المستشفيات: واقعها ووسائل إصلاحها
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
المستشفياتواقعها ووسائل إصلاحها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
فإن من حكمة الله تعالى أن يبتلي عبده المؤمن بالمرض تكفيرًا لسيئاته، أو رفعًا لدرجاته، وما كتب الله من مرض إلا وله شفاء.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»[1].
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ﴾ [الشعراء:80].
والذي يتأمل في واقع المستشفيات في هذه الأيام يرى فيها الكثير من المنكرات التي تحتاج إلى علاج، وإلى جهود كبيرة في الإصلاح، قال تعالى: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب ﴾ [هود:88].
ومن هذه المنكرات:
أولًا: الاختلاط بين الرجال والنساء.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِيَّاكُم وَالدُّخُوْلَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُوْلَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ»[2].
وإذا كان الرجال ممنوعين من الدخول على النساء، وممنوعين من الخلوة بهن بطريق الأولى، كما ثبت بأحاديث أُخرصار سؤالهن متاعًا لا يكون إلا من وراء حجاب، ومن دخل عليهن فقد خرق الحجاب[3].
والاختلاط له مواضع عدة كالاختلاط بين الأطباء والطبيبات والممرضات أثناء العمل، أو في الاجتماعات، والمحاضرات والندوات، أو أن يكون للطبيب ممرضة ملازمة له في أقسام العمليات، أو غير ذلك.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»[4].
ثانيًا: لبس العاملات في المستشفيات، والمراكز الصحية، من الطبيبات والممرضات، والموظفات اللباس الخفيف، أو المفتوح، أو البنطال الضيق وهو لباس الرجل.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: «صِنْفَانِ مِن أَهْلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُوْنَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيْلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوْسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوْجَدُ مِن مَسِيْرَةِ كَذَا وَكَذَا»[5].
روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»[6].
ثالثًا: تبرج العاملات في المستشفيات من الطبيبات، والموظفات، وذلك بكشف شعر الرأس، والوجه، ووضع أدوات الزينة والتجميل.
رابعًا: كشف الطبيب على المرأة المريضة، مع عدم وجود الحاجة إلى ذلك.
خامسًا: إلزام الطبيبة بالكشف على الرجال.
سادسًا: نظر الطبيب إلى عورة المريض بلا ضرورة، أو حاجة ملحة، وتعظم الحرمة مع اختلاف الجنسين.
سابعًا: إلباس المريض، أو المريضة، في غرفة العمليات اللباس العاري أو المفتوح، أو كشف عورته أمام الكوادر الطبية من غير حاجة ملحة إلى ذلك.
روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى عَورَةِ الرَّجُلِ، وَلَا المَرأَةُ إِلَى عَورَةِ المَرأَةِ»[7].
ثامنًا: توظيف النساء في الاستقبال، وفي بعض الأحيان يكن متبرجات، وقد وضعن أدوات التجميل على وجههن يفتن بذلك الرجال، ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن ضوابط كشف العورة أثناء علاج المريض ما نصه: الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين: «فإن مجلس المجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة، المنعقدة بمكة المكرمة والتي بدأت يوم السبت العشرون من شعبان عام ألف وأربع مئة وخمس عشرة للهجرة، وقد نظر في هذا الموضوع وأصدر القرار الآتي: الأصل الشرعي أنه لا يجوز كشف عورة المرأة للرجل، ولا العكس ولا كشف عورة المرأة للمرأة، ولا عورة الرجل للرجل، يؤكد المجمع على ما صدر من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بقراره رقم (15/ 12/ د/ 8) وتاريخ 1/ 7/ 1414هـ، وهذا نصه: «الأصل أنه إذا توافرت طبيبة مسلمة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم طبيبة غير مسلمة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته، وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
في جميع الأحوال المذكورة، لا يجوز أن يشترك مع الطبيب إلا من دعت الحاجة الطبية الملحة لمشاركته، ويجب عليه كتمان الأسرار إن وجدت.
ويجب على المسؤولين في الصحة، والمستشفيات حفظ عورات المسلمين والمسلمات من خلال وضع لوائح وأنظمة خاصة تحقق هذا الهدف، وتعاقب كل من لا يحترم أخلاق المسلمين، وترتيب ما يلزم لستر العورة وعدم كشفها أثناء العمليات إلا بقدر الحاجة من خلال اللباس المناسب شرعًا[8].
ويوصي المجمع بما يلي:
(أ) أن يقوم المسؤولون عن الصحة بتعديل السياسة الصحية فكرًا، ومنهجًا وتطبيقًا، بما يتفق مع ديننا الإسلامي الحنيف، وقواعده الأخلاقية السامية، وأن يولوا عنايتهم الكاملة لرفع الحرج عن المسلمين، وحفظ كرامتهم، وصيانة أعراضهم.
(ب) العمل على وجود موجه شرعي في كل مستشفى للإرشاد والتوجيه للمرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اهـ.
وقد وقع القرار جمع من العلماء، وعلى رأسهم رئيس المجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
ومن الوصايا التي يُوصى بها إضافة إلى وصايا المجمع الفقهي الإسلامي:
1- «يجب على الأطباء ومساعديهم من الممرضين وغيرهم القيام بالواجبات الشرعية في كل حال من أحوالهم، وعدم التساهل فيها، ومن ذلك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة، فلا يجوز التفريط فيها، ولا تأخيرها عن وقتها، خاصة عند وجود ما قد يشغل ويصد، فإن داعي الشر قد يوسوس للإنسان بالأعذار الواهية، والحجج الفاسدة ما يبرر له تقصيره، والصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عقله معه، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها»[9].
2- إيجاد مستشفى خاص بالنساء، وآخر بالرجال، ويبدأ ذلك من دراسة الطب، كلية خاصة للنساء، وأخرى للرجال، ومستشفى تعليمي للنساء وآخر للرجال، وقد برزت في هذه الأيام بعض المستشفيات والمستوصفات الخاصة بالنساء، وأثبتت نجاحها، وما المانع من أن يعم ذلك جميع مستشفيات المسلمين، قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقًا: وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى، فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال، ومثله قسم النساء حتى تؤمن المفسدة، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة موافقًا لبيئة البلاد ودينها، وطبائع أهلها، وهذا لا يكلف شيئًا، ولا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان، فإن الإدارة واحدة والتكاليف واحدة، مع أن ذلك متعين شرعًا مهما كلف[10].
اهـ.
3- إلزام العاملات في المستشفيات، والمراكز الصحية من طبيبات، وممرضات وموظفات باللباس الشرعي الساتر البعيد عن الفتنة، مع تغطية الوجه والكفين والرأس كاملًا.
4- الحرص على توفير كوادر نسائية للكشف عن النساء، وخدمتهن دون الحاجة لمخاطبة الرجال ومخالطتهم، والعكس كذلك توفير كوادر رجالية من موظف الاستقبال، والطبيب، وغيره.
5- الحرص التام على عدم الاختلاط بين المراجعين، والمراجعات، والموظفين والموظفات.
6- الحرص على تنبيه الجميع لأوقات الصلاة، وتوفير مصلى مناسب للرجال والنساء.
7- عدم السماح لجميع العاملات بأخذ الزينة وقت العمل سواء في اللباس أو الشعر أو الوجه، بل يُكتَفَى باللباس الشرعي الساتر لجميع البدن.
8- «يجب على جميع العاملين في المستشفيات عدم إفشاء أسرار المرضى، ولزوم الكتمان في هذه الأمور، فإن إفشاءها مع أنه خيانة للأمانة، وهتك للأسرار، فإنه يجر من الشر ما لا يخفى.
9- يجب على جميع العاملين عدم التشبه بالكفار، وقد ورد النهي صريحًا في تحريم ذلك، وعلى المسلم أن يعتز بدينه وانتمائه إليه، فلا يضعف ولا ينهزم.
10- عدم خضوع العاملات في المستشفيات بالقول عند حاجتهن للتحدث مع الرجال غير محارمهن، على أنه لا يجوز لهن التحدث معهم إلا من وراء حجاب، ودون اختلاط»[11].
11- الحرص على الكوادر المسلمة من العاملين، والعاملات، وعدم استقدام الأطباء، والممرضات، والعاملين، والعاملات من النصارى، والوثنيين وغيرهم من ملل الكفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلـم: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»[12]؛ إلا من دعت الحاجة إليه، وتقدر الضرورة بقدرها.
12- أن يُدرس في كليات الطب، العلوم الشرعية التي تبين الحقوق الشرعية للمرضى، والأحكام والقواعد الشرعية لأحكام التداوي، وضوابطه.
13- الحرص على افتتاح مكتب للشؤون الدينية في كل مستشفى حكومي أو أهلي، وتكون مهمته إزالة المنكرات ومعالجتها بالطرق المناسبة، والمراقبة الدقيقة لتطبيق الأنظمة واللوائح التي تمنع الألبسة المنافية للحياء والاختلاط، وأخذ الزينة للعاملات وقت العمل...
وغير ذلك، وكذلك توزيع الكتب، والأشرطة لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام، من العاملين والعاملات، وترتيب المحاضرات، والإجابة على أسئلة المرضى...
وما إلى ذلك.
14- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].
وهذا التعاون مطلوب من الجميع، الطبيب، والموظف، والمراجع، والمرأة على بنات جنسها.
من رأى منكرًا مما سبق ذكره، عليه إنكار ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [التوبة: 71][13].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] برقم (5678).
[2] صحيح البخاري برقم (5232)، وصحيح مسلم برقم (2172).
[3] حراسة الفضيلة، للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (ص63).
[4] برقم (1862)، وصحيح مسلم برقم (1341).
[5] برقم (2128).
[6] برقم (4098)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (2/ 907) برقم5095.
[7] برقم (338).
[8] مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/ 1454).
[9] فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 403) برقم (18589).
[10] الفتاوى (13/ 221).
[11] فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (1/ 403)، برقم (18589).
[12] صحيح البخاري برقم (3053)، وصحيح مسلم برقم (1637).
[13] انظر: كتاب أخينا الشيخ د.
يوسف الأحمد (الاختلاط، وكشف العورات في المستشفيات.
الواقع، والعلاج)، فقد أجاد وأفاد.