فتاوى نور على الدرب [156]


الحلقة مفرغة

السؤال: سمعت في أحد البرامج الدينية التي تتحدث عن الربا, أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كل قرض جر نفعاً فهو ربا ). وكرر هذا القول على أنه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وحسب ما أعرفه من اطلاعي على بعض الكتب وبخاصة كتاب التاج الجامع لكتب السنة الصحيحة, لم أر هذا النص مسنداً للنبي عليه السلام, وكل ما أعرفه أنه قاعدة فقهية, فأرجو التكرم بإفادتي عن المرجع وراوي هذا الحديث؟

الجواب: هذا الحديث ضعيف في عزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن معناه صحيح؛ لأن القرض إنما يقصد به الإرفاق ودفع حاجة المقترض, فإذا تعدى إلى أن يشتمل على منفعة للمقرض مشروطة, أو متواطئ عليها, فإنه يخرج عن موضوعه الذي من أجله شرع, وإلا ففي الحقيقة لولا أنه من أجل إرفاق لكان يحرم أن تعطي شخصاً درهماً ثم يعطيك بعد مدة عوضه درهماً آخر؛ لأن هذا في الحقيقة ربا نسيئة, إذ هو مبادلة نقد بنقد مع تأخير القبض, لكن لما تضمن الإرفاق والإحسان ودفع الحاجة أبيح بهذا الغرض, فإذا جر منفعة إلى المقرض خرج عن موضوعه الذي من أجله أبيح, وعلى هذا فكل منفعة يكتسبها المُقرض من هذا القرض فإنه إذا كان ذلك باشتراط أو مواطأة فإنه يكون محرماً عليه هذا الأمر, وكذلك أيضاً لو أن المقرض صار يأخذ بدون اشتراط, ويقبل الهدية من هذا الرجل المقترض, فإن أهل العلم يقولون: إن كان من عادته أن يهدي إليه فليقبل, وإن لم يكن من عادته أن يهدي إليه وإنما أهدى إليه من أجل القرض, فإنه لا يجوز له قبول هذه الهدية إلا أن ينوي مكافأته عليها أو احتساب ذلك من دينه.

السؤال: لي والد يعيش معي في البيت ومع أطفالي وزوجتي, وأنا غير موجود في البيت بسبب واجباتي الوظيفية خارج محافظتي, وأرجع إلى البيت كل شهر, أو كل عشرين يوماً مدة أسبوع تقريباً, وكلما رجعت إلى بيتي وجدت أنه قد سبب لي مشاكل مع زوجتي وأطفالي, فهو يعتدي عليهم بالضرب والشتم غالباً بدون سبب, وقد نصحته بالكف عن هذه الأعمال التي لا يرضى بها الدين الإسلامي, ولكنه لا يأخذ بكلامي فهو متعصب كثيراً ولا يؤدي واجباته الدينية حسب الأصول, مع العلم أنه شيخ في الخامسة والستين من العمر وصحته جيدة, وقد بدأت زوجتي تشكو منه كثيراً وحتى أطفالي لا يريدون رؤيته بسبب القسوة والمعاملة الغير إنسانية التي يعاملهم بها, فهل أترك الزوجة والأربعة الأطفال وأختار والدي أم أترك الوالد وأعيش مع أطفالي وزوجتي فلم أستطع الجمع بين الأمرين؟

الجواب: نحن نجيب على هذا السؤال من ناحيتين:

الناحية الأولى: بالنسبة للأب, فإننا ننصحه عن هذا العمل الذي نسب إليه إذا صح, ونقول له: اتق الله تعالى في نفسك وفي ابنك, وفي أحفادك, وفي زوجة ابنك, فإنك مسئول عن كل عمل ينتج من تصرفك.

أما الناحية الثانية: فهو من ناحية هذا الابن الذي ابتلي بهذه المحنة, ونقول له: إذا لم يكن الصبر ممكناً على هذه الحالة فإنه لا حرج عليه أن ينفرد بزوجته وأولاده في مكان, ولكنه لا يقطع الصلة بينه وبين أبيه, وإذا كانت حالته تتحمل أن يجعل عند أبيه رجلاً يخدمه فهذا حسن وجيد, إنما لا يجعل زوجته وأبناءه فريسة لهذه المشكلة بل يجمع بين ذلك, أي: بين إحسان العيش لأولاده مع مراعاة والده.

السؤال: توفيت والدتنا قبل مدة, وقبل وفاتها بأربعة أيام لم تستطع أداء الصلاة في ذلك الوقت, وذلك لعدم مقدرتها على الحركة ولعدم مقدرتها على الوضوء, ولتواجدها في المستشفى أيضاً, فلم ولن يسمح لنا بأن نحضر لها صعيداً طيباً لكي تتيمم به, وسؤالنا: هل تقضى الصلاة عنها أم تلزمنا كفارة لذلك؟

الجواب: الصلاة لا تقضى عن المريض إذا مات, ولكني أقول لهذه السائلة ولكل مستمع لهذا البرنامج: إن هذه المشكلة تواجه كثيراً من المرضى, تجده يكون متعباً من مرضه, ولا يجد ماءً يتوضأ به, ولا يجد تراباً يتيمم به, وربما تكون ثيابه ملوثة بالنجاسة, فيفتي نفسه في هذه الحال أنه لا يصلي, وأنه بعد أن يبرأ يصلي, فهذا خطأ عظيم, والواجب على المريض أن يصلي بحسب حاله, بوضوء إن أمكن, فإن لم يمكن فبتيمم, فإن لم يمكن فإنه يصلي ولو بغير تيمم, ثم يصلي وثيابه طاهرة, فإن لم يمكن صلى بها ولو كانت نجسة, وكذلك بالنسبة للفراش إذا كان طاهراً فإن لم يمكن تطهيره ولا إزالته وإبداله بغيره ولا وضع ثوب صفيق عليه, فإنه يصلي عليه ولو كان نجساً, وكذلك بالنسبة لاستقبال القبلة, يصلي مستقبل القبلة, فإن لم يستطع صلى بحسب حاله, والمهم أن الصلاة لا تسقط ما دام العقل ثابتاً, فيفعل ما يمكنه حتى لو فرض أنه لا يستطيع الحركة لا برأسه ولا بعينه, فإنه يصلي بقلبه, وأما الصلاة بالإصبع كما يفهمه العامة, فهذا لا أصل له, فإن بعض العوام يصلي بإصبعه, وهذا ليس له أصل لا من السنة ولا من كلام أهل العلم, فالمهم أنه يجب على المريض أن يصلي بحسب حاله؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

مداخلة: وبالنسبة للتيمم, هل يلزم أن يكون على صعيد طيب, أو في الجدار أو في الفراش؟

الشيخ: الجدار من الصعيد الطيب, فإذا كان الجدار مبنياً من الصعيد, سواء كان حجراً أو مدراً, يعني: لبناً من الطين, فإنه يجوز التيمم عليه, أما إذا كان الجدار مكسواً بالأخشاب, أو بالبوية, فهذا إن كان عليه غبار فإنه يتيمم به ولا حرج, فيكون كالذي يتيمم على الأرض؛ لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس بالصعيد في شيء, إذا كان عليه بوية فقط, وليس فيها تراب, فإنه ليس من الصعيد, وبالنسبة للفرش, نقول: إن كان فيها غبار, فليتيمم عليها, وإلا فلا يتيمم عليها؛ لأنها ليست من الصعيد.

مداخلة: إذن كيف يتيمم هل يحضر له في إناء مثلاً؟

الشيخ: نعم لكن حسب سؤال المرأة أنه لا يمكن من ذلك، إنما إذا أمكن يحضر له.

السؤال: هذه لها أيضاً سؤال آخر يتعلق بالصوم في حال والدتها, تقول: لقد أمكنها الله من صيام شهر رمضان, إلا أنه حدث لها نزيف من أسنانها في يومين من رمضان, ولمرضها لم تتمكن من قضائهما, وسؤالنا: هل يقضى عنها هذا الصيام أم تلزمنا كفارة عن ذلك؟

الجواب: هذا النزيف الذي حصل لها في أسنانها لا يؤثر على صومها ما دامت تحترز من ابتلاعه ما أمكن؛ لأن خروج الدم بغير اختيار الإنسان لا يعد مفطراً, كما لو رعف أو خرج دم من أسنانه واحترز غاية ما يمكنه عن ابتلاعه, فإنه ليس عليه في ذلك شيء, ولا يلزمها قضاء، فهذه المرأة نقول: لها: لا قضاء عليك.

السؤال: هذه الرسالة من سائل من كراتشي بباكستان, يقول: نحن طلاب في كراتشي, ونسكن في جزيرة خارج المدينة, وبها مسجد واحد تقام فيه الصلاة, إلا أننا رأينا عادات لا ندري عن صحتها, فمنها:

أن إقامة الصلاة تكون مثل الأذان وقد تزيد.

ثانياً: لا يساوون الصفوف ويتركون ثغرات فيها.

ثالثاً: يسابقون الإمام في صلاته في الركوع والسجود ويسلمون معه.

رابعاً: يصلون بعد ركعتي السنة ركعتين جالسين.

خامساً: بعد صلاة العشاء يهزون رؤوسهم للأمام وللخلف, ويتنفسون تنفساً عميقاً, ثم يتمتم الإمام بكلمات لا نفهم منها شيئاً.

فما رأيكم بهذه العادات, وهل يجوز أن نصلي في منزلنا, أم نصلي في هذا المسجد منفردين, أم معهم؟

الجواب: هذه الأفعال التي ذكر السائل وهي أنهم يجعلون الإقامة كالأذان, فإن بعض أهل العلم يرى ذلك, ولكن الصحيح أن الإقامة دون الأذان كما هو معروف, أما كونهم لا يساوون الصفوف ويتركون ثغرات, فإن هذا خطأ عظيم, فإن تسوية الصف من تمام الصلاة, وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويتها, والتراص فيها, وهذا العمل الذي يفعلونه خطأ, وأما كونهم يهزون رؤوسهم بعد صلاة العشاء من الأمام والخلف, فهذا أيضاً لا أصل له وهو من البدع, وكذلك هذه التمتمة التي يقول: إن الإمام يتمتمها, ولا يدرى ما يقول فيها فإننا نقول لهم: هذه أيضاً لابد أن يدرى ماذا يقول، هل هو حق أو باطل, والظاهر والله أعلم أنه من البدع, كذلك كونهم يسابقون الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود, هذا أيضاً خطأ وهو محرم عليهم, وتبطل صلاة من سابق الإمام إذا تعمد وكان عالماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا, ولا تكبروا حتى يكبر, وإذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع ). وهكذا قال في بقية أفعال الصلاة, فالواجب على المأموم أن لا يسبق إمامه ولا يوافقه, وإنما عليه أن يتابعه بدون تخلف أيضاً, وأما كونهم يصلون بعد السنة ركعتين جالسين, فهذا لا أعلم له أصلاً, وإنما ورد نحو ذلك بعد الوتر يصلي ركعتين جالساً, أما بعد سنة الصلاة فلا أعلم له أصلاً.

وسؤال الأخ: هل يصلون معهم أو يصلون في بيوتهم؟ نقول: إن الأفضل أن تصلوا معهم وتنصحوهم عن هذه الأمور البدعية, ثم إن اهتدوا فلكم ولهم, وإن لم يهتدوا فلكم وعليهم, وحينئذ يكون لكم العذر في أن تصلوا وحدكم.

السؤال: كنت أقوم بخدمة والدي في صحته ومرضه أكثر من أي أحد في العائلة, وأثناء مرض وفاته قال له أحد إخوتي: إن زوجتك ستخرجنا من الدار إذا توفيت لا سمح الله, ولما اشتد به المرض أوصى بثلث الدار لي بموجب سند مصدق من قبل الجهات الرسمية ومؤيد بتقرير طبي يؤكد بأنه بكامل قواه العقلية, يذكر في الوصية بأنه يوصي بثلث داره بمحض إرادته ورغبته إلى ابنته التي هي السائلة, مقابل خدمتها وأتعابها واهتمامها به, ولم يكرهه أحد على ذلك, وبعد وفاة والدي بفترة تزوجت بموافقة إخوتي, وبعد زواجي أخذ بعض إخوتي وزوجة والدي يطلبون مني التنازل عن الوصية, وعدم تنفيذها, قائلين لي: لو كنت متزوجة قبل وفاة والدك لما أوصى لك بما أوصاه, ولما تزوجت الآن لا يحق لك ذلك, وإذا نفذت الوصية فإن والدك يحاسب أمام الله ويعذب نتيجة وصيته هذه, وأنت تفقدين أجرك على خدمته, أفيدوني هل عمل والدي مخالف للشرع, وإذا نفذت الوصية, فهل يحاسبه الله على وصيته هذه ويأثم على ذلك؟

الجواب: وصية الرجل لأحد من الورثة محرمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرض المواريث وبيَّنها، وقال: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11]. في ميراث الأصول والفروع, وقال في ميراث الأزواج, والإخوة من الأم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:13-14] وقال في إرث الإخوة والأخوات في آخر سورة النساء: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ). فهذه الوصية وصية أبيك لك في مقابل خدمته وصية جائرة, لا يجوز تنفيذها, ولكن إذا كان الورثة قد وافقوا بعد موت والدك عليها, فإنها تعتبر نافذة, بسبب إجابتهم لها, وحينئذٍ لا يحق لهم الرجوع بعد ذلك, ومطالبتك بأن تردي هذه الوصية, ولكن أنت إذا رأيت من المصلحة أن تتنازلي دفعاً لما قد يحصل من الحرج والبغضاء بينك وبين إخوتك, فإن هذا من الأفضل والأطيب.

السؤال: كنت مسافراً أنا وولدي وعمره ست عشرة سنة في طلب المعيشة, وذات يوم التقط ولدي حافظة نقود وجدها ملقاة على الأرض بأحد الشوارع وبداخلها ستمائة درهم, ولا نعرف صاحب هذه الحافظة, وقد صرفناها في شئوننا الخاصة لجهلي بحكم مثل هذا, فماذا نفعل الآن وماذا يترتب علينا؟

الجواب: الذي تفعلونه الآن أن تتصدقوا بما يقابل هذه الدراهم بنية أنها لصاحبها تخلصاً منها, ولعل الله أن يعفو عنكم, وإلا فالواجب على من وجد لقطة تتبعها همة أوساط الناس وتتعلق بها أطماعهم, الواجب عليه أن يعرفها لمدة سنة, فإن جاء صاحبها وإلا فهي له, وأما كونه يصرفها في أغراضه الخاصة بمجرد وجودها, فإن هذا لا يجوز, فعليكم أن تتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى, وأن تتصدقوا بها لصاحبها, ونسأل الله لنا ولكم المغفرة.