فتاوى نور على الدرب [217]


الحلقة مفرغة

السؤال: إذا غسل الإنسان الميت فإنه يغتسل بعد ذلك وهذه عادة عندنا، ولكن بعض الناس يقول: إذا اغتسل الإنسان بعد غسل الميت فإنه يفقد الأجر الذي اكتسبه، فهل هذا صحيح؟

الجواب: تغسيل الميت من فروض الكفاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته: ( اغسلوه )، وكذلك ابنته لما توفيت قال للنساء: ( اغسلنها )، فإذا غسل الإنسان الميت وباشر تغسيله فإنه يسن له أن يغتسل بعد ذلك، وإذا اغتسل بعد ذلك فإنه لا يضيع أجره؛ لأنه عمل عملاً صالحاً بل فرضاً من فروض الكفاية، فإذا كان مخلصاً لله تعالى في ذلك ناله الأجر، واغتساله لا يؤثر شيئاً في أجره إطلاقاً، بل إن اغتساله مما يثاب عليه كما قال بعض أهل العلم: إنه سُنّة، وكم من أشياء يقولها العامة ليس لها أصل، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يعتمد على ما يقوله العامة حتى يسأل أهل العلم فيبينوا له الخطأ من الصواب.

السؤال: نحن سبعة أفراد ونعمل في مزرعة تحت كفالة أحد مواطني هذا البلد، ونحن محافظون على صلواتنا دائماً وحينما يكون يوم الجمعة نريد صلاتها مع الجماعة في المسجد لفضلها، وكفيلنا صاحب المزرعة يرفض ذلك بتاتاً، علماً أن غيابنا جميعاً في وقت الصلاة لا يؤثر بشيء ولا ينتج عنه ضرر، ولكنه يمانع ويقول: الصلاة في المزرعة كالصلاة في المسجد، وقد حاولنا أن يصلي في كل جمعة بعضنا ويبقى آخرون وحتى هذا لم يوافق عليه، وحصل ذات مرة أن وجدنا ذاهبين إلى المسجد لصلاة الجمعة فغضب منا وخصم من رواتبنا، فهل يجوز له هذا التصرف؟ وهل يلحقنا إثم بتركنا صلاة الجمعة في المسجد دائماً، وإن كان ذلك رغماً عنا؟

الجواب: هذا السؤال يحتاج في الإجابة عليه إلى أمرين:

الأمر الأول: بالنسبة للكفيل فإنه ينبغي له أن يكون معيناً لكم على طاعة الله، وإعانته لكم على طاعة الله مما يجلب له الخير والبركة فيما تعملون فيه، فلو أنه أذن لكم بالصلاة في يوم الجمعة لتشاركوا المسلمين، فربما تدعون له دعوة تنفعه في دنياه وأخراه، ولكان ذلك خيراً له وأعظم أجراً، ولكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

أما الأمر الثاني مما نحتاجه إليه في هذا الجواب: فهو صلاة الجمعة بالنسبة إليكم، إذا كنتم بعيدين عن البلد لا تسمعون الأذان فإن الجمعة لا تجب عليكم؛ لأنكم معذورون في ذلك، وإن كنتم قريبين من البلد وتسمعون النداء فإنكم تصلون جمعة، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، وأنتم والحمد لله من المؤمنين الداخلين في هذا الخطاب، فعليكم أن تصلوا صلاة الجمعة، ولكن إذا منعتم من ذلك قهراً فإن الإثم يكون على من منعكم، ولا ينبغي لكفيلكم أن يمنعكم خصوصاً وأنكم ذكرتم في سؤالكم أنكم إذا ذهبتم إلى الجمعة لا يؤثر ذلك شيئاً على العمل، فالذي أرجوه من هذا الأخ الكفيل أن يأذن لكم بالصلاة مع المسلمين في الجمعة، وبحول الله لن يجد إلا الخير والبركة.

السؤال: ما حكم نقض الاتفاق بين الأجير وصاحب العمل استغلالاً من صاحب العمل لحاجة الأجير ومعرفته بأنه سيرضخ لطلباته، فقد حصل وأن اتفقنا مع هذا الكفيل على أن يعطينا راتباً شهرياً ويتحمل هو مصاريف الأكل والشرب، وبعد مضي مدةٍ رجع في كلامه، وقال: تحملوا أنتم مصاريف أكلكم وشربكم، فإن رضيتم وإلا فعودوا إلى بلدكم، وتحت وطأة الحاجة والضرورة عندنا رضينا بذلك، فهل يجوز له ذلك بعد أن وافق على شرطنا ونحن في بلدنا؟

الجواب: لولا أني أخشى أن يكون هذا العمل أو هذه المعاملة السيئة موجودةً مع غير كفيلكم لما أجبت عليها، ولكني أقول: إن هذا العمل عمل محرم، وهو غير لائق بالمؤمنين؛ لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، ويقول سبحانه وتعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وإذا كان الاتفاق بينكم وبين هذا الرجل على أن يقوم بما ألزمتموه ثم بعد ذلك يستغل الفرصة فيمتنع من حق إقامتهم، ويقول: إما أن تبقوا ويكون المصروف عليكم أو ترجعوا إلى بلادكم، فلا شك أن هذا والعياذ بالله عمل محرم، وخداع لا يليق بالمؤمن، فنصيحتي له أن يخاف الله تعالى ويتقيه، وأن يعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأنكم سوف تتعلقون به يوم القيامة مطالبين بحقكم: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36]، وأن يعلم أن ما خلفه من هذا المال الذي وفره بهذه الطريق المحرمة فإنه يكون عليه ناراً والعياذ بالله يعاقب عليه يوم القيامة، ويكون ثماره لمن يأتي بعده من الورثة.

إنني أؤكد عليه مادام في زمن المهلة وزمن الحياة أن يتقي الله عز وجل، وأن يرد إليكم ما اتفقتم معه عليه، وأن يتحللكم مما صنع بكم من هذه المماطلة وهذه المخادعة، ونسأل الله لنا وله حسن الختام والعاقبة الحميدة.

السؤال: لقد وضعت بنتاً ميتةً في شهرها التاسع، فقد أخذت والدتها ووالدة زوجها الطفلة ودفناها بدون غسل ولا تكفين فهل عليهما شيء في ذلك؟

الجواب: نعم عليهما في ذلك شيء؛ لأنهما تركتا أمراً واجباً وهو تغسيل هذا السقط وتكفينه والصلاة عليه، والسقط إذا كان حملاً وله أربعة أشهر وسقط، فإنه يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً؛ لأنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح وهناك حديث لـ ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال: ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي هو أم سعيد )، وإذا نفخ فيه الروح صار حياً إنساناً له ما للإنسان الحي وعليه ما عليه، فإذا سقط وقد تمت له الأربعة أشهر وجب أن يغسل، ويكفن ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين إذا كان مسلماً.

السؤال: كانت حاملاً في شهر ونصف، فعملت على إسقاط الحمل عمداً جهلاً بحكم ذلك، وبعد أن علمت أن هذا لا يجوز ندمت جداً فهل عليها في ذلك شيء؟

الجواب: مادام أنها تابت لله تعالى مما صنعت فإن التوبة تهدم ما قبلها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، فمن تاب إلى الله سبحانه وتعالى توبةً نصوحاً غفر الله له ذنبه الذي كان منه.

السؤال: توفي بعض أطفالها قبل أن يُعق عنهم فهل تلزمها العقيقة بعد وفاتهم؟

الجواب: العقيقة: هي الذبيحة التي تذبح للمولود في يوم سابعه، وتكون اثنتين عن الذكر وواحدة عن الأنثى هي من شئون الأب ومن مسئوليات الأب، والأم ليس عليها عقيقة لأولادها، وإنما من يخاطب بذلك هو الأب وحده، فإن كان موسراً فإن الأفضل في حقه أن يذبح عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة، وإن كان معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها وليس عليه شيء.

السؤال: أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض: الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5]، والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] ؟

الشيخ: قبل الإجابة عن هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعارض أبداً، وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له، إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه، وإلا فكتاب الله وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيهما تعارض إطلاقاً، قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82] فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله، أو حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع، فإن عجزت عن ذلك فاعلم أنه لقصور فهمك أو لنقص علمك، ولا تتهم كتاب الله عز وجل وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم بتعارض وتناقض أبداً.

وبعد هذه المقدمة أقول: إن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5]، وقوله في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، إلى آخره، الجمع بينهما:

أن آية السجدة في الدنيا، فإنه سبحانه وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر فيه ألف سنة مما نعد، لكنه يكون في يوم واحد، ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: ( أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة )، فإذا نزل من السماء ثم عرج من الأرض فهذا ألف سنة، وأما الآية التي في سورة المعارج فإن ذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [المعارج:1-4]، فقوله: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، تابع لقوله للمعارج، وقوله: فِي يَوْمٍ ، ليس متعلقاً بقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، لكنه متعلق بما قبل ذلك، وهو قوله: بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ [المعارج:1-3]، بعذاب واقع للكافرين فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة.

وقوله: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:2-4] هي جملة معترضة، وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة: ( أنه يحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )، فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما، والله أعلم.

السؤال: في بلدنا ندفن موتانا في بناء من الطوب الأحمر المحروق أولاً في النار وهي: عبارة عن مساحة مستطيلة الشكل مبنية بالطوب الأحمر من أعلى، ومنهم من يرفع البناء عن الأرض مخالفاً للشريعة ومنهم من لا يرفعه، لضيق الأماكن من جهة، وارتفاع المياه في باطن الأرض من جهة أخرى، ولذلك لجأ إلى هذه الطريقة السابقة، وكنا ممن يفعل ذلك، فهل يجوز الدفن في هذه التي تسمى الفساقي بحيث لا نرفعها عن الأرض إلا شبراً حسبما تأمر به الشريعة الإسلامية؟

الجواب: السنة في القبور أن يحفر للميت في الأرض، ثم يُلحد له بأن يحفر له حفرة في جانب القبر مما يلي القبلة ثم يوضع فيه الميت، والطوب الذي ذكرت بأنه يكون محرقاً بالنار، قد ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله أنه يكره أن يجعل في القبر شيء مما مسته النار، وعلى هذا فأنتم احرصوا على أن تجدوا مقبرة لا يلحقها الماء حتى تقبروا موتاكم على الوجه المشروع الذي ينبغي، فإن لم تتمكنوا إلا من هذه الأرض فإنه بإمكانكم أن تجعلوا شيئاً من الأحجار يحول بين الميت وبين الماء، ثم بعد ذلك تضعون عليه أيضاً أحجاراً وتدفنونه، ويكون هذا أقرب شيء إلى المشروع.

السؤال: ما حكم الزكاة في أنواع الزروع، مثل: الخضار والفواكه، وهل هناك فرق فيما يخرجه الله لنا من الأرض فمنها ما يزكى، ومنها ما لا يزكى؟

الجواب: هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم اختلافاً كثيراً، والراجح عندي: أنه لا تجب الزكاة إلا فيما يؤكل ويدخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، والوسق: ستون صاعاً من صاع النبي صلى الله عليه وسلم، فما لا يؤكل ولا يدخر لا ينطبق عليه هذا الوصف، إذ أنه ليس موسقاً ولا مكيلاً، ويرى بعض أهل العلم: أنه تجب الزكاة في كل خارج من الأرض، ويرى آخرون: أنها إنما تجب في أنواع معينة من الحبوب، ولكن الذي يظهر لي هو أنها تجب في كل مكيل ومدخر كما يشير إليه حديث أبي هريرة : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )، والله أعلم.

أما بالنسبة لما لا يؤكل ولا يدخر كالفواكه من تفاح وبرتقال وغيرهما، فليس فيه زكاة بنفسه، ولكن قيمته إذا بقيت عند الإنسان حتى حال عليه الحول فتجب فيها الزكاة؛ لأنها من النقدين أو ما يقوم مقامها.

مداخلة: حتى لو لم يكن يربح منهما شيئاً يعني: أنها للاستعمال الخاص كالأكل منها فقط؟

الشيخ: نعم؛ لأن النقدين أو ما يقوم مقامها كالأوراق النقدية تجب فيها الزكاة، وعلى كل حال سواء كان يتكسب فيها أو لا يتكسب، أو حتى لو أعدها لشئونه الخاصة من النفقات، أو لزواج أو لشراء بيت يسكنه أو ما شابه ذلك، فإن فيها الزكاة بكل حال.

مداخلة: إذا مضى عليها الحول؟

الشيخ: نعم.

السؤال: فتاة نشأت في أسرة مسلمة بالاسم وأفعالهم تخالف الإسلام، فالأم متبرجة ولا تصلي، والأب كذلك لا يصلي، والأخ يأتي بأصدقائه الغرباء ويحاول إجبار أخته على الجلوس معهم وتقديم المشروبات لهم، وهم يلعبون الميسر إلى غير ذلك، فإذا ما عرضت هذه الفتاة شاباً صالحاً تحجبت واستقامت وطلبت منه أن ينقذها من هذه البيئة الفاسدة، وتقدم لطلبها وزواجها وهو كفء لها رفضوه رفضاً تاماً، فعرض موضوعه هذا على المأذون الشرعي فوافق على عقد قرانه عليها، وفعلاً عقد له عليها بدون علم أهلها، وشهد على ذلك صديقان للشاب بعد أن سمعا منه ومن الفتاة، وبأحوال أهلها وطبيعتهم ورفضهم الزواج، وتم الزواج رغماً عن أهلها ومضت سنون وتغيرت الأحوال وأصيبت أمها بأمراض فأشفقت الفتاة وزوجها على الأم والأسرة وتبدل الكره حباً وعصيان الأسرة إلى طاعة وبدءوا يصلحون أنفسهم ويرجعون إلى الله، فما حكم الشرع في هذه الزيجة وهل على الشاب إثم في ذلك؟

الجواب: هذا الزواج الذي عقد بواسطة المأذون الشرعي يظهر أن المأذون الشرعي لم يقدم على العقد إلا وقد استوفى شروطه الشرعية، وعلى هذا فلا أستطيع أن أقول: إن هذا العقد فاسد ولكن على سبيل العموم إذا قُدر أن الأولياء الذين هم أولى الناس بتزويج المرأة ليسوا أهلاً للولاية، فإن الولاية تنتقل إلى من بعدهم من العصبات، فإذا قدر أن أبا المرأة لا يصلي لا في المسجد ولا في بيته، فإن الولاية تنتقل إلى إخوتها الأشقاء أو لأب، فإن لم يكن لها إخوة انتقلت إلى أعمامها، فإن لم يكن لها أعمام فإلى أبناء عمها، وهكذا على ترتيب العصبات كما هو معروف عند أهل العلم، أما في هذه المسألة الخاصة التي سأل عنها الأخ فإني لا أستطيع أن أفتي فيها بشيء؛ لأنها جرت على يد شخص معتبر شرعاً وحكماً، ولكني في ختام جوابي هذا أهنئ أهل هذه المرأة الذين منً الله عليهم بالرجوع إلى الإسلام والتوبة من الآثام، وأسال الله تعالى أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يهب لنا من رحمته إنه هو الوهاب.