ذئاب تحوم حول المرأة المسلمة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله .. اتقوا الله تعالى حق التقوى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين .. إن الله عز وجل سائلنا عما استودعنا من الأمانات، فكلنا راع وكل راع مسئول عن رعيته، وإن من أخطر وأهم وأجل ما ولينا أمر بناتنا وزوجاتنا ونسائنا .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] فهي أمانة عظيمة، ومسئولية جسيمة، ولقد ضيعها كثير من الناس إذ جعلوا شأن المرأة خاصة والذرية عامة، الحبل على غاربة كل يفعل ما يشاء، ويغدو ويروح، ويظهر ويلبس، ويتصرف كيف شاء، وذاك والله خطر عظيم.

وإن من صور ضياع هذه الأمانة التي وليناها ما نراه من شأن النساء في ضياع أوقاتهن، وغفلة الرقيب أو الولي عنهن، يضيعون ذلكم الزمن الذي أقسم الله به عز وجل فتارة يقسم ربنا: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:1-2] .. وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [الضحى:1-2] .. وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2] ذلك الزمن يقسم الله به لشرفه وجلالة قدره ولكن ضيعه كثير من الأولياء، وكثير من الرجال والنساء، حتى إذا بلغ الناس مقام الحساب، وودعوا زمن العمل، أخذ الواحد يقول: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] أما الخاسرون الهالكون فهم في النار يصطرخون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] ولن ينفع ذاك الصراخ، ولن يجدي ذلك الدعاء بالويل والثبور، إذ الجواب: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37].

أيها الأحبة .. الزمن ضاع عند كثير من الرجال والنساء، والخطاب على عمومه لنا ولإخواننا وأخواتنا، للرجال والنساء، ولكننا نوصيكم بأن تضعوا مزيداً من الاهتمام لنقل هذه الوصية، ولفت تلك الضعينة، وتوجيه المرأة إلى الخطر الذي يحيط بها في الزمن الذي تضيعه، وستندم على ضياعه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].

خطر الإعلام على المرأة المسلمة

إن من الصور المؤلمة التي نراها في حال الرجال والنساء خاصة ما يضيع من الأوقات أمام هذه الأفلام والمسلسلات، وذاك أمر قد عم وطم حتى أن بعض البيوت تصبح على البث وتمسي على نهايته، وإذا أغلقت موجة فأخرى، فهم في الرباط يتناوبون، حال أولئك المساكين من موجة إلى أخرى، ومن شاشة إلى أخرى، وقد تناسى أولئك أو جهلوا -وتلك مصيبة- أن تلك الأجهزة وما تبثه من الأفلام والمسلسلات أقسم بالله تعظيماً أنها خطر وإفساد، وما فيها من الإصلاح فشره يغلب على خيره، ذلك خطر عظيم، وتخريب عمَّ كثيراً من البيوت، فأفسد الزوجة على زوجها، وأخرج البنت على أبيها، وجرأ العاقل على المرأة المصونة، فمتى تتعلم المرأة الحياء والتلفاز يربيها، والشاشة توجهها، والبث يحيط بها ويحاربها.

تعلم بعض النساء كيف تخرج عن طوع الزوج، وكيف تهرب عن ولاية الولي، وكيف تهرب مع العشيق، وكيف يهدد الولد أباه، وكيف تحب الفتاة ابن الجيران، وكيف يغازلها خلسة عن أهلها، وكيف تتخلص المرأة من زوجها، وكيف يتخلص الرجل من امرأته، في تلكم الشاشات مسلسلات خليعة، وأفلام هابطة، وأغانٍ ماجنة، وبث مسعور، والأمة تحترق، والمقدسات مسلوبة، والرقاب تقطع، والدماء نازفة، والنساء تغتصب، فإنها لهجمة على هذه الأمة، تسلطت عبر السماء وأطباقها، وعبر القنوات وشاشاتها، ناهيك عما فيها مما يسمى بالغرام والحب والغزل، وفيه من الفساد فنون، وللإفساد أطور ومجون، وخروج عن أدنى حدٍ للحياء والأدب، وحدث ولا حرج، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فالعاقل -يا عباد الله- يتقي الله في نفسه، وفيمن ولاه الله من زوجة وأخت وغيرها، وليخرج ما يسمى بجهاز الاستقبال، وليتجنب هذا الدش الخطير الذي أفسد كثيراً من البيوت، وجرأ كثيراً من العفيفات، ذلكم خطرٌ من الأخطار يهدد مجتمعنا.

خطر الهاتف على المرأة المسلمة

وأما الخطر الآخر فهو خطر الهاتف وما فيه من شر كامل، نعم الهاتف من المخترعات المفيدة، يوفر الأوقات، ويقصر المسافات، ويصلك بجميع الجهات، وربما استخدم في الأعمال الصالحات، ولكن بعض الناس -هداهم الله- استخدمه في أنواع من الشر عديدة، وكم كان ذاك الهاتف سبباً في تدمير بيوت بأسرها، وإدخال الشقاء والتعاسة على ساكنيها، وربما جرهم ليمتهنوا الرذيلة ويحترفوها، لقد سمعت بأذني قصص كثير من الفتيات وهي تتصل مستنجدة، وتتكلم مستغيثة تريد من يخرجها من مأزق وقعت فيه، فالعشيق المزعوم يهددها بالصوت والصورة، والزوج المتربص ربما لا يغفر خطيئتها، وربما كانت نهاية المسألة فضيحة لا يسترها إلا التراب، وسببها أن الأذن أدمنت السماع، واللسان أدمن الكلام، وتعود الرجل أو المرأة ضياع الوقت عبر هذا الجهاز فيما لا ينفع ولا يجدي..

كم ضيع فيه من الأوقات بمحادثات تافهة سببت للقلوب قسوة، وألهت عن ذكر الله، خاصة بين النساء، وكم من رجل دخل بيته، وقد ودع زوجته الصباح راضية مرضية، فآب إليها، فوجدها منقلبة ساخطة وهو يعلم أن لم يدخل عليها مع الباب أحد، لكن دخل عليها ذلك الثقيل بغير استئذان صوت عبر السماعة من صديقة أو قريبة أطالت معها الحديث فقالت لها: يا حبيسة الدار! يا مهيضة الجناح! يا مسكينة الجانب! كيف أنت في هذا وغيرك أعلى منك في نفقة ومركب، وكسوة وملهى، وذهاب وإياب، يعود الرجل فيجد امرأته قد تغيرت، وعن حالها تقلبت، بسبب الإسراف ومزيد من القول عبر هذا الجهاز.

إنا لا نقول أن استعمال الهاتف حرام، ولا نقول أخرجوه لعدم الفائدة منه، بل فيه من الفوائد ما ذكرنا، ولكن من المصائب التي عمت عند كثير من الناس، وعند النساء خاصة الإسراف في القول، وإضاعة الوقت، وإطالة الحديث عبر هذا: (وإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وإذا طال الكلام خرج عن المباح إلى المكروه، ثم من المكروه إلى الحرام، ولن يكون من الحرام صلاح للبيوت، بل فيه فسادها وإفسادها.

وكم من امرأة أو كم من فتاة كانت حصاناً رزاناً عفيفة كريمة جرأت عبر هذا، فخرجت لتقع فريسة للذئاب والمفسدين، وخذوا هذه القصة الواقعية، وهي واحدة من عشرات القصص إن لم تكن المئات، هذه القصة تقول: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، ثم تطورت إلى قصة حب وهمية أوهمها أنه يحبها، أنه ميت دنف هلك في غرامها، وسيتقدم لخطبتها لكنه يطلب رؤيتها، فرفضت فهددها بهجر أو بقطع علاقة فضعفت، فأرسلت له صورة مع رسالة وردية معطرة، فتوالت الرسائل، ثم طلب منها أن تخرج معه، لكنها هذه المرة رفضت بشدة فهددها بتلك الصورة وبالرسائل المعطرة، وبالصوت المسجل عبر الهاتف، فخرجت معه على وعد أن تعود في أسرع وقت وأقرب فرصة، لكنها عادت وقد كُسر حياؤها، وانتهكت عفتها، وتجرأ على صلاحها، فقالت له بعد ذلك: لا بد من ردم الأمر وستره بالزواج حتى لا تكون الفضيحة، فقال لها بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة، كيف العلاج؟ وكيف السبيل إلى حل يجعل هذه البيوت تستيقظ من الشر الذي أحاط بها؟

إن من الفتيات من تصبح على الأغنية، وتضحي على الشاشة، وظهيرتها على الهاتف، وعصرها في السوق، ومساؤها في المناسبة، فقولوا يا عباد الله: متى تعود إلى الله أو ترعوي عن غيها وضلالها؟!!

المجلات الخليعة وخطرها على المرأة

أما البلية الثالثة التي تشكل خطراً على بعض البيوت وبعض الفتيات والنساء، ويشارك الرجال بقدر لا بأس به في هذا، فهي متابعة الصحف والمجلات الخليعة، تلكم التي انتشرت في كل مكان، تراها في كثير من الحوانيت والدكاكين والأزقة والأسواق، وماذا تقدم هذه الجرائد؟ وماذا تقدم تلكم المجلات؟ إنها موضات ودعاية ورذيلة ليس فيها خيرٌ أبداً، فيها من الصور الخليعة، وفيها ما يهتك الستر ويجرئ الشباب على الفاحشة، ويغريهم بالسفر إلى الخارج، ويملأ عقولهم بما لا يرضي الله، ويضرهم ويفسد عليهم عقولهم وأفئدتهم.

الغناء خطر رابع على المرأة

أما الخطر الرابع الذي ابتليت به المرأة المسلمة، الخطر الذي سلط على بعض نسائنا في هذا الزمان؛ فذلكم هو خطر الغناء الذي لا يشك أحد أنه من البلاء الذي دخل كثيراً من البيوت إلا من رحم الله، مع أنه محرم وأدلة تحريمه جلية، قبل من قبل، أو اعتذر أو رد، أو عاند من عاند، خاصة ونحن في هذه الأيام أصبحنا نرى ونسمع أن إذاعة مسعورة وبثاً فاجراً فاسقاً قد سلط على مسامعنا لا يبث إلا الأغاني ليل نهار، فليعلم أولئك، وليعلم الذين يبثون، وليعلم الذين يسمعون بحكم الله ورسوله فيه، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [لقمان:6] قال ابن مسعود: إنه الغناء، إنه الغناء، إنه الغناء.

وقال تعالى: أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ [النجم:59-61] قال ابن كثير: قال الثوري عن أبيه عن ابن عباس: السمد هو الغناء، وهي يمانية، يقول أحدهم: اسمد لنا، أي: غنّ لنا. وقال مجاهد: هو الغناء، يقول أهل اليمن : سمد فلان إذا غنى. ويقول تعالى: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] قال ابن كثير : ومعنى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) صوت الشيطان هو الغناء. وقال مجاهد : اللهو والغناء أي: استخفهم بذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -أي: الفروج- والحرير والخمر والمعازف) قال ابن حجر في الفتح رحمه الله: المعازف هي آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي.

وعن أبي مالك الأشعري قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وهو صحيح.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ؛ وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف) ذكره ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وهو صحيح، وأورده الألباني في صحيح الجامع وفي السلسلة أيضاً.

أيها الأحبة .. أما شأن الغناء وما يحدثه من قسوة القلوب وإنبات النفاق فيها؛ فحدث عن خطره ولا حرج، وحسبك أنه صارف للقلب عن التلذذ بكلام الله، لا يجتمع صوتان ولا يجتمع أمران:

حب الكتاب وحب ألحان الغنى     في قلب عبد ليس يجتمعانِ

خطر الإسراف في اللباس والأزياء ومتابعة الموضة

والخطر الخامس الذي ابتليت به المرأة المسلمة، وعلى الزوج والرجل والولي في هذا مسئولية: الإسراف في اللباس والأزياء، وما يسمى بالموضة والزينة والعطور، والانشغال بتوافه الأمور.

إن هذا الانشغال بهذه الأمور الرخيصة الصغيرة التي ليست بأمر يعد ولا شأن يذكر إذا اشتغل الإنسان بها أصبح عبداً لها، فكم من فتاة أصبحت رقيقة وأمة لفساتينها، رقيقة لمرآتها، رقيقة لمساحيقها، ولتتذكر وليتذكر الجميع قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري . فما بالكم بحال رجل أو امرأة يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاسة، ويدعو عليه بالانكباب على وجهه والانقلاب إلى قفاه، وألا يسلم من شوكة أو ينتقشها إذا دخلت في رجله أو قدمه.

وأما ما تصرفه بعض بناتنا وأخواتنا ونسائنا في مستحضرات التجميل فواجبنا -يا عباد الله- أن ننبههن إلى خطر الإسراف في هذا، إذ أن كثيراً من النساء يهون عليها أن تصرف الألف والألفين في قطعة من المساحيق المجملة، ويشق عليها مشقة بالغة أن تصرف مائة لتساهم في إغاثة مجاعة في الصومال، أو منكوبين في البوسنة، أو مساكين في كشمير وغيرها.

إن إحصائية أوردتها مصلحة الإحصاء عن إجمال قيمة الواردات عام 1409هـ من مستحضرات التجميل بما في ذلك المواد العطرية تقول: لقد بلغ ما أنفق على هذا من استهلاك عامة الناس لهذه المساحيق والعطور، أكثر من ثمان مائة مليون ريال، وهذه الإحصائية أوردتها جريدة الرياض في عددها (8372) يوم الإثنين/ 13/ 11/ 1411هـ.

إنها من المصائب التي ابتليت بها المرأة في ضياع وقتها بسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والخروج إلى الأسواق لغير حاجة، ومتابعة الموضة والمجلات والأزياء وما يتعلق بها.

وإنا لن نقف عند وصف الأمراض لنصيح ونقول: نحن مرضى أو بنا سقم، ولكن يجب على من شخَّص الداء أن يصف الدواء، فنصيحتنا لكل ولي أن يوجه موليته أن تقلل الخروج إلى الأسواق، تلكم شر البقاع عند الله، وأن تقصر خروجها على ما تمليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة الراجحة مع محرم أو مع ثقاة من النساء، وألا تمكث في السوق أكثر من وقت حاجتها، كما نوصي الجميع أن يلتفتوا إلى محاولة اكتفاء المرأة في ملابسها بأن تتعلم خياطة ما تحتاجه بنفسها، أو أن يكون لها مع قريباتها أو مجموعة من جاراتها حائكة أو خياطة تحسن ذلك، فلا تخرج المرأة إلى الدكاكين أو إلى الأسواق بحجة الملابس.

وينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى من يسمين بعارضات الأزياء، واللائي يغدين ويرحن بهذه الملابس الفاضحة، على الفتاة المسلمة أن تنظر إلى تلك المرأة التي جعلت من نفسها لوحة للعرض وشاشة للدعاية نظرة العطف والرحمة فيما وقعت فيه في مستنقع الرذيلة الآثم، ونظرة ترى فيها أن تلك المسكينة قد جعلت من جسدها تجارة رخيصة يتاجر فيها مصمم الأزياء والموضات.

ألا وإن هذه الأمور مما ينبغي أن نلتفت إليه.

إن من الصور المؤلمة التي نراها في حال الرجال والنساء خاصة ما يضيع من الأوقات أمام هذه الأفلام والمسلسلات، وذاك أمر قد عم وطم حتى أن بعض البيوت تصبح على البث وتمسي على نهايته، وإذا أغلقت موجة فأخرى، فهم في الرباط يتناوبون، حال أولئك المساكين من موجة إلى أخرى، ومن شاشة إلى أخرى، وقد تناسى أولئك أو جهلوا -وتلك مصيبة- أن تلك الأجهزة وما تبثه من الأفلام والمسلسلات أقسم بالله تعظيماً أنها خطر وإفساد، وما فيها من الإصلاح فشره يغلب على خيره، ذلك خطر عظيم، وتخريب عمَّ كثيراً من البيوت، فأفسد الزوجة على زوجها، وأخرج البنت على أبيها، وجرأ العاقل على المرأة المصونة، فمتى تتعلم المرأة الحياء والتلفاز يربيها، والشاشة توجهها، والبث يحيط بها ويحاربها.

تعلم بعض النساء كيف تخرج عن طوع الزوج، وكيف تهرب عن ولاية الولي، وكيف تهرب مع العشيق، وكيف يهدد الولد أباه، وكيف تحب الفتاة ابن الجيران، وكيف يغازلها خلسة عن أهلها، وكيف تتخلص المرأة من زوجها، وكيف يتخلص الرجل من امرأته، في تلكم الشاشات مسلسلات خليعة، وأفلام هابطة، وأغانٍ ماجنة، وبث مسعور، والأمة تحترق، والمقدسات مسلوبة، والرقاب تقطع، والدماء نازفة، والنساء تغتصب، فإنها لهجمة على هذه الأمة، تسلطت عبر السماء وأطباقها، وعبر القنوات وشاشاتها، ناهيك عما فيها مما يسمى بالغرام والحب والغزل، وفيه من الفساد فنون، وللإفساد أطور ومجون، وخروج عن أدنى حدٍ للحياء والأدب، وحدث ولا حرج، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

فالعاقل -يا عباد الله- يتقي الله في نفسه، وفيمن ولاه الله من زوجة وأخت وغيرها، وليخرج ما يسمى بجهاز الاستقبال، وليتجنب هذا الدش الخطير الذي أفسد كثيراً من البيوت، وجرأ كثيراً من العفيفات، ذلكم خطرٌ من الأخطار يهدد مجتمعنا.

وأما الخطر الآخر فهو خطر الهاتف وما فيه من شر كامل، نعم الهاتف من المخترعات المفيدة، يوفر الأوقات، ويقصر المسافات، ويصلك بجميع الجهات، وربما استخدم في الأعمال الصالحات، ولكن بعض الناس -هداهم الله- استخدمه في أنواع من الشر عديدة، وكم كان ذاك الهاتف سبباً في تدمير بيوت بأسرها، وإدخال الشقاء والتعاسة على ساكنيها، وربما جرهم ليمتهنوا الرذيلة ويحترفوها، لقد سمعت بأذني قصص كثير من الفتيات وهي تتصل مستنجدة، وتتكلم مستغيثة تريد من يخرجها من مأزق وقعت فيه، فالعشيق المزعوم يهددها بالصوت والصورة، والزوج المتربص ربما لا يغفر خطيئتها، وربما كانت نهاية المسألة فضيحة لا يسترها إلا التراب، وسببها أن الأذن أدمنت السماع، واللسان أدمن الكلام، وتعود الرجل أو المرأة ضياع الوقت عبر هذا الجهاز فيما لا ينفع ولا يجدي..

كم ضيع فيه من الأوقات بمحادثات تافهة سببت للقلوب قسوة، وألهت عن ذكر الله، خاصة بين النساء، وكم من رجل دخل بيته، وقد ودع زوجته الصباح راضية مرضية، فآب إليها، فوجدها منقلبة ساخطة وهو يعلم أن لم يدخل عليها مع الباب أحد، لكن دخل عليها ذلك الثقيل بغير استئذان صوت عبر السماعة من صديقة أو قريبة أطالت معها الحديث فقالت لها: يا حبيسة الدار! يا مهيضة الجناح! يا مسكينة الجانب! كيف أنت في هذا وغيرك أعلى منك في نفقة ومركب، وكسوة وملهى، وذهاب وإياب، يعود الرجل فيجد امرأته قد تغيرت، وعن حالها تقلبت، بسبب الإسراف ومزيد من القول عبر هذا الجهاز.

إنا لا نقول أن استعمال الهاتف حرام، ولا نقول أخرجوه لعدم الفائدة منه، بل فيه من الفوائد ما ذكرنا، ولكن من المصائب التي عمت عند كثير من الناس، وعند النساء خاصة الإسراف في القول، وإضاعة الوقت، وإطالة الحديث عبر هذا: (وإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وإذا طال الكلام خرج عن المباح إلى المكروه، ثم من المكروه إلى الحرام، ولن يكون من الحرام صلاح للبيوت، بل فيه فسادها وإفسادها.

وكم من امرأة أو كم من فتاة كانت حصاناً رزاناً عفيفة كريمة جرأت عبر هذا، فخرجت لتقع فريسة للذئاب والمفسدين، وخذوا هذه القصة الواقعية، وهي واحدة من عشرات القصص إن لم تكن المئات، هذه القصة تقول: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، ثم تطورت إلى قصة حب وهمية أوهمها أنه يحبها، أنه ميت دنف هلك في غرامها، وسيتقدم لخطبتها لكنه يطلب رؤيتها، فرفضت فهددها بهجر أو بقطع علاقة فضعفت، فأرسلت له صورة مع رسالة وردية معطرة، فتوالت الرسائل، ثم طلب منها أن تخرج معه، لكنها هذه المرة رفضت بشدة فهددها بتلك الصورة وبالرسائل المعطرة، وبالصوت المسجل عبر الهاتف، فخرجت معه على وعد أن تعود في أسرع وقت وأقرب فرصة، لكنها عادت وقد كُسر حياؤها، وانتهكت عفتها، وتجرأ على صلاحها، فقالت له بعد ذلك: لا بد من ردم الأمر وستره بالزواج حتى لا تكون الفضيحة، فقال لها بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة، كيف العلاج؟ وكيف السبيل إلى حل يجعل هذه البيوت تستيقظ من الشر الذي أحاط بها؟

إن من الفتيات من تصبح على الأغنية، وتضحي على الشاشة، وظهيرتها على الهاتف، وعصرها في السوق، ومساؤها في المناسبة، فقولوا يا عباد الله: متى تعود إلى الله أو ترعوي عن غيها وضلالها؟!!

أما البلية الثالثة التي تشكل خطراً على بعض البيوت وبعض الفتيات والنساء، ويشارك الرجال بقدر لا بأس به في هذا، فهي متابعة الصحف والمجلات الخليعة، تلكم التي انتشرت في كل مكان، تراها في كثير من الحوانيت والدكاكين والأزقة والأسواق، وماذا تقدم هذه الجرائد؟ وماذا تقدم تلكم المجلات؟ إنها موضات ودعاية ورذيلة ليس فيها خيرٌ أبداً، فيها من الصور الخليعة، وفيها ما يهتك الستر ويجرئ الشباب على الفاحشة، ويغريهم بالسفر إلى الخارج، ويملأ عقولهم بما لا يرضي الله، ويضرهم ويفسد عليهم عقولهم وأفئدتهم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع