فتاوى نور على الدرب [248]


الحلقة مفرغة

السؤال: التورك في الصلاة أليس هو في كل تشهد يليه سلام كما قال الإمام الشافعي وفي أحد القولين عن أحمد ولو كان في ركعتين، وإذا كان لا يسن إلا في الرباعية عملاً بحديث أبي حميد فهلا نقيس على القبض بعد الرفع من الركوع التورك الركعتين والركعة؟

الجواب: الصواب أنه يكون في التشهد الثاني في كل صلاة فيها تشهدان، يكون في التشهد الثاني الذي يعقبه السلام، هذا هو الصحيح الذي به تجتمع الأدلة، وهو أيضاً مقتضى الحكمة؛ لأنه إنما جعل في التشهد الثاني ليكون التمييز بينه وبين التشهد الأول، بخلاف الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد فإنه لا حاجة إلى التورك الذي يحصل به التمييز بين التشهد الأول والتشهد الثاني، وعلى هذا فصلاة الفجر ليس فيها تورك، والنوافل ليس فيها تورك؛ لأنها ركعتان ركعتان.

وأما قول السائل: فهلا يقاس على القبض فيما قبل الركوع وبعد الركوع، فأنا لا أدري ما معنى هذه العبارة ولا وجه القياس الذي يريده هذا السائل، ولكنني أتعرض لمسألة وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد القيام من الركوع، فأقول: إن الإمام أحمد رحمه الله خير بينهما قال: إذا قام من الركوع فإن شاء قبض -يعني: وضع اليد اليمنى على اليسرى- وإن شاء أرسلهما، ولكن مقتضى حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري أن السنة أن يضع يده اليمنى على اليسرى بعد الركوع؛ وذلك لأنه رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، وهذا يقتضي أن يكون القيام بعد الركوع داخلاً في ذلك؛ لأن قوله: (في الصلاة) يشمل كل الصلاة، لكننا نخرج منها الركوع؛ لأن اليدين موضوعتان على الركب، والسجود لأن اليدين على الأرض، والجلوس لأن اليدين على الفخذين، فيبقى القيام الذي قبل الركوع هو القيام الذي بعده، فيكون داخلاً في هذا الحديث، فالصواب أنه إذا قام من الركوع يضع يده اليمنى على اليسرى كما يضعهما كذلك قبل الركوع.

مداخلة: التورك لعل بعض الإخوة لا يعرف صفته فما هي صفته وحكمه؟

الشيخ: الصلاة فيها ثلاث صفات في القعود كلها مشروعة:

الصفة الأولى: التورك.

الصفة الثانية: الافتراش.

والصفة الثالثة: التربع.

أما التربع: فإنه سنة لمن صلى جالساً في محل القيام، بمعنى: أنه إذا صلى جالساً فإنه يكون حال القيام أي: في الحالة التي يكون فيها قائماً يكون متربعاً، فعلى هذا يكون متربعاً قبل الركوع وحال الركوع وإذا رفع من الركوع، هذا الذي يصلي قاعداً.

وأما الافتراش: فيسن في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد في كل صلاة ليس فيها إلا تشهد واحد، وفي التشهد الأول في كل صلاة فيها تشهدان.

وأما التورك: فيكون في التشهد الثاني من كل صلاة فيها تشهدان، فيكون التورك في الشهد الثاني، أما التربع فأن يجلس على إليته وأن يضم ساقه إلى فخذيه، وأما الافتراش فأن يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى، وأما التورك فأن يجلس كالافتراش إلا أنه يضع إليتيه على الأرض ويخرج رجله اليسرى من تحت ساق رجله اليمنى.

السؤال: هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه يا جن، أو خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل حيث أنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة، فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد؟

الجواب: الدعاء لا يكون إلا لله عز وجل، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركاً، ودليل ذلك قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] ، فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة، لقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].

ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] ، فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين:

الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله: لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] .

الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسراً في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضاً غير عاقل بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5]، أي: لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام؛ لأنه أبلغ من النفي المحض بحيث يكون مشرباً معنى التحدي، وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة -أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركاً يستحق ما قال الله تعالى فيه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

السؤال: إذا أقيمت جمع متعددة لغير حاجة فهل يصح ذلك حيث أن في منطقتنا جمعاً كثيرة وبعض الأحيان يصلونها ظهراً لعدم وجود إمام للمسجد؟

الجواب: من حكمة الله تعالى أنه سبحانه وتعالى جعل لعباده اجتماعات متعددة، فمنها: اجتماعات الحي في الصلوات الخمس في مسجد واحد، ومنها اجتماعات أهل البلد كلهم في مسجد واحد في يوم الجمعة ومنها اجتماعات عموم المسلمين في مناسك الحج، والجمعة اجتماع عام لكل أهل البلد، ولهذا خصت بأحكام لا توجد في صلاة الظهر فلا يجوز لأهل البلد أن يجعلوا جُمعاً متعددة إلا إذا كان هناك حاجة، مثل: أن تتباعد جهات البلد فيشق عليهم الذهاب إلى المسجد الواحد، أو يكون المسجد ضيقاً لا يتسع بالمصلين فيحدثوا مسجداً آخر تصلى فيه الجمعة، والواجب على المسئولين أن يبحثوا هذا الأمر في بلدكم وأن يلغوا الجمع الجديدة التي لا حاجة إليها، وإلا فإن بعض أهل العلم يقول: إنهم إذا صلوا جمعة بدون حاجة فإن الصلاة لا تصح؛ لوجوب اجتماع الناس في مسجد واحد، وعلى كل حال فالواجب عليكم الآن أن تتصلوا بالمسئولين حتى يبحثوا في هذا الأمر ويفعلوا ما يجب عليهم في توحيد الجمعة ما استطاعوا.

السؤال: هل الزوجة الثانية والثالثة والرابعة لأبي زوجتي يعتبرن من محارمي بحيث يجوز لي ولهن الكشف والمصافحة أم المحرمية خاصة لأم الزوجة فقط؟

الجواب: إذا تزوج إنسان امرأة وعقد عليها صارت أم الزوجة، وأم أمها، وأم أم أمها وإن علت من محارمه، يجوز لها أن تكشف له ويجوز أن يصافحها؛ لأن القاعدة في هذه المسألة: أن الرجل إذا عقد على امرأة صار محرماً لكل أمهاتها وإن علون، وصار محرماً لبناتها إن دخل بها كما أن آباء الرجل يكونون محارم لزوجته، آباؤه وإن علوا، وأبناءه وإن نزلوا يكونون أيضاً محارم لزوجته، فهنا أربعة أنواع:

أصول الزوج وفروعه يكونون محارم للزوجة بمجرد العقد وإن لم يدخل بها.

وأصول الزوجة يكن محارم للزوج بمجرد العقد وإن لم يدخل بها.

وفروع الزوجة يكن محارم للزوج بشرط أن يدخل بها، أي: أن يجامعها لقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22] ، ولقوله تعالى في آيات التحريم: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23].

أما زوجات أبي الزوجة غير أمها فإنه لا يحل للزوج أن يصافحهن ولا يحل لهن أن يكشفن وجوههن عنده، وذلك لأنهن لسن بمحارم له.

السؤال: إذا توفي رجل وعنده أكثر من زوجة فهل يجوز لهن الحداد في بيوت أهلهن كآبائهن وإخوانهن أم لابد من لزوم بيت الزوج للحداد؟

الجواب: يجب على الزوجة إذا مات زوجها أن تبقى مدة العدة في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه، سواء كانت واحدة أم أكثر، ولا يجوز لها أن تخرج منه إلى بيت أهلها إلا إذا كان هناك ضرورة.

وإنني بهذه المناسبة أود أن أبين أن المرأة يجب عليها الإحداد إذا مات عنها زوجها مدة العدة كلها بأن تتجنب الزينة بجميع أنواعها، سواء كانت من اللباس أو من الحلي، وأن تتجنب التحسين من الكحل وتحمير الوجه وغير ذلك، وأن تتجنب الطيب بجميع أنواعه إلا إذا طهرت فإنها تتبخر بالقسط والأظفار وهما نوعان من الطيب، تتبع أثر الدم فقط لإزالة هذه الرائحة، وأن تتجنب الخروج من بيت زوجها فلا تخرج، أو من البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه فلا تخرج إلا لضرورة، أو إذا كان هناك حاجة تخرج في النهار دون الليل، فهي لازمة للبيت وخروجها إن كان لضرورة جاز ليلاً ونهاراً، وإن كان لغير ضرورة ولا حاجة لم يجز لا ليلاً ولا نهاراً، وإن كان لحاجة لا ضرورة جاز نهاراً لا ليلاً.

مداخلة: لزوم العدة في البيت الذي مات زوجها وهي فيه، هل هذا الكلام مطلق حتى لو كانوا مثلاً في زيارة أو في ضيافة؟

الشيخ: المراد وهي فيه يعني: ساكنة فيه، أما لو مات زوجها وجاءها الخبر وهي في زيارة لأهلها -يعني: عندهم في بيتهم- فإنه يجب أن تخرج إلى بيت زوجها، وكذلك لو قدر أنه مات زوجها في المستشفى وهي تمرضه في المستشفى فإنها ترجع إلى بيتها.

مداخلة: لو فرضنا أنه مات زوجها وهم في بيت مستأجر، وبعد وفاته تنتقل إلى بيت أهلها لانتهاء مثلاً مدة الإيجار أو نحو ذلك؟

الشيخ: إذا كانت في بيت مستأجر فإنه يجب عليها أن تبقى فيه، إلا إذا أخرجها صاحب البيت لتمام المدة أو لغير ذلك فإنها تخرج إلى بيت زوجها أو إلى أي بيت شاءت.

السؤال: جدي لأمي هل زوجاته الأخريات غير جدتي لأمي من المحارم؟

الجواب: نعم، جدك لأمك زوجاته من محارمك؛ لأنهن من زوجات آبائك، فإن أبا الأم من أصولك، وإذا كان من أصولك فأن المرأة يكون فروع زوجها من محارمها، فأنت إذن من فروع زوجها فتكون محرماً لهن.

السؤال: جاء في بعض الأحاديث أن القرآن يشفع للعبد يقول: يا رب إلى آخره، فكيف الجمع بين ذلك وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحديث فيه أن القرآن يقول: يا رب؟

الجواب: هذا الحديث إذا صح -لأن بعض أهل العلم ضعفه- لكن إذا صح هذا الحديث فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يمثل جزاء أو أجر القرآن الكريم بشيء يتكلم فيتكلم، كما أن الموت وهو معنى من المعاني يمثل يوم القيامة على صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار، يشهده أهل الجنة وأهل النار، فالمعنى الذي هو عمل الإنسان وهو قراءته وثواب الإنسان على هذه القراءة قد يجعله الله شيئاً ينطق ويتكلم، ويقول: يا رب! هذا إن صح الحديث.

السؤال: هل يجوز السؤال بوجه الله تعالى غير الجنة حيث قد ورد في حديث صححه الألباني جاء فيه: ( ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ولم يعط ) فهل هذا الحديث صحيح؟

الجواب: هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم بصحته، والذي أرى أنه ينبغي لطالب العلم إذا صحح أحد من أهل علم الحديث وليس في الكتب المشهورة بالصحة والتي تلقاها أهل العلم بالقبول، أرى أن يبحث هو بنفسه عن هذا الحديث وعن سنده حتى يتبين له صحته، فإن الإنسان بشر ربما يخطئ كما أنه يصيب، ولكن هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم عليه بالصحة أو بغيرها، فإن صح هذا الحديث فمعناه أنه لما كان وجه الله تعالى موصوفاً بالجلال والإكرام كان لا ينبغي أن يسأل فيه إلا أعظم الأشياء وهو الجنة، أما الأشياء التي دونها فإنه لا ينبغي أن يسأل، كما أن المسئول إذا سئل بوجه الله وهو الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام فإنه لا ينبغي له أن يرد من سأل به، بل عليه أن يجيبه، وكل هذا الذي أقوله إذا كان الحديث صحيحاً والله أعلم، ولعلنا إن شاء الله تعالى نبحث عنه ويتسنى لنا الكلام عليه في موضع آخر.

السؤال: إذا بنى شخص عمارة له مكونة من طابقين عليها دكاكين، وبنى تحت الأرض مسجداً فهل الصلاة في مثل هذا تصح، علماً أن بجوار هذه العمارة مساجد وجوامع شتى، علماً أنني قرأت لـ ابن حزم رحمه الله في المحلى بأن الصلاة في مثل هذا المسجد لا تصح فهل هذا صحيح؟

الجواب: الأصل أن الصلاة صحيحة في كل مكان إلا ما دل الدليل على منعه، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وهذا المسجد الذي بني وحوله مساجد أخر يشبه أن يكون مسجد ضرار؛ لأن المساجد الأولى أحق منه بالجماعة، وقد ذكر أهل العلم أنه إذا بني مسجد ضرار يضر من حوله فإنه يجب هدمه ولا تجوز الصلاة فيه؛ لقوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التوبة:108] ويعني بقوله تعالى: لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا [التوبة:108] ما ذكره قبل هذه الآية: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [التوبة:107]، وعلى هذا فالواجب على كل من أراد أن يبني مسجداً أن يتصل بالجهات المسؤولة عن البلد: هل يمكنه أن يقيم هذا المسجد أم لا؟ وذلك لأن الحكومة وفقها الله جعلت لكل شأن من شؤون الحياة مسؤولين يرجع إليهم، واستقلال الإنسان في مثل هذه الأمور لا ينبغي، بل الواجب عليه إذا كان ولي الأمر منع أن ينشأ شيء إلا بعد مراجعته، الواجب عليه أن يراجع ولاة الأمور قبل أن يحدث ما يحدث.

السؤال: جرت العادة في بعض البلاد الإسلامية أن يشترط للمرأة عند خطيبها مهران: معجل ومؤجل، وغالباً ما يكون المؤجل مبلغاً كبيراً مما يجعل المرأة بعد الزواج تسيطر على الرجل خوفاً من هذا المهر المؤجل الذي يدفعه الزوج عند الطلاق فما الحكم الشرعي في هذا؟

الجواب: الحكم الشرعي في هذا أن نقول: إن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على منعه، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وقال سبحانه وتعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، فكل ما اتفق عليه الطرفان المتعاملان فإنه صحيح يجب تنفيذه حسب ما اشترطاه ما لم يكن مخالفاً للشرع، وتأجيل بعض المهر سواء كان كثيراً منه أو قليلاً أمر لا بأس به؛ لأنه لا يتضمن ضرراً ولا محظوراً، والرجل قد التزم بذلك على نفسه وهو يعلم أن المتبقي من المهر كثير، وإذا كان الرجل مبغضاً لزوجته فإنه لا يعيش معها ولو كان الباقي كثيراً بل سيفارقها ويؤدي ما يجب عليه من المهر، أما إذا كان يحبها فالأمر ظاهر.

والخلاصة أنه يجوز أن يكون بعض المهر مؤجلاً وبعضه معجلاً، ولا فرق بين أن يكون المؤجل أكثر أو أقل.