عذاب القبر هي القيام بطاعة الله، فيفعل ما أمر الله به، ويترك ما نهى الله عنه، ومنها أي: من الأسباب الواقية من عذاب القبر، التعوذ بالله من عذاب القبر، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نتعوذ من عذاب القبر أمراً عاماً، فقال: ( تعوذوا بالله من عذاب القبر )، وأمرنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر أمراً خاصاً بعد التشهد الأخير، حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر -أو قال: الأخير- فليستعذ بالله من أربع: يقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال )، ومن أسباب عذاب القبر، عدم التنزه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ( مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول )، أو قال: ( لا يستنزه من البول، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرز في كل قبر واحدة، قالوا: لما صنعت هذا يا رسول الله؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا )، فبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب عذابهما، بأن أحدهما لا يستبرأ من البول، وأن الثاني كان يمشي بالنميمة، والنميمة: هي نقل كلام الناس فيما بينهم على سبيل الإفساد، فيأتي للشخص ويقول: قال فلان فيك كذا، قال فلان فيك كذا، ليلقي العداوة بينهما.

وبهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء يفعله بعض الناس إذا فرغ من دفن الميت وضع عليه غصناً أخضر من جريد النخل أو غيره، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث وضع الجريدة التي شقها نصفين على كل قبر واحدة، فإن هذا الذي يفعله بعض الناس بدعة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله على كل ميت وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله لسبب، وهو أن أصحاب القبرين يعذبان، فما يدري هذا الرجل أن صاحبه يعذب حتى يضع عليه هذا الغصن الأخضر، وأيضاً فإن وضع هذا الغصن الأخضر شهادة بالفعل على أن صاحب القبر يعذب، فيكون في ذلك إساءة ظن لصاحب القبر، لكن بعض الناس لا يتأملون ماذا يتفرع على أفعالهم من المفاسد، فتجدهم يأخذون بظاهر الحال، ولا يتأملون حق التأمل، نسأل الله لنا ولكم الهداية.

السؤال: اشرحوا لنا حسن الظن بالله؟

الجواب: حسن الظن بالله: أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله عز وجل يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له، إذا أذنب ذنباً ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، فيحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله عز وجل في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعاً التسليم بقضاء الله تعالى شرعاً وقدراً وأن نحسن به الظن، لأنه سبحانه وتعالى أهل الثناء والمجد.

السؤال: هل يجوز للإنسان أن يزيد في غسل الأعضاء عند الوضوء، كغسل القدمين إلى الأعلى؟

الجواب: ذكر الله سبحانه وتعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم حدوداً للأعضاء التي تغسل في الوضوء، فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فلم يحدد الله سبحانه وتعالى الوجه، ولم يحدد الرأس؛ لأن حدهما معلوم، أما اليدان فإنهما عند الإطلاق صالحان لأن يكون حد اليد إلى الكتف، وأن يكون حد الرجل إلى أعلى الفخذ، فلهذا احتاج المحل إلى القيد، فقيد الله تعالى غسل اليدين إلى المرافق، والمرافق داخلة فيما يجب غسله، وقيد غسل الرجلين إلى الكعبين والكعبان داخلان فيما يجب غسله، فليس من السنة أن نتعدى ما حدد الله عز وجل، وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء )، فهو بيان للواقع، ولما يثاب عليه العبد، وأنهم محجلون من آثار الوضوء، والوضوء قد علمنا حده من كتاب الله عز وجل، فيكون التحديد منتهياً إلى الكعبين، حتى لو فرض أن الإنسان زاد في وضوئه إلى نصف الساق مثلاً، أو نصف العضد، فإن التحجيل لا يزيد على الحد الذي ذكره الله عز وجل.

والخلاصة في الجواب: أنه لا يسن للإنسان أن يزيد في الوضوء على ما حدده الله عز وجل.

السؤال: حدثونا عن ثوب الشهرة عن كيفيته وصفته حتى نتجنبه، جزاكم الله خيرا؟

الجواب: ثوب الشهرة ليس له كيفية معينة، أو صفة معينة، وإنما يراد بثوب الشهرة ما يشتهر به الإنسان، ويشار إليه بسببه، فيكون متحدث الناس في المجالس: فلان لبس كذا، فلان لبس كذا، وبناء على ذلك قد يكون الثوب الواحد شهرة في حق إنسان، وليس شهرة في حق الآخر، فلباس الشهرة إذن هو ما يكون خارجاً عن عادات الناس، بحيث يشتهر لابسه، وتلوكه الألسن، وإنما جاء النهي عن لباس الشهرة لئلا يكون ذلك سبباً لغيبة الإنسان، وإثم الناس بغيبته.