فتاوى نور على الدرب [325]


الحلقة مفرغة

السؤال: عن الهدية التي تهدى لرجل لك عنده معاملة, ما حكم أخذ هذه الهدية, وهناك حديث: ( تهادوا تحابوا

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الهدية لا شك أنها توجب المودة والمحبة والألفة بين الناس, وهذا أمر يشهد بالواقع, ولكن إذا تضمنت مفسدة أكبر من مصلحتها فإن القاعدة الشرعية تقتضي أن تكون حراماً, ألا ترى إلى قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] , ولما كان إثمهما أكبر من نفعهما حرمهما الله عز وجل, فالهدية إذا تضمنت محظوراً صارت حراماً, مثل أن تهدي إلى شخص موظف لدى الدولة وملزم بأن يقوم بعمل تلك المصلحة فتهدي إليه الهدية ليقوم بالعمل الذي يجب عليه القيام به بمقتضى وظيفته, فإن الهدية هنا تكون حراماً؛ لأن قبول الهدية حرام, وما كان سبباً للحرام فهو حرام, وفي الحديث الصحيح: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن اللتبية عاملاً على الصدقة, فلما رجع قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي, فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, وقال: هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ ).

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( هدايا العمال غلول ).

فلا يحل لأحد قائم على عمل للدولة أن يقبل هدية من له عنده معاملة؛ لأن ذلك شبيه بالرشوة, بل في الحقيقة رشوة؛ لأن هذا المهدي إنما أهدى ليتوصل إلى حقه الذي يجب على المهدى إليه أن يقوم به.

خلاصة الجواب: أنه يجب على من كان قائماً على وظيفة من الوظائف أن يتقي الله تعالى في نفسه, وأن يقوم بها على الوجه الذي تبرأ به الذمة, وأن لا يمنع حقوق الناس من أجل أن يضطرهم إلى بذل المال له, هذا من جهة المهدى إليه.

أما من جهة المهدي فإنه لا يحل له أن يهدي إلى أحد قائم على عمل من أجل أن يقوم بما يلزمه من العمل, نعم لو فرض أن حقك لا يمكن أن يستخلص إلا بشيء فهنا قد نقول: إنه لا حرج عليك؛ لأنك تريد استنقاذ حقك, ولكن الحرج والإثم على الآخذ.

السؤال: عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: ( أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية, فأشار إليه صلى الله عليه وسلم كأنه أمره بإصلاح شعره ففعل, ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان ) أخرجه مالك , ما المقصود بهذا الحديث؟ وهل هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: هذا الحديث كما ساقه السائل مرسل, فإن عطاء بن يسار لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم, والحديث المرسل عند أهل العلم من قسم الضعيف, إذ إن المرسل لا يقبل حتى يأتي موصولاً من وجه آخر, أو يكون الحديث المرسل مشهوراً معمولاً به متلقى بالقبول من الأمة, فإن هذه الشهرة والعمل وتلقيه بالقبول يجعله ثابتاً, أو يكون له شاهد متصل من حديث آخر يتقوى به.

أما إصلاح الشعر من حيث هو إصلاح، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يرجل شعره, وأنه عليه الصلاة والسلام يبدأ بيمينه )، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ).

وينبغي أن يكون تسريح الشعر وترجيله غباً, أي: يوماً بعد يوم, اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ترجيله كل يوم, كما لو كان الإنسان يزاول أعمالاً تقتضي الشعث والغبرة, ويحب أن يرجله كل يوم, ونحن نتكلم عن الشعر الذي ينبغي اتخاذه.

وأما ما يفعله بعض الناس من اتخاذ الشعر على وجه لا يقره الشرع، فإننا ننهاه أصلاً عن اتحاذ الشعر على كيفية لا يقرها الشرع.

السؤال: ما حكم أكل اللحوم المجمدة التي تصل إلينا من الخارج, وبصفة خاصة لحم الدجاج؟

الجواب: اللحوم التي تأتي من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى الأصل فيها الحل, كما أن اللحوم التي تأتي من البلاد الإسلامية الأصل فيها الحل أيضاً, وإن كنا لا ندري كيف ذبحوها, ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا؛ لأن الأصل في الفعل الواقع من أهله أن يكون واقعاً على السلامة وعلى الصواب حتى يتبين أنه على غير وجه السلامة والصواب.

ودليل هذا الأصل ما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( إن قوماً قالوا: يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سموا أنتم وكلوا, قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر )، ففي هذا الحديث دليل على أن الفعل إذا وقع من أهله فإنه لا يلزمنا أن نسأل هل أتى به على الوجه الصحيح أم لا؟

وبناء على هذا الأصل فإن هذه اللحوم التي تردنا من ذبائح أهل الكتاب حلال, ولا يلزمنا أن نسأل عنها, ولا أن نبحث، لكن لو تبين لنا أن هذه اللحوم الواردة بعينها تذبح على غير الوجه الصحيح فإننا لا نأكلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل إلا السن والظفر, فإن السن عظم, والظفر مدى الحبشة ).

ولا ينبغي للإنسان أن يتنطع في دينه فيبحث عن أشياء لا يلزمه البحث عنها, ولكن إذا بان له الفساد وتيقنه فإن الواجب عليه اجتنابه.

فإن شك وتردد هل تذبح على طريق سليم أم لا؟ فإن لدينا أصلين:

الأصل الأول: السلامة, والأصل الثاني: الورع؛ فإذا تورع الإنسان منها وتركها فلا حرج عليه, وإن أكلها فلا حرج عليه.

وعلى هذا فالمقام لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن نعلم أن هذا يذبح على طريق سليم, أو نعلم أنه يذبح على غير طريق سليم, وهذان الحالان حكمها معلوم.

الحالة الثالثة: أن نشك فلا ندري أذبح على وجه سليم أم لا؟ والحكم في هذه الحال أن الذبيحة حلال إذا كان الذابح من أهل الذكاة, وهو المسلم أو اليهودي أو النصراني, ولا يجب أن نسأل وأن نبحث كيف ذبح؟ وهل سمى أم لم يسم؟ بل إن ظاهر السنة يدل على أن الأفضل عدم السؤال وعدم البحث؛ ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ لم يقل: اسألوهم هل سمو الله أم لم يسموا الله؟ بل قال: سموا أنتم وكلوا , وهذه التسمية التي أمر بها النبي عليه الصلاة والسلام ليست تسمية للذبح؛ لأن الذبح قد انتهى وفرغ منه, ولكنها تسمية للأكل, فإن المشروع للآكل أن يسمي الله عز وجل عند أكله, بل القول الراجح أن التسمية على الأكل واجبة؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها؛ ولأن الإنسان لو لم يسم لشاركه الشيطان في أكله وشرابه.

السؤال: ما حكم الشرع -فضيلة الشيخ- في نظركم حول نقاش دار بيني وبين شخص آخر بخصوص تلاوة القرآن والإكثار من الدعاء بعد وفاة شخص مسلم, وقد قال لي هذا الشخص بأن هذا بدعة, أرجو أن تفيدوني يا فضيلة الشيخ حتى أقطع الشك والحيرة من ذهني؟

الجواب: تلاوة القرآن عند المصائب إن كانت تلاوة جماعية يجتمع الناس عليها ويقرءون القرآن أو يأتون بقارئ يستأجرونه لقراءة القرآن فإن هذا بدعة, وكل بدعة ضلالة, وأما إذا أصيب الإنسان بمصيبة سواء كانت موتاً أم غير موت, ثم أخذ كتاب الله يقرأه ليسكن أحزانه فإن هذا لا بأس به, ولا حرج فيه.

ويذكر أن أحد العلماء مات له ابن بالغ متوجه في طلب العلم, فلما خرجوا به ليدفنوه, وكان الجمع كثيراً قام أحد الحاضرين فقال بأعلى صوته: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:78], فضج الناس بالبكاء, فقام أبو الميت -وهو أحد العلماء من الحنابلة وهو علي بن عقيل رحمه الله وقال: يا هذا إن القرآن إنما نزل لإزالة الأحزان, وليس لتهييج النفوس, يعني: أن كلام هذا الرجل هيج الناس وأبكاهم وأحزنهم, والقرآن إنما نزل لإزالة الأحزان والتسلي به عما سواه.

والخلاصة: أن قراءة القرآن عند المصائب إن كانت جماعية كما يفعل في بعض البلاد الإسلامية عند موت الميت فهي بدعة ينهى عنها ويجب القضاء عليها, وإن كانت فردية مثل أن يقوم الرجل المصاب فيتلو كلام الله عز وجل ليتسلى به عند هذه المصيبة فهذا لا بأس به, وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام من أصيب بموت أحد أو غيره أن يقول: اللهم أجرني في مصيبتي, وأخلف لي خيراً منها, فإنه إذا قال ذلك آجره الله تعالى في مصيبته وأخلفه خيراً منها, فيقول المصاب: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم آجرني في مصيبتي, واخلف لي خيراً منها, فإذا فعل ذلك آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها.

السؤال: ما رأي الشرع -فضيلة الشيخ- في نظركم فيما تفعله بعض النساء اليوم حيث إنها إذا رزقت إحدى صديقاتها بمولود تقوم بإعطائها بما يسمى بالحِفالة؟ وهو عبارة عن مبلغ كبير من المال قد يثقل كاهل الزوج, ويسبب بعض المشاكل, هل له أصل في الشرع؟

الجواب: نعم الهدية للمولد عند ولادته لا بأس بها في الأصل؛ لأن الأصل في الهدية بل وفي جميع المعاملات الحل والصحة إلا ما قام الدليل على تحريمه, فإذا جرت العادة بأن الناس إذا ولد لهم الولد أهدى إليه أقاربه شيئاً من المال فلا بأس أن يفعل ذلك الإنسان تبعاً للعادة والعرف لا تعبداً بذلك لله عز وجل؛ لأنني لا أعلم شيئاً من السنة الآن على استحباب ذلك, لكنها عادة معروفة عند الناس اليوم ومألوفة, إلا أن هذه العادة إذا تضمنت ضرراً على أحد فإن الضرر ممنوع, فلو كانت هذه العادة كما ذكر السائل تثقل كاهل الزوج بحيث تلح الزوجة على زوجها أن يعطيها هذا المال الذي يثقل كاهله لتهديه لمن ولد لها الولد فإن ذلك ينهى عنه؛ لما فيه من أذية الزوج وإحراجه.

أما ما جرت به العادة من التهادي بالشيء اليسير الذي يجلب المودة والمحبة فلا بأس به.

السؤال: ما الفرق بين المسكين والفقير؟ وهل تجب الزكاة لكل منهم؟ أقصد هل يستحقونها جميعاً؟

الجواب: الفرق بين الفقير والمسكين إذا ذكرا جميعاً هو أن الفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأن الفقير مأخوذ من الفقر وهو الخلو؛ ومنه قولهم: هذه أرض قفر أي ليس بها نبات, فالفقير هو الذي لا يجد شيئاً, أو يجد من كفايته دون النصف.

والمسكين من هو فوق ذلك لا يجد الكفاية التامة, ولكنه يجد النصف فأكثر, مأخوذ من سكن يسكن؛ لأن هذا المسكين عنده شيء من الذل بسبب قلة ذات يده, فإذا ذكرا جميعاً كان هذا هو الفرق بينهما.

أما إذا ذكر أحدهما دون الآخر فإن معناهما واحد فتقول مثلاً: تصدق على الفقراء وتصدق على المساكين ويكون المعنى واحداً, ويفسر هنا الفقير بأنه من لا يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة, والمسكين يفسر بذلك أيضاً.

ولهذا نقول في هاتين الكلمتين وأمثالهما: إنهما كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا، وإذا افترقتا اجتمعتا, ومثل ذلك: الإسلام والإيمان فإذا ذكرا جميعاً صار الإيمان ما في القلب, والإسلام ما في الجوارح, وإذا قيل: الإسلام عموماً دخل فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب.

وكذلك إذا قيل: هذا مؤمن كمثل قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ اشتمل على الإسلام والإيمان, ولهذا نظائر في اللغة العربية إن الكلمتين تطلقان فيكون لهما معنى عند الانفراد, ومعنى عند الاجتماع.

وتقول: هل الصدقة تجب للمساكين؟ نقول: نعم, الصدقة ذكر الله تعالى أهلها في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].

فالفقراء والمساكين هم الذين يأخذونها لحاجتهم, والعاملون عليها هم الذين يأخذونها للحاجة إليهم؛ لأن العامل عليها هو الذي يتولى أخذها من الناس وتوزيعها في أهلها, والمؤلفة قلوبهم يأخذونها إما لحاجتهم أو للحاجة إليهم, فإن كان المقصود بذلك تقوية إيمانهم فهو لحاجتهم, وإن كان المقصود بذلك دفع شرهم كان للحاجة إليهم, أي: لأننا محتاجون إلى دفع شرهم, وفي الرقاب يأخذونها لحاجتهم, والغارمين لحاجتهم أيضاً, وقد يكون للحاجة إليهم كما لو غرموا بإصلاح ذات البين, وفي سبيل الله لحاجتهم وللحاجة إليهم أيضاً, فإن الغازي يعطى من الزكاة ليتقوى بها على الغزو, وهو في هذه الحال محتاج للمال, والناس محتاجون إليه لدفاعهم عن دينهم, وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر وهو يأخذ الزكاة في حاجته.

هؤلاء هم أهل الزكاة الذين لا يجوز أن تصرف الزكاة لغيرهم، كما فرضها الله عز وجل: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].

السؤال: هل يمكن أن تنفق الزكاة في بناء المساجد والمدارس وفي أماكن لتعليم القرآن الكريم؟

الجواب: هذه محل خلاف بين العلماء, منشأ الخلاف في تفسير قوله تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، هل المراد بها كل ما يتقرب به إلى الله من المصالح العامة, أو المراد بها الغزو في سبيل الله فقط؟

والذي يظهر لي أن المراد بها الغزو في سبيل الله فقط؛ لأن هذا هو المعروف عند الإطلاق, ولأننا لو جعلناه عاماً لم يكن للحصر فائدة في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] إلى آخره؛ ولأن حصره في الغزاة أحوط, وما كان أحوط فهو أولى بالاتباع, أما ما أشار إليه السائل من بناء المدارس ونحوه فإنها أعمال خير يحث الناس عليها, ويكون صرف المال عليها من جهة أخرى من جهة الصدقات وأفعال الخير والبر.

السؤال: نحن نعرف بأنه لا يجوز صيام يوم الجمعة منفرداً إلا إذا سبقه يوم أو لحق به يوم, وكذلك أيضاً يوم السبت, ولكن إذا نوى الإنسان صيام الجمعة على أنه سيصوم بعده السبت؛ ولكن لم يصم السبت لعذر شرعي أو غير شرعي, فما حكم صيام الجمعة؟ وكذلك إذا نوى صيام السبت والأحد وصام السبت فقط ولم يصم يوم الأحد؟

الجواب: قول السائلة: إنه لا يجوز صوم يوم الجمعة, هذا التعبير فيه تساهل؛ لأنه إذا قيل: لا يجوز فمعناه أنه محرم, والأمر في صوم يوم الجمعة ليس كذلك, بل النهي فيه للكراهة فقط وليس للتحريم, والنهي إنما هو فيما إذا صامه الإنسان مخصصاً يوم الجمعة؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام, ولا ليلتها بقيام )، فإذا صام الإنسان يوم الجمعة وحده لأنه يوم الجمعة كان ذلك مكروهاً, فنقول له: صم يوم الخميس معه أو يوم السبت, فلو صام يوم الجمعة على أنه يريد صوم يوم السبت, ولكن حصل له مانع فلا إثم عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى ).

وإما قول السائلة: وكذلك يوم السبت, فليس يوم السبت كالجمعة, لصحة النهي عن صوم يوم الجمعة وحده دون يوم السبت, فإن الحديث في النهي عن صوم يوم السبت فيه نظر, فإن من العلماء من ضعفه لشذوذه, ومنهم من قال: إنه منسوخ.

وعلى كل حال: فإن تخصيص يوم السبت بالصوم ليس كتخصيص يوم الجمعة, ولو صام أحد يوم السبت ويوم الأحد فلا حرج عليه, فليس فيه إشكال, وإن صام يوم السبت وحده فليس بمنهي عنه كالنهي عن يوم الجمعة, والله أعلم.