فتاوى نور على الدرب [420]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما قولكم في حف المرأة للساقين واليدين، علماً بأنني قبل الزواج كنت أحف، وبعد زواجي نهاني زوجي عن ذلك؛ لأن في ذلك تغييراً لخلق الله، وذكر لي حديثاً عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتفلجات ) إلى آخر الحديث، فهل لكم يا فضيلة الشيخ توجيه لهذا؟

الجواب: يجب أن نعلم أن إزالة الشعور على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما أمر به الشرع، وذلك كشعر العانة والإبطين والشارب، فإن من السنة حلق العانة ونتف الإبطين وحف الشارب أو قصه، وهذا من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، وقد وقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يترك فوق أربعين يوماً، ويضاف إلى ذلك الأظفار، فإن من السنة قصها أو تقليمها، وألا تترك فوق أربعين يوماً.

والقسم الثاني: شعر نهى الشرع عن إزالته، أو أمر بما ينافي الإزالة، وذلك كشعر اللحية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها، وقال: ( خالفوا المجوس، خالفوا المشركين )، وهذا يقتضي أن يكون حلق اللحية حراماً.

والقسم الثالث: ما سكت عنه الشرع فلم يأمر بإزالته ولم ينه عن إزالته، وذلك كشعر الصدر وشعر الرقبة وشعر الذراعين والساقين والبطن، فهذا إن كثر فلا بأس من تخفيفه ولا حرج فيه، لأن في ذلك ما يشوه المنظر، وأما إذا لم يكثر فإن الأولى عدم التعرض له، لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلقه عبثاً، بل لا بد فيه من فائدة، وقال بعض العلماء: إن إزالته إما مكروهة وإما محرمة؛ مستدلاً بقوله تعالى عن الشيطان: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، ولكن لا يتبين لي هذا الحكم، أي: لا يتبين لي أن إزالته مكروهة أو محرمة، بل إزالته من الأمور المباحة إلا أن تركه أفضل خوفاً من الوقوع فيما يأمر به الشيطان من تغيير خلق الله.

السؤال: تعودت منذ صغري المواظبة على تلاوة سورة الملك كل ليلة، فهل تصح تلاوتها عند الابتلاء بالعذر الشهري؟

الجواب: هذا ينبني على اختلاف العلماء رحمهم الله في قراءة الحائض للقرآن؛ فإن العلماء اختلفوا في جواز قراءة الحائض للقرآن، فمنهم من أجاز ذلك بناء على الأصل، وعلى النصوص الدالة على فضيلة قراءة القرآن، ومنهم من منع ذلك، أي: منع الحائض من قراءة القرآن؛ لأحاديث وردت في ذلك، ولكن ليس هناك أحاديث صحيحة صريحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن، وعلى هذا فيكون الأصل أن قراءة الحائض للقرآن جائزة، ولكن نظراً لورود أحاديث وإن كان فيها مقال في منعها من القراءة، أرى ألا تقرأ المرأة القرآن إلا لحاجة، مثل: أن تخشى نسيانها أو تكون معلمة أو متعلمة أو تقرأ الأوراد التي كانت تعتاد قراءتها، أما إذا قرأت القرآن لمجرد التلاوة والأجر، فإن الأولى أن لا تقرأ؛ نظراً للأحاديث الواردة في ذلك، واتقاء لخلاف أهل العلم، وهذا قول وسط لا يمنعها مطلقاً، ولا يرخص لها مطلقاً.

السؤال: ما حكم الشرع في نظركم في الذي يموت وبه سن من ذهب أو سلك من ذهب في العمود الفقري؟

الجواب: أما السلك الذهبي في العمود الفقري فإنه لا يؤخذ، لأنه لا يمكن أخذه إلا بمثلة، والتمثيل بالميت حرام ولا يجوز؛ كقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كسر عظم الميت ككسره حياً )، وأما السن أو الشريط الذي يمسك السن فإنه يؤخذ، لأنه مال وإبقاؤه في الميت إضاعة للمال، إلا إذا كان يخشى منه مثلة في أسنان الميت بحيث تتحطم عند أخذه، فإنه يبقى، وكذلك لو رضي الورثة وهم مرشدون أن يبقى في الميت فلا حرج في ذلك.

السؤال: كنا في سفر إلى الرياض وفي المطار حان وقت صلاة الظهر، ونحن في المطار وجدت جماعة من المصلين فتقدمت بهم وصليت الظهر أربع وصلينا العصر بعد ذلك ركعتين، فقال لي أحد الإخوة: من الأفضل لو أنك قصرت تلك الصلاتين الظهر والعصر، أي: ركعتين ركعتين، فهل عملي صحيح؟

الجواب: له أن يقصر ولو كان في المطار، وعلى هذا فلو أنه صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين لكان قد أصاب السنة، أما كونه يصلي الظهر أربعاً والعصر ركعتين فهذا لا وجه له إطلاقاً، وكذلك لو سافر الإنسان من بلده بعد دخول وقت الصلاة، ولكنه لم يصل إلا خارج البلد فله أن يصلي ركعتين؛ لأن العبرة بفعل الصلاة، فإن فعلها وهو مسافر صلاها ركعتين ولو كان سفره بعد دخول الوقت، وإن فعلها وهو مقيم في بلده فإنه يصليها أربعاً ولو كان قد دخل الوقت عليه وهو في السفر.

السؤال: كنا في سفر إلى إحدى دول الخليج للعمل، ووصلنا هناك قبل المغرب، ولظروف طارئة قلت لصاحبي الذي معي في الرحلة: سوف نصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، فوافق على ذلك، وأثناء مرورنا بأحد المساجد في وقت العشاء أردنا أن نصلي معهم، فكيف يمكن الدخول معهم لصلاة العشاء مع أننا لم نصل المغرب، فهل نصلي المغرب معهم منفردين ونلحق بهم، أو ندخل معهم لصلاة العشاء بنية المغرب؟

الجواب: إذا كان المسجد واسعاً بحيث تنفردون في مكان بعيد عن الجماعة، وتصلي أنت وصاحبك صلاة المغرب، ثم تدخلوا مع الجماعة في ما بقي من صلاة العشاء، فهذا طيب، أما إذا كان المسجد ضيقاً بحيث لا يمكنكم الصلاة إلا مع ظهور المخالفة للمصلين، فإنكما تدخلان معهم في صلاة العشاء بنية المغرب، ثم إن كان دخولكما في الركعة الأولى، فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة يستمر في صلاته، أما أنتما فتجلسان وتقرآن التشهد وتسلمان ثم تقومان تدخلان معهم فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخلتم في الركعة الثانية سلمتم مع الإمام، وإن دخلتم في الركعة الثالثة قضيتم ركعة، وإن دخلتم في الركعة الرابعة قضيتما ركعتين.

السؤال: القنوت في النوازل، هل يكون في صلاة معينة أو في جميع الصلوات؟

الجواب: القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصاً بصلاة الفجر والمغرب، وليس خاصاً بليلة أو يوم معين من الأسبوع، بل هو عام في كل أيام الأسبوع وفي جميع الصلوات، نعم لو رأى الإمام من المأمومين مللاً وتضجراً من القنوت، فليكن في صلاة الفجر أو في صلاة المغرب، لأن هذا هو الأكثر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن شاء جعله في غيرهما، المهم أنه إذا أحس بملل أو ضجر من الناس فلا يتعب الناس في أمر مستحب، ويمكنه أن يتدارك ذلك بالتناوب، أي: صلاة بعد صلاة أو يخصه بصلاة الفجر والمغرب.

ولكني أنبه هنا على أن قنوت النوازل ليس هو قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ، وهو: اللهم اهدني فيمن هديت، فإن هذا لا يشرع في قنوت النوازل؛ لأن الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قنوت النوازل أن يكون دعاؤه في نفس النازلة التي قنت من أجلها، سواء كانت على عدو أو كانت لبعض المسلمين، بمعنى: أنه سواء كان يدعو لقوم أو يدعو على قوم، المهم ألا يذكر في هذا القنوت إلا ما يتعلق بهذه النازلة فقط.

السؤال: هناك من يطيلون القنوت، ويجعلون طول وقت القنوت أكثر من وقت الصلاة؟

الجواب: الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل أنه قنوت قصير، يدعو لقوم أو يدعو على قوم بدون إطالة، ولكن إذا أطال الإنسان إطالة لا يحصل فيها تعب على المصلين، وكان يرى منهم الرغبة في هذا، والدعاء لا يتجاوز ما يتعلق بالنازلة، فإن هذا لا بأس به، لأن الإلحاح في الدعاء من الأمور المشروعة، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما أعلم النهي عن إطالة القنوت إلا إذا كان شاقاً على المصلين.

السؤال: ما هو أفضل شيء أفعله لأخي المتوفى؟

الجواب: أفضل شيء يفعله الأحياء للأموات الدعاء، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الدعاء هو الذي ينفع الميت، وبناء على ذلك بهذه المناسبة أود أن أنبه كثيراً من الناس الذين يعتنون في إهداء الأعمال الصالحة إلى الأموات، ويعدلون عما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء، فتجد الإنسان مثلاً في رمضان يختم القرآن عدة مرات، ويجعل الختمة الأولى لأمه ثم لأبيه ثم لجدته ثم لخاله ثم لعمه إلى آخره، ولكن لا يجعل لنفسه شيئاً، وهذا من قلة الفقه، فالمشروع أن تكون الأعمال الصالحة للإنسان نفسه، وأن يدعو لمن شاء من الأموات من المسلمين، ولا أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر أحداً من أصحابه أن يتصدقوا أو يصلوا عن أمواتهم أو يصوموا عن أمواتهم إلا في الأمور الواجبة، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )، ولكنه عليه الصلاة والسلام يجيز أن يتصدق الإنسان عن أبيه أو عن أمه وما أشبه ذلك.

السؤال: هل يجب أن نتحرك في كل مكان في المسجد عندما أصلي، فأحياناً الإنسان يظل يصلي في مكان واحد في المسجد، وبعض الناس يقول: يجب أن تغير المكان في كل ركعتين بعد أي صلاة أفيدونا بهذا؟

الجواب: القول بأنه يجب أن تغير مكان صلاتك في كل ركعتين، لا أصل له ولا سند له من الشرع، ولا حرج على الإنسان أن يبقى يتطوع في مكان واحد، وإنما النهي عن كون الإنسان يستوطن مكاناً معيناً من المسجد لا يصلي إلا فيه، فهذا هو الذي قد ورد النهي عنه، وأما كون الإنسان يعتاد مكاناً معيناً يصلي فيه، ويصلي في غيره أيضاً، فهذا ليس فيه نهي، إنما الشيء الذي ينبغي أيضاً أن ينتبه له أن بعض الناس يتخذ مكاناً معيناً في صلاة الفريضة يصلي فيه ولو كان مكاناً مفضولاً، فتجده مثلاً يصلي في آخر الصف، مع أنه يتمكن أن يكون في أول الصف، أو يصلي في الصف الثاني مع أنه يتمكن أن يصلي في الصف الأول، وهذا لا شك أنه نقص، لأنه كلما تقدم الإنسان في الصفوف فهو أفضل، وكلما دنا من الإمام فهو أفضل، فالإنسان الذي يتخذ مكاناً في آخر الصف مع وجود ما هو أدنى منه للإمام قد حرم نفسه هذه الفضيلة، وكذلك الذي يتخذ مكاناً في الصف الثاني مع أنه يمكنه أن يصلي في الصف الأول قد حرم نفسه فضيلة الصف الأول، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( لو يعلم الناس ما في النداء )، يعني: ما في الأذان، ( والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا )، يعني: لو يعلمون ما فيهما من الأجر، ثم لم يجدوا سبيلاً إلى الوصول إليهما إلا بالاستهام، يعني بالقرعة إذاً لاقترعوا أيهم يحظى بالصف الأول أو بالأذان.

السؤال: عندما يسافر الإنسان إلى أهله من مكة فيحمل معه زمزم، لأننا نعلم جميعاً أن في هذا الماء الشفاء والحمد لله، فبعض الناس يقولون: لو خرجت زمزم من مكة فلا تغير شيئاً، فهل هذا صحيح؟

الجواب: إن ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد، سواء كان في مكة أم في غيرها، فعموم الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( ماء زمزم لما شرب له )، يشمل ما إذا شرب في مكة أو شرب خارج مكة، وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونه إلى بلادهم.