خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/162"> الشيخ محمد بن صالح العثيمين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/162?sub=8855"> فتاوى نور على الدرب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فتاوى نور على الدرب [473]
الحلقة مفرغة
السؤال: ما هي الشروط التي يجب أن يأخذ بها الخطيب في خطبة الجمعة. وماذا يجب أن تشتمل عليه؟
الجواب: ينبغي أن يعلم أن خطبة الجمعة خطبة عظيمة هامة، أمر الله تعالى بالسعي إليها، فقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:9-10].
وأثنى الله سبحانه وتعالى على من قام بها وصلى، فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].
وحرم النبي عليه الصلاة والسلام الكلام حال الخطبة، وأوجب الاستماع إليها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغيت )، وقال: ( الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً ).
وهذا يدل على أهمية الخطبة، وأنها مما يجب الاستماع إليه، ولهذا لما: ( دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس، قال له: أصليت؟ قال: لا. قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما )، فأمره أن يتجوز في الصلاة حال الخطبة، حتى لا ينشغل بتطويل الصلاة عن الاستماع إلى الخطبة، وإذا كانت هذه أهميتها فإن الواجب على الخطيب أن يخطب خطبةً مؤثرة نافعة تعالج ما كان الناس عليه، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والأزمان، فليراع الخطيب ما تقتضيه المصلحة فيما يلقيه من الخطب التي يعالج بها ما كان الناس عليه، فمثلاً: إذا كان الخطيب يخطب بين يدي شهر رمضان فإن من المناسب أن يتكلم عن أحكام الصيام، وأحكام القيام، وأحكام الزكاة؛ لأن كل هذه مما تفعل في شهر رمضان، أما الصيام والقيام فظاهر، وأما الزكاة فلأن غالب الناس يخرجون زكاة أموالهم فيه، أو على الأقل يحسبون أموالهم ليعرفوا الزكاة في شهر رمضان، فإذا كان في زمن جفاف وجدب ذكر الناس بسبب هذا الجفاف والجدب، وأنه من الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].
وإذا كان في زمن غفلة من الناس ذكرهم عما ينبغي أن يقبلوا عليه من العبادة والعلم وما أشبه ذلك، وذكرهم بما يفيدهم في هذا، وإذا كان في زمن الحرب ذكرهم بما يناسب الحال، وإذا كان في وقت يكثر فيه الوافدون إلى البلد، كالبلاد السياحية أو البلاد ذات المشاعر، ذكرهم بما يناسب حال هؤلاء الوافدين، حتى يحملوا معهم إلى أقوامهم ما ينتفعون به، هذا هو أهم ما تجب مراعاته بالنسبة للخطيب.
أما آداب الخطبة فإنها كثيرة، منها: أن يكون الخطيب قوياً في خطبته، مؤثراً منفعلاً حسب ما يسوق من المعاني حتى يؤثر على الناس في استيقاظهم واستيعابهم لما يقول، وشد ضمائرهم وقلوبهم إليه لينتفعوا بهذه الخطبة، أم أن يلقيها إلقاءً كما يلقي أي كتاباً يقرؤه فإن هذا قد يجلب النوم للمستمعين، بخلاف الذي ينفعل ويتفاعل، ولهذا قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلى صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ).
وكذلك أيضاً ينبغي للخطيب أن يبدأ في مقدمة الخطبة بالأهم فالأهم، فمن ذلك حمد الله عز وجل في أول الخطبة، وهو ركن من أركان الخطبة، فيحمد الله عز وجل ويثني عليه بما هو أهله، ومن خير ما تفتح به الخطب خطبة الحاجة: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .
ثم يأخذ في الموضوع الذي يريد أن يتحدث فيه، ويفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة لا طويلة، ويجعل الخطبة الثانية أقصر من الخطبة الأولى؛ لأن الناس قد يلحقهم الملل والسآمة في الخطبة الأولى، فتأتي الثانية وهم على غير استعداد تام لاستماعها، وهذه من الحكمة: أن يراعي الإنسان أحوال مستمعيه، ثم إنه مما ينبغي أن يعلم أن هذه الساعة ساعة حضور الإمام، وإلقاء الخطبة، وإقامة الصلاة من أرجى ساعة يوم الجمعة في الإجابة، كما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنها من حين أن يخرج الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وهذا الوقت وقت مناسب؛ لأن الناس في حال اجتماع، وعلى عبادة عظيمة، وفي حال تفكير، والاجتماعات كلها من أسباب إجابة الدعاء، فينبغي للناس أن يستغلوا في هذه الساعة دعاء الله عز وجل سواء كان ذلك بين الخطبتين، أو إذا دعا الخطيب فيؤمنون على دعائه لكن بغير رفع صوت، أو إذا كان في أثناء الصلاة في حال السجود وبعد انتهاء التشهد الأخير.
ثم إنني أنبه هنا على مسألة يفعلها بعض الإخوان رجاء ثواب الله عز وجل، وهم مجتهدون فيما يفعلون أن الواحد منهم -أي: من الخطباء- يأتي إلى المسجد متقدماً ويصلي ما شاء الله أن يصلي ثم يجلس ينتظر دخول الوقت، وهذا خلاف السنة، فإن السنة للخطيب يوم الجمعة أن يبقى في بيته أو في أي محل كان قبل أن يأتي إلى المسجد، والسنة ألا يأتي للمسجد إلا حين وقت الخطبة والصلاة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك، ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله سلم.
وليعلم الإمام أنه بتأخره إلى وقت مجيئه عند زوال الشمس لن يحرم الأجر الذي حصل عليه من تقدم؛ وذلك ( أن من اغتسل يوم الجمعة في بيته وخرج من بيته مغتسلاً فإنه إذا راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وإذا راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، وإذا راح في الساعة الثالثة كأنما قرب كبشاً أقرن، وإذا راح في الساعة الرابعة كأنما قرب دجاجة، وإذا راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، ثم إذا خرج الإمام طويت الصحف )، ولم يكتب لأحد تأخر أجر من تقدم، وإن كان يدرك أجر الجمعة لكن يحرم أجر التقدم، أما الإمام فلا يحضر إلا عند حضور وقت الصلاة.
السؤال: أرجو التوضيح بشكل مفصل لقضية متى يعذر الإنسان بالجهل؟ ومتى لا يعذر به من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟
الجواب: هذا السؤال سؤال هام وسؤال عظيم، لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصراً في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، فمن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله سبحانه وتعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] . فقال الله تعالى: ( قد فعلت ).
وقال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] .
وقال الله تبارك وتعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] .
وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] .
وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة:115] .
وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59].
وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] .
والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك السنة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان )، أو ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، ولكن قد يكون الإنسان مقصراً بطلب العلم بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به، ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبراً عما بلغه من الحق فيبين له الحق، ولكنه يقول: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22]، كما يوجد كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، والمسألة مسألة خطيرة عظيمة، يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاء عام بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله، وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غاياتهم في الجهل، فمنهم الجاهل مطلقاً جهلاً مطبقاً لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكن عنده استكبار عن الحق، ومنهم من بين ذلك، فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال.
السؤال: أنا إنسان متزوج، وقبل وفاة والدي كنت لا أصلي الصلوات المفروضة، وكنت أيضاً أعمل المعاصي، ثم بعد وفاة والدي هداني الله إلى الطريق المستقيم، وأصبحت أصلي، وأعمل الخير، وأحافظ على الواجبات، فما الواجب علي لكي أكفر عن ذنوبي الماضية، وأريح ضميري؟
الجواب: الإنسان إذا تاب إلى الله توبةً نصوحاً فإن الله تعالى يقبل توبته، ويعفو عن سيئاته مهما عظمت، قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25].
وقال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
فإذا تاب الإنسان من ذنبه -مهما عظم- فإن الله يتوب عليه، ولكن ليعلم أن للتوبة شروطاً لا بد من تحققها، وهي:
أولاً: الإخلاص لله عز وجل، بأن ينوي بتوبته الرجوع إلى ربه من معصيته إلى طاعته، ولا ينوي التزلف إلى البشر، أو التقرب إليهم، أو الجاه، أو المال، أو ما أشبه ذلك، بل تكون توبته خالصةً لله وحده، طلباً للنجاة من عقابه، والوصول إلى ثوابه.
الثاني: الندم على ما مضى منه من التقصير في واجب، أو انتهاك محرم، وقد يشكل هذا الشرط على بعض الناس؛ لأن الندم انفعال نفسي، فكيف يمكن للإنسان أن يتصف به؟
والجواب على ذلك أن نقول: المراد بالندم أثره، أي: أن يظهر عليه الأسى والحزن على ما مضى من ذنبه، فهذا هو الندم.
الثالث: أن يقلع عن الذنب في الحال، فلا تصح التوبة من ذنب مع الإصرار عليه؛ لأن التوبة من ذنب مع الإصرار عليه نوع من الاستهزاء بالله عز وجل.
مثال ذلك: لو قال: أنا أتوب إلى الله عز وجل من غيبة الناس ولكنه لا يزال يغتابهم فكيف نقول: إن هذا توبته صحيحة؟ ولو قال: أنا أتوب إلى الله من أكل الربا ولكنه لا يزال يأكل الربا فهذا لم يتب، لو قال: أتوب إلى الله من ظلم الناس وهو لا يزال مستولياً على أموالهم بغير حق، وما أشبه ذلك فإن توبته لا تصح مهما فعل؛ لأنه لم يقلع عن الذنب.
الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود إلى الذنب في المستقبل، يعني: أن تكون توبته قاطعة لهذا الذنب، وأنه لن يعود إليه، فإن قال: أتوب إلى الله وأقلع عن الذنب، وندم عليه، وأقلع منه، لكن في نيته أن يعود إليه في وقت ما أو في حال ما فإن توبته لا تصح، لا بد أن يعزم على ألا يعود، فإن قال قائل: عزم على ألا يعود، لكن غلبته نفسه فعاد، هل تبطل توبته الأولى؟
فالجواب: لا تبطل توبته الأولى؛ لأنها تحققت التوبة بعزمه ألا يعود، وهذا هو الشرط وليس الشرط ألا يعود، بل العزم على ألا يعود، وبينهما فرق ظاهر، فإذا تاب إلى الله من ذنب توبةً نصوحةً ثم عاد إليه فإن توبته الأولى لا تبطل، ولكن عليه أن يجدد توبةً لفعل الذنب مرةً أخرى.
الشرط الخامس لقبول التوبة: أن تكون في أوان القبول -أي: في وقت قبولها- لأنه يأتي على الإنسان نفسه زمان لا تقبل فيه التوبة، فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تقبل التوبة؛ لقول الله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ، وذلك: طلوع الشمس من مغربها، فإن الشمس إذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم، ولكن لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، وكذلك التوبة فإنها: ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها )، وإذا حضر الأجل لم تقبل التوبة؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18] .
فإذا عاين الإنسان ملك الموت فإنها لا تقبل توبته؛ لأن هذه توبة ليست عن رغبة بل توبة المضطر، فلا ينفع، ولهذا لما أدرك فرعون الغرق قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فقيل له: آلآنَ [يونس:91] يعني: آلآن تتوب، وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:91-92]، فأنجاه الله ببدنه وأظهره من أجل أن يكون آيةً على موته وهلاكه لبني إسرائيل الذين أرعبهم، حتى يتيقنوا أنه مات.
فالمهم أنك مهما عملت من الذنب إذا تبت إلى الله تعالى توبةً نصوحاً فإن الله يتوب عليك، بل: ( إن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين ).
السؤال: هل يجوز أن تلبس المرأة اللبس الأسود الشرعي في حالة إحرامها للحج بدل اللبس الأبيض؟ علماً بأنها تلبس ذلك من بيتها؟ وهل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم أو نساء الصحابة كن يلبسن اللبس الأبيض في حالة الإحرام؟
الجواب: المرأة إذا أحرمت ليست كالرجل يلبس لباساً خاصاً إزاراً ورداءً، بل المرأة تلبس ما شاءت من الثياب التي يباح لها لبسها قبل الإحرام، فتلبس الأسود والأحمر والأصفر والأخضر وما شاءت، أما الأبيض فلا أعلم أن المرأة مطلوب منها أن تحرم بأبيض، بل إن الأبيض في الحقيقة من التبرج بالزينة، فإن اللباس الأبيض للمرأة يكسوها جمالاً، ويوجب انطلاق النظر إليها؛ لذلك كونها تلبس اللباس الأسود مع العباءة أفضل لها وأكمل، ولها أن تلبس الجوارب وهي: شراب الرجلين، أما القفازان وهما: شراب اليدين، فإنه لا يجوز لها لبسهما، وعليها أن تغطي وجهها إذا اقترب الرجال منها؛ لئلا تنكشف أمام الرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها، وفي هذه الحال تغطي وجهها ولا يضرها إذا مس بشرتها، خلافاً لقول بعض العلماء الذين يقولون: إنها تغطي وجهها بساتر لا يمس بشرتها، فإن هذا القول ضعيف ولا دليل عليه، ولكنها لا تنتقب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( نهى المحرمة أن تنتقب )، والحاصل أن لباس المرأة إذا أحرمت يكون السواد أو ما أشبهه مما يبعد النظر إليها.
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تزكي عن نفسها أو يزكي عنها زوجها؟ علماً بأنه ليس لها مال غير بعض الحلي من الذهب، وإذا كان لديها مال هل تزكي منه أم يزكي عنه الزوج؟
الجواب: الزكاة واجبة على الإنسان نفسه إذا ملك النصاب من المال الزكوي، وحلي المرأة من الذهب والفضة من الأموال الزكوية، فيجب على المرأة إذا بلغ حليها نصاباً من الذهب أن تزكيه، وفيه ربع العشر، فإن قام زوجها عنها بزكاته فهو مشكور على ذلك ويجزئها، وإن لم يقم فإن كان عندها مال زكت منه وأبقت الذهب على ما هو عليه، وإن لم يكن لها مال فإنها تبيع من الذهب بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، فإن قال قائل: إذا أوجبتم عليها الزكاة فإنه على مر السنين سوف لا يكون عندها حلي؟
فالجواب على هذا: إن هذا الحلي إذا بلغ قدراً ينقص به النصاب فلا زكاة فيه، وحينئذٍ لا يمكن أن تعدم الزكاة كل الحلي، أما مالها غير الحلي فهي أيضاً تزكيه هي، ولكن إن شاء زوجها أن يزكي عنها فلا حرج.
السؤال: هل صحيح أن للعلم زكاة وهي بذله للناس وتعليمهم إياه؟
الجواب: نعم يجب على العالم أن يبين علمه للناس إذا احتاجوا إليه، سواء بالإجابة على أسئلتهم، أو ببيان العلم إذا احتاج الناس إليه وإن لم يسألوا؛ لقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187] .
وهذا الواجب يسميه بعض العامة زكاةً، وزكاة العلم التعليم، وزكاة المال الصدقة، وزكاة الجاه الشفاعة، وما أشبه ذلك من العبارات التي يقولها العامة، ولكن نحن نقول: سواء سميتموه زكاةً أم لم تسموه، يجب على أهل العلم أن يبينوا العلم للناس؛ لئلا يكونوا من الذين أوتوا العلم فكتموه، نسأل الله أن يرزقنا جميعاً العلم النافع، والعمل الصالح، والرزق الطيب الواسع الذي يغنينا به عن خلقه، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.