أرشيف المقالات

بصائر الإله!

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
بصائرُ الإله!
 
﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ﴾ [الأنعام: 104]، ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203].
 
وردت "بصائر" في سورة (الأنعام) في سياق الحديث عن العَظَمة الإلهيَّة، وقدرة الخالق، وفلْقِ الحَبِّ والنَّوى، وفلْقِ الإصباح، واهتداء الخَلْقِ بالنجوم، وابتداء خَلْقِ الإنسانِ من نفسٍ واحدةٍ، وخَلْق النبات، وإنزال القَطْر منِ السماء، ثم ختَمَ كل ذلكَ بقوله: ﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 101].
 
وبَعْدَ هذا العَرْضِ المبهر وجَّه الله الخطابَ إلى الإنسان؛ بقوله: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ﴾ [الأنعام: 104]، ومن خلال العَرْضِ السابق لآياتِ العَظَمة الإلهية، وعَظَمةِ الخلق في الكونِ والإنسانِ والنبات؛ يتَّضِحُ أنَّ البصائرَ المرادة هنا في هذا السياق؛ هي بصائرُ (الكتاب المنظور)، فمن أبْصَرَ عَظَمةَ الخالق، ودهشة الكون، وسطوة الإبداع؛ فقد أبْصَرَ الحقائق، وأتْقَنَ (قراءة) الكتابِ المنظور من خلالِ إبصارِ "الإرشاداتِ الإلهيةِ التي تقُودُ العقل إلى العلم الصحيح، وإلى استخدام ثمرات العلم استخدامًا سليمًا، عن طريقِ تحديدِ مسار العقل وغاياتِ المعرفة وميادينها"؛ (فلسفة التربية الإسلامية؛ د.
ماجد الكيلاني)
.
 
ثم جاءت بعدها سورةُ الأعراف، وفي ختامها وردت "بصائر" في نَسَقٍ مُكَمِّلٍ لـ (بصائرِ سورة الأنعام)، ابتدأتْ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196]، ثم ذكَرَ فضيلة اتِّباعِ (الوحي)، فقال جَلَّ في عُلاه: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ [الأعراف: 203].
 
والبصائرُ هنا: بصائرُ (الكتاب المسطور)، الوحي المنزَّل من السماء لإحياءِ الأرض، وإطفاء حرائقِ الجاهلية، والأخْذ بيد الإنسانِ إلى طريق الحقِّ والسلام.
 
فـ (بصائرُ الإله) التي أُمِرَ العبدُ بأخْذها بقوة النظر والتأمُّلِ والتدارُس، والتجربة والتدبُّر والتفكُّر - بصائرُ مُكْتَمِلةٌ لا انفصالَ بينها، فمتى ما اقتصرَ الإبصارُ على جانبٍ دونَ الآخَر، ظلَّ (العمى) يرتعُ في الثَّغْرةِ التي لم نُمعِنْ فيها إبصارَ الحقائق، ولا اكتمالَ إلا بأخْذِهما معًا!
 
خُتِمتْ سورة الأعراف بنصٍّ قرآنيٍّ خالد: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]؛ فإذا قُرِئتْ بصائرُ الإله، فأَرْعِ لها سَمْعَكَ وقلبَك، وأنْصِتْ لوحي السماء؛ لأنكَ إن فعلتَ ذلكَ كنتَ ممَّن شَمِلتهم الرحمةُ الإلهية، وكفى بذلكَ مِنَّةً ورحمةً!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢