فتاوى نور على الدرب [178]


الحلقة مفرغة

السؤال: ظروف العمل قد تجمعنا مع هؤلاء الآتية صفاتهم! أولهم: رجلٌ يدين بدين المجوسية ولا علاقة له مطلقاً بالإسلام, وثانيهم: يدين بأحد الأديان السماوية المنسوخة بالإسلام, وثالثهم: ناكرٌ للأديان, ورابعهم: يدين بالإسلام ويؤمن به, ولكنه في نفس الوقت لا يطبق قواعد الإسلام الخمسة عملياً, مع القدرة على العمل, ويترك ذلك تلقائياً بغير عذرٍ شرعي, زد على ذلك أنه يستغيث ويستعين بغير الله, وسؤالي هو أننا بحكم ظروف العمل الموحد في مصلحةٍ واحدة يبادلوننا بالسلام مرةً, وتارةً نبادلهم نحن, وأيضاً قد يموت واحدٌ من هؤلاء ويلزمنا من ناحيةٍ إنسانية بحكم الزمالة أن نحضر مراسم العزاء من صلاةٍ ودفن وتعزية, فما حكم الإسلام في كل هذا؟ أفيدونا أفادكم الله.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلِي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ونحن ننصح هذا الأخ ونقول له: ينبغي لك أن تطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله, ممن يدينون بغير الإسلام, فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يتيسر فلا حرج عليك؛ لأنك أنت في عملك وهم في عملهم, ولكن في الشرط أن لا يكون في قلبك مودةٌ لهم, ومحبة, وموالاة, وأن تلتزم بما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا, وكذلك أيضاً لا تشيعوا جنائزهم, ولا تحضروها, اللهم إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك, كما لو لم يوجد أحد يقوم بدفنهم فلا حرج عليك في هذه الحال أن تقوم بدفنهم, وأما مع وجود أحدٍ من أوليائهم يقوم بذلك, فإنك لا تشهد جنائزهم؛ لأن المؤمن يجب أن يراعي ما يرضي الله ورسوله, فالله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين.

السؤال: يوجد بعض الناس يقدمون المعونات المادية لبعض المساكين ويكتفون بذلك, ولا يؤدون فرائض الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما, ويدعون أنهم يعملون الصالحات, وأنهم خيرٌ عند الله من الذين يؤدون فرائض الله ثم يذنبون, وأنهم سيدخلون الجنة بما قدموا من حسناتٍ ماديةٍ قبل الذين يؤدون الفرائض, وربما حرمت على الذين يؤدون الفرائض ويذنبون, وهم لا يحرمون منها؛ لأنهم أيضاً بيض القلوب غير مذنبين, فما الحكم في مثل هؤلاء أينما كانوا؟

الجواب: الحكم في هؤلاء أنه إذا كان الواحد منهم يدعي أنه غير مذنب, فإننا نقول أي ذنبٍ أعظم من ترك الصلاة وشعائر الإسلام, وما أنفقوه على الناس من سد الحاجات وإعانة المحتاج وإصلاح الطرق وغيرها كل هذا لا ينفعهم, كل هذا هباءٌ منثور, كما قال الله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] , وقال تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] , فهؤلاء كل أعمالهم ولو كان نفعها متعدياً إلى الغير كلها لا تنفعهم عند الله ولا تقربهم إليه, وهم إن ماتوا على ترك الصلاة ماتوا كفاراً مخلدين في النار, والعياذ بالله! فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى, وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم, ودعواهم أن من قام بشرائع الإسلام ولم ينفق إنفاقهم فإنه يحرم دخول الجنة, وتكون الجنة لهم هذه دعوة كاذبة, بل إن من قام بشرائع الإسلام وحصل منه بخل في بعض ما يجب ما أوجب الله عليه بذله فإنه كغيره من أهل الذنوب والمعاصي تحت المشيئة, إن شاء الله تعالى عذبه وإن شاء غفر له, إذا كان هذا فهذه التي قالها أولئك خروج القوم دعوى باطلة كاذبة.

السؤال: هل يخرج المعتكف من معتكفه إذا مات أحد والديه أو هما معاً؟ وهل يخرج إذا خرج ولده الصغير ولم يعد للمنزل منذ مطلع الشمس حتى غروبها؟ أو اشتعلت النار في ممتلكاته أو منزله أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب: خروج المعتكف من معتكفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكون خروجاً لما ينافي الاعتكاف, كما لو خرج ليجامع أهله, أو خرج ليبيع ويشتري وما أشبه ذلك, مما هو مضادٌ للاعتكاف ومنافٍ له, فهذا الخروج لا يجوز, وهو مبطلٌ للاعتكاف سواءٌ شرطه أو لم يشترطه, ومعنى قولنا: لا يجوز أنه إذا وقع في الاعتكاف أبطله, وعلى هذا فإذا كان الاعتكاف تطوعاً وليس بواجبٍ كنذرٍ فإنه إذا خرج لا يأثم؛ لأن قطع النفل ليس فيه إثم, ولكنه يبطل اعتكافه فلا يبني على ما سبق.

القسم الثاني من خروج المعتكف: أن يخرج لأمرٍ لا بد له منه, وهو أمرٌ مستمر كالخروج للأكل إذا لم يكن له من يأتي به, والخروج لقضاء الحاجة إذا لم يكن في المسجد ما يقضي به حاجته، وما أشبه ذلك من الأمور التي لا بد منها, وهي أمورٌ مضطردة مستمرة, فهذا الخروج له أن يفعله سواءٌ اشترط ذلك أم لم يشترطه؛ لأنه وإن لم يشترط باللفظ فهو مشترطٌ في العادة, فإن كل أحد يعرف أنه سيخرج لهذه الأمور.

القسم الثالث: ما لا ينافي الاعتكاف ولكن له منه بد, مثل الخروج لتشييع الجنازة, أو لعيادة مريض, أو زيارة قريب, أو ما أشبه ذلك مما هو طاعة, ولكنه له منه بد, فهذا يقول أهل العلم: إن اشترطه في اعتكافه فإنه يفعله, وإن لم يشترطه فإنه لا يفعله.

فهذا هو ما يتعلق بخروج المعتكف من المسجد, وأما خروجه لطلب ابنه الضائع, أو لإطفاء الحريق المحترق في ماله, فهذا أمرٌ واجبٌ عليه, فعليه أن يخرج لطلب ابنه, وعليه أن يخرج لإطفاء الحريق عن ماله؛ لأنه مأمورٌ بحفظ أمواله وحفظ أولاده, فليخرج, وهنا إن قلنا: بأنه أمرٌ ضروري طارئ فلا يبطل الاعتكاف فله وجه, ولكن إن قلنا: إنه يبطله ولكنه انتقل من مفضولٍ إلى أفضل؛ لأن القيام بالواجب أفضل من الاستمرار في التطوع, ثم إذا زالت هذه الضرورة رجع إلى معتكفه.

السؤال: أنا أعمل في مزرعة وهذه المزرعة تبعد عن المسجد الذي تقام فيه الجمعة بما يقارب ستة كيلو متر, وليس عندي وسيلة نقلٍ توصلني إلى المسجد, وقد طلبت من صاحب المزرعة إيصالي إلى المسجد يوم الجمعة فرفض, وقال: صلِّ في المزرعة, فهل يجوز لي أن أصليها ظهراً دائماً حتى لو كان لأكثر من ثلاث جمع, ما دام صاحب العمل لا يسمح لي بالذهاب إلى المسجد؟

الجواب: نعم لك أن تصلي في هذا المكان ظهراً كل جمعة؛ لأن صاحب المزرعة لا يمكنك من هذا الأمر؛ ولأنك بعيد عن مكان المسجد, وليس لك ما يوصلك إلى هذا, فالأمر إذاً معلوم, فلا حرج عليك أن تصلي في مكانك ظهراً.

مداخلة: وصاحب المزرعة لا يأثم بمنعه مع قدرته على إيصاله؟

الشيخ: لا يأثم صاحب المزرعة بمنعه, إلا إذا كان قد شرط عليه عند العقد بأن يمكنه من الصلاة ويقوم بنقله إلى المسجد فيجب عليه الوفاء بما شرط عليه.

السؤال: لدي قطعة أرضٍ ولها صكٌ شرعيٌ قديم, ومكتوبٌ في الصك: وقفٌ لله تعالى, ومكتوبٌ عليه: وقفٌ لله ملعونٌ بائعها وملعونٌ شاريها, مع العلم بأني استغل هذه الأرض بالزراعة وآكل من دخلها, فهل هو حلالٌ أم حرامٌ أم ماذا؟ وهل يصح الوقف بهذا الأسلوب؟

الجواب: الوقف صحيح إذا كان من مالك, وتمت شروط الوقف ولكن ما ينبغي للواقف أن يستعمل عبارات اللعن، فإنه يكفي إذا أوقفها أن يثبت ذلك بطريقٍ شرعي, ومن غير أو بدل فالإثم عليه, سواءٌ قرن ذلك باللعنة أم لم يقرن, وأما التصرف في هذا الوقف فإنه إذا تعطلت منافع الوقف جاز بيعه والتصرف فيه، وتؤخذ قيمته وتجعل في مكانٍ آخر ينتفع به, ولكن ينبغي أن يكون هذا التصرف بعد مراجعة المحكمة, حتى تتبين الأمر وتتحققه, ثم تأذن بنقله إلى مكانٍ آخر.

السؤال: حديثٌ شريفٌ أسمعه دائماً ولكنني لا أدرك معناه, وهو: ( تبلغ الحلية من الرجل حيث يبلغ الوضوء)، فما معناه؟

الجواب: الحديث: ( تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، هذا لفظ الحديث, والمعنى: أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فإنهم يحلون فيها كما قال الله عز وجل: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا [الحج:23] وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان:21] ، فهم يحلون أسورة من ذهب ولؤلؤ وفضة, فالمؤمن يحلى في الجنة رجلاً كان أو امرأة بهذه الحلية إلى حيث يبلغ الوضوء, فعلى هذا تبلغ الحلية إلى المرفقين؛ لأن الوضوء يبلغ إلى المرفقين, هذا معنى الحديث الذي أشار إليه.

مداخلة: أليس فيه حثٌ على زيادة الوضوء على الأماكن المحددة؟

الشيخ: لا ليس فيه.

مداخلة: لا يفهم منه؟

الشيخ: لا يفهم منه؛ لأن الوضوء يبلغ إلى مكانٍ معين قدره الله تعالى في القرآن في قوله تعالى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].

السؤال: إذا تزوج رجلٌ امرأتين, وأنجب أطفالاً من كلتيهما, وبعد فترة اكتشف بشهادةٍ من بعض ذويهم أنهما أختان من الرضاعة, فماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة؟

الجواب: في هذه الحالة إذا ثبت أن زوجتيه كانتا أختين من الرضاعة فإن نكاح الثانية منهما باطل, ويجب عليه أن يفارقها, وليس معنى قولي يفارقها أنه فراقٌ بطلاقٍ أو فسخ, بل إنه يجب أن يفارقها؛ لأن النكاح قد تبين فساده, بل تبين بطلانه, وأما الأولاد الذين ولدوا له في هذه المدة فهم أولادٌ له شرعيون؛ لأنه في الواقع وطأها بشبهة.