فتاوى نور على الدرب [168]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يجوز ذكر السيادة للرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه سواء في التشهد أو خلافه؟ وما هو الأفضل ذكرها أم تركها؟ وهل يجوز التوسل به صلى الله عليه وسلم أم لا؟

الجواب: لا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، وأن له السيادة البشرية، سيادة بشر على بشر، أما السيادة المطلقة فإنها لله عز وجل، فالرسول عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وهو إمامهم عليه الصلاة والسلام، ويجب على المؤمن أن يعتقد ذلك في رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما زيادة (سيدنا) في الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أردنا الألفاظ التي ورد بها النص فلا ينبغي ذكرها إذا كانت لم تذكر؛ لأن الصيغة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة عليه هي أحسن الصيغ وأولاها بالاتباع، أما إذا كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مطلقة فإنه لا بأس أن يقول: صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مثلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له السيادة على البشر، ولكننا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد لا نزيدها، لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا نقول: السلام عليك سيدنا أيها النبي، ونقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ولا نقل: اللهم صل على سيدنا محمد، بل ولا نقل: اللهم صل على نبينا محمد، بل نقول: اللهم صل على محمد كما جاء به النص، هذا هو الأولى والأفضل.

أما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن التوسل به أقسام، أحدها: أن يتوسل بالإيمان به، فهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، هذا لا بأس به وهو صحيح، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في قوله: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]، ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً.

ثانياً: أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، أي: بأن يدعو للمشفوع له، وهذا أيضاً جائز وثابت، لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا.

فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه جائز ولا بأس به.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته أو بعد مماته؛ فهذا توسل بدعي لا يجوز، لأن جاه الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة إليك فإنك لا تنتفع به؛ لأنه ليس من عملك، وشيء ليس من عملك لا ينفعك، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو أن ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة، والوسيلة مأخوذة من الوسل، بمعنى: الوصول إلى الشيء، فلابد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء، وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع.

وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته.

أن يتوسل بدعائه، أي: بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.

القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ أنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده، لأنه ليس من عمله.

فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟ نقول: لا يجوز.

فإذا قال: أليس الله يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء:64] قلنا: بلى، إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ [النساء:64] و(إذ) هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إِذْ ظَلَمُوا [النساء:64]، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ [النساء:64].

مداخلة: هذه ربما تتحدث عن طائفة معينة؟

الشيخ: إي نعم. واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له )، فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.

المقدم: إذاً على هذا لا يكون التوسل إلا بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هل نقيس عليه التوسل بأي عبادة من العبادات كالتوسل مثلاً بصلاة الإنسان أو بصومه أو بعمل من أعماله الصالحة؟

الشيخ: نعم يتوسل به ولا بأس به، يقول مثلاً: اللهم لك صليت، لك صمت، لك حججت وما أشبه ذلك فاغفر لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه الأعمال من أسباب المغفرة.

السؤال: هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقداً أنها لا تضر ولا تنفع، واعتقادي في ذلك في الله وحده، ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها؟

الجواب: زيارة الأضرحة -يعني: القبور- سنة لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور أو لاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظاً وتذكراً للآخرة وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن؛ الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم إذا زارهم: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية )، فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها سواء كان ذلك في النهار أو في الليل.

وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض، ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة وأقرب إلى إجابة الدعاء وإلى حضور القلب وخشوعه.

السؤال: هل يجوز لي أن أعطي نصيباً من زكاة المال لكل من أخي أو أختي أو عمي أو عمتي أو خالي أو خالتي، مع العلم أنهم ليسوا مساكين أو فقراء بالمعنى الصحيح؟

الجواب: لا يجوز أن تعطي هؤلاء شيئاً من الزكاة إذا لم يكونوا من أهل الزكاة، بل ولا يجوز أن تعطي غيرهم أيضاً من الزكاة إذا لم يكونوا من أهل الزكاة، ولكن ينبغي لك أن تعطي قرابتك من مالك صلة وبراً، فإن الله تعالى بين في القرآن فضيلة صلة الرحم وبين عقوبة من قطع رحمه، فصلة أرحامك بما جرت به العادة من مال أو خدمة أو جاه أمر مطلوب شرعاً، وأما أن تعطيهم حقاً لا يستحقونه من الزكاة فإن هذا حرام عليك ولا يجزئك.

السؤال: يوجد في بلدتنا بعض الناس يسجدون سجدتين عقب كل صلاة مباشرة بعد أن يسلموا تسليم الصلاة، وعند سؤالهم عن ذلك أجابوا أنهم يسجدون السجدة الأولى شكراً لله على توفيقه لهم أن أدوا الصلاة المكتوبة في جماعة، وأما السجدة الثانية فهي شكر على الشكر، فهم يزعمون أن لهذا العمل أصل في السنة، فهل صحيح قولهم هذا أم لا؟

الجواب: على قياس قولهم: إنهم إذا سجدوا السجدة الثانية يجب أن يسجدوا سجدة ثالثة لشكر الله على شكرهم ثم يسجدوا سجدة رابعة وهكذا ويبقون دائماً في سجود، ولكنني أقول: إن هاتين السجدتين بدعة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بما لم يشرعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وهاتان السجدتان لاشك أنهما غير مشروعتين، والواجب عليهم الانتهاء عن ذلك والكف عنه والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما وقع منهم سابقاً، والله تعالى يتوب على من تاب.

السؤال: أنا رجل متزوج من امرأتين إحداهما وهي الأولى حصل بينها وبين والدتي سوء تفاهم فسمعتها وهي تتكلم عليها بكلام قبيح، فقلت لها: جعلتكِ مثل أمي أو أختي وذهبت إلى بيتها، وقد حاولت استرجاعها ولكنها تشترط علي فصلها عن أمي في السكن، فما الحكم أولاً في قولي لها؟ وهل يجوز استرجاعها وألبي طلبها بفصلها عن والدتي؟ وما العمل إن كنت لا أستطيع ذلك مادياً؟

الجواب: أما قولك: (جعلتها مثل أمي) فهذا حرام ولا يجوز لك، فإن الله تعالى قال: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ أن أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا [المجادلة:2]، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الكلام. وإذا أردت أن ترجع إلى زوجك فإنك لا تقربها حتى تقوم بما أوجب الله عليك من الكفارة: تعتق رقبة إن أمكن ذلك، وإلا تصوم شهرين متتابعين قبل أن تمسها، فإن لم تستطع الصيام تطعم ستين مسكيناً، كما قال الله تعالى في سورة المجادلة.

وأما بالنسبة لرجوعها إليك وفصلها عن أمك فإنه إذا لم تستقم الحال بينها وبين أمك وصار بينهما نكد وتعب فلا حرج عليك أن تفصلها عن أمك، وفي هذه الحال تؤدي ما أوجب الله عليك من بر أمك وتؤدي ما أوجب الله عليك من معاشرة زوجتك بالمعروف، ولكن العاقل ينظر هل الخطأ من الأم أو الخطأ من الزوجة ويحاول الإصلاح بقدر المستطاع قبل أن ينفصل، فإذا لم يمكن الإصلاح فإن لك الحق في أن تفصل زوجك من أمك. وأقول: (زوجك) لأن هذه هي اللغة الفصحى التي جاء بها القرآن والتي جاءت بها السنة وهي مقتضى اللغة العربية وإن كان اللغة المعروفة عند الناس أن الأنثى يقال لها: زوجة بالتاء.