أرشيف المقالات

لماذا؟؟

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
جاءني والحزنُ يملأ جوانحه، والألم يعتصر قلبه، والحرقة تحرق أنفاسه، وسألني: لماذا؟ وأنا أعلم إيمانه وحسن إسلامه، وأظن به خيرًا، فأسئلته لم تكن اعتراضًا وإنما استغرابًا وجهلًا منه.
سألني:
لماذا نعاني الفقر، وضعف الاقتصاد؟
برغم أن الخيرات في بلادنا كثيرة والثمرات وفيرة!
أهو سوء التخطيط والإدارة؟ أم قلة الخبرة والمهارة؟ لماذا تكالبت علينا الأعداء من الداخل والخارج، جاروا علينا وظلمونا!
تعدّوا وتمادوا، ولم يرعوا فينا إلًّا و لا ذِمَّة! وفوق هذا وذاك، قلة في الأمطار، وجفاف في الأنهار، انحباس للثلوج، ونضوب في الينابيع! ألسنا مسلمين، ألسنا موحدين، ألا نصلي ونقوم، ونحج ونصوم...؟
ألا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله!
في حين نرى دول الكفر والبغي تزداد ثراءً ونماءً!
ينعمون بالخيرات الوفيرة، والأمطار الغزيرة، والأرزاق الكثيرة! قلت له:
هل انتهيت، هل اكتفيت؟
اسمع ما سأقوله لترى عدل الله المطلق فينا، بل ورحمته لنا.
برغم أني لست أهلًا لهذا الحديث، وهو حديث يحتاج إلى مجلدات وسنين، لكننا سنحاول أن نبين جزءًا يسيرًا مما عليه أمتنا اليوم.
أما دول الكفر التي استشهدت بها، فهذه دول قطعت صلتها بالله، فلا عقد لها مع الله ولا عهد، فأغدق الله عليها خيره الكثير، وهو استدراج من الله، ألم تَتْلُ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [الأعراف: 182-183].
ثمَّ إنَّ هؤلاء الذين تتحدث عنهم قد جدُّوا واجتهدوا، فهم يعملون في عتمة الليل والظلام (أي: الكفر)، أما نحن المسلمين فإننا نائمون وسط الشمس والنهار (أي: الإسلام).
ومِن عدله سبحانه أن أعطاهم في هذه الدنيا التي لا تُساوي عنده سبحانه جناح بعوضة، أما يوم القيامة فسيُطبق في حقهم قوله سبحانه: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: 20].
أما المسلمون يا أخي فوالله إن الله بهم لرءوف رحيم برغم تجاوزاتهم! وهم ما عانوا هذا الذي عانوا إلا حين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حين سكت البعض، ورضي البعض، وأكثر من ذلك راح البعض يُروِّج للمنكر، وغفلوا عن قوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
وما قلَّ يا أخي قطرُ السماء إلا حين قلَّ ماء الحياء!
وما ضاقت صحون المائدة إلا حين اتسعت الصحون الطائرة! وفوق ذلك كله نسوا الاستغفار، ألم يقل الله سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12].
ثمَّ إن المسلمين -كما أسلفت ­سابقًا- قد ناموا في وسط النهار وفي ضوء الشمس، ناموا ومعهم الشريعة! ناموا وبين أيديهم أقدس كتاب وأعظم كلام! ناموا وهدي خير الرسل بين ظهرانيهم! صار الانتماءُ لهذا الدين شكلًا لا رُوح فيه، وعبارات خلت من العمل والصدق! انظر إلى أفراح جلِّهم وأتراحهم هل وافقت الشرع، وأجِلْ نظرك في معاملاتهم في البنوك هل طابقت النهج! تأمل صلاتهم هل نهتهم عن الفحشاء والمنكر! وصيامهم هل أبعدهم عن الرفث والفسوق في القول....! وكثير مما لا مجال لسرده الآن.
وهم فوق هذا وذاك يأكلون مما تزرع أيدي أعدائهم، ويلبسون مما تصنعه أناملهم، ويركبون مما تبدعه عقولهم؟! ولو عدنا إلى التاريخ قليلًا، فإني سائلك يا أخي:
يوم كان للفرس حضارتهم ودولتهم!
ويوم كان للروم تاجهم وسلطانهم!
بل وحتى الأحباش كان لهم ذكرهم ونفوذهم...
أين كان العرب وقتها؟! وماذا كانوا؟! ومن هم أصلًا؟!
وكيف تمكنوا خلال ربع قرن من فتح نصف العالم؟! لقد أدرك سلفنا هذه الحقيقة عندما قال قائلهم: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
ومع ذلك كله، أقول لك صراحة:
أعلمني حين تلتزم نساؤنا بالحجاب الذي أمر الله، ولا تخرج من منزلها إلا للضرورة!
أعلمني حين تُغلق المحلات والمتاجر أبوابها في أوقات الصلاة!
أعلمني حين يقف الطلاب في مدارسهم لأداء ما أمر الله في صلاة الجماعة!
أعلمني حين تمتلئ المساجد في صلاة الصبح والعشاء!
أعلمني حين يكون الدين والشرع مصدر التشريع في الدولة لا القوانين الوضعية البشرية!
أعلمني حين تصبح معاملاتنا في البنوك إسلامية لا ربوية!
أعلمني حين تُقام أفراح المسلمين كما أمر الله ورسوله لا كما أمر اليهود وأعوانهم!
أعلمني حين نبتعد عن الحسد والغيبة، والحقد والنميمة!
أعلمني وأعلمني..
بل وبشرني بذلك وأكثر منه، ثم طالبني بما شئت.
وأبشِّرك يا أخي أن كل شِدَّة وراءها رجعة إلى الله سبحانه.
ولعلك تلحظ ذلك في شباب المسلمين الذين يتوبون ويؤوبون إلى الله سبحانه وتعالى.
والفرج قريب إن شاء الله تعالى.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢