(6) ملفاتُك خطَراتُك - مسلكيات - جمال الباشا
مدة
قراءة المادة :
دقيقتان
.
حواسُّ المرء هي نوافذُه لمُدخلاته إلى قلبه، وهي التي تتألف منها ملفاتُهُ المتنوعة، فبعضُها صور لكل ما وقعت عليه عينُه من مشاهد ثابتة أو متحركة، وبعضُها مقاطعُ صوتية مسموعة لكل ما وصل إلى سمعه، تستقرُّ في دماغه وصفحة قلبه كاستقرار ملفاته على سطح مكتبه.وهي بمجموعها تمثل المادةَ الأوليةَ لخواطره المختلفة التي ستتبلور منها شخصيته.
والملفاتُ بكل أنواعها، فيها ما هو صالحٌ يبعثُ النفس َ على الخير والحق، ومنها ما هو فاسد يبعث النفس على الشر والباطل.
وشخصية الإنسان هي خواطرُه الباطنة التي يتفاعل معها وتُحرّك فيه الرغبةَ للفعل أو الترك.
الخطير في الأمر، أن المُخرجات (السلوك) لا تفنى وتذهب إلى العدم، بل ينشأ عنها تغذيةٌ راجعة، تعود من جديد بصورة مدخلاتٍ جديدة، لتُغذّيه إيجابًا أو سلبًا.
وفي النهاية؛ سلوك الإنسان هو شخصيته، وشخصيته هي خواطره، وخواطره هي ملفاته التي جمَّعها من مدخلاته، يفتحها ويغلقها وقتما شاء، وأحيانًا -وهو الأخطر- قد يفقدُ السيطرةَ والقدرة على التحكم بفتحها وإغلاقها، ومن الملفات الفاسدة ما يُفتح له في صلاته، بل حال كونه أقربَ ما يكونُ من ربه عند سجوده.
بقي أن أشيرَ إلى أن هذه الملفات هي صاحبُه الذي لا يفارقه، في خلوته أو جلوته، ومن ذاق الحبسَ الانفراديَّ علم أن الشيءَ الوحيد الذي لا يستطيعُ أحدٌ منعَه من الدخول معه هو رصيدُه من تلك الملفات التي سوف يعيشُ معها فقط.
وإذا أُنزل في قبره كانت تلك الملفاتُ هي الشيءَ الوحيد الذي سيرافقُه طوالَ فترة البرزخ والذي سيتجسَّدُ له بصورة حسنة تؤنسه، أو صورة قبيحة توحشه.
فيا أخي السالك..
نظِّف ملفاتك واحرص على إبقائها كذلك، وأنت مخيَّرٌ الآن في رسم صورة جليس البرزخ.