فتاوى نور على الدرب [550]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟

الجواب: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء وكل ما أثبته لنفسه من الصفات على وجه ليس فيه تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ولنضرب لهذا مثلاً: قال الله تبارك وتعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، فيقول أهل السنة والجماعة: إن معنى الآية الكريمة أن الله استوى على العرش أي علا عليه، لكن كيف علا الله أعلم، لا نكيف صفاته ولكن نؤمن بمعناه ونقول: الرحمن على العرش استوى، أي: علا عليه علواً يليق بجلاله وعظمته، ويجتنبون طريق أهل البدع الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون: الرحمن على العرش استوى، أي: استولى، ولا شك أن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، ولا شك أيضا أنه يستلزم لوازم باطلة؛ لأننا إذا قلنا: استوى بمعنى استولى لزم أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض ملكاً لغير الله، وأن الله استولى عليه بعد ذلك، ولزم أيضاً أن يقال: إنه يصح أن تقول: إن الله استوى على الأرض لأنه مستولي عليها، وهذا أمر باطل.

ومثال ثاني: قول الله تبارك وتعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:27] قال أهل التعطيل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه: المراد بوجه الله ثوابه، وليس المراد به وجهه الذي هو صفة من صفاته عز وجل، من صفاته الخبرية التي لا مدخل للعقل فيها وليست معنوية بل هي صفة خبرية نظيرها بالنسبة لنا بعض منا وجزء منا، فيقال: هذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فوجهه الله تعالى هو وجهه والثواب شيء آخر، ثم أين المقارنة كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:26-27]، أين المقارنة بكون المراد العمل، فالآيات هذه لا تناسب ما قبلها حتى يقال أنها من العمل، أي: لا تناسب ما قبلها من حيث تفسيرها بالثواب.

ومن ذلك أيضاً قول الله تبارك وتعالى لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، قالوا: المراد باليد هنا القدرة، فيقال: سبحان الله كل البشر خلقهم الله بقدرته، ثم هل القدرة تتبعض وتتعدد. القدرة صفة واحدة يستطيع بها القادر أن يفعل بلا عجز، وقس على هذا كثيراً.

فأهل السنة والجماعة يقولون: كل ما سمى الله به نفسه فالواجب علينا إثباته وكل ما وصف الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، لكن يجب أن يكون إثباتنا هذا منزهاً عن التمثيل وعن التكييف، بمعنى: أن نثبت لله هذه الصفة وننفي أن يكون مماثلاً للعباد في هذه الصفة، وكذلك نثبت لهذه الصفة ولا نكيفها، لا نقول: كيفيتها كذا وكذا، ولهذا لما سأل الإمام مالكاً رجل فقال: يا أبا عبد الله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: يا هذا! الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فقوله رحمه الله: الكيف غير معقول يعني لا يمكن أن ندركه بعقولنا، وإذا كنا لا ندركه بعقولنا لزم أن نعتمد في ذلك على النقل، ولم ينقل لا في القرآن ولا في السنة كيفية استواء الله تبارك وتعالى على عرشه، وعلى هذا فتكون كيفية الاستواء مجهولة وليست معلومة لنا.

السؤال: ما حكم التكبير ليلة العيد في صورة جماعية؟

الجواب: التكبير في ليلة العيد سنة؛ لقول الله تبارك وتعالى بعد أن ذكر آيات الصيام قال: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، ولكن يكبر كل إنسان على انفراده، والتكبير الجماعي لا أصل له في السنة، بل كان الصحابة يكبرون، كل واحد يكبر على نفسه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ( خرجنا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحج فمنا المكبر ومنا المهل ) فدل ذلك على أنهم لا يكبرون تكبيراً جماعياً.

السؤال: فضيلة الشيخ! أسأل عن حكم بيع المصاحف؟

الجواب: بيع المصاحف لا بأس به، وهو مما تدعو الحاجة إليه أو الضرورة أحياناً، ويظهر لك ذلك فيما لو كان إنسان محتاجاً إلى مصحف وليس عنده مصحف، لكن عنده دراهم ممكن أن يشتري بها، فكيف يتوصل إلى اقتناء هذا المصحف إلا بالشراء، وعلى هذا فبيع المصحف وشراؤه حلال ولا بأس به بداعي الحاجة إليه، وأما من منع ذلك فيحمل على ما إذا كان سبباً لابتذاله وامتهانه فيمنع لهذا السبب.

السؤال: ما مقدار الدم الذي تصح فيه الصلاة؟

الجواب: الدم إن كان نجساً فإن الصلاة لا تصح فيه سواء كان قليلاً أم كثيراً مثل الدم الخارج من السبيلين كدم الحيض والباسور، وأما إذا كان غير نجس بأن يكون خرج من غير السبيلين فإن العلماء اختلفوا فيه: فمنهم من قال: إنه نجس يعفى عن يسيره، ومنهم من قال: إنه ليس بنجس مثل دم الرعاف ودم الجرح بزجاجة أو نحوها. لكن الاحتياط أن الإنسان يغسله درءاً للخلاف، لكن الذين قالوا بنجاسته قالوا: إنه يعفى عن يسيره، واليسير ما عده الناس يسيراً.

السؤال: هل يجوز أن أجلس في مجلس مع نساء ومجمل حديثهن غيبة ونميمة؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يجلس في مجلس يكون فيه غيبة ونميمة إلا إذا كان يريد أن يمنعهم من ذلك ويتمكن منه، فحينئذٍ يحضر وينهاهم عن هذا المنكر لعل الله يهديهم على يده، إما إذا كان لا يستطيع تغيير المنكر فإنه لا يحل له أن يجلس إلى أهله؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140] .

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم الشرع في الغش في البيع والشراء؟

الجواب: الغش في البيع والشراء وجميع المعاملات محرم بل من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من غش فليس منا )، والغش ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، فإذا كان الإنسان لا يحب أن يقوم بغشه أحد فكيف يرضى على نفسه أن يغش الناس.

وعلى هذا فالواجب على من ابتلي بهذه المصيبة أن يتقي الله عز وجل، وأن يكون صريحاً واضحاً في معاملاته وفي أخلاقه حتى يعرفه الناس ويعاملوه على بصيرة.

السؤال: رجل لدى زوجته ذهب للاستعمال، وحال الحول على هذا الذهب وجاء وقت إخراج الزكاة عنه، وفي نفس الوقت هذا الرجل عليه دين ومبلغ هذا الدين أكثر من قيمة الذهب الذي لدى الزوجة. فالسؤال: في هذه الحالة هل يخرج الزكاة أولاً ثم يسدد الدين، أم يسدد القرض الذي عليه ثم يخرج الزكاة أفتونا مأجورين؟

الجواب: إن زكاة الحلي التي عند زوجته ليس عليه وإنما زكاته عليها لأنها هي مالكته، وعلى هذا فالواجب عليه أن يسدد دينه، وزوجته هي المكلفة بإخراج زكاة حليها، فإن كان لديها ما تخرج منه الزكاة من الدراهم فهذا هو المطلوب، وإن لم يكن لديها ذلك فإنها تبيع من هذا الحلي حتى تخرج الزكاة.

السؤال: توفي والدي في منتصف رمضان، وقالوا لنا: صوموا ما تبقى عنه أو أطعموا، هل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟

الجواب: لا! هذا ليس بصحيح؛ لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله، فإذا مات المريض أو غير المريض في منتصف رمضان مثلاً فإنه لا يقضى عنه ما بقي من رمضان ولا يطعم عنه أيضاً؛ لأنه انتهت حياته .. انتهى عمله.

السؤال: ما هي السنن الرواتب؟ وهل للجمعة سنة قبلية؟

الجواب: السنن الرواتب اثنتا عشرة ركعة: أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر )، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل صلاة الفجر، هذه اثنتا عشرة ركعة من صلاهن في يوم بنى الله له بيتاً في الجنة، وآكد هذه الرواتب سنة الفجر، وتتميز وتختص عن غيرها بأمور:

أولا: أنها أفضل الرواتب.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدعها حضراً ولا سفراً.

ثالثاً: أنه يسن تخفيفهما حتى قالت عائشة رضي الله عنها حتى إني أقول: ( أقرأ بأم القرآن؟! ).

رابعاً: أنه يسن قراءة شيء معين فيهما، فيقرأ في الركعة الأولى: قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، أو في الركعة الأولى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] إلى آخر الآية في البقرة، وفي الركعة الثانية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64] إلى آخر آية آل عمران.

خامساً: أنهما خير من الدنيا وما فيها كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. هذه هي الرواتب اثنتا عشرة ركعة.

وأما الجمعة فلها راتبة بعدها وليس لها راتبة قبلها؛ لأن الناس يأتون ويصلون ما شاء الله أن يصلوا ويقرءون حتى يحضر الإمام، فليس لها راتبة قبلها، أما الراتبة بعدها فقد قال ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كان يصلي بعدها ركعتين في بيته ) وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً )، فمن العلماء من قال: يقدم القول على الفعل فتكون راتبة الجمعة أربعاً، ومنهم من قال: إن صلى في المسجد فأربع، وإن صلى في البيت فركعتان؛ حملاً للقول على ما إذا كان الإنسان في المسجد، وللفعل على ما إذا كان في بيته، وقال بعضهم: نأخذ بالقول وبالفعل فنقول: يصلي ستاً. والأقرب عندي -والله أعلم- القول الثاني؛ أنه إن صلى في المسجد فأربع، وإن صلى في البيت فركعتان، وإن صلى في البيت أربعاً وقال: أفعل ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن صلى الأربع فقد صلى الركعتين بالضرورة.

السؤال: ما حكم زواج الشغار؟

الجواب: زواج الشغار هو أن يزوج الإنسان ابنته لشخص على أن يزوجه الشخص ابنته، فيكون هناك تبادل بين الزوجتين وهو حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عنه، والغالب فيه إضاعة الأمانة، وأن الولي لا ينظر إلا لمصلحة نفسه لا لمصلحة البنت، ولذلك حرمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

واختلف العلماء فيما إذا جعل مهراً لكل امرأة:

فمنهم من قال: لا يصح النكاح ولا فرق بين أن يكون هناك مهر أم لا، ومنهم من قال: إذا كان هناك مهر بقدر مهر المثل، وكان كل واحد من الرجلين كفئاً لمخطوبته ورضيت كل واحدة من المرأتين فإن النكاح يكون صحيحاً، وهذا هو الصحيح أنه إذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة بأن كان المهر مهر مثلها، وكان كل من الرجلين كفئاً للمرأة التي أراد تزوجها ورضيت كل واحدة منهما بالرجل فإن النكاح يكون صحيحاً، لكن لا ينبغي تركه، والبعد عنه أولى لئلا ينفتح الباب، ويكون هم كل واحد أن يسعى لمصلحة نفسه لا لمصلحة ابنته.