دخول الحائض والجنب المسجد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
دخول الحائض والجنب المسجدعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أُحِلُّ المسجدَ لحائضٍ ولا جُنُبٍ))؛ رواه أبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة.
المفردات:
((أُحِل المسجد))؛ أي: أُجيز دخوله والبقاء فيه.
البحث:
روى أبو داود حديث عائشة بلفظ: "قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: ((وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد))، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئًا رجاءَ أن ينزل فيهم رخصة، فخرج إليهم، فقال: ((وجِّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أُحِلُّ المسجد لحائض ولا جُنبٍ)).
وهذا الحديثُ من رواية أفلت بن خليفة عن جسرة، وأفلت: وثَّقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: هو شيخ، وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به، وروى عنه سفيان الثوري وعبدالواحد بن زياد، وقال في الكاشف: صدوق، وقال في البدر المنير: بل هو مشهور ثقة.
وأما جسرة، فقال البخاري: إن عندها عجائب، قال ابن القطان: وقول البخاري في جسرة: "إن عندها عجائب"، لا يكفي في رد أخبارها، وقال العجلي: تابعيَّة ثقةٌ، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقد حسَّن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة، وصحَّحه ابن خزيمة، قال ابن سيد الناس: إن التحسين أقل مراتبه لثقة رواته، ووجود الشواهد له من خارج، قال الحافظ: وأما قول ابن الرفعة في أواخر شروط الصلاة: "إن أفلت متروكٌ"، فمردودٌ؛ لأنه لم يَقُلْه أحدٌ من أئمة الحديث، وأما ما رواه سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، قال: (رأيت رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مُجنِبون إذا توضَّؤوا وضوء الصلاة)، وكذلك ما راوه حنبل بن إسحاق صاحبُ أحمدَ قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا فيتوضأ، ثم يدخل المسجد فيتحدث) - فإن في كلا الإسنادينِ مقالًا؛ لأن فيهما هشام بن سعد، وقد قال أبو حاتم: إنه لا يُحتج به، وضعَّفه ابن معين وأحمد والنسائي، فقد ثبت أن الجنب والحائض ممنوعانِ من المكث في المسجد.
أما المجتاز في المسجد، إما للخروج منه أو للدخول فيه؛ مثل أن يكون قد نام في المسجد فأجنب، فيجب الخروج منه، أو يكون الماء في المسجد، فيدخل إليه، أو يكون طريقه عليه فيمر فيه من غير إقامة - فهذا كله جائز، ولا يمكث في المسجد أبدًا.
وقد روى سعيد بن منصور في سننه عن جابر قال: (كان أحدنا يمرُّ في المسجد جنبًا مجتازًا)، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ [النساء: 43]؛ إذ المراد بالصلاة موضعُ الصلاة، وهو المسجد؛ كما قال تعالى: ﴿ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ﴾ [الحج: 40]، والمراد بالصلواتِ مواضعها، وعليه فالمعنى: ولا تقربوا المسجد وأنتم جنب إلا مجتازينَ فيه، وهذا أَولى مِن تأويل (عابري سبيل) بالمسافرين.
ويدلُّ على صحة تأويله بالمجتازِ وجهان:
أحدهما: أن المسافر الجنب لا تصح صلاته بدون التيمُّم، ولم يذكر التيمُّم ها هنا، فيحتاج إلى إضمار شيئين: عدم الماء، وذكر التيمم.
وأما على تأويله بالمجتاز، فلا يحتاج إلى إضمار شيء.
والوجه الثاني: أن الله تعالى ذكر حكمَ السفر، وعدم الماء، وجواز التيمم بعد هذا، فلا يحمل هذا على حكم مُعادٍ في نفس الآية.
ويدل على ذلك أيضًا أن جميع القرَّاء استحسنوا الوقف على قوله (حتى تغتسلوا)، وفيه دليل على أن حكم الجنابة باقٍ على الجنب إلى غايةٍ هي الاغتسال.
ما يستفاد من ذلك:
1- أنه يَحرُم على الحائض والجنب المكثُ في المسجد.
2- أنه يجوز الاجتياز فيه للضرورة.