فتاوى نور على الدرب [467]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للمتيمم أن يصلي سنة الوضوء؟

الجواب: طهارة التيمم طهارة كاملة رافعة للحدث ما دام سبب التيمم قائماً؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6].

فقوله تعالى: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6] يدل على أن التيمم مطهر رافع للحدث كالماء تماماً، ويدل لذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، والطهور ما يتطهر به، وعلى هذا فإذا تيمم الإنسان التيمم المشروع الذي وجد سببه فإنه يصلي بهذا التيمم ما شاء من فروض ونوافل، وهو على طهارته، حتى ولو خرج الوقت فإنه يمكن أن يصلي به الصلاة الأخرى حتى يحصل ناقض من نواقض الوضوء، فمثلاً: لو أن الإنسان تيمم لصلاة الظهر وصلى ما شاء من فروض ونوافل ثم بقي إلى صلاة العصر لم ينقض وضوءه، أو لم يفعل ما ينقض الوضوء ثم صلى العصر بتيمم صلاة الظهر فلا حرج عليه في هذا، وأرجو أن تكون السائلة قد فهمت الآن أنه يجوز لها أن تتنفل بطهارة التيمم كما تتنفل بطهارة الماء، ولكن متى وجد الماء فإن الواجب عليه أن يتوضأ عند إرادة الصلاة، أو يغتسل إن كان جنباً، ودليل ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم -يعني: لم يصل مع الجماعة- فسأله، فقال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم حضر الماء فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماءً، وقال: خذ هذا أفرغه على نفسك )، فهذا يدل على أن التيمم يبطل إذا وجد الماء.

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يرد التحية على تارك الصلاة وأهل الكتاب؟

الجواب: نعم، يجوز للمسلم إذا سلم عليه أحد من أهل الكتاب أو من غيرهم أن يرد عليهم السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، بل إن الله تعالى قال: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86]، ولم يقل: وإذا حياكم المسلمون بل هو عام وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم )، وعلى هذا فإذا سلم علينا كافر رددنا عليه بمثل ما سلم، فإذا قال: السلام عليكم بلفظ صريح في السلام قلنا: وعليكم السلام، وإذا قال: أهلاً وسهلاً قلنا: أهلاً وسهلاً، وإذا قال: صبحكم الله بالخير قلنا: صبحكم الله بالخير.. وهكذا نحييه بمثل ما حيانا به امتثالاً لأمر الله عز وجل، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يدعو الكفار إلى دين الله عز وجل ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وكم من إنسان كان كافراً أو ملحداً فمن الله عليه بالهداية على يد شخص رد عليه السلام يعني: أجابه برد السلام، وبسط له نفسه، وشرح له صدره حتى هداه الله عز وجل وآمن.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في صلاة الحاجة؟

الجواب: صلاة الحاجة ليس فيها دليل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه يروى أنه إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؛ لقول الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45].

السؤال: أدخل المسجد أحياناً وأجدهم قد انتهوا أو فرغوا من الصلاة، وأثناء الصلاة تأتي جماعة أخرى، فهل يجوز لي أن أحول هذه الفريضة إلى نافلة؟

الجواب: نعم، يجوز للإنسان إذا شرع في الصلاة منفرداً ثم حضر جماعة أن يقلب هذه الصلاة التي كان يصليها إلى نفل ويتمها ثم يدخل مع الجماعة، وله أيضاً أن يقطعها فوراً من حين أن يحضر القوم ويقيموا الجماعة، فهو بالخيار، بل هناك خيار ثالث: أن يمضي في صلاته ولا يقطعها، فالخيارات إذاً ثلاثة: أن يقلبها نفلاً ثم يتمها خفيفة ويدخل معهم، أن يقطعها ثم يدخل معهم، أن يستمر في صلاته؛ لأنه حين شرع فيها كان معذوراً، فلا يلزمه إعادتها.

السؤال: خطب رجل امرأة، ودفع المهر، لكن حصل نزاع في شرط من الشروط، فتنازل الرجل وانصرف عن الزواج بهذه المرأة، لكن أهل المرأة لم يردوا عليه إلا نصف المهر، فهل هم آثمون بذلك؟

الجواب: الحق له في هذا، فإذا طلقها قبل الخلوة بها وقبل الدخول فله نصف المهر، ثم إن عفا عنه فهو على خير وأجر، وإن طالب به فهو له، قال الله تبارك وتعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فإذا عفون رد على الزوج المهر كله، وإذا عفا الزوج بقي المهر كله للزوجة، فالأمر إليه وإلى زوجته.

السؤال: إذا خرجت من دورة المياه متوضئاً وأردت دخول الغرفة خلعت النعلين، لكن زوجتي تخبرني أن في الحجرة بعض النجاسات من الأطفال، فماذا أفعل؟

الجواب: إذا كانت النجاسات موجودة متبينة فتجنبها عند المشي، وإذا لم تكن موجودة فلا حرج عليك، ولا تنجس قدمك بذلك، وذلك أن هذه النجاسات قد تكون طهرت من قبل وأزيلت، ومن ثم نرى أن الإنسان ينبغي له إذا تنجست فرشه أن يبادر بغسلها؛ لأنه ربما ينسى ويجلس عليها وهو رطب فيتلوث ثوبه بالنجاسة، أو يتلوث بدنه إذا كان رطباً بالنجاسة.

السؤال: مؤذن في أحد المساجد في بلده، يقول عن نفسه لا يوجد غيري، وأقوم بإمامة المصلين والخطبة بهم يوم الجمعة، وأنا ضعيف في قراءة القرآن والتجويد، فهل يحق لي إمامة هؤلاء؟ وهل علي إثم في هذا؟

الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فلا ينبغي لهؤلاء القوم أن يقدموك إماماً وفيهم من هو أقرأ منك؛ لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما إذا كنت أحسن القوم في القراءة فتقدم بهم، واحرص على أن تكون قراءتك سليمة مستقيمةً على الوجه المطلوب.

السؤال: هل يحق للزوجة التصرف في مهرها الذهب دون مشورة الزوج؟

الجواب: نعم، الزوجة تملك مهرها ملكاً تاماً، إلا أن يطلقها زوجها قبل الدخول والخلوة فلا يرجع إليها إلا نصفه، كما ذكرناه آنفاً، وإذا كان تملك مهرها ملكاً تاماً وأرادت أن تبيعه أو أن تبيع شيئاً منه فلا اعتراض للزوج عليها، نعم لو أنها باعت الذهب الذي تتجمل به لزوجها وصارت تطالبه بأن يشتري لها بدله فإن هذا لا ينبغي لما في ذلك من إرهاق الزوج، وربما يكون الزوج قليل ذات اليد فيذهب ويتدين إرضاءً لزوجته.

السؤال: هل يجوز تحريك اليدين في الصلاة؟

الجواب: تحريك اليدين في الصلاة إذا كان عبادة كرفعهما عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام للتشهد الأول، وكذا تحريك الإصبع عند الدعاء في التشهد، وفي الجلسة بين السجدتين، فهذا حركة مشروعه، وأما إذا كانت عبثاً فإنها مكروهة، وإذا كثرت وتوالت فإنها تكون محرمة؛ لأنها مفسدة للصلاة.

وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الحركة في الصلاة تنقسم إلى أقسام، فالأصل أنها مكروهة، ولكنها قد تكون واجبة، وذلك فيما إذا توقف صحة الصلاة عليها، كرجل يصلي إلى غير القبلة جاهلاً فقيل له: إن القبلة على يمينك فانصرف إلى اليمين فهذه حركة واجبة؛ لأنه لو لم ينصرف لصلى إلى غير القبلة، وكذلك لو رأى وهو يصلي في غترته أو في نعليه نجاسة، فإنه يجب عليه في هذه الحال أن يتحرك لإزالة هذه النجاسة، كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أنه كان يصلي ذات يوم بأصحابه، فجاءه جبريل فأخبره: أن في نعليه قذراً، فخلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعليه، وخلع الصحابة نعالهم، فسألهم لما خلعوا نعالهم؟ قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه آتاني جبريل فأخبرني أن فيهما قذراً )، فهذه حركة واجبة.

القسم الثاني: الحركة المستحبة، وهي التي يكون بها كمال الصلاة، كحركة الإنسان إذا أراد أن يسد الفرجة في الصف، ودليل ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يصلي من الليل، فقام ابن عباس رضي الله عنهما إلى جنبه من جهته اليسرى، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه من ورائه فأداره عن يمينه )، فهذه الحركة مشروعة مستحبة لما فيها من تكميل الصلاة.

القسم الثالث: حركة محرمة، وهي الحركة الكثيرة المتوالية بغير ضرورة، فإنها محرمة؛ لأنها تفسد الصلاة أو تبطلها.

القسم الربع: المباحة، وهي الحركة اليسيرة للحاجة، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حين حمل ابنته وهو يصلي بالناس، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، فهذه حركة لكنها مباحة؛ لأنها يسيرة وللحاجة.

القسم الخامس: الحركة المكروهة، وهي ما سوى ذلك، وهي التي تقع عبثاً بشرط ألا تكون كثيرة متوالية، فإن كانت كثيرة متوالية صارت محرمةً مفسدةً للصلاة.

السؤال: إذا صامت المرأة يوماً قضاء، ولكن في وقت الظهر جاءها العذر الشهري، فهل يجب أن تعيد صوم هذا اليوم؟

الجواب: نعم، إذا صامت المرأة وأتاها الحيض في أثناء النهار فإن صومها يفسد؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المرأة: ( أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم )، وذلك أنه خطب النساء يوم العيد، فقال: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قالوا: يا رسول الله! ما نقصان عقلها؟ فأخبرهم: أن شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد. قالوا: وما نقصان دينها؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ).

فإذا حاضت المرأة أثناء النهار وهي صائمة بطل صومها، فإن كان واجباً وجب عليها قضاء، وإن كان تطوعاً لم يجب عليها قضاء.