التحذير من سوء الظن بالله - أحمد عبد المجيد مكي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
سُوء الظَّنّ في اللغة معناه: الشَّكّ والارتياب، وفي الاصطلاح: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل.أما سوء الظّن بالله؛ فيُقصد به أن يظّن العبد بالله بأنّه لا ينصر دينه، ولا يعلي كلمته، وأنّ الله ليس بحسب العبد في جميع أموره، وأنّه لا يغفر له، ولا يرحمه، وسوء الظّن بالله من كبائر الذنوب وهو مجلبة لغضب الله ولعنته.
ويقابله: حسن الظن بالله ؛ وهو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عباده من النصر والعفو والمغفرة والرحمة.
ومن ظَنَّ انتصار الباطل على الحق انتصارًا دائمًا وفي كل الأوقات فقد أساء الظَنَّ بالله، وقد ذكر الإمام العلامة ابن الْقَيِّمِ في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" صورًا كثيرة لسوء الظن بالله – في كلام طويل وماتع – اقتصر منه على ما يناسب موضوعنا وحالنا في الجُمَلِ الآتية قال – رحمه الله -:
(أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظَنَّ السُّوءِ فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته، وعرف حكمته:
♦ فَمَنْ قَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وأيس من روحه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ.
♦ ومَنْ ظَنَّ بأنه لا ينصر الحق، ولا يُتِمُّ أمره، ولا يؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه ينصر الباطل على الحق نَسَبَهُ يضمحل معه الحق اضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظَنَّ بالله ظَنَّ السُّوءِ، ونَسَبَهُ إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فَإِنَّ حَمْدَهُ وَعِزَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ وَإِلَهِيَّتَهُ تَأْبَى ذَلِكَ، وتأبى أَنْ يُذَلَّ حزبه وجنده وأَنْ تكون النُّصْرَةُ المستقرة والظَّفَرُ الدائم لأعدائه، فمن ظَنَّ به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله.
♦ وكذلك مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يكون ذلك بقضائه وقدره فما عرفه ولا عرف ربوبيته وملكه وعظمته، وكذلك مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يكون قَدَّرَ مَا قَدَّرَهُ من ذلك وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق الحمد عليها، وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردة عن حكمة وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فوتها.
♦ ومَنْ جَوَّزَ عليه أَنْ يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم ويُسَوِّي بينهم وبين أعدائه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ.
♦ ومَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَجْمَعَ عَبِيدَهُ بعد موتهم للثواب والعقاب في دار يجازي المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته، ويُبَيِّنَ لِخَلْقِهِ حَقِيقَةَ ما اختلفوا فيه، ويُظْهِرَ للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ.
♦ ومَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُضَيِّعُ عليه عمله الصالح الذي عمله خالصًا لوجهه الكريم على امتثال أمره، ويبطله عليه بلا سبب أو ظَنَّ أَنَّهُ يعذب من أفنى عمره في طاعته، وَيُنَعِّم مَنِ اسْتَنْفَدَ عُمُرَهُ في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ.
♦ ومَنْ ظَنَّ به أَنَّهُ إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه وسأله، واستعان به وتوكل عليه أَنَّهُ يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ، وظَنَّ به خلاف ما هو أهله.
♦ ومَنْ ظَنَّ به أَنَّهُ إذا أغضبه وأسخطه، وأسرع في معاصيه ثم اتخذ من دونه وليًّا، ودعا من دونه ملكًا أو بشرًا حيًّا أو ميتًا يرجو بذلك أن ينفعه عند ربه ويخلصه من عذابه فقد ظَنَّ به ظَنَّ السُّوءِ، وذلك زيادة في بعده من الله وفي عذابه.
فلا تظنن بربك ظن سوء..
فإِنَّ الله أولى بالجميل، [انتهى كلام ابن القيم ملخصا].
نسأل الله أَنْ يثبتنا على الحق، وأَنْ ينصر الإسلام وأهله المدافعين عنه، وأَنْ يَخْذُل الحاقدين والكارهين وَالْمُرْجِفين في كل مكان، آمين.