شرح زاد المستقنع باب الطلاق في الماضي والمستقبل [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال رحمه الله تعالى: [باب الطلاق في الماضي والمستقبل].

ذكرنا أن الفقهاء رحمهم الله ذكروا هذه الأبواب والمسائل والفصول والمباحث لوجود الحاجة، فإن الناس تختلف ألفاظهم بالطلاق، فمنهم من يلتزم اللفظ الشرعي الوارد ويتبع المسنون في طلاقه، ومنهم من يتلفظ بالطلاق على وجهٍ بدعي، ومنهم من يتلفظ بالطلاق بألفاظٍ يتأثر فيها بعرفه وبيئته، وعلى هذا لا بد من بيان هذه الأحكام والمسائل لحاجة الفقيه إليها إما للفتوى وإما للقضاء وإما للعلم والتعليم؛ ولذلك فصلوا هذه المسائل ورتبوا أبواب الفقه حتى يكون الفقيه على إلمام بأحوال الطلاق وصوره وألفاظ الناس فيه، فالأصل الشرعي يقتضي أن المسلم إذا تلفظ بالطلاق أنه يؤاخذ به، ونصوص الكتاب والسنة من حيث الأصل تُلزم المطلق بطلاقه، بل وجدنا الشرع يشدد في لفظ الطلاق حتى أمضاه على الهازل، كما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثٌ جدهن جدّ، وهزلهن جدّ: النكاح والطلاق والعتاق).

فأثبت عليه الصلاة والسلام أن جد الطلاق جد وأن هزله جد، وعلى هذا قال العلماء رحمهم الله: لفظ الطلاق خطيرٌ شرعاً، والمسلم يؤاخذ به من حيث الأصل العام، حتى أن الشرع التفت إلى ظاهره وأسقط الباطن كما في الهزل.

وعلى ذلك فالأصل يقتضي مؤاخذة الناس في ألفاظ الطلاق، إلا إذا قامت الأدلة على استثناء ألفاظ معينة وعدم مؤاخذة أهلها.

وفي بعض الأحيان يكون اللفظ دالاً على الطلاق دلالةً بينة بالأصل اللغوي والوضع اللغوي فلا إشكال فيه عند ذلك، وتارةً ينصرف عن ذلك بعرف، فيتلفظ الناس بألفاظٍ يعرف بالعرف أنها توجب التأثير في لفظ الطلاق.

وعلى هذا يحتاج الفقيه إلى معرفة الألفاظ التي يعتد بها وتؤثر، واللغة دالة على تأثيرها، والألفاظ التي يظهر أنها لغو وأن من تكلم بالطلاق ونطق بها لا يعتد لفظه ولا يكون طلاقه على الوجه الشرعي ألبتة.

وبناءً على ذلك نحتاج إلى مباحث الطلاق في المستقبل والماضي، فقد يكون الطلاق معلقاً على المستحيل كقوله: إن طرتِ في الهواء، وإن قلبتِ الماء سمناً، إن جعلتِ الحديد ذهباً ونحو ذلك من المستحيلات، كذلك تعليق الطلاق على الأفعال والصفات والأزمنة: إن جاء زيدٌ، إن جاء رمضان، إذا ذهبت إلى أبيك، إذا دخلت دار أبيك، إذا كلمت فلانة ونحو ذلك، كلها أمورٌ لا بد من بحثها فقد عمت بها البلوى، وكثرت منها الشكوى، ووقع فيها الناس على حسب اختلاف فئاتهم وأعرافهم.

وقد استفتح المصنف هذه المسائل بمسألة الطلاق في الماضي والمستقبل، فالمطلق إذا طلق ونجز طلاقه وقال لامرأته: أنت طالق، وسكت فهذا الأصل، وهي طالق، وقد بينا أن التعبير بهذا اللفظ مؤثر وموجبٌ لانحلال العصمة؛ لكن الإشكال إذا أسند الطلاق على وجهٍ مستحيل، فإنه حينئذٍ يكون كمن لم يطلق وكأن الطلاق لم يصادف وجهاً صحيحاً يمضي وينفذ به، فتارةً نصحح الطلاق في زمان إذا أسنده إلى زمان، وتارةً لا نصححه، فهو إذا طلق في الحال فلا إشكال، ولكن إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ بالأمس، أنت طالقٌ أمس، فقد أسند الطلاق إلى الأمس، مع أنه في الأمس لم يطلق زوجته، كذلك: أنت طالقٌ قبل يومٍ، أنت طالق قبل أسبوع، أنت طالقٌ قبل شهرٍ، فهذا قد أسند فيه الطلاق على وجه لم يقع فيه الطلاق، ويكون كذباً؛ لأنه لما قال: أنت طالقٌ قبل شهرٍ، أنت طالقٌ قبل سنةٍ، وهي لم تطلق لا قبل شهرٍ ولا قبل سنةٍ ولا قبل ساعةٍ، كان حكاية كذبٍ، وهو اللغو الذي لا يعتد به.

لكن إن قال لها: أنت طالقٌ بعد يومين، أنت طالق إن جاء الغد، أنت طالق إن جاءت الجمعة، أنت طالقٌ إن مِتُّ، أنت طالقٌ إن مرضتُ ونحو ذلك، فقد أسنده إلى المستقبل. فأصبح عندنا ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يسند الطلاق إلى الماضي.

والحالة الثانية: أن يسند الطلاق إلى الحاضر والحال.

والحالة الثالثة أن يسند الطلاق إلى المستقبل العاجل.

يقول رحمه الله: (باب الطلاق في الماضي والمستقبل) وسكت عن الحاضر؛ لأن الأصل أن الحاضر يمضي به الطلاق، فلا نبحث في شيءٍ حاضر، ولكن سنبحث في جانبين:

إما طلاقٌ مسند لماضٍ وهو شيءٌ قد ذهب، وإما طلاق مسند إلى مستقبلٍ سيأتي.

قال رحمه الله: [إذا قال: أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع ].

قوله: (أنت طالقٌ أمس) أمسِ من الأسماء التي يلغزون فيها، يقولون: اسمٌ إذا عُرّف أصبح نكرة، وإذا نكّر صار معرفةً، فأمس هو الذي قبل اليوم، وإذا قلت: بالأمس، فإنه يستغرق الزمان الماضي، ويكون نكرةً عامةً لما مضى؛ ولذلك قال الله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس:24].

فقوله: أنت طالقٌ أمس، أو أنت طالق بالأمس، أسند الطلاق إلى ما قبل اليوم؛ فإن لم يكن قد طلق امرأته قبل يومه ولم ينو به الطلاق حالاً لم تطلق زوجته.

وعلى هذا يقولون: إذا قال لها: أنت طالقٌ أمس، فقد حكى كذباً، والكذب لغوٌ، والأصل أنها زوجته، والقاعدة الشرعية تقول: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، فالأصل كونها زوجةً له، ولا نرفع هذه العصمة إلا بدليلٍ، ولا دليل يدل على أنه قصد الطلاق أو أراد وقوعه.

قوله: (أو قبل أن أنكحك).

فلو قال رجل لزوجته: أنت طالقٌ قبل أن أنكحكِ، وكانت قد تزوجت رجلاً قبله، ثم طلقها ذلك الرجل، فإن كان يخبر أنها قد طلقت منه، فهذا صحيحٌ ولا يقع عليه طلاق؛ لأنه حكى شيئاً قد وقع، فتكون جملةً خبرية لا إنشائية.

قوله: (ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع).

أي: لم يقع الطلاق، فإن نوى وقوعه وقع.

قال رحمه الله: [ وإن أراد بطلاق سبق منه أو من زيد وأمكن قُبِل ].

مثل ما ذكرنا: أنت طالقٌ بالأمس، وقصد أنها طلقت من بعلها الأول صح ذلك؛ لأنه ممكن.

حكم طلاق من مات أو جن ولم يعرف مراده بلفظ الطلاق

قال المصنف رحمه الله: [فإن مات أو جن أو خرس قبل بيان مراده لم تطلق].

ذكرنا أن العلماء رحمهم الله -وهذا من دقة الفقهاء الأولين وهي سمة من السمات العظيمة التي امتاز بها الفقه الإسلامي- كانوا لا يعطون الفتوى والحكم مجرداً عن الأثر، أي: حينما يقولون لك: إذا نوى فالحكم كذا، وإذا لم ينو فالحكم كذا، يعني: إذا أعطاك شيئاً يختلف بحسب النية؛ فإنك تعرف أن الحكم إذا نوى وقع، وإذا لم ينو لم يقع، فيرد السؤال: إذا توفي أو جُنّ أو خرف أو أصابته عاهة ولم نستطع أن نعرف نيته، فهذا سؤالٌ وارد ومحتمل عقلاً؛ ولذلك نجد أن فرضيات الفقه في الفقه الإسلامي لم تأت من عبث ولا جاءت من فراغ.

فهذه الكتب كانت تؤلف وتكتب في أزمنة فيها جهابذة العلماء، أزمنة ما كان يخط رجلٌ في قرطاسه ولا يخط بقلمه إلا وقد عرض عقله على أئمة ودواوين العلم، فإما أن يكون بُهجةً للناظرين، وإما أن يكون في أسفل السافلين فلا يعتد به، فهذه الكتب حينما تجد فيها الفرضيات ما جاءت من فراغ، نعم قد يوجد التكلف في بعضها؛ لكن نحن نتكلم عن شيء له حاجة وشيء متصل بالأصل، فإذا تقرر أن الأصل الشرعي يفرق بين من نوى ومن لم ينو، ورسول الأمة عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، ففرق بين من نوى ومن لم ينو، فإذا جئت تقول: إن نوى وقع وإن لم ينو لم يقع؛ فإن الفرض العقلي يستلزم أن تبين؛ لأن الشريعة كاملة، ولا بد أن يأتيك شخص ويقول لك: والدي قال كذا، ونسينا ونسي أن يسأل ثم توفي، هل نحكم بأنه مات وزوجته في عصمته، أم أن والدتنا مطلقة؟ فهذا كله يحتاج إلى بيان، فالفرضيات ما جاءت من فراغ، وما كان أهل العلم ودواوين العلم ليضيعوا أوقاتهم وأعمارهم، وما كان أئمة الإسلام الذين عُرِفوا بالنصح لأتباعهم ومن أراد قراءة كتبهم ورضيهم حجةً بينهم وبين الله أن يضيعوا أعمارهم بالفرضيات عبثاً، فلم توضع هذه الفرضيات إلا بترتيب مبني على الأصول الشرعية، وهذا ينبغي أن يوضع في الحسبان.

فلا يعرف قدر هؤلاء العلماء إلا من بُلي بالفتاوى، ومن وقف أمام المعضلات والمشكلات في القضاء يعرف عندها هذه النوازل والفرضيات، والله يعلم كم من مسائل نزلت على المفتي في ظلمة الليل وضياء النهار، فحار فيها عقله والتبس عليه أمره، حتى وجد فرضية من إمام متقدم، فأصبح يترحم عليه كلما ذكر أمره؛ لأنه وقع في كرب لا يعلمه إلا الله، فما زالت عنه كربته إلا بفضل الله وفي تلك الساعة الموفقة التي وجد فيها هذه المسألة العجيبة، حتى تجد بعضهم يقول: إنها مسألة تُعمل لها المطي، أي: إنها مسألة مشكلة، فلما يجدها الإنسان في وقتها وعند الحاجة إليها يحس بفضل العلماء، ويحس أنهم فعلاً قصدوا النصيحة لهذه الأمة.

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيهم عنّا وعن الإسلام والمسلمين خير ما جزى عالماً عن علم، وأن يسبغ عليهم شآبيب الرحمات، وأن يجعلهم في أعالي الدرجات، وأن يجمعنا بهم في نعيم الجنات.

المقصود من هذا التنبيه: أن المصنف رحمه الله قال: إن قال: أنت طالق بالأمس، ونوى وقع حالاً، ومفهومه أنه إذا لم ينو لم يقع وصرح بذلك المفهوم، وعليه يرد السؤال: إذا مات أو جُنّ قبل بيان مراده -ولا يُلتفت إلى مسألة الموت أو الجنون؛ لأنها أمثلة تذكر لأصل التعذر، وهو تعذر الاستبيان، فليست العبرة بالأمثلة، بل المهم أن تفهم الأصل؛ ولذلك لما تفهم الأصل يسهل عليك الاستحضار، وتكون عندك الملكة الفقهية- وقال هذا الكلام المحتمل الذي يختلط فيه الحكم بين الظاهر والباطن، وجب حينئذٍ أن ننظر إلى نيته، ولا يمكننا أن نطلع عليها إلا إذا عبر الإنسان عن مكنون نيته وخفي قلبه، وربما تعذر أن نعرف منه ذلك، إما أن يتعذر بموتٍ أو يتعذر بفقد النطق وعدم القدرة على الكتابة وعدم وجود الإشارة المفهمة، أو يتعذر بجنون، فالمجنون لا يستطيع أن يعبر عن مكنون نفسه، والميت لا نستطيع أن نسأله ويجيب، وكذلك أيضاً بالنسبة لمن خرس لسانه وهو لا يعرف الكتابة، ولا يستطيع أن يتكلم أو يشير إشارة مفهمة، فهذه أمثلة على الاستعجام وعدم إمكان الاستبيان.

قوله: (فإن مات) مثل: رجل جاء ورثته فقالوا: والدنا قال لأمنا: أنتِ طالقٌ بالأمس، ثم توفي ولم نجد من نسأله، ومضى على هذا الكلام سنة فهل من الممكن أن تخرج المرأة من عصمته، ونحكم بكونها قد طلقت ولا إرث لها، أو نحكم بكونها زوجة وهذا الكلام غير مؤثر؟

فبيّن رحمه الله قاعدة تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، ومعنى ذلك: أن الأصل أنها زوجته وشككنا في طلاقها، فنبقى على الأصل من أنه لم ينو الطلاق حالاً؛ لأنه أسنده إلى الأمس، وقوة اللفظ بالأمس توجب عدم وقوع الطلاق، فلا نحكم بكونها مطلقةً، والسيوطي في الأشباه والنظائر، ومثله ابن نجيم وعلماء القواعد الفقهية ذكروا في كتبهم أن من تفريعات قاعدة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان): استصحاب الزوجية إذا ترددت نيّة الطلاق بين أن يكون نوى الطلاق أو لم ينو، فنقول الأصل: أنه لم ينو، وعلى هذا لا تطلق عليه زوجته.

أحكام الطلاق في الماضي

وخلاصة الكلام: أن الزوج إذا أسند الطلاق إلى الماضي على وجه لا يمكن تأويل وقوع الطلاق به؛ فإنه لا يقع الطلاق، فإذا قال لزوجته اليوم: أنتِ طالق أمس، فإنه إذا لم يقصد إيقاعه حالاً وقصد إسناد الطلاق إلى ظرف الأمس، فإن الأمس قد ذهب، وحينئذٍ كأن الطلاق حينما تلفظ به الزوج لم يصادف محلاً يتعلق به، وعليه: فلا ينفذ هذا الطلاق، وبينا وجه ذلك وشرحناه، وقلنا: إذا قال في هذه الحالة أنتِ طالق قبل أن أنكحكِ، وأنتِ طالق بالأمس، أو أنتِ طالق أمس، أنه إذا قصد حكاية طلاق كان قد وقع على المرأة بقوله: قبل أن أنكحكِ؛ صُرِف إليه، كأن يكون تزوجها رجل من قبل وطلقها، ثم نكحها هذا الرجل أو هذا الزوج فقال: قصدت بقولي: (أنتِ طالق) قبل أن أنكحكِ، أي: من زوجكِ الأول، فلا ينفذ عليه الطلاق؛ لأنه لم يطلق حقيقةً، وإنما حكى طلاق الغير، والحاكي لطلاق غيره لا يُلْزم بالطلاق.

قوله رحمه الله: [ولم ينوِ وقوعه في الحال] لو قال رجل لامرأته: أنتِ طالق أمس، ونوى أنها تطلق عليه بهذا اللفظ حالاً؛ وقع الطلاق، وكذلك لو قال: أنتِ طالق، ثم قال: قبل أن أنكحكِ، من باب التهرب من الطلاق، وكان قد نوى بقوله أولاً: (أنتِ طالق) إيقاعَ الطلاق، وقع الطلاق.

قوله: (وإن أراد بطلاق سبق منه أو من زيد وأمكن قُبِل)

كأن يكون طلق امرأته طلقة ثم راجعها بعد الطلقة، ويوماً من الأيام بعد رجعته لها قال: أنتِ طالق بالأمس، وذكرنا أن (أمس) إذا عُرفت صارت نكرة، وإذا جاءت نكرة صارت معرفة، قال تعالى: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس:24] فهو إذا قال لها: أنتِ طالق بالأمس، وقصد أنها طلقت منه طلقةً، فإنه يكون حاكياً لهذه الطلقة ولا تطلق عليه.

وذكرنا أن العلماء رحمهم الله يذكرون الحكم ولربما يفصلون فيه، وهذا التفصيل قد يختلف بحسب اختلاف نية المتلفظ بالطلاق، فنحتاج أن نسأل المطلق: ما الذي قصدت؟ هل قولك: أنتِ طالق بالأمس قصدت به إيقاع الطلاق حالاً؟ قال: لا، قصدت بالأمس أنها طلقت مني طلقة قبل هذا الكلام، فإن أمكن ذلك حملناه عليه، فإذا نوى حكاية طلاق منه أو من غيره لم يقع الطلاق؛ لأن حكاية الطلاق ليس بطلاق، ولذلك قالوا: حكاية الكفر ليست بكفر، فعلى هذا قالوا: إذا حكى الطلاق عن غيره أنه طلقها، أو حكى طلاقاً سابقاً منه؛ فقد تحققنا أنه لا يريد تطليقها، لكن المشكلة إذا قال لها: أنتِ طالق بالأمس ولم يفصح عن نيته، فقال رحمه الله: (فإن مات أو جن أو خرس...) بحيث لا نستطيع أن نعلم منه ما هي نيته، ولا نستطيع أن نسأله.

وذكرنا من أمثلة هذه المسألة: رجل قال لامرأته: أنتِ طالق بالأمس، ثم توفي هذا الرجل وجاء ورثته يسألون، فهل في هذه الحالة نحكم بكونها زوجة؛ لأن الأصل بقاء الزوجية وشككنا في طلاقه؛ لأن هذا اللفظ الذي ذكره يحتمل أنه نوى إيقاع الطلاق، فتكون زوجته قد طلقت عليه، ولربما كانت أجنبية منه إن كانت الطلقة ثالثة، فتوفي وهي ليست في عصمته، ولربما حكى طلاقاً سابقاً منه أو من رجل كانت تحته قبل زواجها منه فلا يقع به الطلاق؟ فإذاً معنى ذلك: أن الميت الذي تلفظ بهذا اللفظ نحن مفتقرون إلى معرفة نيته، حتى نوقع عليه الطلاق أو لا نوقعه، فإن كان حاكياً للطلاق فلا نوقعه، وإن كان ناوياً للطلاق حالاً فنوقعه، ولربما خرجت من عصمته كأن تكون الطلقة الأخيرة، فإذاً: ليس عندنا ما يميز الحال.

وذكر رحمه الله أن هذا اللفظ إن أمكن فيه التمييز تميز بحسب ما يميزه، وإن لم يمكن فيه التمييز -وهي القسمة العقلية- قال: الأصل بقاء النكاح، ولا نحكم بوقوع الطلاق؛ لأننا عندنا احتمال أن يكون حاكياً للطلاق، والقاعدة: (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان)، وخذ هذه القاعدة: أنه متى شككنا في وقوع الطلاق وعدم وقوعه؛ فإننا نستصحب بقاء الزوجية، ولا نحكم بكون المرأة مطلقة، ومتى شككنا هل اللفظ يقتضي الطلاق أو لا يقتضيه، وهل نوى أو لم ينو؛ فالأصل أنها زوجته حتى نتحقق من نيته على وجه يوجب حل العصمة بالطلاق؛ لأن القاعدة: (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان) وهذه القاعدة هي في الحقيقة مفرعة على القاعدة التي سبق وأن ذكرناها: (اليقين لا يزال بالشك) فنحن على يقين أنها زوجته، وعلى يقين أن هذه الزوجية باقية ما لم نتيقن أنه طلقها وخرجت عن عصمته، فحينئذٍ نقول: هذه زوجته، ونقول لورثته: لا نجزم بكون هذا اللفظ موجباً للطلاق حتى نتحقق أنه نواه، ولا يمكن التحقق، فنبقى على الأصل.

قوله: (أو جن)

وهكذا إذا جن، قلنا: مسألة: مات أو جن أو خرس ليست هي المهمة، المهم أن تأتي بشيء يمنع من معرفة الحقيقة، فهو إذا مات لا يمكن أن تسأله، وإذا جن لا يمكن أن تثق بكلامه، وإذا خرس لا يستطيع أن يتكلم إلا إذا كان ثم إشارة مفهمة أو كتابة مستبينة.

قوله: (قبل بيان مراده لم تطلق)

وذلك كما ذكرناه.

وخلاصة ما ذكرنا في قوله: (أنتِ طالق بالأمس) أن هذا اللفظ يأتي على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: إما أن يقصد إيقاع الطلاق في الحال، وكلمة (أمس) تعتبر لغواً، والعبرة بقوله: أنتِ طالق.

الوجه الثاني: أن ينوي حكاية أمر سابق، فلا إشكال أنه بحسب ما يحكيه.

الوجه الثالث: أن لا يستبين لنا الأمر، فنبقى على العصمة والأصل.

وذكرنا أنه لو قال لها: (أنتِ طالق أمس) ولم يقصد إيقاع الطلاق حالاً، ولم يحك طلاقاً سابقاً، وقصد أن الطلاق وقع بالأمس فلا يقع؛ لأن الطلاق جاء بلفظ لا يمكن أن يقع عليه، لأن الأمس قد ذهب وهو يقول: أنتِ طالق أمس، وأمس ما وقع فيه طلاق، قالوا: فصار كلامه كذباً، والكذب لغو لا ينبني عليه حكم شرعي، فيكون هذا من اللغو. ما لم يقصد به الطلاق حالاً، لكن يرد هنا إشكال: أن الرجل لو قال: أنتِ طالق بالأمس، ونوى أنها طالق حالاً فكيف يقع هذا ؟ تقول: يكون قوله: أنتِ طالق، نوى به الطلاق فطلقت، ويكون قوله: بالأمس، لغواً لا تأثير له، كرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق، ثم يسكت على وجه لا يمكن فيه الاستثناء ثم يستثني، فإن قوله: أنتِ طالق، وسكوته بعد قوله: أنتِ طالق، فهمنا منه أنه قصد إيقاع الطلاق، فكان ما بعده من الاستثناء والقيد لا يؤثر.

قال المصنف رحمه الله: [فإن مات أو جن أو خرس قبل بيان مراده لم تطلق].

ذكرنا أن العلماء رحمهم الله -وهذا من دقة الفقهاء الأولين وهي سمة من السمات العظيمة التي امتاز بها الفقه الإسلامي- كانوا لا يعطون الفتوى والحكم مجرداً عن الأثر، أي: حينما يقولون لك: إذا نوى فالحكم كذا، وإذا لم ينو فالحكم كذا، يعني: إذا أعطاك شيئاً يختلف بحسب النية؛ فإنك تعرف أن الحكم إذا نوى وقع، وإذا لم ينو لم يقع، فيرد السؤال: إذا توفي أو جُنّ أو خرف أو أصابته عاهة ولم نستطع أن نعرف نيته، فهذا سؤالٌ وارد ومحتمل عقلاً؛ ولذلك نجد أن فرضيات الفقه في الفقه الإسلامي لم تأت من عبث ولا جاءت من فراغ.

فهذه الكتب كانت تؤلف وتكتب في أزمنة فيها جهابذة العلماء، أزمنة ما كان يخط رجلٌ في قرطاسه ولا يخط بقلمه إلا وقد عرض عقله على أئمة ودواوين العلم، فإما أن يكون بُهجةً للناظرين، وإما أن يكون في أسفل السافلين فلا يعتد به، فهذه الكتب حينما تجد فيها الفرضيات ما جاءت من فراغ، نعم قد يوجد التكلف في بعضها؛ لكن نحن نتكلم عن شيء له حاجة وشيء متصل بالأصل، فإذا تقرر أن الأصل الشرعي يفرق بين من نوى ومن لم ينو، ورسول الأمة عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، ففرق بين من نوى ومن لم ينو، فإذا جئت تقول: إن نوى وقع وإن لم ينو لم يقع؛ فإن الفرض العقلي يستلزم أن تبين؛ لأن الشريعة كاملة، ولا بد أن يأتيك شخص ويقول لك: والدي قال كذا، ونسينا ونسي أن يسأل ثم توفي، هل نحكم بأنه مات وزوجته في عصمته، أم أن والدتنا مطلقة؟ فهذا كله يحتاج إلى بيان، فالفرضيات ما جاءت من فراغ، وما كان أهل العلم ودواوين العلم ليضيعوا أوقاتهم وأعمارهم، وما كان أئمة الإسلام الذين عُرِفوا بالنصح لأتباعهم ومن أراد قراءة كتبهم ورضيهم حجةً بينهم وبين الله أن يضيعوا أعمارهم بالفرضيات عبثاً، فلم توضع هذه الفرضيات إلا بترتيب مبني على الأصول الشرعية، وهذا ينبغي أن يوضع في الحسبان.

فلا يعرف قدر هؤلاء العلماء إلا من بُلي بالفتاوى، ومن وقف أمام المعضلات والمشكلات في القضاء يعرف عندها هذه النوازل والفرضيات، والله يعلم كم من مسائل نزلت على المفتي في ظلمة الليل وضياء النهار، فحار فيها عقله والتبس عليه أمره، حتى وجد فرضية من إمام متقدم، فأصبح يترحم عليه كلما ذكر أمره؛ لأنه وقع في كرب لا يعلمه إلا الله، فما زالت عنه كربته إلا بفضل الله وفي تلك الساعة الموفقة التي وجد فيها هذه المسألة العجيبة، حتى تجد بعضهم يقول: إنها مسألة تُعمل لها المطي، أي: إنها مسألة مشكلة، فلما يجدها الإنسان في وقتها وعند الحاجة إليها يحس بفضل العلماء، ويحس أنهم فعلاً قصدوا النصيحة لهذه الأمة.

فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيهم عنّا وعن الإسلام والمسلمين خير ما جزى عالماً عن علم، وأن يسبغ عليهم شآبيب الرحمات، وأن يجعلهم في أعالي الدرجات، وأن يجمعنا بهم في نعيم الجنات.

المقصود من هذا التنبيه: أن المصنف رحمه الله قال: إن قال: أنت طالق بالأمس، ونوى وقع حالاً، ومفهومه أنه إذا لم ينو لم يقع وصرح بذلك المفهوم، وعليه يرد السؤال: إذا مات أو جُنّ قبل بيان مراده -ولا يُلتفت إلى مسألة الموت أو الجنون؛ لأنها أمثلة تذكر لأصل التعذر، وهو تعذر الاستبيان، فليست العبرة بالأمثلة، بل المهم أن تفهم الأصل؛ ولذلك لما تفهم الأصل يسهل عليك الاستحضار، وتكون عندك الملكة الفقهية- وقال هذا الكلام المحتمل الذي يختلط فيه الحكم بين الظاهر والباطن، وجب حينئذٍ أن ننظر إلى نيته، ولا يمكننا أن نطلع عليها إلا إذا عبر الإنسان عن مكنون نيته وخفي قلبه، وربما تعذر أن نعرف منه ذلك، إما أن يتعذر بموتٍ أو يتعذر بفقد النطق وعدم القدرة على الكتابة وعدم وجود الإشارة المفهمة، أو يتعذر بجنون، فالمجنون لا يستطيع أن يعبر عن مكنون نفسه، والميت لا نستطيع أن نسأله ويجيب، وكذلك أيضاً بالنسبة لمن خرس لسانه وهو لا يعرف الكتابة، ولا يستطيع أن يتكلم أو يشير إشارة مفهمة، فهذه أمثلة على الاستعجام وعدم إمكان الاستبيان.

قوله: (فإن مات) مثل: رجل جاء ورثته فقالوا: والدنا قال لأمنا: أنتِ طالقٌ بالأمس، ثم توفي ولم نجد من نسأله، ومضى على هذا الكلام سنة فهل من الممكن أن تخرج المرأة من عصمته، ونحكم بكونها قد طلقت ولا إرث لها، أو نحكم بكونها زوجة وهذا الكلام غير مؤثر؟

فبيّن رحمه الله قاعدة تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، ومعنى ذلك: أن الأصل أنها زوجته وشككنا في طلاقها، فنبقى على الأصل من أنه لم ينو الطلاق حالاً؛ لأنه أسنده إلى الأمس، وقوة اللفظ بالأمس توجب عدم وقوع الطلاق، فلا نحكم بكونها مطلقةً، والسيوطي في الأشباه والنظائر، ومثله ابن نجيم وعلماء القواعد الفقهية ذكروا في كتبهم أن من تفريعات قاعدة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان): استصحاب الزوجية إذا ترددت نيّة الطلاق بين أن يكون نوى الطلاق أو لم ينو، فنقول الأصل: أنه لم ينو، وعلى هذا لا تطلق عليه زوجته.

وخلاصة الكلام: أن الزوج إذا أسند الطلاق إلى الماضي على وجه لا يمكن تأويل وقوع الطلاق به؛ فإنه لا يقع الطلاق، فإذا قال لزوجته اليوم: أنتِ طالق أمس، فإنه إذا لم يقصد إيقاعه حالاً وقصد إسناد الطلاق إلى ظرف الأمس، فإن الأمس قد ذهب، وحينئذٍ كأن الطلاق حينما تلفظ به الزوج لم يصادف محلاً يتعلق به، وعليه: فلا ينفذ هذا الطلاق، وبينا وجه ذلك وشرحناه، وقلنا: إذا قال في هذه الحالة أنتِ طالق قبل أن أنكحكِ، وأنتِ طالق بالأمس، أو أنتِ طالق أمس، أنه إذا قصد حكاية طلاق كان قد وقع على المرأة بقوله: قبل أن أنكحكِ؛ صُرِف إليه، كأن يكون تزوجها رجل من قبل وطلقها، ثم نكحها هذا الرجل أو هذا الزوج فقال: قصدت بقولي: (أنتِ طالق) قبل أن أنكحكِ، أي: من زوجكِ الأول، فلا ينفذ عليه الطلاق؛ لأنه لم يطلق حقيقةً، وإنما حكى طلاق الغير، والحاكي لطلاق غيره لا يُلْزم بالطلاق.

قوله رحمه الله: [ولم ينوِ وقوعه في الحال] لو قال رجل لامرأته: أنتِ طالق أمس، ونوى أنها تطلق عليه بهذا اللفظ حالاً؛ وقع الطلاق، وكذلك لو قال: أنتِ طالق، ثم قال: قبل أن أنكحكِ، من باب التهرب من الطلاق، وكان قد نوى بقوله أولاً: (أنتِ طالق) إيقاعَ الطلاق، وقع الطلاق.

قوله: (وإن أراد بطلاق سبق منه أو من زيد وأمكن قُبِل)

كأن يكون طلق امرأته طلقة ثم راجعها بعد الطلقة، ويوماً من الأيام بعد رجعته لها قال: أنتِ طالق بالأمس، وذكرنا أن (أمس) إذا عُرفت صارت نكرة، وإذا جاءت نكرة صارت معرفة، قال تعالى: كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ [يونس:24] فهو إذا قال لها: أنتِ طالق بالأمس، وقصد أنها طلقت منه طلقةً، فإنه يكون حاكياً لهذه الطلقة ولا تطلق عليه.

وذكرنا أن العلماء رحمهم الله يذكرون الحكم ولربما يفصلون فيه، وهذا التفصيل قد يختلف بحسب اختلاف نية المتلفظ بالطلاق، فنحتاج أن نسأل المطلق: ما الذي قصدت؟ هل قولك: أنتِ طالق بالأمس قصدت به إيقاع الطلاق حالاً؟ قال: لا، قصدت بالأمس أنها طلقت مني طلقة قبل هذا الكلام، فإن أمكن ذلك حملناه عليه، فإذا نوى حكاية طلاق منه أو من غيره لم يقع الطلاق؛ لأن حكاية الطلاق ليس بطلاق، ولذلك قالوا: حكاية الكفر ليست بكفر، فعلى هذا قالوا: إذا حكى الطلاق عن غيره أنه طلقها، أو حكى طلاقاً سابقاً منه؛ فقد تحققنا أنه لا يريد تطليقها، لكن المشكلة إذا قال لها: أنتِ طالق بالأمس ولم يفصح عن نيته، فقال رحمه الله: (فإن مات أو جن أو خرس...) بحيث لا نستطيع أن نعلم منه ما هي نيته، ولا نستطيع أن نسأله.

وذكرنا من أمثلة هذه المسألة: رجل قال لامرأته: أنتِ طالق بالأمس، ثم توفي هذا الرجل وجاء ورثته يسألون، فهل في هذه الحالة نحكم بكونها زوجة؛ لأن الأصل بقاء الزوجية وشككنا في طلاقه؛ لأن هذا اللفظ الذي ذكره يحتمل أنه نوى إيقاع الطلاق، فتكون زوجته قد طلقت عليه، ولربما كانت أجنبية منه إن كانت الطلقة ثالثة، فتوفي وهي ليست في عصمته، ولربما حكى طلاقاً سابقاً منه أو من رجل كانت تحته قبل زواجها منه فلا يقع به الطلاق؟ فإذاً معنى ذلك: أن الميت الذي تلفظ بهذا اللفظ نحن مفتقرون إلى معرفة نيته، حتى نوقع عليه الطلاق أو لا نوقعه، فإن كان حاكياً للطلاق فلا نوقعه، وإن كان ناوياً للطلاق حالاً فنوقعه، ولربما خرجت من عصمته كأن تكون الطلقة الأخيرة، فإذاً: ليس عندنا ما يميز الحال.

وذكر رحمه الله أن هذا اللفظ إن أمكن فيه التمييز تميز بحسب ما يميزه، وإن لم يمكن فيه التمييز -وهي القسمة العقلية- قال: الأصل بقاء النكاح، ولا نحكم بوقوع الطلاق؛ لأننا عندنا احتمال أن يكون حاكياً للطلاق، والقاعدة: (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان)، وخذ هذه القاعدة: أنه متى شككنا في وقوع الطلاق وعدم وقوعه؛ فإننا نستصحب بقاء الزوجية، ولا نحكم بكون المرأة مطلقة، ومتى شككنا هل اللفظ يقتضي الطلاق أو لا يقتضيه، وهل نوى أو لم ينو؛ فالأصل أنها زوجته حتى نتحقق من نيته على وجه يوجب حل العصمة بالطلاق؛ لأن القاعدة: (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان) وهذه القاعدة هي في الحقيقة مفرعة على القاعدة التي سبق وأن ذكرناها: (اليقين لا يزال بالشك) فنحن على يقين أنها زوجته، وعلى يقين أن هذه الزوجية باقية ما لم نتيقن أنه طلقها وخرجت عن عصمته، فحينئذٍ نقول: هذه زوجته، ونقول لورثته: لا نجزم بكون هذا اللفظ موجباً للطلاق حتى نتحقق أنه نواه، ولا يمكن التحقق، فنبقى على الأصل.

قوله: (أو جن)

وهكذا إذا جن، قلنا: مسألة: مات أو جن أو خرس ليست هي المهمة، المهم أن تأتي بشيء يمنع من معرفة الحقيقة، فهو إذا مات لا يمكن أن تسأله، وإذا جن لا يمكن أن تثق بكلامه، وإذا خرس لا يستطيع أن يتكلم إلا إذا كان ثم إشارة مفهمة أو كتابة مستبينة.

قوله: (قبل بيان مراده لم تطلق)

وذلك كما ذكرناه.

وخلاصة ما ذكرنا في قوله: (أنتِ طالق بالأمس) أن هذا اللفظ يأتي على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: إما أن يقصد إيقاع الطلاق في الحال، وكلمة (أمس) تعتبر لغواً، والعبرة بقوله: أنتِ طالق.

الوجه الثاني: أن ينوي حكاية أمر سابق، فلا إشكال أنه بحسب ما يحكيه.

الوجه الثالث: أن لا يستبين لنا الأمر، فنبقى على العصمة والأصل.

وذكرنا أنه لو قال لها: (أنتِ طالق أمس) ولم يقصد إيقاع الطلاق حالاً، ولم يحك طلاقاً سابقاً، وقصد أن الطلاق وقع بالأمس فلا يقع؛ لأن الطلاق جاء بلفظ لا يمكن أن يقع عليه، لأن الأمس قد ذهب وهو يقول: أنتِ طالق أمس، وأمس ما وقع فيه طلاق، قالوا: فصار كلامه كذباً، والكذب لغو لا ينبني عليه حكم شرعي، فيكون هذا من اللغو. ما لم يقصد به الطلاق حالاً، لكن يرد هنا إشكال: أن الرجل لو قال: أنتِ طالق بالأمس، ونوى أنها طالق حالاً فكيف يقع هذا ؟ تقول: يكون قوله: أنتِ طالق، نوى به الطلاق فطلقت، ويكون قوله: بالأمس، لغواً لا تأثير له، كرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق، ثم يسكت على وجه لا يمكن فيه الاستثناء ثم يستثني، فإن قوله: أنتِ طالق، وسكوته بعد قوله: أنتِ طالق، فهمنا منه أنه قصد إيقاع الطلاق، فكان ما بعده من الاستثناء والقيد لا يؤثر.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3615 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3437 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3335 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3316 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3266 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3221 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3182 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع