أرشيف المقالات

علامات حسن الخاتمة التي تظهر للناس (4)

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
علامات حسن الخاتمة التي تظهر للناس (4)

19- الموت بالحَرق وذات الجنب:
فقد أخرج الحاكم وصححه ووافقه الذهبي من حديث جابر بن عتيك - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهداء سبعةٌ سِوى القَتل في سبيل الله: المَطعون شَهيد، والغَرق شهيد، وصاحب ذات الجَنْب[1] شهيد، والمبطون شهيد، والحَرق شهيد، والذي يموت تحت الهَدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع [2] شهيدة)).
 
20- مَن دعا بدعاء يُونس - عليه السلام - أربعين مرَّة في مرضه:
فقد أخرج الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن سعد بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هل أدلُّكم على اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، الدَّعوة التي دعا بها يُونس حيث ناداه في الظُّلمات الثَّلاث: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]))، فقال رجل: يا رسولَ الله، هل كانت ليونُس أَمْ للمؤمنين عامَّة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا تسمع قول الله - عز وجل -: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]؟))، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما مُسلمٍ دعا بها في مَرضِه أربعين مرَّةً فمات في مَرضه ذلك، أُعْطي أجرَ شهيد، وإن بَرأ، برَأ وقد غُفِر له جميعُ ذُنوبه)).
 
21- الموت في سبيل الدِّفاع عن الدِّين أو النَّفس أو الأهل:
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن قُتِل دون ماله فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون أهلِه فهو شَهيد، ومَن قُتِل دون دِينه فهو شهيدٌ، ومَن قُتِل دون دَمِه فهو شهيد)).
 
وفي رواية عند النسائي وأحمد: ((من قُتِل دون مَظلمته فهو شهيد))؛ (صححه أحمد شاكر رحمه الله).
 
22- الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غَصْبُه:
أخرج البخاري بسنده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن قُتِل دون ماله - وفى رواية: مَن أُريد مالُه بغير حقٍّ - فقاتل فقُتِل، فهو شَهيد)).
 
وفي "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيتَ إن جاء رجل يُريد أخذَ مالي؟ قال: ((فلا تُعطه مالَك))، قال: أرأيتَ إن قاتلني، قال: ((قاتله))، قال: أرأيتَ إن قتلني، قال: ((فأنت شَهيدٌ))، قال: أرأيتَ إن قتلتُهُ؟ قال: ((فهو في النَّار)).
 
وعند الإمام أحمد والنَّسائي بسند صَحيح عن مُخارق - رضي الله عنه - قال: "جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الرَّجل يأتيني يُريد مالي؟ قال: ((ذكِّره بالله))، قال: فإن لم يَذَّكَّرْ؟ قال: ((فاسْتعِن عليه مَن حَولك من المسلمين))، قال: فإن لم يكن حولي أحدٌ من المسلمين؟ قال: ((فاستعن عليه السُّلطان))، قال: فإن نأى السلطان وعَجل عليَّ؟ قال: قاتل دون مالِك حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تَمنعَ مالَك))؛ أي: تحميَ مالك"؛ (قال الألباني: سنده صحيح).
 
23- مَن قَتل الخوارجَ أو قتلَتْهُ الخوارجُ:
أخرج الطبراني في "الأوسط" بسند جيِّد عن الفَرزدق الشاعر: "أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما، فقال: إني رجل من أهل المشرق، وإن قومًا يَخرجون علينا يقتلون مَن قال: لا إله إلا الله، ويُؤمِّنون مَن سواهم، فقالا لي: سمعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن قتلهم فله أجر شهيد، ومَن قتلوه فله أجر شهيد))".
 
تنبيه: على حال مَن مات بأحد المَوتات السَّابقة:
قال ابن التِّين - رحمه الله -: "هذه كلها مِيتات فيها شِدَّة، تَفضَّل الله على أُمَّة محمَّد -صلى الله عليه وسلم- بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم، وزيادةً في أجورهم يُبلِّغهم مراتبَ الشُّهداء، والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواءً، ويدل عليه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: ((مَنْ عُقِرَ جَوادُه وأُهْرِيقَ دَمُه)).
 
ويتحصل ممَّا ذُكر في هذه الأحاديث أن الشُّهداء قسمان:
1- شهيد الدنيا.
2- شهيد الآخرة: وهو مَن يُقْتَل في حرب الكُفار مُقبلاً غيرَ مُدْبر، مخلصًا.
 
وشهيد الدنيا: وهو مَن ذُكِر، ويُعطى من جِنس أجر الشهداء، ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا؛ اهـ بتصرف.
 
24- الموت على عمل صالح:
فقد أخرج الإمام أحمد بسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن قال: لا إله إلا الله، ابتغاء وجه الله، خُتِمَ له بها، دَخل الجَنَّة، ومَن صام يومًا ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجَنَّة، ومَن تصدَّق بصدقة ابتغاء وجه الله خُتِمَ له بها دخل الجَنَّة))؛ (قال الألباني: إسناده صحيح).
 
أخرج الإمام أحمد والبزَّار بسند صَحيح من حديث حُذيفة - رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن خُتِمَ له بصيام يومٍ دخل الجَنَّة))؛ (صحيح الجامع: 6422).
 
أي: مات بعد صومه، أو عند إفطاره عقب صومه.
 
وفي "مسند الإمام أحمد" والترمذي بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعمله، قيل: كيف يَستعمِلُه؟ قال: يُوفِّقُه لعمل صالح قبل الموت، ثم يَقبضه عليه))؛ (صحيح الجامع: 305).
 
وفي لفظ آخر عند أحمد والحاكم عند عمرو بن الحَمِق: ((إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمله))، قيل: كيف يستعمله؟ قال: ((يَفتح له عملاً صالحًا بين يَدي موته؛ حتى يَرضى عنه مَن حوله))؛ (صحيح الجامع: 304).
 
وفي رواية عند الطبراني في "الكبير" عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا طهَّره قبل موته))، قالوا: ما طهور العبد؟ قال: ((عمل صالح يُلهمه إياه حتى يقبضَه عليه)).
 
وفي رواية عند أحمد والطَّبراني عن أبي عِنبة - رضي الله عنه -: ((إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ))، قيل: وما عَسَلهُ؟ قال: ((يفتح له عملاً صالحًا قبل موته، ثم يقبضه عليه))؛ (السلسلة الصحيحة: 1114)، (صحيح الجامع: 307).
 
وأخرج البزار بسنده: "أن رجلاً جاء النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسولُ الله، وصلَّيتَ الصلوات الخمسَ، وأديتُ الزَّكاةَ، وصُمتُ رمضانَ وقُمتُه، ممَّن أنا؟ قال: ((من الصِّدِّيقين والشُّهداء))".
 
وفي رواية ابن خُزيمة: "جاء رسولَ الله رجلٌ من قُضاعة، فقال له: إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسولُ الله، وصلَّيتُ الصلواتِ الخمسَ، وصمتُ الشهرَ، وقمتُ رمضانَ، وآتيتُ الزَّكاة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن مات على هذا، كان من الصِّدِّيقِين والشُّهداءِ))".
 
قال ابنُ خزيمة - رحمه الله -: "استِحقاق قائمَة اسم الصِّديقين والشهداء إذا جَمَعَ مع قيامه رمضانَ صيام نهاره، وكان مقيمًا للصَّلوات الخمس، مؤَديًا للزكاة، شاهدًا لله بالوحدانيَّة، مُقرًّا للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرِّسالة، ومات على ذلك".
 
حُسْن خاتمة أبي حكيم الخبري - رحمه الله -:
"حدَّث أبو الفضل بن ناصر، عن جدِّه أبي حكيم الخبري، أنه كان قاعدًا يَنسخ، فوقع القَلم من يَده، وقال: "إن كان هذا موتًا، فوالله إنه موت طيِّبٌ، فمات"؛ (الثبات عند الممات: ص 176).
 
25- الموت بالمدينة المنوَّرة:
ففي "مسند الإمام أحمد" والترمذي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن استَطاع أن يموتَ بالمدينة، فليمُتْ بها؛ فإني أَشفعُ لمَن يَموت بها))؛ (صحيح الجامع: 6015).
 
فاللهم ارزقنا شهادة في سبيلك، وأن نُدفن في بلد حبيبك.
 
وهكذا كان عُمر يدعو، في "صحيح البخاري" عن حَفصة بنت عمر- رضي الله عنها - قالت: قال عمر - رضي الله عنه -: "اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولِك، فقلتُ: وأنى يكون هذا؟! قال: يأتي الله به إذا شاء" وقد كان، فمات شهيدًا ودُفن في المدينة - رضوان الله عليه.
 
وأخيرًا..
فهذه جملةٌ من علامات حُسن الخاتمة، التي يُستبشرُ بها للمَيِّت، إلا أنه هناك أمرٌ ينبغي أن يُتَنبَّه له، وهو: أن ظهورَ شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يَلزم منه الجَزم بأن صاحبها من أهل الجَنَّة، ولكن يُستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيءٍ منها للميِّت لا يَلزم منه الحُكم بأنه غير صالح...
أو نحو ذلك، فهذا كله من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.



[1] والمريض بذات الجنب يسمَّى: المجنوب، وهو التهاب غلاف الرئة، أو هو ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.


[2] تموت بجُمْع: (بضم الجيم وكسرها) أي: تموت وفي بطنها ولد، وقيل: التي تموت بكرًا، ولكن الأول أظهر.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢