فتاوى نور على الدرب [512]


الحلقة مفرغة

السؤال: ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيراً، مثلاً في قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3] ، والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيباً أو خبيثاً؟

الجواب: هذا السؤال هامٌ جداً، والجواب عن الأول: أن الهداية المذكورة في القرآن تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وبيان، وهداية توفيق وإرشاد.

فأما الهداية الأولى فهي مثل الآية التي ساقها السائل وهي قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3] ، يعني: إنا بينا للإنسان السبيل والطريق الصحيح، سواءٌ كان شاكراً أو كان كفوراً، فالكل بين له الحق، لكن من الناس من منّ الله عليه فشكر والتزم بالحق، ومن الناس من كان على خلاف ذلك، ومن أمثلة الهداية التي يراد بها الدلالة قوله تبارك وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] أي: لتدل إلى الصراط المستقيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين وعلم أمته الصراط المستقيم، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها.

أما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإرشاد، ومن أمثلتها قوله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] ، فالمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك أن يهدي أحداً هداية توفيق، يوفقه بها إلى الإيمان والعمل الصالح وهذه الآية نزلت بشأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهدى، ولكن لم يوفق لذلك، فأنزل الله هذه الآية تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].

وقد يراد بالهداية الهدايتان جميعاً أي: هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ، فإن هذه الآية تشمل هداية العلم والبيان وهداية التوفيق والإرشاد، والقارئ إذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يريد بذلك المعنيين جميعاً، يريد أن يعلمه الله عز وجل، ويريد أن يوفقه الله تعالى لسلوك الحق. هذا هو الجواب عن الجزء الأول في سؤاله.

أما الجزء الثاني وهو هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير، إن شاء آمن وإن شاء كفر، بمعنى أن له الاختيار، وإن كان ليس سواءً، لا يستوي الكفر والإيمان، لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم، فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر، وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن، بل الكافر كفر باختياره، والمؤمن آمن باختياره، كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره، ويرجع إليه باختياره، وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره، ويدخل الجامعة الفلانية باختياره، وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه، ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر.

نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان كحوادث تحدث للإنسان من انقلاب سيارة، أو صدام، أو سقوط بيتٍ عليه، أو احتراق، أو ما أشبه هذا، هذا لا شك أنه لا اختيار للإنسان فيه، بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر؛ ولهذا عاقب الله سبحانه وتعالى الكافرين على كفرهم؛ لأنهم كفروا باختيارهم، ولو كان بغير اختيارٍ منهم لم يعاقبوا، ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفراً، أو على القول ولو كان كفراً، فإنه لا يعاقب عليه؛ لأنه بغير اختيارٍ منه، ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر، وقد يرى نفسه ساجداً لصنم وهو نائم، ولا يؤاخذ بهذا؛ لأن ذلك بغير اختياره، فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه، فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل؛ لأنه فعل السيئة باختياره.

وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله سبحانه وتعالى قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء، وهذا الإنسان من أهل السعادة فإن هذا لا حجة فيه، وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله سبحانه وتعالى، إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق، فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً، وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلاً، فالإنسان يصلي لا يعلم أن الله كتب له أن يصلي إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق، وهو لم يجبر على السرقة، ولم يجبر المصلي على الصلاة، بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره، ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ( بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: لا، اعملوا، فكلٌ ميسر لما خلق له )، فأمر بالعمل، والعمل اختياري وليس اضطرارياً ولا إجبارياً، فإذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: ( اعملوا، فكلٌ ميسر لما خلق له ) نقول للإنسان: اعمل يا أخي صالحاً حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وهو باختياره بلا شك، إن شاء عمل عملاً صالحاً، وإن شاء عمل عملاً سيئاً.

ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله، ويقول: هذا أمرٌ كتب علي، فيترك الصلاة مع الجماعة ويقول: هذا أمر كتب علي، ويشرب الخمر ويقول: هذا أمر كتب علي، ويطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول: هذا أمرٌ كتب علي.

نقول: ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته؟ أنت لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة؟

وأما قول السائل: هل للإنسان إرادة؟ فنقول: نعم له إرادة بلا شك، قال الله تبارك وتعالى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ [آل عمران:152] .

وقال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ [الإسراء:19] .

وقال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20] ، والآيات في هذا معروفة، وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة، ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه، قال الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ، فقال الله: ( قد فعلت )، وقال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهْ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] ، وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه، إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة، والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول إلى الحق، وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر فتأثر من ذلك عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك، وإلا فالأمر واضح ولله الحمد.

السؤال: حدثونا عن فضل السواك؟ وعن أوقاته؟

الجواب: فضل السواك قال فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب )، وهاتان أعظم فائدة، الفائدة الأولى: الطهارة الحسية وهو تطهير الفم من الأوساخ، تطهير الأسنان واللثة واللسان.

والفائدة الثانية: وهي أعظم أنه مرضاةٌ لله عز وجل، وفي هذا الحديث حثٌ على السواك لذكر الفائدتين العاجلة والآجلة، فالعاجلة تطهير الفم، والآجلة رضا الرب عز وجل، ويدل لفضله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، يعني: لأمرتهم أمر إيجاب، ولا يجب الشيء إلا لمصلحته العظيمة التي اقتضت أن يكون الناس ملزمين به، ولكن عارض هذه المصلحة العظيمة المشقة التي خافها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمته، فترك إلزامهم بذلك.

أما مواضع السواك المؤكدة فهي أولاً: عند الوضوء، ومحل ذلك عند المضمضة، وإن أخر التسوك إلى أن ينتهي من الوضوء كله فلا حرج.

الثاني: عند الصلاة، سواءٌ كانت الصلاة صلاة فريضة أم نافلة، وسواءٌ كانت صلاةً ذات ركوعٍ وسجود أو صلاةً ليس فيها ركوع ولا سجود كصلاة الجنازة.

الثالث: عند القيام من النوم، فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الإنسان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ).

الرابع: عند دخول المنزل، ( فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل منزله فأول ما يبدأ به السواك )، وما عدا ذلك فإنه مشروع كل وقت، لكن يتأكد في هذه المواضع الأربعة.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في الصلاة في مسجد به ضريح؟

الجواب: الضريح يعني القبر، والمسجد الذي فيه ضريح لا يخرج من حالين: إما أن يكون المسجد مبنياً على الضريح يعني: على القبر، فهذا لا تصح الصلاة فيه؛ لأنه مسجدٌ لا يجوز إقراره شرعاً، بل يجب هدمه وتخلي المكان عنه وعن الصلاة حول القبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا تصلوا إلى القبور ).

والحال الثانية: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، ولكن يدفن فيه الميت لسبب من الأسباب، فهذا المسجد تصح فيه الصلاة بشرط ألا يكون القبر في القبلة، ولكن يجب أن ينبش هذا القبر، وأن يدفن مع الناس في المقبرة، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة فيها لا للدفن فيها، ثم إن الميت لا ينتفع بدفنه في المسجد، فالميت إن كان من أهل السعادة فهو في سعادة ولو دفن في أقصى البر، وإن كان من أهل الشقاوة فهو من أهل الشقاوة ولو دفن في المسجد، وإنا بهذه المناسبة ننصح إخواننا الذين ابتلوا بهذا أن يطالبوا إما بهدم المسجد إن كان مبنياً على القبر، بأن يكون القبر سابقاً عليه ثم بني عليه المسجد، وإما بإخراج الميت من قبره حتى يدفن مع الناس إذا كان المسجد سابقاً على القبر؛ لأنه ليس لأهل الميت الحق في أن يدفنوه في المسجد الذي أعد للصلاة.

السؤال: أسمع عن الأولياء، وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء، فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك؟

الجواب: أولاً: يجب أن نعلم من هم أولياء الله؟ فنقول: أولياء الله تعالى من ذكرهم الله في قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، سواءٌ أشهره العامة وزعموه ولياً، أم كان خفياً عن الناس لا يحب أن يظهر، فالولي هو المؤمن التقي.

ثانياً: هل لكل وليٍ كرامة؟ والجواب: لا، ليس لكل وليٍ كرامة، بل من الأولياء من يعطيه الله تعالى كرامةً محسوسة يشهدها بنفسه، ويشهدها الناس، ومن الناس من يجعل الله كرامته زيادة إيمانه وتقواه، وهذه الكرامة أعظم من الكرامة الأولى الحسية؛ لأن هذه الكرامة أنفع للعبد من الكرامة الأولى، إذ إن الكرامة الأولى سببٌ لزيادة الإيمان والتقوى، وأما زيادة الإيمان والتقوى فهي الغاية؛ ولهذا نجد أن الصحابة رضي الله عنهم تقل فيهم الكرامات بالنسبة للتابعين؛ لأن كرامات الصحابة في زيادة إيمانهم وتقواهم، والتابعون ليسوا مثل الصحابة في ذلك؛ فلهذا كثرت الكرامات في عهدهم أكثر من الكرامات في عهد الصحابة رضي الله عنهم.

والكرامات إما أن تكون في العلوم والمكاشفات، وإما أن تكون في ظهور التأثيرات والقدرات، فأما الأول: كأن يكشف للإنسان عن شيء لا يعلمه غيره كما ذكر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمعوه يقول: الجبل يا سارية ! الجبل يا سارية ! فتعجبوا من ذلك، فكان الأمر أن أحد القواد حوصر في مواجهةٍ بينه وبين أعدائه فكشف لـعمر رضي الله عنه وهو على المنبر فخاطبه يقول: الجبل يا سارية ، فسمعه القائد فانحاز إلى الجبل، فهذا توجيه من القائد الأعلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى قائد السرية أو الجيش من مكانٍ بعيد، وسمعه وليس في ذلك الوقت تلفونات هوائية ولاسلكية، ولكنها قدرة الله عز وجل، هذه كرامة في المكاشفات، كشف الله له ما لم يكن لغيره.

ومن ذلك أيضاً الكرامة في القدرة بأن يجعل الله تعالى للإنسان قدرةً لم تكن لغيره، ومن ذلك ما يذكر في غزوات سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يغزو الفرس، فيفتح الله عليه بلادهم بلداً بعد بلد حتى وصل إلى نهر دجلة، ولما وصل إلى النهر وجد أن الفرس قد أغرقوا السفن، وكسروا الجسور، وهربوا إلى الجانب الشرقي من النهر، فتوقف سعد رضي الله عنه، ودعا سلمان الفارسي رضي الله عنه -وكان ذا خبرة في أحوال الفرس وما يصنعونه عند القتال- فاستشاره ماذا يصنع؟

فقال له: يا سعد ! ليس هناك شيء يمكن أن نعمله إلا أن ننظر في الجيش هل عندهم من الإيمان والتقوى ما يؤهلهم للنصر أو لا، فدعني أسبر القوم وأنظر حالهم، فأمهله سعد ، فجعل يذهب إلى الجيش ويتفقد أحوالهم، وينظر أعمالهم، فوجدهم رضي الله عنهم بالليل يبيتون لربهم سجداً وقياماً، وفي النهار يصلحون أحوالهم ويستعدون للقتال، فرجع بعد ثلاثٍ إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره الخبر، وقال: إن قوم موسى ليسوا أحق بالنصر منا، فقد فلق الله لهم البحر، وأنجاهم من فرعون وقومه، ونحن سوف نعبر هذا النهر بإذن الله فأذّن سعد رضي الله عنه بالرحيل والتقدم إلى النهر، وقال: إني مكبرٌ ثلاثاً، فإذا كبرت الثالثة فسموا واعبروا، ففعلوا، فجعلوا يخوضون الماء كأنما يمشون على الصفا، خيلهم ورجلهم وإبلهم حتى عبروا النهر، وهو يجري يقذف بزبده، فلما رآهم الفرس قال بعضهم لبعض: إنكم لا تقاتلون إنساً وإنما تقاتلون جناً، فهربوا من المدائن -وهي عاصمتهم- حتى دخلها المسلمون وفتح الله عليهم، فهذه كرامة، قدروا على أمرٍ لا يقدر عليه البشر بمقتضى قدراتهم، حيث خاضوا الماء والنهر يمشي، هكذا ذكر المؤرخون هذه القصة وهذه كرامة في القدرة.

وقصة عمر كرامة في المكاشفات أن الله يكشف له ما لا يدركه غيره.

وتكون الكرامة في العلم بأن يفتح الله على الإنسان من العلم ما لا يفتحه على غيره، ومن هؤلاء فيما نظن ما فتح الله به على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من العلم العظيم، العلم بالنقل والعلم بالعقل، حتى إنك لتكاد أن تشك في هذه القدرة العظيمة التي أقدره الله عليها وفتح الله عليه من العلم.

ومن الكرامات ما حصل لـمريم عليها السلام حين حملت بعيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، وجلست على هذا الجذع وقالت يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم:23-25] ، قال: هزي إليك بجذع النخلة، وهي امرأة ماخض تهز بجذع النخلة فيهتز فرعها، ومن المعلوم أن الهز بجذع النخلة حسب العادة لا يمكن أن يهتز به فرع النخلة، لكن اهتز فرع النخلة وتساقط منه الرطب، والنخلة لا شك أنها فوق قامة الإنسان؛ لأنها لو كانت بقدر القامة لتناولت الرطب بيدها، هذا من آيات الله وهو من كرامة مريم عليها السلام.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3341 استماع