فتاوى نور على الدرب [211]


الحلقة مفرغة

السؤال: من المجتهد؟ وما هي شروط الاجتهاد؟ وهل يكفي للعالم مثلاً أن يدعي الاجتهاد بمجرد مطالعته للكتب واستنباط ما يحتاجه منها أم لا؟

الجواب: المجتهد هو من بذل جهده -يعني: طاقته- للوصول إلى معرفة الحكم الشرعي بدليله، فإذا كان عند الإنسان علم بمدلولات الألفاظ، وعلم بأدلة الكتاب والسنة وما فيها من عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وناسخ ومنسوخ، وكان لديه أيضاً اطلاع على ما قاله أهل العلم ومدارك علومهم، فإنه يمكنه أن يكون مجتهداً فيما يبذل جهده فيه للوصول إلى معرفة الحق، والاجتهاد يمكن أن يتجزأ، فيكون في باب من أبواب العلم، كباب الطهارة مثلاً، أو باب الصلاة، أو باب الزكاة أو باب الصوم أو باب الحج، ويمكن أن يكون في مسألة من مسائل العلم، كمسألة في كتاب الطهارة أو في كتاب الصلاة أو في كتاب الزكاة أو في كتاب الصيام أو في كتاب الحج أو في النكاح، أو غير ذلك مما يمكن للإنسان أن يبذل فيه جهداً، ويطلع على الأدلة، وعلى مدارك العلماء ومآخذهم، حتى يصبح عنده ملكة يستطيع بها أن يرجح بين هذه الأقوال فيما توصل إليه من البحث.

والقول بأن باب الاجتهاد قد أغلق قول ليس على إطلاقه، بل إن الاجتهاد يمكن، لكنه كما قلت: يتجزأ في باب أو في مسألة من مسائل العلم، ولا يمكن أن نحجر الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع أن الكتاب والسنة باقيان والحمد لله بأيدينا إلى اليوم، فلا يمكن أن نقول للناس: لا تأخذوا أحكام دينكم من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن خذوه مما كتبه أهل العلم الذي قد يكون ما كتبوه خطأ، وقد يكون صواباً، والإنسان إنما يكلف بحسب ما يستطيع، ولكن مع ذلك لا أرى أن كل إنسان يمكنه أن يأخذ الحكم من الكتاب والسنة، بحيث إذا رأى نصاً أخذ به مع احتمال أن يكون له تقييد أو تخصيص أو نسخ في مكان آخر، بل على الإنسان أن يبقى ويتمهل وينظر ويحرر ويحقق حتى يتبين له الحق.

السؤال: ما حكم الشارع في دفع الزكاة للأشراف السادات في حالة قطع خمس الخمس في الوقت الحاضر؟

الجواب: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، فبعضهم قال: إن الزكاة لا تحل لآل محمد مطلقاً؛ لعموم الحديث، وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه العباس : ( إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس)، ومنهم من قال: إنها تحل لهم إذا لم يكن هناك خمس، لأنهم إنما منعوا الزكاة لاستغنائهم بالخمس، ولكن ظاهر الحديث العموم، ( إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس)، ولم يعلل الرسول عليه الصلاة والسلام بكونهم غير محتاجين إليها، بل قال: ( إنما هي أوساخ الناس)، وهي أوساخ الناس سواء أعطوا من الخمس أو لم يعطوا، فالقول الراجح عندي أنهم لا يعطون من الزكاة مطلقاً، ولكن إذا كانوا محتاجين فإنه يمكن أن تدفع حاجتهم بالأموال الشرعية الأخرى.

السؤال: ما حكم بيع الأراضي الموقوفة؟ وما حكم المشتري في ذلك؟

الجواب: الأراضي الموقوفة إذا تعطلت مصارفها ومنافعها بحيث لا ينتفع بها، فإنها تباع ويصرف ثمنها في شيء ينتفع به، وأما إذا كانت مصالحها باقية فإنه لا يجوز بيعها، وتبقى على وقفها، ولكن مع ذلك في الصورة الأولى التي يجوز بيعها، لابد من مراجعة الحاكم الشرعي في هذا الأمر، حتى لا يحصل تلاعب بالأوقاف، فيدعي كل إنسان ناظر على وقف، أن هذا الوقف قد تعطلت منافعه ثم يبيعه لهوى في نفسه، والحاصل أن بيع الأراضي الموقوفة إذا تعطلت منافعها جائز، بل واجب، حتى يمكن الانتفاع بالوقف، وأما إذا لم تتعطل منافعها فإنها تبقى على ما هي عليه.

السؤال: في حال البيع قيمة هذا الوقف هل تصرف للفقراء دفعة واحدة وينتهي الأمر، أم تصرف في أشياء أو في صدقات جارية يستفيد منها المسلمون باستمرار؟

الجواب: يجب أن يشترى بقيمة هذا الوقف ما يكون بدلاً عنه، بمعنى يشترى عقار أو أرض أو شيئ تجري منفعته، ولا يجوز أن تصرف هذه القيمة في صدقة ناجزة عاجلة، لأنه بذلك يتعطل الوقف.

السؤال: يقول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، ولقد هاجرت إلى المملكة العربية السعودية طلباً للرزق، والآن أكملت هنا مدة سنة، فهل يصح لي أن أحج أو أنا من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث؟ إذا لم يكن كذلك فما معناه إذن؟

الجواب: معنى الحديث: ( من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، معناه أن المهاجر المسلم وهو الذي خرج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا يخلو من حالين: إما أن يكون غرضه بذلك إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله، فهذا مهاجر إلى الله ورسوله وله ما نوى، وإما أن يكون مهاجراً لأمور دنيوية، امرأة يتزوجها أو دار يسكنها أو مال يحصله أو ما أشبه ذلك، فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه.

وأما أنت فإنك لم تهاجر الهجرة الشرعية المرادة في هذا الحديث، لأنك قدمت من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي، وغاية ما هنالك أن يقال: إنك سافرت لطلب الرزق، والسفر لطلب الرزق لا يسمى هجرة، قال الله تبارك وتعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل:20] ، فأنت من القسم الثاني في هذه الآية من الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وعلى هذا فليس عليك شيء فيما كسبت، ويجوز لك أن تحج منه، وأن تتصدق منه، وأن تبني منه مساجد، وتشتري به كتباً نافعة تنفع المسلمين بها.

السؤال: هذا السؤال في الواقع هو سؤال الكثير من الإخوة المستمعين الذين يقدمون للعمل في هذه البلاد، يسألون بأن قدومهم أصلاً ليس للحج، وإنما قدموا لطلب الرزق، فهل يجوز أن يعزموا النية للحج من هذا البلد؟

الجواب: نعم يجوز أن يعزموا النية من هذا البلد، ويكون سفرهم من بلادهم إلى هنا لطلب الرزق، وطلب الرزق المباح الذي يقوم به الإنسان على الأرامل والمساكين من أبنائه وعياله، هذا لا شك أنه من الخير، وفي الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر)، فهم إذا أتوا لطلب الرزق الذي يسعون به على أولادهم، وأولادهم الذين لا يمكنهم التكسب هم من المساكين بلا شك، فإنهم في هذا يكونون كالمجاهدين في سبيل الله، أو كالصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر، ولهم أن ينشئوا نية الحج من هنا من المملكة العربية، حتى لو كانوا في مكة مثلاً فلهم ذلك.

السؤال: عندنا بالسودان عادات إذا تزوج الرجل أول مرة وضع له خيطاً من الحرير في يده اليمنى، وهلالاً من ذهب خارج الجيب إلى الأمام، وقبل ثلاثة أيام من الزواج يوضع له مسحوق من ثمار الحناء على يديه وقدميه، فهل هذه العادات صحيحة أم لا؟

الجواب: هذه العادات باطلة وليست بصحيحة، ولا أثر لها ولا تأثير، والتحلي بالذهب على الرجل محرم، لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الذهب على ذكور أمته، وثبت في الصحيح أنه رأى على رجل خاتماً من ذهب فأخذه وطرحه، وقال: ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيبقيها في يده)، وعلى هذا فإنه لا يجوز أن يلبس هذا الهلال من الذهب؛ لأنه ذهب ولا يجوز للرجل.

أما بالنسبة لهذا الخيط من الحرير فإنه لا يخرج فيما يظهر لي عن اعتقاد باطل، وهو أنهم يعتقدون أن هذا رباط بين الرجل وزوجته، وهذا لا أثر له، بل هو نوع من الشرك الأصغر، لأن كل إنسان يجعل شيئاً سبباً لشيء، والشرع لم يجعله له، وكذلك لم يكن سبباً له عن طريق حسي معلوم، فإن هذا نوع من الشرك الأصغر.

وأما التحني: وضع الحناء باليد أو الرجل، فإن هذا من خصائص النساء، وليس مما يتحلى به الرجال أو يتزين به.

السؤال: هل لبس خواتم الفضة محرم على الرجال أم مباح؟ وإن كان يجوز، فأين أو في أي أصبع من الأصابع يضعها الرجل؟

الجواب: التختم من حيث هو تختم اختلف فيه أهل العلم، هل هو مباح أو سنة أو لا ينبغي إلا لذي سلطان؟ ولكن إذا قلنا بالجواز وأنه لا بأس به، فإنه يجوز للرجل أن يتختم بخاتم الفضة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذ خاتماً من ورق، وأما مكانه فإنه يكون باليمين أو باليسار، ويكون في البنصر، وهو الذي بين الخنصر وبين الوسطى.

السؤال: أنا رجل متزوج وأعول أسرة، وقد رغبت في السفر من بلدي بحثاً عن الرزق الحلال، ولكني لم أكن أستطيع دفع تكاليف إجراءات السفر، وكانت زوجتني تمتلك شيئاً من الحلي الذهبية، فأعطتني إياها لكي أبيعها وأستفيد من ثمنها لذلك الغرض، وكان ذلك برضاها واختيارها، وقبل أن أسافر ذهبنا أنا وهي إلى زيارة أهلها، فلما لم ير والدها الذهب عليها سألها: أين هو؟ فأخبرته بما حصل، فغضب منها وحلف وكانت أمها جالسة قائلاً: إحداكن طالق هذه الليلة، فلما علمت أنا بذلك قلت لزوجتي: أنت محرمة علي حتى أحضر لك ذهبك، ثم سافرت إلى هنا إلى السعودية، وعملت مدة ثمانية عشر شهراً، ثم عدت إلى بلدي في إجازتي ولم أحضر لها ذهبها، فوجدتها في بيتي وعاشرتها، فما الحكم أولاً في تطليق والد زوجتي لإحدى الجالستين زوجته وابنته؟ وما الحكم في تحريمي لها ومعاشرتي قبل أن أحضر لها الذهب؟ وهل من حق والد زوجتي الاعتراض في مثل هذا الأمر الذي هو خاص بين ابنته وزوجها؟

الجواب: الحقيقة أنه ينبغي للإنسان أن يملك نفسه عند الغضب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، و( جاءه رجل فقال: يا رسول الله! أوصني، فقال: لا تغضب، فردد مراراً قال: لا تغضب)، ولا ريب أن غضب والد زوجتك وغضبك أنت لا ينبغي، فالإنسان ينبغي أن يكون عنده من القوة ما يجعله يملك نفسه إذا غضب.

وقول أبي زوجته: إحداكما طالق، لا تطلق به زوجتك، لأنه لا يملك طلاقها، وتحريمك إياها حتى تحضر لها الذهب هذا خطأ منك أيضاً، وحكمه حكم اليمين، لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2]، فجعل الله تعالى التحريم يميناً، وعلى هذا فإنه يجب عليك الآن كفارة يمين، حيث إنك استحللت زوجتك قبل أن تأتي إليها بالذهب، وكفارة اليمين هي كما قال الله عز وجل: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ونصيحتي لك ألا تكون متسرعاً ولا غاضباً.

أما بالنسبة لكون أبي زوجتك يغضب لإعطاء زوجتك الذهب، فهذا لا ينبغي منه أيضاً، وهو لا يملك الحجر على ابنته ما دامت ابنته عاقلة بالغة رشيدة، فإنه لا يملك الحجر عليها، فهي حرة تتصرف في مالها، لا سيما وأنها أعطته زوجها الذي سافر من أجل حصول المعيشة لها ولأولادها.

السؤال: رجل لديه أربعة أبناء وبنتان، فهل يجوز لكل منهم الصلاة فرادى؟ وإذا صلوا جماعة يؤمهم الوالد، فهل يجوز للبنتين الصلاة بجوار الأبناء من ضمن الجماعة، أم يجب عليهما أن تكونا في صف أخير؟ وكذلك إذا كانت إحدى البنتين فقط أو الوالدة لوحدها، فهل تقف في صف لوحدها؟

الجواب: الجواب على هذا السؤال من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يجوز لك ولأبيك أن تصليا في البيت، مادام المسجد قريباً منكما، وتسمعان النداء، فإن الواجب عليكما الحضور إلى المسجد مع المسلمين، لأن صلاة الجماعة واجبة في المساجد، وأما إذا لم يكن حولكما مسجد، ولا تسمعان النداء، فإنكما تصليان جماعة في البيت، وإذا صلت معكما النساء فإنهن يقفن خلفكم، وليس للمرأة صف بجانب الرجال حتى ولو كانوا من محارمها، وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه، وكان معهم يتيم، فصف أنس بن مالك رضي الله عنه واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصفت المرأة خلفهم )، فالمرأة لا موقف لها مع الرجال، وإنما موقفها خلف الرجال ولو كانوا من محارمها.