فتاوى نور على الدرب [372]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يكتب في وصيته مكان دفنه أم لا؟

الجواب: نعم يجوز للمسلم أن يوصي بدفنه في مكانٍ معين، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك؛ لما فيه من إرهاق من بعده والتعب عليهم، وأرض الله سبحانه وتعالى كلها واحدة، فالأولى للإنسان أن يدع هذا الأمر إلى ما يتيسر لمن بعده في أن يدفن في المحل الذي يقدر الله عز وجل أن يدفن فيه، ويدفن مع المسلمين، والقبر إما روضةٌ من رياض الجنة، وإما حفرةٌ من حفر النار في أي مكانٍ دفن الإنسان.

السؤال: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت بعد أن يصطدم بأشياء وأمور لا تجوز في هذه الدنيا الفانية؟

الجواب: لا يجوز هذا، لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضر نزل به، بل الواجب عليه أن يصبر ويحتسب ويكابد ويستعين بالله عز وجل في درء هذه المحظورات أو المحرمات في نصح إخوانه وإرشادهم، ولعل بقاءه في الدنيا من أجل النصح والإرشاد والدعوة إلى الله خير من أن يموت وينقطع عمله، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله، وإذا بقي في الدنيا وهو مؤمن فإن أمره كله خير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له)، وعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى، ويعلم أن دوام الحال من المحال، وأن الأمور لا بد أن تنفرج، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

السؤال: ما حكم تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل بالنسبة للمرأة؟

الجواب: تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل بالنسبة للرجل والمرأة أفضل بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء، وخرج ذات ليلة إلى أصحابه وقد مضى عامة الليل، فقال: (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)، لكن الرجل إذا كان يلزم من تأخيره إياها أن يدع الجماعة، فإن تأخيره إياها حرامٌ عليه في هذه الحال، لوجوب صلاة الجماعة عليه، ويجب إذا أخرت أن لا تتجاوز نصف الليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل فقط، فلا يجوز أن تؤخر إلى ما بعد نصف الليل؛ لأن ما بعد نصف الليل ليس وقتاً لها، ولهذا كان القول الراجح أن ما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للعشاء، فلو أن المرأة طهرت من الحيض بعد منتصف الليل، فإنه لا يلزمها قضاء صلاة العشاء؛ لأنها طهرت بعد خروج الوقت.

ولهذا نقول: إن صلاة الفجر منفصلة عما قبلها وعما بعدها، فهي منفصلة عن صلاة العشاء، لأن بينهما نصف الليل الأخير، منفصلة عن صلاة الظهر؛ لأن بينهما نصف النهار الأول، ولهذا قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، ثم فصل وقال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء:78]، ولم يقل: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس، بل قال: إلى غسق الليل، وغسق الليل منتصفه، لأنه هو الذي به يكون أشد الظلمة، وهذا هو الذي دل عليه القرآن، ودلت عليه السنة أيضاً، أعني: أن انتهاء وقت العشاء بنصف الليل هو ظاهر القرآن وصريح السنة.

السؤال: قرأت في صحيح الإمام البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين، وقرأت في مكان آخر بأن هذا خاص بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، هل هذا صحيح؟

الجواب: نعم صلاة ركعتين بعد صلاة العصر جائز للنبي عليه الصلاة والسلام دون غيره؛ لأن الأحاديث كثيرة في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر؛ لأنه شغل ذات يوم عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه إذا عمل عملاً أثبته، فأثبت الركعتين بعد العصر حيث كان قضاهما يوماً من الأيام، أما غيره فإن الأحاديث عامة في النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر.

السؤال: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، فما هو الأفضل في هذه الحال؟

الجواب: الأفضل في هذه الحال، أعني: إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، الأفضل أن يأكل الطعام، إذا كان لو ذهب إلى المسجد لانشغل قلبه به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان )، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أقيمت العِشاء وحضر العَشاء فابدءوا بالعشاء )، أما إذا كان الرجل لا يهمه أن يذهب إلى المسجد ويصلي، فإن الأفضل أن يذهب ويصلي؛ لأن العلة في تقديم العشاء على الصلاة هو خوف انشغال القلب بما حضر من الأكل، فإذا زالت هذه العلة زال الحكم.

ولكن ينبغي أن يتنبه الإنسان لمسألة وهي: أن لا يجعل وقت أكله مقارناً لوقت الصلاة، مثل أن يجعل وقت عشائه مقارناً لصلاة العشاء كل يوم، فإن هذا يؤدي إلى تركها دائماً، نعم لو حصل هذا في يوم من الأيام لسببٍ من الأسباب، فالحكم كما قلنا أولاً، أنه إذا كان ينشغل عن الصلاة بما حضر من الأكل، فالأفضل أن يأكل، وإذا كان لا ينشغل فالأفضل أن يصلي.

السؤال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، فما هو الاحتباء؟

الجواب: الاحتباء هو أن يجلس الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه وفخذيه، ويربط نفسه بسيرٍ أو شبهة، فينضم بعضه إلى بعض، ويكون أكمل راحة، وهو إذا فعل ذلك يأتي النوم إليه سريعاً، فينام عن الخطبة وعن استغلال الوقت في قراءة القرآن، أو الصلاة قبل مجيء الإمام، ولهذا نهي عنه.

السؤال: سمعت حديثاً من أحد الخطباء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتعرفون من هم أكثر الناس إيماناً؟ قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند الله؟! قالوا: فهم الأنبياء، قال: وكيف لا يؤمنون وهم ينزل عليهم الوحي؟! قالوا: فنحن، قال: فكيف لا تؤمنون وبينكم رسول الله؟! قالوا: فمن هم؟ قال: هم قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني )، فهل هذا الحديث صحيح؟

الجواب: أنا لا أعلم عن صحته، ولكن لا شك أن الذي يؤمن عن مشاهدة ونظر ورؤية، ليس كالذي يؤمن بالغيب، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم: (ليت أنا نرى إخواننا، قالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، ولكن إخواني من يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني )، هذا الحديث أو معناه، وكل أحدٍ يعرف الفرق بين أن يؤمن الإنسان بشيء يشاهده، وبين أن يؤمن بشيء يخبر عنه، فإن المشاهدة عين يقين، والإخبار علم يقين وبينهما فرق، أما الحديث الذي ساقه السائل فلا أعلم عنه.

السؤال: الأحاديث الموقوفة هل يعمل بها؟ وأيضاً الأحاديث المقطوعة هل تعتبر من الضعيفة؟

الجواب: الأحاديث الموقوفة هي المنسوبة إلى الصحابي لا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بها يتوقف على العمل بقول الصحابي، فمن أهل العلم من قال: إن أقوال الصحابة حجة يؤخذ بها، ومنهم من قال: إنها ليست بحجة، وإنما الحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، ومن الناس من فصل وقال: إذا كان الصحابي ممن عرف بالعلم والفقه فقوله حجة، وإن لم يكن كذلك فقوله ليس بحجة، وهذا أعدل الأقوال وأوسط الأقوال وأصح الأقوال.

وأما المقطوع، فالمقطوع ما نسب إلى التابعي فمن بعده، وليس بحجة حتى وإن صح سنده؛ لأن قول التابعي ليس بحجة، فإن التابعين كغيرهم من علماء هذه الأمة يؤخذ من أقوالهم ويترك.

السؤال: منذ مدةٍ طويلة وأنا أعيش في قلقٍ نفسي وتأنيب ضمير، نتيجة حادثة وقعت لي عندما كانت طفلتي في الخامسة من الشهور، فقد كنت نائمة وأفقت على صراخها، وبدلاً من أن آخذها قمت بضربها، ولكن دون أن أذكر اسم الله عليها، فسكتت الطفلة، وظننتها قد نامت، عندما استيقظت في الصباح وجدتها لا تتحرك ولا تتكلم، وجميع الأعضاء متشنجة، ولا تزال على هذه الحالة حتى الآن وهي في سبع سنوات من عمرها، وما إيماني بقضاء الله وقدره إلا أنني لا أستبعد أن أكون أنا السبب فيما حدث لها، وهذا ما يعذبني يا فضيلة الشيخ، فهل أنا آثمة؟ وهل علي كفارة؟

الجواب: لا شك أن هذا العمل عملٌ خاطئ، وليس من التربية الحسنة، فإن الطفل إذا صاح ينبغي أن يهدأ باللطف واللين والرقة، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله، فالراحمون يرحمهم الرحمن، وقساة القلب والعياذ بالله من أبعد الناس عن الرحمة، والواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وعليها دية عن كل ما فقدته هذه البنت من الحواس، كالحركة مثلاً، والسمع إذا كان قد فقد سمعها، وغير ذلك مما فيه الدية على حسبما ذكره أهل العلم، وأسأل الله لنا ولها المغفرة والعفو.

المقدم: كيف تدفع الدية يا شيخ؟

الشيخ: العلماء يقولون: إن الإنسان إذا جنى على شخص وأتلف منفعةً من المنافع، كمنفعة السمع أو البصر أو ما أشبه ذلك، فإن عليه دية هذه المنفعة، فمثلاً: لو جنى عليه حتى صار لا يبصر فعليه ديةٌ كاملة، دية البصر، وإذا جنى عليه حتى صار لا يسمع فعليه ديةٌ كاملة دية السمع، وإذا جنى عليه حتى شل وصار لا يتحرك فعليه ديةٌ كاملة وهي دية الحركة وهكذا.

مداخلة: حتى ولو كان قريباً له؟

الشيخ: نعم ولو كان قريباً له.

مداخلة: بارك الله فيكم.

السؤال: في رمضان وفي دعاء الوتر يكون بعض الأئمة مؤثراً في دعائه، وكما نعلم بأن الخشوع من خشية الله والبكاء طيب، ولكن في بعض الأيام نسمع صياحاً قد يؤثر على المأمومين، فكأنه قريب من النياحة، فهل هذا جائز؟ وما نصيحتكم؟

الجواب: لا شك أن الخشوع ورقة القلب من الأمور المحمودة التي يحمد عليها الإنسان، لكن إذا وصلت إلى حد الإسراف والغلو صارت مذمومة من هذه الناحية، فإذا تقصد الإنسان هذا البكاء العالي الذي يكاد يكون صراخاً أو نياحة، فإنه يذم على هذا، أما إذا كان ذلك بغير اختياره، ولا يمكنه دفعه، فإنه لا ذم عليه في هذه الحالة، لكن يجب على الإنسان أن يتجنب كل ما فيه أذيةٌ للمصلين، أو تشويشٌ عليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قومه ذات يومٍ وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم يناجي ربه، فلا يجهرن بعضكم على بعضٍ في القراءة)، وفي حديثٍ آخر: (لا يؤذين بعضكم بعضاً)، فعلى الإنسان أن يهجر من صوته، وأن يخفض منه إذا كان معه جماعة، لئلا يشوش عليهم.